127ـ مع الصحابة وآل البيت رَضِيَ اللهُ عَنهُم :أتحبون أن أعلمكم أول إسلامي؟

 

مع الصحابة وآل البيت رَضِيَ اللهُ عَنهُم

127ـ أتحبون أن أعلمكم أول إسلامي؟

مقدمة الكلمة:

الحمد لله رب العالمين، وأفضل الصلاة وأتم التسليم على سيدنا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين، أما بعد:

فَيَا أَيُّهَا الإِخْوَةُ الكِرَامُ: إِنَّ الدَّعْوَةَ إلى اللهِ عَزَّ وَجَلَّ وَظِيفَةٌ مِنْ أَشْرَفِ الوَظَائِفِ، وَمُهِمَّةٌ مِنْ أَقْدَسِ المُهِمَّاتِ، كَيْفَ لَا؟ وَهِيَ وَظِيفَةُ الأَنْبِيَاءِ وَالمُرْسَلِينَ، وَمُهِمَّةُ كُلِّ مَنْ أَرَادَ اللهُ بِهِ خَيْرَاً وَرِفْعَةً وَسَعَادَةً في الدُّنْيَا وَالآخِرَةِ، وَلَا أَعْظَمَ وَصْفَاً، وَلَا أَصْدَقَ قَولَاً مِنْ قَوْلِ رَبِّنَا عَزَّ وَجَلَّ، حَيْثُ قَالَ: ﴿وَمَنْ أَحْسَنُ قَوْلَاً مِمَّنْ دَعَا إِلَى اللهِ وَعَمِلَ صَالِحَاً وَقَالَ إِنَّنِي مِنَ المُسْلِمِينَ﴾.

يَقُولُ سَيِّدُنَا الحَسَنُ البَصْرِيُّ رَحِمَهُ اللهُ تعالى عِنْدَ هَذِهِ الآيَةِ: هَذَا حَبِيبُ اللهِ، هَذَا وَلِيُّ اللهِ، هَذَا صَفْوَةُ اللهِ، هَذَا خِيرَةُ اللهِ، هَذَا أَحَبُّ أَهْلِ الْأَرْضِ إِلَى اللهِ، أَجَابَ اللهَ فِي دَعْوَتِهِ، وَدَعَا النَّاسَ إِلَى مَا أَجَابَ اللهَ فِيهِ مِنْ دَعْوَتِهِ، وَعَمِلَ صَالِحَاً فِي إِجَابَتِهِ، وَقَالَ: إِنَّنِي مِنَ المُسْلِمِينَ لِرَبِّهِ، هَذَا خَلِيفَةُ اللهِ. رواه ابن المبارك في الزهد والرقائق.

أَيُّهَا الإِخْوَةُ الكِرَامُ: مَقَامُ الدَّعْوَةِ إلى اللهِ تعالى مِنْ أَشْرَفِ المَقَامَاتِ، فَيَا خَسَارَةَ مَنْ قَامَتْ حَيَاتُهُ، وَذَهَبَتْ أَيَّامُهُ وَلَمْ يَكُنْ لَهُ نَصِيبٌ مِنْ هَذِهِ العِبَادَةِ العَظِيمَةِ.

وَيَا مَنْ أَكْرَمَكَ اللهُ تعالى بِشَرَفِ الدَّعْوَةِ، اجْعَلْ شِعَارَكَ في الدَّعْوَةِ إلى اللهِ تعالى: ﴿إِنْ أُرِيدُ إِلَّا الْإِصْلَاحَ مَا اسْتَطَعْتُ﴾. اجْعَلْ شِعَارَكَ: ﴿إِنْ عَلَيْكَ إِلَّا الْبَلَاغُ﴾. اجْعَلْ شِعَارَكَ: ﴿لَيْسَ عَلَيْكَ هُدَاهُمْ وَلَكِنَّ اللهَ يَهْدِي مَنْ يَشَاءُ﴾. اجْعَلْ شِعَارَكَ: ﴿إِنَّ رَبَّكَ هُوَ أَعْلَمُ بِمَنْ ضَلَّ عَنْ سَبِيلِهِ وَهُوَ أَعْلَمُ بِالمُهْتَدِينَ﴾.

ادْعُ إِلَى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ وَاصْبِرْ إِذَا لَمْ تَجِدْ ثَمَرَةً لِجُهْدِكَ، فَإِنَّ الهِدَايَةَ بِيَدِ اللهِ تعالى، وَإِنَّ إِدْخَالَ الإِيمَانِ في القُلُوبِ لَيْسَ عَلَيْكَ، وَإِنَّمَا هِيَ للهِ تعالى ﴿إِنَّكَ لَا تَهْدِي مَنْ أَحْبَبْتَ وَلَكِنَّ اللهَ يَهْدِي مَنْ يَشَاءُ﴾. وَإِذَا شَاءَ هَيَّأَ الأَسْبَابَ.

أَتُحِبُّونَ أَنْ أُعْلِمَكُمْ أَوَّلَ إِسْلَامِي؟

أَيُّهَا الإِخْوَةُ الكِرَامُ: هَذَا سَيِّدُنَا عُمَرُ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ يُحَدِّثُ جُلَّاسَهُ عَنْ أَوَّلِ إِسْلَامِهِ، فَيَقُولُ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ: أَتُحِبُّونَ أَنْ أُعْلِمَكُمْ أَوَّلَ إِسْلَامِي؟

يَقُولُ رَاوِي الحَدِيثِ أَسْلَم مَوْلَى عُمَرَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ: قُلْنَا: نَعَمْ.

قَالَ: كُنْتُ أَشَدَّ النَّاسِ عَلَى رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ، فَبَيْنَا أَنَا فِي يَوْمٍ شَدِيدِ الْحَرِّ فِي بَعْضِ طُرُقِ مَكَّةَ إِذْ رَآنِي رَجُلٌ مِنْ قُرَيْشٍ فَقَالَ: أَيْنَ تَذْهَبُ يَا ابْنَ الْخَطَّابِ؟

قُلْتُ: أُرِيدُ هَذَا الرَّجُلَ.

فَقَالَ: يَا ابْنَ الْخَطَّابِ، قَدْ دَخَلَ عَلَيْكَ هَذَا الْأَمْرُ فِي مَنْزِلِكَ وَأَنْتَ تَقُولُ هَكَذَا.

فَقُلْتُ: وَمَا ذَاكَ؟

فَقَالَ: إِنَّ أُخْتَكَ قَدْ ذَهَبَتْ إِلَيْهِ.

قَالَ: فَرَجَعْتُ مُغْتَضِبَاً حَتَّى قَرَعْتُ عَلَيْهَا الْبَابَ، وَكَانَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ إِذَا أَسْلَمَ بَعْضُ مَنْ لَا شَيْءَ لَهُ ضَمَّ الرَّجُلَ وَالرَّجُلَيْنِ إِلَى الرَّجُلِ يُنْفِقُ عَلَيْهِ.

قَالَ: وَكَانَ ضَمَّ رَجُلَيْنِ مِنْ أَصْحَابِهِ إِلَى زَوْجِ أُخْتِي.

قَالَ: فَقَرَعْتُ الْبَابَ.

فَقِيلَ لِي: مَنْ هَذَا؟

قُلْتُ: أَنَا عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ، وَقَدْ كَانُوا يَقْرَأُونَ كِتَابَاً فِي أَيْدِيهِمْ، فَلَمَّا سَمِعُوا صَوْتِي قَامُوا حَتَّى اخْتَبَئُوا فِي مَكَانٍ وَتَرَكُوا الْكِتَابَ، فَلَمَّا فَتَحَتْ لِي أُخْتِيَ الْبَابَ قُلْتُ: أَيَا عَدُوَّةَ نَفْسِهَا أَصَبَوْتِ؟

قَالَ: وَأَرْفَعُ شَيْئَاً فَأَضْرِبُ بِهِ عَلَى رَأْسِهَا، فَبَكَتِ المَرْأَةُ وَقَالَتْ لِي: يَا ابْنَ الْخَطَّابِ، اصْنَعْ مَا كُنْتَ صَانِعَاً فَقَدْ أَسْلَمْتُ، فَذَهَبْتُ فَجَلَسْتُ عَلَى السَّرِيرِ فَإِذَا بِصَحِيفَةٍ وَسَطَ الْبَابِ، فَقُلْتُ: مَا هَذِهِ الصَّحِيفَةُ هَا هُنَا؟

فَقَالَتْ لِي: دَعْنَا عَنْكَ يَا ابْنَ الْخَطَّابِ، فَإِنَّكَ لَا تَغْتَسِلُ مِنَ الجَنَابَةِ، وَلَا تَتَطَهَّرُ، وَهَذَا لَا يَمَسُّهُ إِلَّا المُطَهَّرُونَ، فَمَا زِلْتُ بِهَا حَتَّى أَعْطَتْنِيهَا فَإِذَا فِيهَا: ﴿بِسْمِ اللهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ﴾. فَلَمَّا قَرَأْتُ: ﴿الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ﴾. تَذَكَّرْتُ مِنْ أَيْنَ اشْتُقَّ، ثُمَّ رَجَعْتُ إِلَى نَفْسِي فَقَرَأْتُ فِي الصَّحِيفَةِ: ﴿سَبَّحَ للهِ مَا فِي السَّمَوَاتِ وَالْأَرْضِ وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ﴾. فَكُلَّمَا مَرَرْتُ بِاسْمٍ مِنْ أَسْمَاءِ اللهِ ذَكَرْتُ اللهَ، فَأَلْقَيْتُ الصَّحِيفَةَ مِنْ يَدِي.

قَالَ: ثُمَّ أَرْجِعُ إِلَى نَفْسِي فَأَقْرَأُ فِيهَا: ﴿سَبَّحَ للهِ مَا فِي السَّمَوَاتِ وَالْأَرْضِ وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ﴾. حَتَّى بَلَغَ: ﴿آمِنُوا بِاللهِ وَرَسُولُهُ وَأَنْفِقُوا مِمَّا جَعَلَكُمْ مُسْتَخْلَفِينَ فِيهِ﴾. قَالَ: قُلْتُ: أَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللهُ، وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدَاً رَسُولُ اللهِ. رواه البزار عَنْ أُسَامَةَ بْنِ زَيْدٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ جَدِّهِ.

وفي رِوَايَةٍ عِنْدَ ابْنِ إِسْحَاقَ: فَلَمّا دَخَلَ قَالَ: مَا هَذِهِ الْهَيْنَمَةُ التِي سَمِعْتُ.

قَالَا لَهُ: مَا سَمِعْتَ شَيْئَاً.

قَالَ: بَلَى وَاللهِ، لَقَدْ أُخْبِرْتُ أَنّكُمَا تَابَعْتُمَا مُحَمَّدَاً عَلَى دِينِهِ؛ وَبَطَشَ بِخَتَنِهِ سَعِيدِ بْنِ زَيْدٍ.

فَقَامَتْ إلَيْهِ أُخْتُهُ فَاطِمَةُ بِنْتُ الْخَطَّابِ لِتَكُفَّهُ عَنْ زَوْجِهَا، فَضَرَبَهَا فَشَجَّهَا.

فَلَمَّا فَعَلَ ذَلِكَ قَالَتْ لَهُ أُخْتُهُ وَخَتَنُهُ: نَعَمْ قَدْ أَسْلَمْنَا، وَآمَنَّا بِاللهِ وَرَسُولِهِ، فَاصْنَعْ مَا بَدَا لَك.

فَلَمَّا رَأَى عُمَرُ مَا بِأُخْتِهِ مِنَ الدَّمِ نَدِمَ عَلَى مَا صَنَعَ فَارْعَوَى، وَقَالَ لِأُخْتِهِ: أَعْطِينِي هَذِهِ الصَّحِيفَةَ التِي سَمِعَتْكُمْ تَقْرَؤُونَ آنِفَاً أَنْظُرْ مَا هَذَا الذِي جَاءَ بِهِ مُحَمَّدٌ؛ وَكَانَ عُمَرُ كَاتِبَاً.

فَلَمَّا قَالَ ذَلِكَ قَالَتْ لَهُ أُخْتُهُ: إِنَّا نَخْشَاكَ عَلَيْهَا.

قَالَ: لَا تَخَافِي، وَحَلَفَ لَهَا بِآلِهَتِهِ لَيَرُدَّنَّهَا إذَا قَرَأَهَا إلَيْهَا.

فَلَمَّا قَالَ ذَلِكَ طَمِعَتْ فِي إسْلَامِهِ، فَقَالَتْ لَهُ: يَا أَخِي، إِنَّك نَجَسٌ عَلَى شِرْكِكَ، وَإِنَّهُ لَا يَمَسُّهَا إِلَّا الطَّاهِرُ.

فَقَامَ عُمَرُ فَاغْتَسَلَ، فَأَعْطَتْهُ الصَّحِيفَةَ وَفِيهَا: ﴿طَه﴾. فَقَرَأَهَا، فَلَمّا قَرَأَ مِنْهَا صَدْرَاً، قَالَ: مَا أَحْسَنَ هَذَا الْكَلَامَ وَأَكْرَمَهُ.

فَلَمَّا سَمِعَ ذَلِكَ خَبَّابٌ خَرَجَ إلَيْهِ فَقَالَ لَهُ: يَا عُمَرُ، وَاللهِ إِنِّي لَأَرْجُو أَنْ يَكُونَ اللهُ قَدْ خَصَّكَ بِدَعْوَةِ نَبِيِّهِ، فَإِنِّي سَمِعْتُهُ أَمْسِ وَهُوَ يَقُولُ: اللَّهُمَّ أَيّدِ الإِسْلَامَ بِأَبِي الْحَكَمِ بْنِ هِشَامٍ أَوْ بِعُمَرِ بْنِ الْخَطَّابِ؛ فَاللهَ اللهَ يَا عُمَرُ.

فَقَالَ لَهُ عِنْدَ ذَلِكَ عُمَرُ: فَدُلَّنِي يَا خَبَّابُ عَلَى مُحَمَّدٍ حَتَّى آتِيَهُ فَأُسْلِمَ.

فَقَالَ لَهُ خَبَّابٌ: هُوَ فِي بَيْتٍ عِنْدَ الصَّفَا، مَعَهُ فِيهِ نَفَرٌ مِنْ أَصْحَابِهِ.

فَأَخَذَ عُمَرُ سَيْفَهُ فَتَوَشَّحَهُ، ثُمَّ عَمِدَ إلَى رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ وَأَصْحَابِهِ، فَضَرَبَ عَلَيْهِمُ الْبَابَ، فَلَمَّا سَمِعُوا صَوْتَهُ قَامَ رَجُلٌ مِنْ أَصْحَابِ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ، فَنَظَرَ مِنْ خَلَلِ الْبَابِ فَرَآهُ مُتَوَشِّحَاً السَّيْفَ، فَرَجَعَ إلَى رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ، وَهُوَ فَزَعٌ، فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللهِ، هَذَا عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ مُتَوَشِّحَاً السَّيْفَ.

فَقَالَ حَمْزَةُ بْنُ عَبْدِ المُطَّلِبِ: فَأْذَنَ لَهُ، فَإِنْ كَانَ جَاءَ يُرِيدُ خَيْرَاً بَذَلْنَاهُ لَهُ، وَإِنْ كَانَ جَاءَ يُرِيدُ شَرَّاً قَتَلْنَاهُ بِسَيْفِهِ.

فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ: «ائْذَنْ لَهُ».

فَأَذِنَ لَهُ الرَّجُلُ، وَنَهَضَ إلَيْهِ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ حَتَّى لَقِيَهُ فِي الْحُجْرَةِ، فَأَخَذَ حُجْزَتَهُ أَوْ بِمَجْمَعِ رِدَائِهِ ثُمَّ جَبَذَهُ بِهِ جَبْذَةً شَدِيدَةً وَقَالَ: «مَا جَاءَ بِكَ يَا ابْنَ الْخَطَّابِ؟ فَوَاللهِ مَا أَرَى أَنْ تَنْتَهِيَ حَتَّى يُنْزِلَ اللهُ بِكَ قَارِعَةً».

فَقَالَ عُمَرُ: يَا رَسُولَ اللهِ، جِئْتُك لِأُومِنَ بِاللهِ وَبِرَسُولِهِ وَبِمَا جَاءَ مِنْ عِنْد اللهِ.

قَالَ: فَكَبَّرَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ تَكْبِيرَةً عَرَفَ أَهْلُ الْبَيْتِ مِنْ أَصْحَابِ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ أَنَّ عُمَرَ قَدْ أَسْلَمَ.

خَاتِمَةٌ ـ نَسْأَلُ اللهَ تعالى حُسْنَ الخَاتِمَةِ ـ:

أَيُّهَا الإِخْوَةُ الكِرَامُ: دَخَلَ سَيِّدُنَا عُمَرُ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ في الإِسْلَامِ بِإِخْلَاصٍ مُتَنَاهٍ، وَعَمِلَ عَلَى تَأْكِيدِ الإِسْلَامِ بِكُلِّ مَا أُوتِيَ مِن قُوَّةٍ، وَقَالَ لِسَيِّدِنَا رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ: يَا رَسُولَ اللهِ، أَلَسْنَا عَلَى الْحَقِّ إِنْ مُتْنَا وَإِنْ حَيِينَا؟

قَالَ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ: «بَلَى وَالَّذِي نَـفْسِي بِيَدِهِ، إِنَّكُمْ عَلَى الْحَقِّ إِنْ مُتُّمْ وَإِنْ حَيِيتُمْ».

قَالَ: فَفِيمَ الاخْتِفَاءُ؟ وَالَّذِي بَعَثَكَ بِالْحَقِّ لَتَخْرُجَنَّ.

وَكَانَ الرَّسُولُ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ ـ عَلَى مَا يَبْدُو ـ قَدْ رَأَى أَنَّهُ قَدْ آنَ الأَوَانُ للإِعْلَانِ، وَأَنَّ الدَّعْوَةَ قَدْ غَدَتْ قَوِيَّةً تَسْتَطِيعُ أَن تَدْفَعَ عَنْ نَفْسِهَا، فَأَذِنَ بِالإِعْلَانِ، وَخَرَجَ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ في صَفَّيْنِ، عُمَرُ في أَحَدِهِمَا، وَحَمْزَةُ في الآخَرِ، وَلَهُمْ كَدِيدٌ كَكَدِيدِ الطَّحِينِ (الكَدِيدُ: التُّرَابُ النَّاعِمُ؛ فَإِذَا وُطِئَ ثَارَ غُبَارُهُ) حَتَّى دَخَلَ المَسْجِدَ، فَنَظَرَتْ قُرَيْشٌ إلى عُمَرَ وَحَمْزَةَ، فَأَصَابَتْهُم كَآبَةٌ لَمْ تُصَبْهُمْ قَطُّ، وَسَمَّاهُ سَيِّدُنَا رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ يَوْمَئِذٍ: الفَارُوقَ.

اللَّهُمَّ أَعِزَّنَا بِالإِسْلَامِ، وَأَعِزَّ الإِسْلَامَ بِنَا يَا أَرْحَمَ الرَّاحِمِينَ. آمين.

**    **    **

تاريخ الكلمة:

الخميس: 6/ ذو القعدة /1439هـ، الموافق: 19/ تموز / 2018م