194ـ نحو أسرة مسلمة :عداوة الشيطان ليست ملتبسة

 

نحو أسرة مسلمة

194ـ عداوة الشيطان ليست ملتبسة

مقدمة الكلمة:

الحمد لله رب العالمين، وأفضل الصلاة وأتم التسليم على سيدنا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين، أما بعد:

فَيَا أَيُّهَا الإِخْوَةُ الكِرَامُ: مَا مِنْ أُسْرَةٍ مُسْلِمَةٍ الْتَزَمَتْ كِتَابَ رَبِّهَا عَزَّ وَجَلَّ تِلَاوَةً وَتَدَبُّرَاً وَعَمَلَاً، إِلَّا سَعِدَتْ في الدُّنْيَا قَبْلَ الآخِرَةِ، وَالعَكْسُ بِالعَكْسِ.

في هَذِهِ الآوِنَةِ التي يَعِيشُهَا المُسْلِمُونَ في بُيُوتِهِمْ، أَكْثَرُهُمْ تَعِيشُ في شَقَاءٍ وَضَنْكٍ، بِسَبَبِ اتِّبَاعِهِمْ لِخُطُوَاتِ الشَّيْطَانِ، حَيْثُ زَيَّنَ لَهُمُ المَعَاصِي وَالمُنْكَرَاتِ، وَأَمَرَهُمْ أَنْ يُغَيِّرُوا مِنْ خَلْقِ اللهِ تعالى، وَأَنْ يَتَّبِعُوا الأَهْوَاءَ وَالشَّهَوَاتِ وَالمَلَذَّاتِ العَاجِلَةِ، وَلَو كَانَ ذَلِكَ عَلَى حِسَابِ آخِرَتِهِمْ.

عَدَاوَةُ الشَّيْطَانِ للإِنْسَانِ:

أَيُّهَا الإِخْوَةُ الكِرَامُ: جُلُّ الأَزْوَاجِ وَالأَبْنَاءِ غَفَلُوا عَنْ عَدُوِّهِمُ الأَسَاسِيِّ الذي يَرَاهُمْ وَلَا يَرَوْنَهُ، رَغْمَ أَنَّهُمْ يَقْرَأُونَ كِتَابَ اللهِ عَزَّ وَجَلَّ، وَيَمُرُّونَ عَلَى الآيَاتِ الكَرِيمَةِ التي تُحَدِّثُهُمْ عَنْ عَدَاوَةِ الشَّيْطَانِ لَهُمْ، وَلَكِنَّهُمْ يَمُرُّونَ عَلَيْهَا مُرُورَ الكِرَامِ، دُونَ أَنْ يَلْتَفِتُوا وَيَتَدَبَّرُوا أَمْرَ اللهِ تعالى لَهُمْ بِقَوْلِهِ: ﴿إِنَّ الشَّيْطَانَ لَكُمْ عَدُوٌّ فَاتَّخِذُوهُ عَدُوَّاً﴾.

أَيُّهَا الإِخْوَةُ الكِرَامُ: إِنَّ اتِّبَاعَ خُطُوَاتِ الشَّيْطَانِ سَبَبٌ للشَّقَاءِ وَخَسَارَةِ الدُّنْيَا وَالآخِرَةِ، لِأَنَّ الشَّيْطَانَ قَطَعَ عَلَى نَفْسِهِ عَهْدَاً أَنْ يُغْوِيَ أَكْثَرَ النَّاسِ، وَذَلِكَ بَعْدَ أَنْ أَمَرَهُ اللهُ عَزَّ وَجَلَّ بِالسُّجُودِ لِآدَمَ، قَالَ تعالى: ﴿وَإِذْ قُلْنَا لِلْمَلَائِكَةِ اسْجُدُوا لِآدَمَ فَسَجَدُوا إِلَّا إِبْلِيسَ أَبَى وَاسْتَكْبَرَ وَكَانَ مِنَ الْكَافِرِينَ﴾.

وَهَذَا أَمْرٌ عَجِيبٌ، مَخْلُوقٌ يَعْرِفُ اللهَ تعالى، وَيَعْرِفُ بِأَنَّ الجَنَّةَ حَقٌّ، وَالنَّارَ حَقٌّ، يَجْتَرِئُ عَلَى رَفْضِ أَمْرِ اللهِ تعالى، وَيَعرِفُ بِأَنَّ القِيَامَةَ آتِيَةٌ لَا مَحَالَةَ، يَجْتَرِئُ عَلَى أَوَامِرِ اللهِ تعالى، وَلَكِنْ لَا غَرَابَةَ في ذَلِكَ إِذَا لَبِسَهُ الكِبْرُ وَالفَسَادُ وَالحَسَدُ.

وَإِذَا مَا رَأَيْنَا زَوْجَةً أَو زَوْجَاً أَو وَلَدَاً يَجْتَرِئُ عَلَى أَوَامِرِ اللهِ تعالى بِالمُخَالَفَةِ عَمْدَاً، جِهَارَاً نَهَارَاً، فَاعْلَمْ أَنَّ فِيهِ صِفَةً شَيْطَانِيَّةً، وَأَنَّ الشَّيْطَانَ قَدْ تَحَكَّمَ بِهِ بِسَبَبِ كِبْرِهِ وَعِنَادِهِ وَحَسَدِهِ.

أَيُّهَا الإِخْوَةُ الكِرَامُ: تَدَبَّرُوا قَوْلَ اللهِ تعالى عَنْ إِبْلِيسَ بِسَبَبِ رَفْضِهِ لِأَمْرِ اللهِ تعالى لَهُ بِالسُّجُودِ: ﴿قَالَ أَنَا خَيْرٌ مِنْهُ خَلَقْتَنِي مِنْ نَارٍ وَخَلَقْتَهُ مِنْ طِينٍ﴾. فَمَاذَا كَانَتِ النَّتِيجَةُ؟

لَقَدْ كَانَتِ النَّتِيجَةُ الطَّرْدَ وَاللَّعْنَ وَالخُلُودَ في نَارِ جَهَنَّمَ، قَالَ تعالى: ﴿قَالَ فَاخْرُجْ مِنْهَا فَإِنَّكَ رَجِيمٌ * وَإِنَّ عَلَيْكَ لَعْنَتِي إِلَى يَوْمِ الدِّينِ﴾. وَقَالَ تعالى: ﴿قَالَ اخْرُجْ مِنْهَا مَذْؤُومَاً مَدْحُورَاً لَمَنْ تَبِعَكَ مِنْهُمْ لَأَمْلَأَنَّ جَهَنَّمَ مِنْكُمْ أَجْمَعِينَ﴾.

﴿أَلَمْ أَعْهَدْ إِلَيْكُمْ يَا بَنِي آدَمَ أَنْ لَا تَعْبُدُوا الشَّيْطَانَ إِنَّهُ لَكُمْ عَدُوٌّ مُبِينٌ﴾؟

أَيُّهَا الإِخْوَةُ الكِرَامُ: لَقَدْ حَذَّرَنَا اللهُ تعالى مِنَ اتِّبَاعِ وَسَاوِسِ الشَّيْطَانِ، وَمِنْ غِوَايَتِهِ وَإِغْرَائِهِ، وَأَخْبَرَنَا عَزَّ وَجَلَّ عَنْ مَوْقِفِ الشَّيْطَانِ مِنَ الإِنْسَانِ، قَالَ تعالى مُخْبِرَاً عَنْهُ، وَعَنْ وَقَاحَتِهِ مَعَ مَوْلَانَا عَزَّ وَجَلَّ: ﴿قَالَ رَبِّ فَأَنْظِرْنِي إِلَى يَوْمِ يُبْعَثُونَ * قَالَ فَإِنَّكَ مِنَ المُنْظَرِينَ * إِلَى يَوْمِ الْوَقْتِ المَعْلُومِ﴾.

وَبَعْدَ أَنِ اسْتَجَابَ لَهُ طَلَبَهُ وَهُوَ العَلِيمُ بِهِ، وَأَقْسَمَ اللَّعِينُ أَنْ يَبْذُلَ كُلَّ مَا في وُسْعِهِ خِلَالَ هَذِهِ المُهْلَةِ عَلَى إِغْوَاءِ الإِنْسَانِ، وَصَدِّهُ عَنِ الطَّرِيقِ المُسْتَقِيمِ بِكُلِّ مَا أُوتِيَ مِنْ كَيْدٍ وَطُرُقِ غِوَايَةٍ، قَالَ تعالى مُخْبِرَاً عَنْهُ: ﴿قَالَ فَبِمَا أَغْوَيْتَنِي لَأَقْعُدَنَّ لَهُمْ صِرَاطَكَ المُسْتَقِيمَ * ثُمَّ لَآتِيَنَّهُمْ مِنْ بَيْنِ أَيْدِيهِمْ وَمِنْ خَلْفِهِمْ وَعَنْ أَيْمَانِهِمْ وَعَنْ شَمَائِلِهِمْ وَلَا تَجِدُ أَكْثَرَهُمْ شَاكِرِينَ﴾.

وَقَالَ كَذَلِكَ: ﴿وَلَأُضِلَّنَّهُمْ وَلَأُمَنِّيَنَّهُمْ وَلَآمُرَنَّهُمْ فَلَيُبَتِّكُنَّ آذَانَ الْأَنْعَامِ وَلَآمُرَنَّهُمْ فَلَيُغَيِّرُنَّ خَلْقَ اللهِ﴾.

أَيُّهَا الإِخْوَةُ الكِرَامُ: هَذِهِ الآيَاتُ أَلَمْ يَقْرَأْهَا كُلٌّ مِنَ الزَّوْجَيْنِ؟ أَلَمْ يَقْرَأْهَا كُلٌّ مِنَ الأَبْنَاءِ وَالبَنَاتِ؟

فَهَلْ مِنَ المَعْقُولِ أَنْ يَتَّبِعَ الإِنْسَانُ المُؤْمِنُ هَذَا الشَّيْطَانَ؟ وَلِهَذَا عَاتَبَ اللهُ تعالى خَلْقَهُ بِقَوْلِهِ: ﴿أَفَتَتَّخِذُونَهُ وَذُرِّيَّتَهُ أَوْلِيَاءَ مِنْ دُونِي وَهُمْ لَكُمْ عَدُوٌّ بِئْسَ لِلظَّالِمِينَ بَدَلَاً﴾.

أَيُّهَا الإِخْوَةُ الكِرَامُ: بِكُلِّ أَسَفٍ اتَّبَعَ كَثِيرٌ مِنَ الأَزْوَاجِ وَالزَّوْجَاتِ خُطُوَاتِ الشَّيْطَانِ فَضَلُّوا، وَأَضَلُّوا أَبْنَاءَهُمْ، وَهُمْ يَحْسَبُونَ أَنَّهُمْ يُحْسِنُونَ صُنْعَاً.

الكَثِيرُ مِنْهُمُ اسْتَحْوَذَ عَلَيْهِمُ الشَّيْطَانُ فَأَنْسَاهُمْ ذِكْرَ اللهِ، وَاتَّبَعُوا الأَهْوَاءَ وَالشَّهَوَاتِ، وَالنَّتِيجَةُ بَعْدَ حَيَاةِ الشَّقَاءِ وَالضَّنْكِ في الدُّنْيَا، كَمَا قَالَ تعالى: ﴿فَسَوْفَ يَلْقَوْنَ غَيَّاً﴾.

الكَثِيرُ مِنَ النِّسَاءِ يَشْتَكِينَ مِنْ حَيَاةِ الشَّقَاءِ وَالجَحِيمِ في بُيُوتِهِنَّ، وَيَتَنَاسَيْنَ أَنَّهُنَّ اتَّبَعَنْ الشَّيْطَانَ، فَغَيَّرْنَ مِنْ خَلْقِ اللهِ تعالى.

انْظُرُوا إلى بُيُوتِ المُسْلِمِينَ، وَكُلُّ وَاحِدٍ مِنَّا لِيَنْظُرْ في بَيْتِهِ، هَلْ غَيَّرَتِ النِّسَاءُ خَلْقَ اللهِ تعالى أَمْ لَا؟

اسْمَعُوا إلى حَدِيثِ سَيِّدِنَا رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ وَانْظُروا إلى أَثَرِ الحَدِيثِ الشَّرِيفِ في بُيُوتِكُمْ، وَفَكِّرُوا مَا أَنْتُمْ قَائِلُونَ للهِ تعالى يَوْمَ القِيَامَةِ؟

روى الشيخان عَنْ عَبْدِ اللهِ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قَالَ: لَعَنَ اللهُ الوَاشِمَاتِ وَالمُوتَشِمَاتِ، وَالمُتَنَمِّصَاتِ وَالمُتَفَلِّجَاتِ، لِلْحُسْنِ المُغَيِّرَاتِ خَلْقَ اللهِ.

وروى الإمام مسلم عَنْ أَسْمَاءَ بِنْتِ أَبِي بَكْرٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهَا قَالَتْ: جَاءَتِ امْرَأَةٌ إِلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ فَقَالَتْ: يَا رَسُولَ اللهِ، إِنَّ لِي ابْنَةً عُرَيِّسَاً (تَصْغِيرُ عَرُوسٍ وَهُوَ يَقَعُ عَلَى المَرْأَةِ وَالرَّجُلِ عِنْدَ الدُّخُولِ) أَصَابَتْهَا حَصْبَةٌ (مَرَضٌ مُعْدٍ يُخْرِجُ بُثُورَاً في الجِلْدِ) فَتَمَرَّقَ (تَسَاقَطَ) شَعْرُهَا أَفَأَصِلُهُ؟

فَقَالَ: «لَعَنَ اللهُ الْوَاصِلَةَ وَالمُسْتَوْصِلَةَ».

خَاتِمَةٌ ـ نَسْأَلُ اللهَ تعالى حُسْنَ الخَاتِمَةِ ـ:

أَيُّهَا الإِخْوَةُ الكِرَامُ: أَتَوَجَّهُ إلى كُلِّ بَيْتٍ مِنْ بُيُوتِ المُسْلِمِينَ، وَأَنَا أَوَّلُهُمْ، لِنَسْمَعْ إلى قَوْلِ اللهِ تعالى: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَتَّبِعُوا خُطُوَاتِ الشَّيْطَانِ وَمَنْ يَتَّبِعْ خُطُوَاتِ الشَّيْطَانِ فَإِنَّهُ يَأْمُرُ بِالْفَحْشَاءِ وَالمُنْكَرِ﴾.

وَلْنَعْلَمْ جَمِيعَاً بِأَنَّ عَدَاوَةَ الشَّيْطَانِ لَنَا لَيْسَتْ عَدَاوَةً مُلْتَبِسَةً عَلَيْنَا، وَلَا يَجْهَلُهَا أَحَدٌ مِنَّا لَا مِنَ الرِّجَالِ وَلَا مِنَ النِّسَاءِ، لِأَنَّ نَصَّ القُرْآنِ وَاضِحٌ: ﴿إِنَّ الشَّيْطَانَ لَكُمْ عَدُوٌّ فَاتَّخِذُوهُ عَدُوَّاً﴾.

فَهَلْ مِنَ المَعْقُولِ أَنْ يَسْتَبْدِلَ النَّاسُ أَوَامِرَ اللهِ تعالى بِأَوَامِرِ الشَّيْطَانِ؟

قَالَ تعالى: ﴿وَلَا تَتَبَدَّلُوا الْخَبِيثَ بِالطَّيِّبِ﴾. وَقَالَ تعالى: ﴿أَتَسْتَبْدِلُونَ الَّذِي هُوَ أَدْنَى بِالَّذِي هُوَ خَيْرٌ﴾؟

بَاخْتِصَارٍ شَدِيدٍ: تَفْكِيكُ أُسَرِنَا هُوَ غَايَةُ الشَّيْطَانِ وَمُرَادُهُ وَأُمْنِيَتُهُ، روى الإمام مسلم عَنْ جَابِرٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ: «إِنَّ إِبْلِيسَ يَضَعُ عَرْشَهُ عَلَى المَاءِ، ثُمَّ يَبْعَثُ سَرَايَاهُ، فَأَدْنَاهُمْ مِنْهُ مَنْزِلَةً أَعْظَمُهُمْ فِتْنَةً، يَجِيءُ أَحَدُهُمْ فَيَقُولُ: فَعَلْتُ كَذَا وَكَذَا، فَيَقُولُ: مَا صَنَعْتَ شَيْئَاً.

قَالَ ثُمَّ يَجِيءُ أَحَدُهُمْ فَيَقُولُ: مَا تَرَكْتُهُ حَتَّى فَرَّقْتُ بَيْنَهُ وَبَيْنَ امْرَأَتِهِ.

قَالَ: فَيُدْنِيهِ مِنْهُ وَيَقُولُ: نِعْمَ أَنْتَ».

قَالَ الْأَعْمَشُ: أُرَاهُ قَالَ: «فَيَلْتَزِمُهُ». اللَّهُمَّ لَا تَجْعَلْ للشَّيْطَانِ عَلَيْنَا سَبِيلَاً. آمين.

**        **     **

تاريخ الكلمة:

الأحد: 22/ ربيع الأول /1439هـ، الموافق: 10/ كانون الأول / 2017م