46ـ «إِنَّ هَذَا المَالَ خَـضِرَةٌ حُلْوَةٌ»

 

من كتاب سيدنا محمد رسول اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ

46ـ «إِنَّ هَذَا المَالَ خَـضِرَةٌ حُلْوَةٌ»

مقدمة الكلمة:

الحمد لله رب العالمين، وأفضل الصلاة وأتم التسليم على سيدنا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين، أما بعد:

فَيَا أَيُّهَا الإِخْوَةُ الكِرَامُ:

حَدِيثُهُ، أَوحَدِيثٌ عَـنْهُ يُطْرِبُني   ***   هَذَا إِذَا غَابَ، أَوْ هَذَا إِذَا حَضَرَا

كِـلَاهُمَا حَـسَنٌ عِـنْدِي أُسَرُّ بِهِ   ***    لَكِنَّ أَحْلَاهُمَا مَا وَافَقَ الـــنَّظَرَا

يَقُولُ الشَّيْخُ العَلَّامَةُ المُحَدِّثُ عَبْدُ اللهِ سِرَاجُ الدِّينِ رَحِمَهُ اللهُ تعالى في كِتَابِهِ: سَيِّدُنَا مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ: وَاسْتَدَلُّوا عَلَى ذَلِكَ أَيْضَاً بِمَا وَرَدَ في الصَّحِيحَيْنِ وَغَيْرِهِمَا ـ وَاللَّفْظُ للبُخَارِيِّ ـ ، عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الخُدْرِيِّ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ: «إِنَّ أَكْثَرَ مَا أَخَافُ عَلَيْكُمْ مَا يُخْرِجُ اللهُ لَكُمْ مِنْ بَرَكَاتِ الأَرْضِ ـ وفي رِوَايَةٍ: إِنَّ مِمَّا أَخَافُ عَلَيْكُمْ بَعْدِي مَا يُفْتَحُ عَلَيْكُمْ مِنْ زَهْرَةِ الدُّنْيَا وَزِينَتِهَا ـ».

فَقَالَ رَجُلٌ: هَلْ يَأْتِي الخَيْرُ بِالشَّرِّ؟

قَالَ أَبُو سَعِيدٍ: فَصَمَتَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ حَتَّى ظَنَنْتُ (أَيْ عَرَفْتُ) أَنَّهُ يُنْزَلُ عَلَيْهِ ـ وَفِي رِوَايَةٍ: فَظَنَنَّا أَنَّهُ يُنْزَلُ عَلَيْهِ ـ (أَيْ: يَنْزِلُ عَلَيْهِ الوَحْيُ).

ثُمَّ جَعَلَ يَمْسَحُ عَنْ جَبِينِهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ (أَيْ: يَمْسَحُ العَرَقَ، كَمَا جَاءَ في رِوَايَةِ الدَّارَقُطْنِيِّ، وَجَرَى ذَلِكَ عَلَى عَادَتِهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ عِنْدَمَا يُوحَى إِلَيْهِ، حَيْثُ يَتَفَصَّدُ جَبِينُهُ الشَّرِيفُ عَرَقَاً، وَلِذَلَكَ أَيْقَنَتِ الصَّحَابَةُ أَنَّهُ الوَحْيُ).

فَقَالَ: «أَيْنَ السَّائِلُ؟».

قَالَ: أَنَا.

فَقَالَ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ: «لَا يَأْتِي الخَيْرُ إِلَّا بِالخَيْرِ (وَفِي رِوَايَةِ الدَّارَقُطْنِيِّ: كَرَّرَهَا ثَلَاثَ مَرَّاتٍ) ـ وَفِي رِوَايَةٍ: إِنَّهُ لَا يَأْتِي الخَيْرُ بِـالشَّرِّ ـ  إِنَّ هَذَا المَالَ خَـضِرَةٌ حُلْوَةٌ، وَإِنَّ كُلَّ مَا أَنْبَتَ الرَّبِيعُ يَقْتُلُ حَبَطَاً أَوْ يُلِمُّ.

(وَفِي رِوَايَةٍ: وَإِنَّ مِمَّا يُنْبِتُ الرَّبِيعُ مَا يَقْتُلُ حَبَطَاً أَوْ يُلِمُّ، أَمَّا الحَبَطُ: فَهُوَ انْتِفَاخُ البَطْنِ مِنْ كَثْرَةِ الأَكْلِ، وَأَمَّا قَوْلُهُ: أَوْ يُلِمُّ، بِضَمِّ أَوَّلِهِ، فَمَعْنَاهُ يَقْرُبُ مِنَ الهَلَاكِ، وَهَذَا مِثَالٌ ضَرَبَهُ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ لِمَنْ تَهَافَتَ عَلَى الدُّنْيَا وَمَالِهَا، وَعَمِيَ بِهَا عَنْ دِينِه وَآخِرَتِهِ، وَجَمَعَ وَمَنَعَ، وَلَمْ يَعْرِفْ حَقَّ اللهِ تعالى في هَذَا المَالِ، حَتَّى بَطَرَ وَفَجَرَ، وَمِثْالٌ لِمَنْ أَخَذَ هَذَا المَالَ مِنَ الدُّنْيَا بِحَقِّهِ وَوَضَعَهُ في حَقِّهِ وَأَدَّى حُقُوقَهُ الوَاجِبَةَ عَلَيْهِ، وَلَمْ يَشْغَلْهُ ذَلِكَ عَنْ دِينِهِ، وَلَمْ يَتَعَامَ بِذَلِكَ عَنْ آخِرَتِهِ، فَنِعْمَ الرَّجُلُ).

إِلَّا آكِلَةَ الخَضِرَةِ، أَكَلَتْ حَتَّى إِذَا امْتَدَّتْ خَاصِرَتَاهَا، اسْتَقْبَلَتِ الشَّمْسَ، فَاجْتَرَّتْ وَثَلَطَتْ وَبَالَتْ، ثُمَّ عَادَتْ فَأَكَلَتْ. وَإِنَّ هَذَا المَالَ حُلْوَةٌ، مَنْ أَخَذَهُ بِحَقِّهِ، وَوَضَعَهُ فِي حَقِّهِ، فَنِعْمَ المَعُونَةُ هُوَ، وَمَنْ أَخَذَهُ بِغَيْرِ حَقِّهِ كَانَ كَالَّذِي يَأْكُلُ وَلاَ يَشْبَعُ».

فَاسْتَدَلَّ كَثِيرٌ مِنَ العُلَمَاءِ بِهَذَا الحَدِيثِ عَلَى أَنَّ الحَدِيثَ النَّبَوِيَّ هُوَ نَازِلٌ بِالوَحْيِ مِنْ عِنْدِ اللهِ تعالى.

خَاتِمَةٌ ـ نَسْأَلُ اللهَ تعالى حُسْنَ الخَاتِمَةِ ـ:

أَيُّهَا الإِخْوَةُ الكِرَامُ: كَمَا اسْتَدَلُّوا عَلَى ذَلِكَ أَيْضَاً بِمَا رَوَاهُ البُخَارِيُّ وَغَيْرُهُ أَنَّ يَعْلَى بْنَ أُمَيَّةَ قَالَ لِعُمَرَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ: أَرِنِي النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ حِينَ يُوحَى إِلَيْهِ.

قَالَ: فَبَيْنَمَا النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ بِالْجِعْرَانَةِ، وَمَعَهُ نَفَرٌ مِنْ أَصْحَابِهِ، جَاءَهُ رَجُلٌ فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللهِ، كَيْفَ تَرَى فِي رَجُلٍ أَحْرَمَ بِعُمْرَةٍ، وَهُوَ مُتَضَمِّخٌ بِطِيبٍ؟

فَسَكَتَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ سَاعَةً، فَجَاءَهُ الوَحْيُ، فَأَشَارَ عُمَرُ إِلَى يَعْلَى رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا، فَجَاءَ يَعْلَى وَعَلَى رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ ثَوْبٌ قَدْ أُظِلَّ بِهِ، فَأَدْخَلَ ـ يَعْلَى ـ رَأْسَهُ، فَإِذَا رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ مُحْمَرُّ الوَجْهِ، وَهُوَ يَغِطُّ، ثُمَّ سُرِّيَ عَنْهُ.

فَقَالَ: «أَيْنَ الَّذِي سَأَلَ عَنِ العُمْرَةِ؟».

فَأُتِيَ بِرَجُلٍ، فَقَالَ: «اغْسِلِ الطِّيبَ الَّذِي بِكَ ثَلاَثَ مَرَّاتٍ، وَانْزِعْ عَنْكَ الجُبَّةَ، وَاصْنَعْ فِي عُمْرَتِكَ كَمَا تَصْنَعُ فِي حَجَّتِكَ».

اللَّهُمَّ وَفِّقْنَا لِاتِّبَاعِ سَيِّدِنَا رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ. آمين.

تاريخ الكلمة:

الأربعاء: 28/رمضان/1439هـ، الموافق: 12/ حزيران / 2018م