14ـ موجبات بر الوالدين (3)

بر الوالدين

14ـ موجبات بر الوالدين (3)

مقدمة الكلمة:

الحمد لله رب العالمين، وأفضل الصلاة وأتم التسليم على سيدنا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين، أما بعد:

فَيَا أَيُّهَا الإِخْوَةُ الكِرَامُ: مِنْ مُوجِبَاتِ بِرِّ الوَالِدَيْنِ حِرْصُ الوَالِدَيْنِ عَلَى تَرْبِيَةِ الوَلَدِ التَّرْبِيَةَ الصَّحِيحَةَ، وَخَاصَّةً التَّرْبِيَةَ العَقَدِيَّةَ، بِحَيْثُ تَكُونُ عَقِيدَتُهُ سَلِيمَةً صَحِيحَةً، وَكَذَلِكَ تَرْبِيَتُهُ عَلَى صَفَاءِ دِينِهِ وَحُسْنِ عِبَادَتِهِ وَاسْتِقَامَتِهِ، كَمَا كَانَ سَيِّدُنَا إِبْرَاهِيمُ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ وَحَفِيدُهُ سَيِّدُنَا يَعْقُوبُ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ.

قَالَ اللهُ عَزَّ وَجَلَّ: ﴿وَإِذْ قَالَ إِبْرَاهِيمُ رَبِّ اجْعَلْ هَذَا الْبَلَدَ آمِنَاً وَاجْنُبْنِي وَبَنِيَّ أَنْ نَعْبُدَ الْأَصْنَامَ﴾. حَيْثُ دَعَا سَيِّدُنَا إِبْرَاهِيمُ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ أَنْ يَحْفَظَ اللهُ تعالى ذُرِّيَّتَهُ عَلَى الإِيمَانِ، وَأَنْ يُجَنِّبَهُمْ عِبَادَةَ الأَصْنَامِ وَالأَوْثَانِ.

وَقَالَ اللهُ عَزَّ وَجَلَّ: ﴿وَوَصَّى بِهَا إِبْرَاهِيمُ بَنِيهِ وَيَعْقُوبُ يَا بَنِيَّ إِنَّ اللهَ اصْطَفَى لَكُمُ الدِّينَ فَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ * أَمْ كُنْتُمْ شُهَدَاءَ إِذْ حَضَرَ يَعْقُوبَ المَوْتُ إِذْ قَالَ لِبَنِيهِ مَا تَعْبُدُونَ مِنْ بَعْدِي قَالُوا نَعْبُدُ إِلَهَكَ وَإِلَهَ آبَائِكَ إِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ وَإِسْحَاقَ إِلَهًا وَاحِدَاً وَنَحْنُ لَهُ مُسْلِمُونَ﴾. حَيْثُ وَصَّيَا أَبْنَاءَهُمَا بِالإِسْلَامِ، وَالعَمَلِ بِهِ، وَالمَوْتِ عَلَيْهِ.

حِرْصُ الأُمِّ عَلَى حَيَاةِ أَوْلَادِهَا:

أَيُّهَا الإِخْوَةُ الكِرَامُ: مِنْ مُوجِبَاتِ بِرِّ الوَالِدَيْنِ، وَخَاصَّةً الأُمَّ، حِرْصُ الأُمِّ عَلَى حَيَاةِ أَوْلَادِهَا، وَيُمَثِّلُ ذَلِكَ تِلْكَ المَرْأَةُ التي دَخَلَتْ عَلَى السَّيِّدَةِ عَائِشَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهَا، وَلَمْ تَجِدْ عِنْدَهَا مَا تُعْطِيهَا سِوَى ثَلَاثِ تَمَرَاتٍ.

روى الشيخان عَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهَا قَالَتْ: دَخَلَتِ امْرَأَةٌ مَعَهَا ابْنَتَانِ لَهَا تَسْأَلُ، فَلَمْ تَجِدْ عِنْدِي شَيْئَاً غَيْرَ تَمْرَةٍ، فَأَعْطَيْتُهَا إِيَّاهَا، فَقَسَمَتْهَا بَيْنَ ابْنَتَيْهَا، وَلَمْ تَأْكُلْ مِنْهَا، ثُمَّ قَامَتْ، فَخَرَجَتْ.

وَفِي رِوَايَةٍ للإمام مسلم قَالَتْ السَّيِّدَةُ عَائِشَةُ رَضِيَ اللهُ عَنْهَا: جَاءَتْنِي مِسْكِينَةٌ تَحْمِلُ ابْنَتَيْنِ لَهَا، فَأَطْعَمْتُهَا ثَلَاثَ تَمَرَاتٍ، فَأَعْطَتْ كُلَّ وَاحِدَةٍ مِنْهُمَا تَمْرَةً، وَرَفَعَتْ إِلَى فِيهَا تَمْرَةً لِتَأْكُلَهَا، فَاسْتَطْعَمَتْهَا ابْنَتَاهَا، فَشَقَّتِ التَّمْرَةَ، الَّتِي كَانَتْ تُرِيدُ أَنْ تَأْكُلَهَا بَيْنَهُمَا، فَأَعْجَبَنِي شَأْنُهَا، فَذَكَرْتُ الَّذِي صَنَعَتْ لِرَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ.

فَقَالَ: «إِنَّ اللهَ قَدْ أَوْجَبَ لَهَا بِهَا الْجَنَّةَ، أَوْ أَعْتَقَهَا بِهَا مِنَ النَّارِ».

فَقَدْ أَوْجَبَ اللهُ تعالى لَهَا الجَنَّةَ، بِحِرْصِهَا عَلَى ابْنَتَيْهَا، وَخِدْمَتِهَا لَهُمَا.

وَهَكَذَا الأُمَّهَاتُ، فَهُنَّ حَامِلَاتٌ في بُطُونِهِنَّ أَوْلَادَهُنَّ، مَعَ مَا يَكُونُ عَلَيْهِ الحَمْلُ وَمَا يُرَافِقُهُ، وَهُنَّ وَالِدَاتٌ رَحِيمَاتٌ.

خَاتِمَةٌ ـ نَسْأَلُ اللهَ تعالى حُسْنَ الخَاتِمَةِ ـ:

أَيُّهَا الإِخْوَةُ الكِرَامُ: روى ابن ماجه عَنْ أَبِي أُمَامَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قَالَ: أَتَتِ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ امْرَأَةٌ مَعَهَا صَبِيَّانِ لَهَا، قَدْ حَمَلَتْ أَحَدَهُمَا وَهِيَ تَقُودُ الْآخَرَ ـ وفي رِوَايَةٍ عِنْدَ الإِمَامِ أَحْمَدَ: وَلَا أَعْلَمُهُ إِلَّا قَالَ: وَهِيَ حَامِلٌ ـ

فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ: «حَامِلَاتٌ، وَالِدَاتٌ، رَحِيمَاتٌ، لَوْلَا مَا يَأْتِينَ إِلَى أَزْوَاجِهِنَّ، دَخَلَ مُصَلِّيَاتُهُنَّ الجَنَّةَ».

اللَّهُمَّ وَفِّقْنَا لِأَنْ نَكُونَ بَرَرَةً بِآبَائِنَا وَأُمَّهَاتِنَا أَحْيَاءً وَمَيْتِينَ. آمين.

**      **    **

تاريخ الكلمة:

الأحد: 17/ شوال /1439هـ، الموافق: 1/ تموز / 2018م