117ـ مع الصحابة وآل البيت رَضِيَ اللهُ عَنهُم :ما أجمل عمل لك يعرض على الله تعالى؟

 

مع الصحابة وآل البيت رَضِيَ اللهُ عَنهُم

117ـ ما أجمل عمل لك يعرض على الله تعالى؟

مقدمة الكلمة:

الحمد لله رب العالمين، وأفضل الصلاة وأتم التسليم على سيدنا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين، أما بعد:

فَيَا أَيُّهَا الإِخْوَةُ الكِرَامُ: لَقَدْ تَعَلَّمَ الصَّحَابَةُ الكِرَامُ وَآلُ البَيْتِ رَضِيَ اللهُ عَنْهُمْ كَيْفَ يَكُونُ الصَّبْرُ وَالجَلَدُ في الدَّعْوَةِ إلى اللهِ تعالى، لَقَدْ شَاهَدُوا سَيِّدَنَا رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ ثَلَاثَ عَـشْرَةَ حَجَّةٍ يَدْعُو إلى اللهِ تعالى وَحْدَهُ، وَيَدْعُو إلى الإِيمَانِ بِرِسَالَتِهِ، وَإلى الإِيمَانِ بِاليَوْمِ الآخِرِ، يَدْعُو بِكُلِّ صَرَاحَةٍ، لَا يُكَنِّي وَلَا يُلَوِّحُ تَلْوِيحَاً، بَلْ يُصَرِّحُ تَصْرِيحَاً، وَلَا يَلِينُ، وَلَا يُدَاهِنُ، حَاشَاهُ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ مِنْ ذَلِكَ، وَلَا يَسْتَكِينُ؛ لَقَدْ عَلَّمَهُمْ سَيِّدُنَا رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ بِأَنَّ الدَّعْوَةَ إلى اللهِ تعالى تَحْتَاجُ إلى صَبْرٍ وَمُصَابَرَةٍ، فَهُوَ الدَّوَاءُ لِكُلِّ دَاءٍ.

أَيُّهَا الإِخْوَةُ الكِرَامُ: بِالمُقَابِلِ قَامَتْ قُرَيْشٌ بِقَضِّهَا وَقَضِيضِهَا في وَجْهِ سَيِّدِنَا رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ، وَصَاحُوا بِهِ مِنْ كُلِّ جَانِبٍ، وَرَمَوْهُ عَنْ قَوْسٍ وَاحِدَةٍ، وَأَضْرَمُوا البِلَادَ عَلَيْهِ نَارَاً، لِيَحُولُوا بَيْنَهُ وَبَيْنَ أَبْنَائِهِمْ وَإِخْوَانِهِمْ.

قَامَتْ قُرَيْشٌ بِجِدٍّ وَصِدْقٍ في الدِّفَاعِ عَنْ جَاهِلِيَّتِهَا، وَقَاتَلَتْ في سَبِيلِ المُحَافَظَةِ عَلَى جَاهِلِيَّتِهَا قِتَالَ المُسْتَمِيتِ، وَأَجْلَبَتْ عَلَى سَيِّدِنَا رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ بِخَيْلِهَا وَرَجِلِهَا، كَمَا قَالَ تعالى: ﴿وَانْطَلَقَ المَلَأُ مِنْهُمْ أَنِ امْشُوا وَاصْبِرُوا عَلَى آلِهَتِكُمْ إِنَّ هَذَا لَشَيْءٌ يُرَادُ﴾. لِأَنَّهُمْ وَجَدُوا السَّهْمَ مُسَدَّدَاً إلى كَبِدِ الجَاهِلِيَّةِ التي يَعْتَزُّونَ بِهَا.

«وَاللهِ يَا عَمِّ، لَوْ وَضَعُوا الشَّمْسَ فِي يَمِينِي، وَالْقَمَرَ فِي شِمَالِي»:

أَيُّهَا الإِخْوَةُ الكِرَامُ: عِنْدَمَا رَأَى سَيِّدُنَا رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ مَوْقِفَ قُرَيْشٍ هَذَا، هَانَتْ عَلَيْهِ نَفْسُهُ الشَّرِيفَةُ، وَعَزَمَ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ عَلَى اقْتِحَامِ هَذَا المَوْقِفِ مَهْمَا كَلَّفَهُ الثَّمَنُ، لِيُعَلِّمَ الصَّحْبَ الكِرَامَ وَآلَ البَيْتِ وَالأَجْيَالَ كُلَّهَا كَيْفَ يَكُونُ المَوْقِفُ الصَّحِيحُ في الدَّعْوَةِ إلى اللهِ تعالى.

أَخْرَجَ الطَّبَرَانِيُّ في الأَوْسَطِ عَنْ عَقِيلِ بْنِ أَبِي طَالِبٍ قَالَ: جَاءَتْ قُرَيْشٌ إِلَى أَبِي طَالِبٍ.

وَفِي الحَدِيثِ: فَقَالَ لَهُ أَبُو طَالِبٍ: يَا ابْنَ أَخِي، وَاللهِ مَا عَلِمْتُ إِنْ كُنْتَ لِي لَمُطِيعَاً، وَقَدْ جَاءَ قَوْمُكَ يَزْعُمُونَ أَنَّكَ تَأْتِيهِمْ فِي كَعْبَتِهِمْ وَنَادِيهِمْ تُسْمِعُهُمْ مَا تُؤْذِيهِمْ بِهِ، فَإِنِّي رَأَيْتُ أَنْ تَكُفَّ عَنْهُمْ.

فَحَلَّقَ بِبَصَرِهِ إِلَى السَّمَاءِ، فَقَالَ: «وَاللهِ مَا أَنَا بِأَقْدَرَ عَلَى أَنْ أَدَعَ مَا بُعِثْتُ بِهِ مِنْ أَنْ يَشْتَعِلَ أَحَدُكُمْ مِنْ هَذِهِ الشَّمْسِ شُعْلَةً مِنْ نَارٍ».

وفي رِوَايَةٍ قَالَ لَهُ: يَا ابْنَ أَخِي، إِنَّ قَوْمَكَ قَدْ جَاؤُونِي، فَقَالُوا لِي كَذَا وَكَذَا، فَأَبْقِ عَلَيَّ وَعَلَى نَفْسِكَ، وَلا تُحَمِّلْنِي مَا لا أُطِيقُ.

فَظَنَّ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ قَدْ بَدَا لِعَمِّهِ فِيهِ بَدَاءٌ، وَأَنَّهُ خَاذِلُهُ وَمُسَلِّمُهُ، وَأَنَّهُ ضَعُفَ عَنْ نُصْرَتِهِ وَالْقِيَامِ مَعَهُ؛ فَقَالَ لَهُ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ: «وَاللهِ يَا عَمِّ، لَوْ وَضَعُوا الشَّمْسَ فِي يَمِينِي، وَالْقَمَرَ فِي شِمَالِي، عَلَى أَنْ أَتْرُكَ هَذَا الأَمْرَ مَا تَرَكْتُهُ، حَتَّى يُظْهِرَهُ اللهُ، أَوْ أَهْلِكَ فِيهِ» ثُمَّ اسْتَعْبَرَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ، فَبَكَى. /سيرة ابن هشام.

خَاتِمَةٌ ـ نَسْأَلُ اللهَ تعالى حُسْنَ الخَاتِمَةِ ـ:

أَيُّهَا الإِخْوَةُ الكِرَامُ: رَبُّنَا عَزَّ وَجَلَّ يَقُولُ: ﴿وَقُلِ اعْمَلُوا فَسَيَرَى اللهُ عَمَلَكُمْ وَرَسُولُهُ وَالمُؤْمِنُونَ وَسَتُرَدُّونَ إِلَى عَالِمِ الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ فَيُنَبِّئُكُمْ بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ﴾. وَأَفْضَلُ الأَعْمَالِ وَأَعْظَمُهَا عِنْدَ اللهِ عَزَّ وَجَلَّ هِيَ الدَّعْوَةُ إلى اللهِ تعالى، وَإِعْزَازُ دِينِ اللهِ تعالى، وَنَشْرُ مَنْهَجِ سَيِّدِنَا رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ، وَالأَمْرُ بِالمَعْرُوفِ وَالنَّهْيُ عَنِ المُنْكَرِ.

أَجْمَلُ عَمَلٍ يُعرَضُ لَكَ عَلَى اللهِ تعالى، وَعَلَى سَيِّدِنَا رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ، وَعَلَى المُؤْمِنِينَ، هُوَ مَا كانَ عَلَيْهِ سَيِّدُنَا رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ وَصَحْبُهُ وَآلُ بَيْتِهِ الكِرَامِ رَضِيَ اللهُ عَنْهُمْ.

لَقَدْ كَانَ عَمَلُ سَيِّدِنَا رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ الأَهَمُّ وَالأَعْظَمُ في حَيَاتِهِ الدَّعْوَةَ إلى اللهِ تعالى بِإِخْلَاصٍ، مَعَ عَدَمِ التَّطَلُّعِ إلى الدُّنْيَا، وَإلى مَا في أَيْدِي النَّاسِ، وَعَلَى هَذَا رَبَّى سَيِّدُنَا رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ أَصْحَابَهُ وَأَهْلَ بَيْتِهِ الكِرَامَ رَضِيَ اللهُ عَنِ الجَمِيعِ.

نَسْأَلُ اللهَ تعالى أَنْ نَسِيرَ سَيْرَ هَؤُلَاءِ الرِّجَالِ. آمين.

**        **     **

تاريخ الكلمة:

الخميس: 22/ جمادى الأولى /1439هـ، الموافق: 8/ شباط / 2018م