121ـ مع الصحابة وآل البيت رَضِيَ اللهُ عَنهُم : فَأَسْلَمَ وَاللهِ فَحَسُنَ إِسْلَامُهُ

 

مع الصحابة وآل البيت رَضِيَ اللهُ عَنهُم

121ـ فَأَسْلَمَ وَاللهِ فَحَسُنَ إِسْلَامُهُ

مقدمة الكلمة:

الحمد لله رب العالمين، وأفضل الصلاة وأتم التسليم على سيدنا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين، أما بعد:

فَيَا أَيُّهَا الإِخْوَةُ الكِرَامُ: كَمْ نَحْنُ اليَوْمَ بِحَاجَةٍ إلى دَعْوَةِ النَّاسِ إلى اللهِ تعالى؟ رَبُّنَا عَزَّ وَجَلَّ يَقُولُ: ﴿وَقُلِ اعْمَلُوا فَسَيَرَى اللهُ عَمَلَكُمْ وَرَسُولُهُ وَالمُؤْمِنُونَ وَسَتُرَدُّونَ إِلَى عَالِمِ الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ فَيُنَبِّئُكُمْ بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ﴾. وَأَقْدَسُ الأَعْمَالِ وَأَجَلُّهَا عِنْدَ اللهِ تعالى هِيَ الدَّعْوَةُ إلى اللهِ تعالى ﴿وَمَنْ أَحْسَنُ قَوْلَاً مِمَّنْ دَعَا إِلَى اللهِ وَعَمِلَ صَالِحَاً وَقَالَ إِنَّنِي مِنَ المُسْلِمِينَ﴾؟

يَجِبُ عَلَيْنَا أَنْ نَعْمَلَ مِنْ أَجْلِ إِعْزَازِ هَذَا الدِّينِ، وَمِنْ أَجْلِ نَـشْرِ مَنْهَجِ اللهِ تعالى، وَمِنْ أَجْلِ نَـشْرِ الفَضِيلَةِ، وَمِنْ أَجْلِ نَشْرِ الأَخْلَاقِ، وَمِنْ أَجْلِ عِمَارَةِ الدُّنْيَا وَالآخِرَةِ.

أَيُّهَا الإِخْوَةُ الكِرَامُ: يَجِبُ عَلَيْنَا نُصْرَةُ هَذَا الدِّينِ، وَلَنْ يَكُونَ هَذَا الأَمْرُ إِلَّا بِالعَمَلِ، وَهَذَا مَا فَهِمَهُ الصَّحَابَةُ رَضِيَ اللهُ عَنْهُمْ يَوْمَ الخَنْدَقِ، فَقَالُوا بَعْدَ أَنْ شَاهَدُوا سَيِّدَنَا رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ يَعْمَلُ لِنُصْرَةِ دِينِ اللهِ تعالى في حَفْرِ الخَنْدَقِ:

لَئِنْ قَعَدْنَا وَالنَّبِيُّ يَعْمَلُ   ***   لَذَاكَ مِنَّا الْعَمَلُ المُضَلِّلُ

يَجِبُ عَلَيْنَا أَنْ نَعْمَلَ في الدَّعْوَةِ إلى اللهِ تعالى، لَا لِنَيْلِ أَجْرِ الدَّعْوَةِ فَحَسْبُ، وَذَلِكَ مِنْ خِلَالِ قَوْلِهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ: «فَوَاللهِ لَأَنْ يَهْدِيَ اللهُ بِكَ رَجُلَاً وَاحِدَاً، خَيْرٌ لَكَ مِنْ أَنْ يَكُونَ لَكَ حُمْرُ النَّعَمِ» رواه الشيخان عَنْ سَهْلِ بْنِ سَعْدٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ.

يَجِبُ عَلَيْنَا أَنْ نَعْمَلَ، لِأَنَّنَا إِذَا لَمْ نَعْمَلْ أَثِمْنَا جَمِيعَاً، وَرُبَّمَا أَنْ تَسْتَحِقَّ الأُمَّةُ ـ لَا قَدَّرَ اللهُ تعالى ـ اللَّعْنَةَ، لِقَوْلِهِ تعالى: ﴿لُعِنَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ بَنِي إِسْرَائِيلَ عَلَى لِسَانِ دَاوُودَ وَعِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ ذَلِكَ بِمَا عَصَوْا وَكَانُوا يَعْتَدُونَ * كَانُوا لَا يَتَنَاهَوْنَ عَنْ مُنْكَرٍ فَعَلُوهُ لَبِئْسَ مَا كَانُوا يَفْعَلُونَ﴾.

أَيُّهَا الإِخْوَةُ الكِرَامُ: يَجِبُ عَلَيْنَا أَنْ نَهْتَمَّ في الدَّعْوَةِ إلى اللهِ تعالى، وَإِلَّا اسْتَبْدَلَنَا اللهُ تعالى؛ أَلَمْ يَقُلْ مَوْلَانَا عَزَّ وَجَلَّ: ﴿وَإِنْ تَتَوَلَّوْا يَسْتَبْدِلْ قَوْمَاً غَيْرَكُمْ ثُمَّ لَا يَكُونُوا أَمْثَالَكُمْ﴾؟

أَلَمْ يَقُلْ مَوْلَانَا عَزَّ وَجَلَّ: ﴿إِلَّا تَنْفِرُوا يُعَذِّبْكُمْ عَذَابَاً أَلِيمَاً وَيَسْتَبْدِلْ قَوْمًا غَيْرَكُمْ وَلَا تَـضُرُّوهُ شَيْئَاً وَاللهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ﴾؟

أَلَمْ يَقُلْ مَوْلَانَا عَزَّ وَجَلَّ: ﴿فَلَوْلَا نَفَرَ مِنْ كُلِّ فِرْقَةٍ مِنْهُمْ طَائِفَةٌ لِيَتَفَقَّهُوا فِي الدِّينِ وَلِيُنْذِرُوا قَوْمَهُمْ إِذَا رَجَعُوا إِلَيْهِمْ لَعَلَّهُمْ يَحْذَرُونَ﴾؟

أَيُّهَا الإِخْوَةُ الكِرَامُ: يَجِبُ عَلَيْنَا أَنْ نَكُونَ دُعَاةً إلى اللهِ تعالى، لِنَنَالَ شَرَفَ نُصْرَةِ هَذَا الدِّينِ، وَلِنَكُونَ مِنَ الطَّائِفَةِ المَنْصُورَةِ التي أَخْبَرَ عَنْهَا سَيِّدُنَا رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ بِقَوْلِهِ: «لَا تَزَالُ طَائِفَةٌ مِنْ أُمَّتِي ظَاهِرِينَ عَلَى الْحَقِّ، لَا يَضُرُّهُمْ مَنْ خَذَلَهُمْ، حَتَّى يَأْتِيَ أَمْرُ اللهِ وَهُمْ كَذَلِكَ» رواه الإمام مسلم عَنْ ثَوْبَانَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ.

وفي رِوَايَةٍ للتِّرْمِذِيِّ وَالحَاكِمِ: «لَا تَزَالُ طَائِفَةٌ مِنْ أُمَّتِي مَنْصُورِينَ لَا يَـضُرُّهُمْ مَنْ خَذَلَهُمْ حَتَّى تَقُومَ السَّاعَةُ».

وَفِي رِوَايَةٍ للإمام مسلم: «لَا تَزَالُ طَائِفَةٌ مِنْ أُمَّتِي قَائِمَةً بِأَمْرِ اللهِ، لَا يَـضُرُّهُمْ مَنْ خَذَلَهُمْ أَوْ خَالَفَهُمْ، حَتَّى يَأْتِيَ أَمْرُ اللهِ وَهُمْ ظَاهِرُونَ عَلَى النَّاسِ».

فَأَسْلَمَ وَاللهِ فَحَسُنَ إِسْلَامُهُ:

أَيُّهَا الإِخْوَةُ الكِرَامُ: يَجِبُ عَلَيْنَا أَنْ نَكُونَ دُعَاةً إلى اللهِ تعالى، لِأَنَّ الدَّعْوَةَ إلى اللهِ تعالى شَرَفٌ عَظِيمٌ مَا بَعْدَهُ شَرَفٌ، وَيَكْفِي الدَّاعِيَ شَرَفَاً أَنَّهُ يَقُومُ بِوَظِيفَةِ سَيِّدِنَا رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ.

أَيُّهَا الإِخْوَةُ الكِرَامُ: وَيَجِبُ عَلَيْنَا أَنْ نَعْلَمَ كَذَلِكَ بِأَنَّ الدَّعْوَةَ إلى اللهِ تعالى تَحْتَاجُ إلى صَبْرٍ وَحِلْمٍ وَسَلَامَةِ صَدْرٍ نَحْوَ المَدْعُوِّ، وَهَذَا مَا عَلَّمَهُ سَيِّدُنَا رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ أَصْحَابَهُ الكِرَامَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُمْ.

روى ابْنُ سَعْدٍ في الطَّبَقَاتِ عَنِ المِقْدَادِ بْنِ عَمْرٍو قَالَ: أَنَا أَسَرْتُ الحَكَمَ بْنَ كَيْسَانَ فَأَرَادَ أَمِيرُنَا ضَرْبَ عُنُقِهِ فَقُلْتُ: دَعْهُ، نَقْدُمُ بِهِ عَلَى رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ، فَقَدِمْنَا، فَجَعَلَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ يَدْعُوهُ إلى الإِسْلَامِ فَأَطَالَ.

فَقَالَ عُمَرُ: عَلَامَ تُكَلِّمُ هَذَا يَا رَسُولَ اللهِ؟ لَا يُسْلِمُ هَذَا آخِرَ الأَبَدِ، دَعْنِي أَضْرِبْ عُنُقَهُ وَيَقْدُمْ إلى أُمِّهِ الهَاوِيَةِ.

فَجَعَلَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ لَا يُقْبِلُ عَلَى عُمَرَ حَتَّى أَسْلَمَ الحَكَمُ.

فَقَالَ عُمَرُ: فَمَا هُوَ إِلَّا أَنْ رَأَيْتُهُ قَدْ أَسْلَمَ حَتَّى أَخَذَنِي مَا تَقَدَّمَ وَمَا تَأَخَّرَ (أَيْ: مِنَ الحُزْنِ وَالكَآبَةِ، وَفِي أَحْوَالِي القَدِيمَةِ وَالحَدِيثَةِ).

وَقُلْتُ: كَيْفَ أَرُدُّ عَلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ أَمْرَاً هُوَ أَعْلَمُ بِهِ مِنِّي، ثُمَّ أَقُولُ: إِنَّمَا أَرَدْتُ بِذَلِكَ النَّصِيحَةَ للهِ وَلِرَسُولِهِ؟ (يَعْنِي: تَعْظِيمَ أَمْرِ اللهِ تعالى، وَتَعْظِيمَ سَيِّدِنَا رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ، وَنُصْرَتَهُ).

فَقَالَ عُمَرُ: فَأَسْلَمَ وَاللهِ فَحَسُنَ إِسْلَامُهُ، وَجَاهَدَ في اللهِ حَتَّى قُتِلَ شَهِيدَاً بِبِئْرِ مَعُونَةَ، وَرَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ رَاضٍ عَنْهُ، وَدَخَلَ الجِنَانَ.

وَفِي رِوَايَةٍ عَنِ الزُّهْرِيِّ قَالَ: قَالَ الحَكَمُ: وَمَا الإِسْلَامُ؟

قَالَ: تَعْبُدُ اللهَ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ، وَتَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدَاً عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ.

فَقَالَ: قَدْ أَسْلَمْتُ.

فَالْتَفَتَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ إِلَى أَصْحَابِهِ فَقَالَ: «لَوْ أَطَعْتُكُمْ فِيهِ آنِفَاً فَقَتَلْتُهُ دَخَلَ النَّارَ».

صَلَّى اللهُ وَسَلَّمَ وَبَارَكَ عَلَيْكَ يَا نَبِيَّ الرَّأْفَةِ وَالرَّحْمَةِ، مَا هَذَا الخُلُقُ العَظِيمُ؟!

خَاتِمَةٌ ـ نَسْأَلُ اللهَ تعالى حُسْنَ الخَاتِمَةِ ـ:

أَيُّهَا الإِخْوَةُ الكِرَامُ: الصَّبْرُ في الدَّعْوَةِ إلى اللهِ تعالى مِنْ أَهَمِّ المُهِمَّاتِ، وَمِنْ أَعْظَمِ الوَاجِبَاتِ عَلَى الدُّعَاةِ إلى اللهِ تعالى، فَإِذَا كَانَ الصَّبْرُ وَاجِبَاً بِأَنْوَاعِهِ عَلَى المُسْلِمِ، فَإِنَّهُ عَلَى مَنْ تَصَدَّرَ الدَّعْوَةَ إلى اللهِ تعالى مِنْ بَابِ أَوْلَى وَأَوْلَى، وَلِهَذَا أَمَرَ اللهُ تعالى سَيِّدَ المُرْسَلِينَ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ بِقَوْلِهِ: ﴿وَاصْبِرْ وَمَا صَبْرُكَ إِلَّا بِاللهِ وَلَا تَحْزَنْ عَلَيْهِمْ وَلَا تَكُ فِي ضَيْقٍ مِمَّا يَمْكُرُونَ * إِنَّ اللهَ مَعَ الَّذِينَ اتَّقَوْا وَالَّذِينَ هُمْ مُحْسِنُونَ﴾.

وَقَالَ لَهُ: ﴿فَاصْبِرْ كَمَا صَبَرَ أُولُو الْعَزْمِ مِنَ الرُّسُلِ وَلَا تَسْتَعْجِلْ لَهُمْ كَأَنَّهُمْ يَوْمَ يَرَوْنَ مَا يُوعَدُونَ لَمْ يَلْبَثُوا إِلَّا سَاعَةً مِنْ نَهَارٍ بَلَاغٌ فَهَلْ يُهْلَكُ إِلَّا الْقَوْمُ الْفَاسِقُونَ﴾.

وَقَالَ لَهُ: ﴿وَلَقَدْ كُذِّبَتْ رُسُلٌ مِنْ قَبْلِكَ فَصَبَرُوا عَلَى مَا كُذِّبُوا وَأُوذُوا حَتَّى أَتَاهُمْ نَـصْرُنَا وَلَا مُبَدِّلَ لِكَلِمَاتِ اللهِ وَلَقَدْ جَاءَكَ مِنْ نَبَإِ المُرْسَلِينَ﴾.

أَيُّهَا الإِخْوَةُ الكِرَامُ: يَجِبُ عَلَيْنَا أَنْ نَدْعُوَ إلى اللهِ تعالى، وَأَنْ نَتَحَلَّى بِخُلُقِ الصَّبْرِ لِنَفُوزَ بِـشَرَفِ الأَجْرِ العَظِيمِ، وَلِنَفُوزَ بِأَشْرَفِ عَمَلٍ نَقُومُ بِهِ في حَيَاتِنَا الدُّنْيَا، وَلِنَفُوزَ بِـنَصْرِ اللهِ تعالى لَنَا، وَلِنَفُوزَ بِمُرَافَقَةِ سَيِّدِنَا رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ.

اللَّهُمَّ وَفِّقْنَا لِذَلِكَ يَا أَرْحَمَ الرَّاحِمِينَ. آمين.

**        **     **

تاريخ الكلمة:

الخميس: 20/ جمادى الأولى /1439هـ، الموافق: 8/ آذار / 2018م