12ـ من وصايا الصالحين: وصية سيدنا عمر رضي الله عنه لحمَلَة القرآن

 

الحمد لله رب العالمين، وأفضل الصلاة وأتم التسليم على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين، أما بعد:

فقد جاء في كنز العمال، عن كنانة العدوى قال: كتب عمر بن الخطاب رضي الله عنه إلى أمراء الأجناد أن ارفعوا إليَّ كلَّ من حمل القرآن، حتى ألحقهم في الشرف من العطاء وأرسلهم في الآفاق، يعلمون الناس، فكتب إليه الأشعري: إنه بلغ من قبلي ممن حمل القرآن ثلاثمئة وبضع رجال.

فكتب عمر إليهم:

 ، من عبد الله عمر إلى عبد الله بن قيس ومن معه من حملة القرآن، سلام عليكم.

أما بعد: فإن هذا القرآن كائن لكم أجراً، وكائن لكم شرفاً وذخراً، فاتَّبعوه ولا يتبعنَّكم، فإنه من اتَّبعه القرآن زخ في قفاه حتى يقذفه في النار، ومن تَبِع القرآنَ ورد به القرآنُ جناتِ الفردوس، فليكوننَّ لكم شافعاً إن استطعتم، ولا يكوننَّ بكم ماحلاً، فإنه من شفع له القرآن دخل الجنة، ومن محل به القرآن دخل النار.

واعلموا أن هذا القرآن ينابيع الهدى، وزهرة العلم، وهو أحدث الكتب عهداً بالرحمن، به يفتح الله أعينا عمياً، وآذاناً صماً، وقلوباً غلفاً، واعلموا أن العبد إذا قام من الليل فتسوَّك وتوضَّأ ثم كبَّر وقرأ، وضع الملك فاه على فيه ويقول: اتل اتل فقد طِبتَ وطاب لك، وإن توضَّأ ولم يستك حفظ عليه ولم يعد ذلك.

ألا وإن قراءة القرآن مع الصلاة كنز مكنون، وخيرُ موضوع، فاستكثروا منه ما استطعتم، فإن الصلاة نور، والزكاة برهان، والصبر ضياء، والصوم جنة، والقرآن حُجَّةٌ لكم أو عليكم.

فأكرموا القرآن ولا تهينوه، فان الله مكرمٌ من أكرمه، ومهين من أهانه، واعملوا أنه من تلاه، وحفظه، وعمل به، واتبع ما فيه، كانت له عند الله دعوة مستجابة، إن شاء عجَّلها له في دنياه، وإلا كانت له ذخراً في الآخرة.

واعلموا أن ما عند الله خير وأبقى للذين آمنوا وعلى ربهم يتوكلون. اهـ.

زَخَّ: أي دفع ورمى.

ماحلاً: أي خصم مجادِل مصدَّق، يعني: من اتَّبعه وعمل به فإنه شافع له مقبول الشفاعة، ومصدَّق عليه فيما يُرفع من مساويه إذا ترك العمل به.

اللهمَّ اجعلنا من أهل القرآن بجودك وفضلك يا أرحم الراحمين.

** ** **