115ـ مع الصحابة وآل البيت رَضِيَ اللهُ عَنهُم :لا أتصور محباً ساباً

 

مع الصحابة وآل البيت رَضِيَ اللهُ عَنهُم

115ـ لا أتصور محباً ساباً

مقدمة الكلمة:

الحمد لله رب العالمين، وأفضل الصلاة وأتم التسليم على سيدنا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين، أما بعد:

فَيَا أَيُّهَا الإِخْوَةُ الكِرَامُ: مَا رَأَيْنَا وَلَا سَمِعْنَا أَحَدَاً يُحِبُّ سَيِّدَنَا مُحَمَّدَاً صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ بِصِدْقٍ، كَحُبِّ أَصْحَابِهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ لَهُ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ؛ فَهُمْ أَعْظَمُ النَّاسِ، وَأَصْدَقُ النَّاسِ، وَأَكْثَرُ النَّاسِ حُبَّاً وَعِشْقَاً وَتَعَلُّقَاً بِسَيِّدِنَا رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ.

هَذَا سَيِّدُنَا عَمْرُو بْنُ العَاصِ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ يَقُولُ: مَا كَانَ أَحَدٌ أَحَبَّ إِلَيَّ مِنْ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ، وَلَا أَجَلَّ فِي عَيْنِي مِنْهُ، وَمَا كُنْتُ أُطِيقُ أَنْ أَمْلَأَ عَيْنَيَّ مِنْهُ إِجْلَالَاً لَهُ، وَلَوْ سُئِلْتُ أَنْ أَصِفَهُ مَا أَطَقْتُ؛ لِأَنِّي لَمْ أَكُنْ أَمْلَأُ عَيْنَيَّ مِنْهُ. رواه الإمام مسلم.

وَهَذَا الفَصِيحُ البَلِيغُ سَيِّدُنَا عَلِيٌّ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ يُسْأَلُ: كَيْفَ كَانَ حُبُّكُم لِرَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ؟

فَيَقُولُ: كَانَ وَاللهِ أَحَبَّ إِلَيْنَا من أَمْوَالِنَا وَأَوْلادِنَا وَآبَائِنَا وأُمَّهَاتِنَا وَمِنَ المَاءِ الْبَارِدِ عَلَى الظَّمَإِ. /كتاب الشفا بتعريف حقوق المصطفى صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ.

مَا رَأَيْتُ مِنَ النَّاسِ أَحَدَاً يُحِبُّ أَحَدَاً كَحُبِّ أَصْحَابِ مُحَمَّدٍ مُحَمَّدَاً:

أَيُّهَا الإِخْوَةُ الكِرَامُ: مَنْ عَرَفَ ثَمَرَةَ مَحَبَّةِ سَيِّدِنَا رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ، وَاللهِ لَا يَسْتَطِيعُ أَنْ يُحِبَّ أَحَدَاً أَكْثَرَ مِنْ مَحَبَّةِ سَيِّدِنَا رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ.

ثَمَرَةُ مَحَبَّةِ سَيِّدِنَا رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ هِيَ مُرَافَقَتُهُ في الجَنَّةِ، روى الشيخان عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ، أَنَّ رَجُلَاً سَأَلَ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: مَتَى السَّاعَةُ يَا رَسُولَ اللهِ؟

قَالَ: «مَا أَعْدَدْتَ لَهَا؟».

قَالَ: مَا أَعْدَدْتُ لَهَا مِنْ كَثِيرِ صَلَاةٍ وَلَا صَوْمٍ وَلَا صَدَقَةٍ، وَلَكِنِّي أُحِبُّ اللهِ وَرَسُولَهُ.

قَالَ: «أَنْتَ مَعَ مَنْ أَحْبَبْتَ».

أَيُّهَا الإِخْوَةُ الكِرَامُ: هَلْ هُنَاكَ ثَوَابٌ أَعْظَمُ وَأَجَلُّ مِنْ أَنْ يُحْشَرَ مُحِبُّ سَيِّدِنَا رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ مَعَ مَحْبُوبِهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ؟ وَرَحِمَ اللهُ تعالى مَنْ قَالَ:

وَحَـقِّ المُصْـطَـفَـى لِي فِـيـهِ حُـبٌّ   ***   إِذَا مَرِضَ الرَّجَاءُ يَكُونُ طِبَّا

وَلَا أَرْضَى سِوَى الفِرْدَوْسِ مَأْوَى   ***   إِذَا كَـانَ الـفَتَى مَعَ مَنْ أَحَبَّا

أَيُّهَا الإِخْوَةُ الكِرَامُ: عِنْدَمَا عَرَفَ الصَّحَابَةُ وَآلُ البَيْتِ رَضِيَ اللهُ عَنْهُمْ ثَمَرَةَ حُبِّهِمْ لِسَيِّدِنَا رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ ضَرَبُوا لَنَا أَرْوَعَ الأَمْثِلَةِ في صِدْقِ مَحَبَّتِهِمْ لَهُ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ، حَتَّى شَهِدَ لَهُمْ بِذَلِكَ مَنْ كَانُوا أَعْدَاءً لَهُمْ.

جَاءَ في سِيرَةِ ابْنِ هِشَامٍ: قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: وَأَمَّا زَيْدُ بْنُ الدَّثِنَّةِ فَابْتَاعَهُ صَفْوَانُ بْنُ أُمَيَّةَ لِيَقْتُلَهُ بِأَبِيهِ، أُمَيَّةَ بْنِ خَلَفٍ، وَبَعَثَ بِهِ صَفْوَانُ بْنُ أُمَيَّةَ مَعَ مَوْلَىً لَهُ، يُقَالُ لَهُ نِسْطَاسُ إلَى التَّنْعِيمِ، وَأَخْرَجُوهُ مِنَ الْحَرَمِ لِيَقْتُلُوهُ، وَاجْتَمَعَ رَهْطٌ مِنْ قُرَيْشٍ، فِيهِمْ أَبُو سُفْيَانَ بْنُ حَرْبٍ، فَقَالَ لَهُ أَبُو سُفْيَانَ حِينَ قَدِمَ لِيُقْتَلَ: أَنْشُدُكَ اللهَ يَا زَيْدُ، أَتُحِبُّ أَنَّ مُحَمَّدَاً عِنْدَنَا الْآنَ فِي مَكَانِكَ نَضْرِبُ عُنُقَهُ، وَأَنَّكَ فِي أَهْلِكَ؟

قَالَ: وَاللهِ مَا أُحِبُّ أَنَّ مُحَمَّدَاً الآنَ فِي مَكَانِهِ الَّذِي هُوَ فِيهِ تُصِيبُهُ شَوْكَةٌ تُؤْذِيهِ، وَأَنَا جَالِسٌ فِي أَهْلِي.

فَقَالَ أَبُو سُفْيَانَ: مَا رَأَيْتُ مِنَ النَّاسِ أَحَدَاً يُحِبُّ أَحَدَاً كَحُبِّ أَصْحَابِ مُحَمَّدٍ مُحَمَّدَاً.

يَا أَيُّهَا المُحِبُّونَ لِسَيِّدِنَا رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ، هَلْ عَرَفْتُمْ كَيْفَ يَكُونُ صِدْقُ المَحَبَّةِ لِسَيِّدِنَا رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ؟

لَا أَتَصَوَّرُ مُحِبَّاً سَابَّاً:

أَيُّهَا الإِخْوَةُ الكِرَامُ: وَاللهِ لَا أَسْتَطِيعُ أَنْ أَتَصَوَّرَ رَجُلَاً مُحِبَّاً لِسَيِّدِنَا رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ، يَكُونُ سَابَّاً لِسَيِّدِنَا رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ.

هَلْ مِنَ المَعْقُولِ أَنْ يَأْتِيَ عَبْدٌ أَنْقَذَهُ اللهُ تعالى مِنَ الضَّلَالِ إلى الهُدَى بِسَيِّدِنَا رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ، فَيَسُبَّ هَذَا النَّبِيَّ الكَرِيمَ في سَاعَةِ غَضَبٍ أَو غَيْرِهَا، جَادَّاً أَو هَازِلَاً؟

هَلْ مِنَ المَعْقُولِ أَنْ يُسَبَّ هَذَا النَّبِيُّ الكَرِيمُ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ الذي قَالَ فِيهِ مَوْلَانَا عَزَّ وَجَلَّ: ﴿وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا رَحْمَةً لِلْعَالَمِينَ﴾؟

هَلْ مِنَ المَعْقُولِ أَنْ يُسَبَّ هَذَا الحَبِيبُ الأَعْظَمُ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ الذي بَكَى عَلَى هَذِهِ الأُمَّةِ عِنْدَمَا قَالَ اللهُ تعالى لَهُ: ﴿فَكَيْفَ إِذَا جِئْنَا مِنْ كُلِّ أُمَّةٍ بِشَهِيدٍ وَجِئْنَا بِكَ عَلَى هَؤُلَاءِ شَهِيدَاً * يَوْمَئِذٍ يَوَدُّ الَّذِينَ كَفَرُوا وَعَصَوُا الرَّسُولَ لَوْ تُسَوَّى بِهِمُ الْأَرْضُ وَلَا يَكْتُمُونَ اللهَ حَدِيثَاً﴾؟

مَنْ هَذَا الذي يَجْتَرِئُ عَلَى سَبِّ هَذَا الحَبِيبِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ إِلَّا الأَحْمَقُ الجَاهِلُ؟

أَمَا سَمِعَ المُجْتَرِئُ عَلَى ذَلِكَ قَوْلَ اللهِ تعالى: ﴿يَوْمَئِذٍ يَوَدُّ الَّذِينَ كَفَرُوا وَعَصَوُا الرَّسُولَ لَوْ تُسَوَّى بِهِمُ الْأَرْضُ وَلَا يَكْتُمُونَ اللهَ حَدِيثَاً﴾؟

أَمَا سَمِعَ المُجْتَرِئُ عَلَى ذَلِكَ قَوْلَ اللهِ تعالى: ﴿وَيَوْمَ يَعَضُّ الظَّالِمُ عَلَى يَدَيْهِ يَقُولُ يَا لَيْتَنِي اتَّخَذْتُ مَعَ الرَّسُولِ سَبِيلَاً * يَا وَيْلَتَا لَيْتَنِي لَمْ أَتَّخِذْ فُلَانَاً خَلِيلَاً * لَقَدْ أَضَلَّنِي عَنِ الذِّكْرِ بَعْدَ إِذْ جَاءَنِي وَكَانَ الشَّيْطَانُ لِلْإِنْسَانِ خَذُولَاً﴾.

خَاتِمَةٌ ـ نَسْأَلُ اللهَ تعالى حُسْنَ الخَاتِمَةِ ـ:

أَيُّهَا المُحِبُّونَ لِسَيِّدِنَا رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ، اعْلَمُوا بِأَنَّ سَبَّ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ سَبَبٌ مِنْ أَسْبَابِ الرِّدَّةِ عَنْ دِينِ اللهِ تعالى، لِأَنَّ السَّابَّ آذَى سَيِّدَنَا رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ، وَمَنْ آذاهُ فَلْيَسْمَعْ قَوْلَ اللهِ تعالى: ﴿إِنَّ الَّذِينَ يُؤْذُونَ اللهَ وَرَسُولَهُ لَعَنَهُمُ اللهُ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ وَأَعَدَّ لَهُمْ عَذَابَاً مُهِينَاً﴾.

وَلْيَسْمَعِ الحَدِيثَ الذي رواه الإمام البخاري عَنْ أَنَسٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قَالَ: كَانَ رَجُلٌ نَـصْرَانِيَّاً فَأَسْلَمَ، وَقَرَأَ البَقَرَةَ وَآلَ عِمْرَانَ، فَكَانَ يَكْتُبُ لِلنَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَعَادَ نَـصْرَانِيَّاً (ارْتَدَّ وَرَجَعَ) فَكَانَ يَقُولُ: مَا يَدْرِي مُحَمَّدٌ إِلَّا مَا كَتَبْتُ لَهُ، فَأَمَاتَهُ اللهُ فَدَفَنُوهُ، فَأَصْبَحَ وَقَدْ لَفَظَتْهُ الأَرْضُ (رَمَتْهُ مِنَ القَبْرِ).

فَقَالُوا: هَذَا فِعْلُ مُحَمَّدٍ وَأَصْحَابِهِ لَمَّا هَرَبَ مِنْهُمْ، نَبَشُوا عَنْ صَاحِبِنَا فَأَلْقَوْهُ.

فَحَفَرُوا لَهُ فَأَعْمَقُوا، فَأَصْبَحَ وَقَدْ لَفَظَتْهُ الأَرْضُ.

فَقَالُوا: هَذَا فِعْلُ مُحَمَّدٍ وَأَصْحَابِهِ، نَبَشُوا عَنْ صَاحِبِنَا لَمَّا هَرَبَ مِنْهُمْ فَأَلْقَوْهُ؛ فَحَفَرُوا لَهُ وَأَعْمَقُوا لَهُ فِي الأَرْضِ مَا اسْتَطَاعُوا، فَأَصْبَحَ وَقَدْ لَفَظَتْهُ الأَرْضُ؛ فَعَلِمُوا أَنَّهُ لَيْسَ مِنَ النَّاسِ (أَيْ: لَيْسَ مِنْ فِعْلِهِمْ) فَأَلْقَوْهُ.

يَا رَبِّ، أَسْرِ حُبَّ الحَبِيبِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ في ذَرَّاتِنَا، وَارْزُقْنَا صِدْقَ مَحَبَّتِهِ يَا أَرْحَمَ الرَّاحِمِينَ. آمين.

**        **     **

تاريخ الكلمة:

الخميس: 8/ جمادى الأولى /1439هـ، الموافق: 25/ كانون الثاني / 2018م