197ـنحو أسرة مسلمة: وصية الصحابة رَضِيَ اللهُ عَنْهُمْ لنا

 

نحو أسرة مسلمة

197ـ وصية الصحابة رَضِيَ اللهُ عَنْهُمْ لنا

مقدمة الكلمة:

الحمد لله رب العالمين، وأفضل الصلاة وأتم التسليم على سيدنا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين، أما بعد:

فَيَا أَيُّهَا الإِخْوَةُ الكِرَامُ: القُرْآنُ العَظِيمُ الذي أَكْرَمَنَا اللهُ عَزَّ وَجَلَّ بِهِ، وَاصْطَفَانَا لِوِرَاثَتِهِ هُوَ مَصْدَرُ سَعَادَتِنَا في الدُّنْيَا وَالآخِرَةِ، فَمَنْ أَرَادَ السَّعَادَةَ في حَيَاتِهِ الزَّوْجِيَّةِ مِنَ الرِّجَالِ وَالنِّسَاءِ فَعَلَيْهِ بِالقُرْآنِ العَظِيمِ، تِلَاوَةً وَتَدَبُّرَاً وَعَمَلَاً، وَأَنْ يَنْظُرَ إلى الصَّحَابَةِ الكِرَامِ رَضِيَ اللهُ عَنْهُمْ كَيْفَ كَانُوا يَتَعَامَلُونَ مَعَ القُرْآنِ العَظِيمِ.

لَقَدْ كَانَ الصَّحَابَةُ الكِرَامُ رَضِيَ اللهُ عَنْهُمْ رِجَالَاً وَنِسَاءً يَنْظُرُونَ إلى القُرْآنِ العَظِيمِ عَلَى أَنَّهُ رِسَالَةٌ مِنَ اللهِ تعالى لَهُمْ لِهِدَايَتِهِمْ إلى الصِّرَاطِ المُسْتَقِيمِ، كَمَا قَالَ تعالى: ﴿إِنَّ هَذَا الْقُرْآنَ يَهْدِي لِلَّتِي هِيَ أَقْوَمُ وَيُـبَشِّرُ المُؤْمِنِينَ الَّذِينَ يَعْمَلُونَ الصَّالِحَاتِ أَنَّ لَهُمْ أَجْرَاً كَبِيرَاً﴾. لِذَا جَعَلُوا القُرْآنَ العَظِيمَ إِمَامَهُمْ، فَاتَّبَعُوا آيَاتِهِ، وَأَحَلُّوا حَلَالَهُ، وَحَرَّمُوا حَرَامَهُ، وَتَخَلَّقُوا بِأَخْلَاقِهِ، حَتَّى كَانُوا خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ للنَّاسِ، خُلُقَاً وَسِيرَةً وَسُمْعَةً وَدَعْوَةً إلى اللهِ تعالى.

القُرْآنُ الكَرِامُ يَدْعُونَا للعَمَلِ:

أَيُّهَا الإِخْوَةُ الكِرَامُ: لَقَدْ كَانَ أَصْحَابُ سَيِّدِنَا رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ رِجَالَاً وَنِسَاءً مِثَالَ الأُتْرُجَّةِ، طَعْمُهَا طَيِّبٌ، وَرِيحُهَا طَيِّبٌ، وَذَلِكَ بِبَرَكَةِ القُرْآنِ العَظِيمِ، حَيْثُ أَقْبَلُوا عَلَى تِلَاوَةِ القُرْآنِ العَظِيمِ، وَالعَمَلِ بِهِ، لِأَنَّهُمْ كَانُوا عَلَى يَقِينٍ بِأَنَّ القُرْآنَ العَظِيمَ مَا أُنْزِلَ إِلَّا للإِيمَانِ بِمَا فِيهِ، فَكَانُوا رَضِيَ اللهُ عَنْهُمْ كَمَا قَالَ سَيِّدُنَا رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ: «مَثَلُ المُؤْمِنِ الَّذِي يَقْرَأُ القُرْآنَ كَالأُتْرُجَّةِ (نَوْعٌ مِنَ الثِّمَارِ الحَمْضِيَّاتِ جَمِيلُ المَنْظَرِ طَيِّبُ الطَّعْمِ وَالنَّكْهَةِ لَيِّنُ المَلْمَسِ كَثِيرُ المَنَافِعِ) طَعْمُهَا طَيِّبٌ، وَرِيحُهَا طَيِّبٌ، وَمَثَلُ الَّذِي لاَ يَقْرَأُ كَالتَّمْرَةِ، طَعْمُهَا طَيِّبٌ وَلاَ رِيحَ لَهَا، وَمَثَلُ الفَاجِرِ الَّذِي يَقْرَأُ القُرْآنَ كَمَثَلِ الرَّيْحَانَةِ، رِيحُهَا طَيِّبٌ، وَطَعْمُهَا مُرٌّ، وَمَثَلُ الفَاجِرِ الَّذِي لَا يَقْرَأُ القُرْآنَ كَمَثَلِ الحَنْظَلَةِ، طَعْمُهَا مُرٌّ، وَلَا رِيحَ لَهَا» رواه الإمام البخاري عَنْ أَبِي مُوسَى الأَشْعَرِيِّ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ.

أَيُّهَا الإِخْوَةُ الكِرَامُ: نَحْنُ نَعِيشُ في بُيُوتِنَا إِلَّا مَنْ رَحِمَ اللهُ تعالى حَيَاةَ شَقَاءٍ وَضَنْكٍ، لِأَنَّنَا هَجَرْنَا كِتَابَ اللهِ عَزَّ وَجَلَّ تِلَاوَةً وَعَمَلَاً، وَهُنَاكَ مَنْ قَرَأَ القُرْآنَ وَلَمْ يَعْمَلْ بِهِ، مَعَ أَنَّ القُرْآنَ يَدْعُونَا للعَمَلِ.

أَيُّهَا الإِخْوَةُ الكِرَامُ: القُرْآنُ الكَرِيمُ إِمَّا أَنْ يَكُونَ حُجَّةً لَنَا أَو عَلَيْنَا لَا قَدَّرَ اللهُ تعالى، فَمَنْ عَمِلَ بِالقُرْآنِ كَانَ حُجَّةً لَهُ، وَإِلَّا كَانَ حُجَّةً عَلَيْهِ، روى الإمام مسلم عَنْ أَبِي مَالِكٍ الْأَشْعَرِيِّ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ: «الطُّهُورُ شَطْرُ الْإِيمَانِ، وَالْحَمْدُ للهِ تَمْلَأُ الْمِيزَانَ، وَسُبْحَانَ اللهِ وَالْحَمْدُ لِلَّهِ تَمْلَآَنِ ـ أَوْ تَمْلَأُ ـ مَا بَيْنَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ، وَالصَّلَاةُ نُورٌ، وَالصَّدَقَةُ بُرْهَانٌ، وَالصَّبْرُ ضِيَاءٌ، وَالْقُرْآنُ حُجَّةٌ لَكَ أَوْ عَلَيْكَ، كُلُّ النَّاسِ يَغْدُو فَبَايِعٌ نَفْسَهُ فَمُعْتِقُهَا أَوْ مُوبِقُهَا».

أَيُّهَا الأَزْوَاجُ، اسْمَعُوا إلى مَا يَقُولُهُ سَيِّدُنَا عَبْدُ اللهِ بْنُ عُمَرَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا: كُلُّ حَرْفٍ مِنَ القُرْآنِ يُنَادِي: أَنَا رَسُولُ اللهِ إِلَيْكَ، لِتَعْمَلَ بِي، وَتَتَّعِظَ بِمَوَاعِظِي.

وَأُذَكِّرُ نَفْسِي وَكُلَّ زَوْجٍ وَزَوْجَةٍ بِحَدِيثِ السَّيِّدَةِ عَائِشَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهَا، عِنْدَمَا سُئِلَتْ عَنْ خُلُقِ سَيِّدِنَا رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ، فَأَجَابَتْ: كَانَ خُلُقُهُ الْقُرْآنَ. رواه الإمام أحمد.

وَصَايَا الصَّحَابَةِ رَضِيَ اللهُ عَنْهُمْ لَنَا:

أَيُّهَا الإِخْوَةُ الكِرَامُ: إِذَا أَرَدْنَا أَنْ نُحَقِّقَ لِأَنْفُسِنَا السَّعَادَةَ في حَيَاتِنَا الزَّوْجِيَّةِ، وَإِذَا أَرَدْنَا صَلَاحَ مُجْتَمَعِنَا فَعَلَيْنَا بِتِلَاوَةِ القُرْآنِ العَظِيمِ، وَالعَمَلِ بِهِ، وَلْنَسْمَعْ إلى وَصَايَا الصَّحَابَةِ رَضِيَ اللهُ عَنْهُمْ لَنَا:

يَقُولُ ابْنُ مَسْعُودٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ: كَانَ الرَّجُلُ مِنَّا إِذَا تَعَلَّمَ عَشْرَ آيَاتٍ لَمْ يُجَاوِزْهُنَّ حَتَّى يَعْرِفَ مَعَانِيَهُنَّ وَالعَمَلَ بِهِنَّ. رواه الإمام أحمد.

وَهَذَا مَا أَكَّدَهُ سَيِّدُنَا عُمَرُ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ بِقَوْلِهِ: لَا يَغُرَّنَّكُمْ مَنْ قَرَأَ الْقُرْآنَ، إِنَّمَا هُوَ كَلَامٌ يُتَكَلَّمُ بِهِ، وَلَكِنِ انْظُرُوا إلى مَنْ يَعْمَلُ بِهِ.

وَيَقُولُ ابْنُ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا في قَوْلِهِ تعالى: ﴿يَتْلُونَهُ حَقَّ تِلَاوَتِهِ﴾. قَالَ: يَتَّبِعُونَهُ حَقَّ اتِّبَاعِهِ. رواه أبو داود في الزُّهْدِ.

وَيَقُولُ سَيِّدُنَا أَنَسٌ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ: وَكَانَ الرَّجُلُ إِذَا قَرَأَ: الْبَقَرَةَ، وَآلَ عِمْرَانَ، جَدَّ فِينَا ـ يَعْنِي: عَظُمَ ـ. رواه الإمام أحمد.

وَيَقُولُ ابْنُ مَسْعُودٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ: إِنَّا صَعُبَ عَلَيْنَا حِفْظُ أَلْفَاظِ القُرْآنِ، وَسَهُلَ عَلَيْنَا العَمَلُ بِهِ، وَإِنَّ مَنْ بَعْدَنَا يَسْهُلُ عَلَيْهِمْ حِفْظُ القُرْآنِ، وَيَصْعُبُ عَلَيْهِمُ العَمَلُ بِهِ.

وَيَقُولُ ابْنُ عُمَرَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا: كَانَ الفَاضِلُ مِنْ أَصْحَابِ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ في صَدْرِ هَذِهِ الأُمَّةِ لَا يَحْفَظُ مِنَ القُرْآنِ إِلَّا السُّورَةَ أَو نَحْوَهَا، وَرُزِقُوا العَمَلَ بِالقُرْآنِ، وَإِنَّ آخِرَ هَذِهِ الأُمَّةِ يُرْزَقُونَ القُرْآنَ، مِنْهُمُ الصَّبِيُّ وَالأَعْمَى، وَلَا يُرْزَقُونَ العَمَلَ بِهِ.

خَاتِمَةٌ ـ نَسْأَلُ اللهَ تعالى حُسْنَ الخَاتِمَةِ ـ:

أَيُّهَا الإِخْوَةُ الكِرَامُ: لَقَدْ كَانَتِ الأُسَرُ في زَمَنِ الصَّحَابَةِ رَضِيَ اللهُ عَنْهُم أُسَرَاً مُتَمَاسِكَةً، لِأَنَّهَا عَمِلَتْ بِالقُرْآنِ العَظِيمِ، وَقَدْ شَغَلَهُمُ العَمَلُ بِهِ عَنْ حِفْظِهِ، لِأَنَّهُمْ أَيْقَنُوا أَنَّ العَمَلَ بِالقُرْآنِ مُقَدَّمٌ عَلَى حِفْظِهِ.

فَأَيْنَ عَمَلُنَا بِالقُرْآنِ العَظِيمِ في بُيُوتِنَا؟

أَيْنَ نَحْنُ مِنْ قَوْلِهِ تعالى: ﴿يَا نِسَاءَ النَّبِيِّ لَسْتُنَّ كَأَحَدٍ مِنَ النِّسَاءِ إِنِ اتَّقَيْتُنَّ فَلَا تَخْضَعْنَ بِالْقَوْلِ فَيَطْمَعَ الَّذِي فِي قَلْبِهِ مَرَضٌ وَقُلْنَ قَوْلَاً مَعْرُوفَاً * وَقَرْنَ فِي بُيُوتِكُنَّ وَلَا تَبَرَّجْنَ تَبَرُّجَ الْجَاهِلِيَّةِ الْأُولَى وَأَقِمْنَ الصَّلَاةَ وَآتِينَ الزَّكَاةَ وَأَطِعْنَ اللهَ وَرَسُولَهُ إِنَّمَا يُرِيدُ اللهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيرَاً * وَاذْكُرْنَ مَا يُتْلَى فِي بُيُوتِكُنَّ مِنْ آيَاتِ اللهِ وَالْحِكْمَةِ إِنَّ اللهَ كَانَ لَطِيفَاً خَبِيرَاً﴾؟

أَيُّهَا الأَزْوَاجُ وَالزَّوْجَاتُ، تَذَكَّرُوا قَوْلَ اللهِ تعالى: ﴿كِتَابٌ أَنْزَلْنَاهُ إِلَيْكَ مُبَارَكٌ لِيَدَّبَّرُوا آيَاتِهِ وَلِيَتَذَكَّرَ أُولُو الْأَلْبَابِ﴾. تَدَبَّرُوا آيَاتِ اللهِ تعالى وَاعْمَلُوا بِهَا، لَعَلَّ اللهَ تعالى يُسْعِدُنَا في الدُّنْيَا قَبْلَ الآخِرَةِ ﴿فَإِمَّا يَأْتِيَنَّكُمْ مِنِّي هُدًى فَمَنِ اتَّبَعَ هُدَايَ فَلَا يَضِلُّ وَلَا يَشْقَى * وَمَنْ أَعْرَضَ عَنْ ذِكْرِي فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنْكَاً وَنَحْشُرُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَعْمَى * قَالَ رَبِّ لِمَ حَشَرْتَنِي أَعْمَى وَقَدْ كُنْتُ بَصِيرَاً * قَالَ كَذَلِكَ أَتَتْكَ آيَاتُنَا فَنَسِيتَهَا وَكَذَلِكَ الْيَوْمَ تُنْسَى﴾.

اللَّهُمَّ رُدَّنَا إِلَيْكَ رَدَّاً جَمِيلَاً. آمين.

**        **     **

تاريخ الكلمة:

الأحد: 20/ ربيع الثاني /1439هـ، الموافق: 7/ كانون الثاني/ 2018م