7ـ بر الوالدين : «أَنْتَ وَمَالُكَ لِأَبِيكَ»

 

بر الوالدين

7ـ «أَنْتَ وَمَالُكَ لِأَبِيكَ»

مقدمة الكلمة:

الحمد لله رب العالمين، وأفضل الصلاة وأتم التسليم على سيدنا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين، أما بعد:

فَيَا أَيُّهَا الإِخْوَةُ الكِرَامُ: مِنْ عِظَمِ حَقِّ الوَالِدَيْنِ عَلَى الأَبْنَاءِ، أَنَّ اللهَ تعالى، وَسَيِّدَنَا مُحَمَّدَاً صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ أَطْلَقَ يَدَ الوَالِدِ في مَالِ أَبْنَائِهِ، يَأْخُذُ مِنْهُ مَا يُرِيدُ إِذَا كَانَ مُحْتَاجَاً، لِأَنَّ الوَلَدَ مِنْ كَسْبِ وَالِدِهِ؛ وَخَيْرُ مَا يَأْكُلُ الرَّجُلُ مِنْ كَسْبِ يَدِهِ.

روى الترمذي عَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهَا قَالَتْ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ: «إِنَّ أَطْيَبَ مَا أَكَلْتُمْ مِنْ كَسْبِكُمْ، وَإِنَّ أَوْلَادَكُمْ مِنْ كَسْبِكُمْ».

وروى الإمام أحمد عَنْ عَمْرِو بْنِ شُعَيْبٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ جَدِّهِ قَالَ: أَتَى أَعْرَابِيٌّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ: إِنَّ أَبِي يُرِيدُ أَنْ يَجْتَاحَ مَالِي؟

قَالَ: «أَنْتَ وَمَالُكَ لِوَالِدِكَ، إِنَّ أَطْيَبَ مَا أَكَلْتُمْ مِنْ كَسْبِكُمْ، وَإِنَّ أَمْوَالَ أَوْلَادِكُمْ مِنْ كَسْبِكُمْ، فَكُلُوهُ هَنِيئَاً».

وفي رِوَايَةٍ لابن ماجه عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللهِ رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا، أَنَّ رَجُلَاً قَالَ: يَا رَسُولَ اللهِ، إِنَّ لِي مَالَاً وَوَلَدَاً، وَإِنَّ أَبِي يُرِيدُ أَنْ يَجْتَاحَ مَالِي.

فَقَالَ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ: «أَنْتَ وَمَالُكَ لِأَبِيكَ».

أَيُّهَا الإِخْوَةُ الكِرَامُ: وَمِمَّا يُؤَكِّدُ عَلَى أَنَّ مَالَ الوَلَدِ هُوَ مَالُ أَبِيهِ، قَوْلُهُ تعالى: ﴿لَيْسَ عَلَى الْأَعْمَى حَرَجٌ وَلَا عَلَى الْأَعْرَجِ حَرَجٌ وَلَا عَلَى المَرِيضِ حَرَجٌ وَلَا عَلَى أَنْفُسِكُمْ أَنْ تَأْكُلُوا مِنْ بُيُوتِكُمْ أَوْ بُيُوتِ آبَائِكُمْ أَوْ بُيُوتِ أُمَّهَاتِكُمْ أَوْ بُيُوتِ إِخْوَانِكُمْ أَوْ بُيُوتِ أَخَوَاتِكُمْ أَوْ بُيُوتِ أَعْمَامِكُمْ أَوْ بُيُوتِ عَمَّاتِكُمْ أَوْ بُيُوتِ أَخْوَالِكُمْ أَوْ بُيُوتِ خَالَاتِكُمْ أَوْ مَا مَلَكْتُمْ مَفَاتِحَهُ أَوْ صَدِيقِكُمْ لَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ أَنْ تَأْكُلُوا جَمِيعَاً أَوْ أَشْتَاتَاً﴾. لَمْ يَذْكُرِ اللهُ تعالى بُيُوتَ الأَبْنَاءِ في هَذِهِ الآيَةِ، وَكَأَنَّ الحَقَّ جَلَّ جَلَالُهُ جَعَلَهَا مُنْدَرِجَةً في قَوْلِهِ تعالى: ﴿أَنْ تَأْكُلُوا مِنْ بُيُوتِكُمْ﴾. فَبُيُوتُ الأَبْنَاءِ هِيَ بُيُوتُ الآبَاءِ، وَاللهُ تعالى أَعْلَمُ.

«أَنْتَ وَمَالُكَ لِأَبِيكَ»:

أَيُّهَا الإِخْوَةُ الكِرَامُ: مِمَّا خُصَّ بِهِ الوَالِدَانِ دُونَ غَيْرِهِمَا أَنَّهُ يَجُوزُ لَهُمَا الـتَّصَرُّفُ في أَمْوَالِ أَبْنَائِهِمَا مِنْ غَيْرِ إِسْرَافٍ وَلَا إِضْرَارٍ بِهِ وَبِزَوْجَتِهِ وَأَوْلَادِهِ، لِقَوْلِهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ: «لَا ضَرَرَ وَلَا ضِرَارَ» رواه الإمام أحمد عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا.

وَمِمَّا يَدُلُّ عَلَى ذَلِكَ، مَا رَوَاهُ الطَّبَرَانِيُّ في المُعْجَمِ الصَّغِيرِ عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللهِ قَالَ: جَاءَ رَجُلٌ إِلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللهِ، إِنَّ أَبِي أَخَذَ مَالِي.

فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ لِلرَّجُلِ: «اذْهَبْ فَأْتِنِي بِأَبِيكَ».

فَنَزَلَ جِبْرِيلُ عَلَيْهِ السَّلَامُ عَلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ: «إِنَّ اللهَ يُقْرِئُكَ السَّلَامَ، وَيَقُولُ: إِذَا جَاءَكَ الشَّيْخُ، فَسَلْهُ عَنْ شَيْءٍ قَالَهُ فِي نَفْسِهِ مَا سَمِعَتْهُ أُذُنَاهُ».

فَلَمَّا جَاءَ الشَّيْخُ قَالَ لَهُ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ: «مَا بَالُ ابْنِكَ يَشْكُوكَ، أَتُرِيدُ أَنْ تَأْخُذَ مَالَهُ؟».

فَقَالَ: سَلْهُ يَا رَسُولَ اللهِ، هَلْ أَنْفَقْتُهُ إِلَّا عَلَى عَمَّاتِهِ أَوْ خَالَاتِهِ أَوْ عَلَى نَفْسِي؟

فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ: «إِيهِ، دَعْنَا مِنْ هَذَا أَخْبِرْنَا عَنْ شَيْءٍ قُلْتَهُ فِي نَفْسِكَ مَا سَمِعَتْهُ أُذُنَاكَ».

فَقَالَ الشَّيْخُ: وَاللهِ يَا رَسُولَ اللهِ مَا يَزَالُ اللهُ يَزِيدُنَا بِكَ يَقِينَاً، لَقَدْ قُلْتُ فِي نَفْسِي شَيْئَاً مَا سَمِعَتْهُ أُذُنَايَ.

فَقَالَ: «قُلْ، وَأَنَا أَسْمَعُ».

قَالَ: قُلْتُ:

غَـذَوْتُـكَ مَـوْلُودَاً وَمُنْتُكَ يَافِعَاً    ***   تُـعَلُّ بِمَا أَجْنِي عَلَيْكَ وَتَنْهَلُ

إِذَا لَيْلَةٌ ضَافَـتْـكَ بِالسُّقْمِ لَمْ أَبِتْ   ***   لِـــسُقْمِكَ إِلَّا سَاهِرَاً أَتَمَلْمَلُ

كَأَنِّي أَنَا الْمْـطَـرُوقُ دُونَكَ بِالَّذِي   ***   طُـرِقْتَ بِهِ دُونِي فَعَيْنَايَ تَهْمُلُ

تَخَافُ الـرَّدَى نَفْسِي عَلَيْكَ وَإِنَّهَا   ***   لَتَعْـلَـمُ أَنَّ المَوْتَ وَقْتٌ مُؤَجَّلُ

فَلَمَّا بَـلَـغْـتَ السِّنَّ وَالْغَايَةَ الَّتِي   ***   إِلَيْهَا مَـدَى مَا فِيكَ كُنْتُ أُؤَمِّلُ

جَعَلْتَ جَـزَائِـي غِلْظَةً وَفَظَاظَةً   ***   كَأَنَّكَ أَنْتَ المُنْـعِـمُ المُتَـفَـضِّـلُ

فَـلَـيْـتَكَ إِذْ لَمْ تَـرْعَ حَـقَّ أُبُـوَّتِي   ***   فَعَلْتَ كَمَا الْجَارُ المُجَاوِرُ يَفْعَــلُ

تَـرَاهُ مُـعَـدَّاً لِلْـخِـلَافِ كَـــأَنَّهُ   ***   بِرَدٍّ عَلَى أَهْلِ الصَّوَابِ مُوَكَّــلُ

قَالَ: فَحِينَئِذٍ أَخَذَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ بِتَلَابِيبِ ابْنِهِ، وَقَالَ: «أَنْتَ وَمَالُكُ لِأَبِيكَ» وَهَذَا حَدِيثٌ ضَعِيفٌ.

شَرْحُ الأَبْيَاتِ:

1ـ غَذَاهُ: قَامَ بِمَؤُونَتِهِ؛ مُنْتُكَ: كَفِلْتُكَ وَقُمْتُ بِرِعَايَتِكَ؛ وَاليَافِعُ: مَنْ قَارَبَ العِشْرِينَ؛ تُعَلُّ: مِنَ العَلَلِ وَهُوَ الشُّرْبُ الثاني، وَالنَّهْلُ الشُّرْبُ الأَوَّلُ؛ يُرِيدُ بِأَنَّهُ يُسْبِغُ عَلَيْهِ مِنْ نِعَمِهِ الكَثِيرَ وَالقَلِيلَ.

2ـ إِذَا أَصَابَكَ مَرَضٌ أَو أَيُّ شَيْءٍ يُؤَرِّقُكَ تَرَانِي سَاهِرَاً إلى جَانِبِكَ أَتَقَلَّبُ عَلَى المَلَهِ وَهِيَ الجَمْرُ.

3ـ كَأَنِّي أَنَا المَرِيضُ إِذَا مَرِضْتَ وَتَظَلُّ عَيْنَايَ يَسِيلُ مِنْهَا الدَّمْعُ.

4ـ الرَّدَى: الهَلَاكُ، وَمُؤَجَّلٌ: أَيْ لَهُ وَقْتٌ؛ أَيْ: نَفْسِي تَظَلُّ خَائِفَةً عَلَيْكَ مِنَ المَوْتِ مَعَ عِلْمِهَا أَنَّ المَوْتَ إِذَا أَتَى مِيعَادُهُ فَلَا مَرَدَّ لَهُ مِنْ سَبِيلٍ، وَهَذَا مِنْ شِدَّةِ خَوْفِهِ عَلَى وَلَدِهِ؛ إِنَّها الأُبُوَّةُ الصَّادِقَةُ.

5ـ بَلَغْتَ سِنَّ الرُّشْدِ وَالرُّجُولَةِ التَّامَّةِ.

6ـ أَيْ تَعَامَلْتَ مَعِيَ بِأُسْلُوبٍ فَظٍّ غَيْرِ مَقْبُولٍ، وَكَأَنَّكَ أَنْتَ المُعِيلُ وَالمَسْؤُولُ عَنِّي.

7ـ أَيْ لَيْتَكَ إِذَا أَبَيْتَ أَنْ تُعَامِلَنِي مُعَامَلَةَ الأَبِ عَامَلْتَنِي كَمَا يُعَامِلُ الجَارُ جَارَهُ؛ وَكَلَامُهُ هَذَا لَا يَعْنِي أَنَّ كُلَّ الجِيرَانِ قَدْ تَكُونُ مُعَامَلَتُهُمْ حَسَنَةً، وَلَكِنَّهُ أَتَى هُنَا بِحُكْمِ الأَغْلَبِيَّةِ.

8ـ أَيْ: تَرَاهُ مُهَيِّئَاً نَفْسَهُ للخِلَافِ، أَيْ: قَدْ هَيَّأَ نَفْسَهُ للْخِلَافِ وَالرَّدِّ عَلَى أَهْلِ الصَّوَابِ، كَأَنَّهُ مَجْبُولٌ عَلَى الرَّدِّ عَلَيْهِمْ وَالغَضِّ مِنْهُمْ.

الأَخْذُ بِالمَعْرُوفِ:

أَيُّهَا الإِخْوَةُ الكِرَامُ: إِنَّ أَخْذَ الوَالِدِ وَالوَالِدَةِ مِنْ مَالِ وَلَدِهِمَا أَمْرٌ طَبِيعِيٌّ، وَلَكِنْ بِـشَرْطِ أَنْ لَا يَكُونُ في ذَلِكَ ضَرَرٌ عَلَى الوَلَدِ، وَأَنْ لَا يَكُونَ الوَلَدُ مُحْتَاجَاً لِهَذَا المَالِ، لِأَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «ابْدَأْ بِنَفْسِكَ فَتَصَدَّقْ عَلَيْهَا، فَإِنْ فَضَلَ شَيْءٌ فَلِأَهْلِكَ، فَإِنْ فَضَلَ عَنْ أَهْلِكَ شَيْءٌ فَلِذِي قَرَابَتِكَ، فَإِنْ فَضَلَ عَنْ ذِي قَرَابَتِكَ شَيْءٌ فَهَكَذَا وَهَكَذَا» رواه الإمام مسلم عَنْ جَابِرٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ.

فَقَدْ جَعَلَ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ إِعَالَةَ العَبْدِ لِنَفْسِهِ مُقَدَّمَةً عَلَى إِعَالَتِهِ لِغَيْرِهِ.

وَإِذَا ثَبَتَ هَذَا فَلَا يَأْخُذُ الوَالِدَانِ مِنْ مَالِ وَلَدِهِمَا مَا يَضُرُّهُ وَيَحْتَاجُ إِلَيْهِ؛ وَيَكُونُ أَخْذُ الوَالِدَانِ بِالمَعْرُوفِ، وَهَذَا مِنْ أُصُولِ الشَّرِيعَةِ التي أَجَازَتْ أَخْذَ الحَقِّ، وَلَكِنْ بِشَرْطِ أَنْ يَكُونَ الأَخْذُ بِالمَعْرُوفِ، لِقَوْلِ سَيِّدِنَا رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ لِهِنْدٍ زَوْجَةِ أَبِي سُفْيَانَ: «خُذِي مِنْ مَالِهِ بِالمَعْرُوفِ مَا يَكْفِيكِ وَيَكْفِي بَنِيكِ» رواه الإمام مسلم عَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهَا. هَذَا أَوَّلَاً.

ثانياً: أَنْ لَا يَأْخُذَ الوَالِدَانِ مِنْ مَالِ الوَلَدِ لِيُعْطِيَانِ الوَلَدَ الآخَرَ، لِأَنَّ الوَاجِبَ عَلَى الأَبِ أَنْ يَعْدِلَ في العَطِيَّةِ بَيْنَ أَوْلَادِهِ مِنْ مَالِهِ هُوَ، فَمِنْ بَابِ أَوْلَى وَأَوْلَى أَنْ لَا يَأْخُذَ مِنْ وَلَدٍ لِيُعْطِيَ الآخَرَ، لِأَنَّ هَذَا الأَمْرَ يُوغِرُ صُدُورَ الأَوْلَادِ عَلَى بَعْضِهِمْ.

خَاتِمَةٌ ـ نَسْأَلُ اللهَ تعالى حُسْنَ الخَاتِمَةِ ـ:

أَيُّهَا الإِخْوَةُ الكِرَامُ: مِنْ بِرِّ الوَالِدَيْنِ أَنْ يُطْلِقَ الوَلَدُ يَدَ وَالِدَيْهِ في مَالِهِ، وَخَاصَّةً إِذَا كَانَ مَيْسُورَ الحَالِ، وَلْيَكُنْ عَلَى يَقِينٍ بِأَنَّ اللهَ تعالى سَيُبَارِكُ لَهُ في مَالِهِ.

إِذَا كَانَ سَيِّدُنَا رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ عَلَّمَنَا بِأَنَّ أَخْذَ الصَّدَقَاتِ مِنَ الأَمْوَالِ لَا تُنْقِصُهُ، فَقَالَ: «مَا نَقَصَتْ صَدَقَةٌ مِنْ مَالٍ» رواه الإمام مسلم عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ.

فَمَنْ أَطَاعَ اللهَ تعالى في الصَّدَقَاتِ بَارَكَ لَهُ في مَالِهِ، وَوَعَدَهُ بِقَوْلِهِ: ﴿وَمَا أَنْفَقْتُمْ مِنْ شَيْءٍ فَهُوَ يُخْلِفُهُ وَهُوَ خَيْرُ الرَّازِقِينَ﴾. فَكَيْفَ إِذَا أَطْلَقَ الوَلَدُ يَدَيْ وَالِدَيْهِ في مَالِهِ؟ لِأَنَّهُ لَيْسَ هُنَاكَ أَعْظَمُ مِنْ بِرِّ الوَالِدَيْنِ؛ فَمِنْ بَابِ أَوْلَى وَأَوْلَى أَنَّهُ سَيُبَارَكُ لَهُ في مَالِهِ، مَعَ مَا يَنْتَظِرُ مِنَ اللهِ تعالى مِنْ عَظِيمِ الأَجْرِ يَوْمَ القِيَامَةِ.

أَيُّهَا الإِخْوَةُ الكِرَامُ: أَقُولُ للأَبْنَاءِ: إِذَا أَرَدْتُمْ أَنْ تَكُونُوا في خَيْرِ المَنَازِلِ عِنْدَ اللهِ عَزَّ وَجَلَّ، أَعْطُوا لِآبَائِكُمْ قَبْلَ السُّؤَالِ، وَخَاصَّةً في أَحْلَكِ وَأَشَدِّ الظُّرُوفِ، وَرَاقِبُوهُمْ حَتَّى لَا تَجْعَلُوهُمْ في حَاجَةٍ إلى أَحَدٍ مِنْ خَلْقِ اللهِ تعالى، وَلَا تَجْعَلُوهُمْ في ذُلِّ السُّؤَالِ لَكُمْ أَو لِغَيْرِكُمْ، بَادِرُوهُمْ بِالعَطَاءِ قَبْلَ السُّؤَالِ وَلَنْ يَتَخَلَّى عَنْكُمْ مَوْلَاكُمُ الذي قَالَ لَكُمْ: ﴿وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانَاً﴾.

هَلْ رَأَيْتُمْ مَنْ أَطَاعَ رَبَّهُ عَزَّ وَجَلَّ فِيمَا أَمَرَ يَتَخَلَّى عَنْهُ رَبُّنَا عَزَّ وَجَلَّ؟!

أَيُّهَا الإِخْوَةُ الكِرَامُ: إِذَا كَانَتْ صِلَةُ الأَرْحَامِ تُبَارِكُ في الأَعْمَارِ، كَمَا جَاءَ في الحَدِيثِ الـشَّرِيفِ الذي رواه الإمام البخاري عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: «مَنْ سَرَّهُ أَنْ يُبْسَطَ لَهُ فِي رِزْقِهِ، أَوْ يُنْسَأَ لَهُ فِي أَثَرِهِ، فَلْيَصِلْ رَحِمَهُ».

فَمَا بَالُكُمْ إِذَا كَانَ ذَلِكَ بِبِرِّ الوَالِدَيْنِ؟

أَيُّهَا الإِخْوَةُ الكِرَامُ: كُونُوا عَلَى يَقِينٍ بِأَنَّ المَالَ لَا قِيمَةَ لَهُ إِلَّا أَنْ يَكُونَ في طَاعَةِ اللهِ تعالى، وَلَو كَانَ المَالُ سَبَبَاً في السَّعَادَةِ لَكَانَ أَسْعَدَ النَّاسِ؛ قَارُونُ الذي أُوتِيَ مِنَ الكُنُوزِ التي كَانَتْ تَنُوءُ العُصْبَةُ أَولُو القُوَّةِ بِحَمْلِ مَفَاتِيحِ الخَزَائِنِ التي كَانَ فِيهَا هَذَا المَالُ، فَخَسَفَ اللهُ بِهِ الأَرْضَ، فَهُوَ يَتَجَلْجَلُ فِيهَا إلى يَوْمِ القِيَامَةِ.

فَالمَالُ لَا يَأْتِي بِالسَّعَادَةِ إِلَّا إِذَا ابْتُغِيَ بِهِ وَجْهُ اللهِ تعالى، فَيَأْتِي بِسَعَادَةِ الدِّينِ وَالدُّنْيَا وَالآخِرَةِ، فَالسَّعِيدُ مَنْ أَنْفَقَ مَالَهُ في بِرِّ وَالِدَيْهِ، وَلَمْ يَجْعَلْ وَالِدَيْهِ في ذُلِّ السُّؤَالِ لَهُ أَو لِغَيْرِهِ.

أَيُّهَا الأَبْنَاءُ، أَحْسِنُوا للآبَاءِ بِأَمْوَالِكُمْ قَبْلَ السُّؤَالِ، وَأَنْتُمْ تَـسْتَحْضِرُونَ قَوْلَ اللهِ تعالى: ﴿وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانَاً﴾. لِأَنَّ ذِمَّتَكُمْ مَشْغُولَةٌ أَمَامَهُمْ مَهْمَا قَدَّمْتُمْ، فَلَا تَسْتَمْتِعُوا بِشَيْءٍ مِنْ حُطَامِ الدُّنْيَا قَبْلَهُمْ؛ وَالزَّوْجَةُ الوَفِيَّةُ هِيَ التي تُعِينُ زَوْجَهَا عَلَى ذَلِكَ، وَلْيَذْكُرِ الوَلَدُ وَزَوْجَتُهُ أَنَّهُمَا سَيَكُونَانِ آبَاءَ في يَوْمٍ مِنَ الأَيَّامِ.

اللَّهُمَّ اجْعَلْنَا ببَرَرَةً بِآبَائِنَا وَأُمَّهَاتِنَا. آمين.

**      **    **

تاريخ الكلمة:

الأحد: 1/ رجب /1439هـ، الموافق: 18/ آذار / 2018م