141ـ كلمة شهر ذي القعدة 1439: لكنها عظيمة وكبيرة عند الله تعالى

141ـ كلمة شهر ذي القعدة 1439: لكنها عظيمة وكبيرة عند الله تعالى

مقدمة الكلمة:

الحمد لله رب العالمين، وأفضل الصلاة وأتم التسليم على سيدنا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين، أما بعد:

فَيَا أَيُّهَا الإِخْوَةُ الكِرَامُ: كُلَّمَا عَظُمَ الإِيمَانُ في القَلْبِ كُلَّمَا اشْتَدَّ خَشْيَةً مِنَ اللهِ تعالى، وَكُلَّمَا صَفَا القَلْبُ كُلَّمَا كَثُرَ خَوْفُهُ مِنَ اللهِ تعالى، وَهَذَا مَا مَيَّزَ السَّلَفَ عَنِ الخَلَفِ، إِلَّا مَا رَحِمَ رَبِّي عَزَّ وَجَلَّ، فَقَدْ جَاءَ في صَحِيحِ الإمام البخاري عَنْ أَنَسٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قَالَ: إِنَّكُمْ لَتَعْمَلُونَ أَعْمَالَاً، هِيَ أَدَقُّ فِي أَعْيُنِكُمْ مِنَ الشَّعَرِ، إِنْ كُنَّا لَنَعُدُّهَا عَلَى عَهْدِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ مِنَ المُوبِقَاتِ.

قَالَ أَبُو عَبْدِ اللهِ: يَعْنِي بِذَلِكَ المُهْلِكَاتِ.

وَكَلَامُ سَيِّدِنَا أَنَسٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ كَانَ للطَّبَقَةِ الثَّانِيَةِ في هَذِهِ الأُمَّةِ بَعْدَ الصَّحَابَةِ رَضِيَ اللهُ عَنْهُمْ، فَكَيْفَ لَو أَدْرَكَ زَمَانَنَا هَذَا، فَمَاذَا سَيَقُولُ؟

أُمُورٌ هَيِّنَةٌ في الأَعْيُنِ، لَكِنَّهَا عَظِيمَةٌ وَكَبِيرَةٌ مِنَ الكَبَائِرِ:

أَيُّهَا الإِخْوَةُ الكِرَامُ: هُنَاكَ أُمُورٌ يَحْسَبُهَا الكَثِيرُ مِنَ النَّاسِ هَيِّنَةً وَبَسِيطَةً وَيَسِيرَةً، وَلَكِنَّهَا عِنْدَ اللهِ تعالى عَظِيمَةٌ وَكَبِيرَةٌ مِنَ الكَبَائِرِ، كَمَا قَالَ تعالى: ﴿وَتَحْسَبُونَهُ هَيِّنَاً وَهُوَ عِنْدَ اللهِ عَظِيمٌ﴾. وَيَقُولُ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ: «إِنَّ العَبْدَ لَيَتَكَلَّمُ بِالكَلِمَةِ مِنْ رِضْوَانِ اللهِ، لَا يُلْقِي لَهَا بَالَاً، يَرْفَعُهُ اللهُ بِهَا دَرَجَاتٍ، وَإِنَّ العَبْدَ لَيَتَكَلَّمُ بِالكَلِمَةِ مِنْ سَخَطِ اللهِ، لَا يُلْقِي لَهَا بَالَاً، يَهْوِي بِهَا فِي جَهَنَّمَ» رواه الإمام البخاري عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ.

أَيُّهَا الإِخْوَةُ الكِرَامُ: مَنْ مِنَّا لَمْ يَسْمَعْ حَدِيثَ سَيِّدِنَا رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ الذي رواه الإمام البخاري عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا قَالَ: خَرَجَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ مِنْ بَعْضِ حِيطَانِ المَدِينَةِ، فَسَمِعَ صَوْتَ إِنْسَانَيْنِ يُعَذَّبَانِ فِي قُبُورِهِمَا، فَقَالَ: «يُعَذَّبَانِ، وَمَا يُعَذَّبَانِ فِي كَبِيرٍ، وَإِنَّهُ لَكَبِيرٌ، كَانَ أَحَدُهُمَا لَا يَسْتَتِرُ مِنَ البَوْلِ، وَكَانَ الآخَرُ يَمْشِي بِالنَّمِيمَةِ» ثُمَّ دَعَا بِجَرِيدَةٍ فَـكَسَرَهَا بِـكِسْرَتَيْنِ أَوْ ثِنْتَيْنِ، فَجَعَلَ كِسْرَةً فِي قَبْرِ هَذَا، وَكِسْرَةً فِي قَبْرِ هَذَا، فَقَالَ: «لَعَلَّهُ يُخَفَّفُ عَنْهُمَا مَا لَمْ يَيْبَسَا»؟

وَمَنْ مِنَّا لَمْ يَسْمَعْ حَدِيثَ سَيِّدِنَا رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ الذي رواه أبو داود عَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهَا قَالَتْ: قُلْتُ لِلنَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ: حَسْبُكَ مِنْ صَفِيَّةَ كَذَا وَكَذَا ـ قَالَ غَيْرُ مُسَدَّدٍ: تَعْنِي قَصِيرَةً ـ.

فَقَالَ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ: «لَقَدْ قُلْتِ كَلِمَةً لَوْ مُزِجَتْ بِمَاءِ الْبَحْرِ لَمَزَجَتْهُ».

قَالَتْ: وَحَكَيْتُ لَهُ إِنْسَانَاً.

فَقَالَ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ: «مَا أُحِبُّ أَنِّي حَكَيْتُ إِنْسَانَاً وَأَنَّ لِي كَذَا وَكَذَا»؟

أَيُّهَا الإِخْوَةُ الكِرَامُ: مِمَّا لَا شَكَّ فِيهِ أَنَّ مِمَّا يُهَوِّنُ الكَبَائِرَ عِنْدَ العَبْدِ، وَيَجْعَلُهَا في عَيْنِهِ صَغِيرَةً مِنَ الصَّغَائِرِ كَثْرَةُ المُخَالَطَةِ لِأَهْلِ الإِجْرَامِ، وَلِأَهْلِ الفِسْقِ، وَلِأَهْلِ العِصْيَانِ، فَكَثْرَةُ المُجَالَسَةِ لِأَهْلِ الظُّلْمِ وَأَهْلِ الفِسْقِ وَأَهْلِ العِصْيَانِ تُهَوِّنُ عَلَى العَبْدِ الذُّنُوبَ وَتُسَهِّلُهَا عَلَيْهِ.

فَعِنْدَمَا يُجَالِسُ العَبْدُ أَهْلَ الكَبَائِرِ تَهُونُ عَلَيْهِ صَغِيرَتُهُ أَمَامَ كَبِيرَةِ أَهْلِ الكَبَائِرِ، حَتَّى تَجْتَمِعَ عَلَيْهِ الصَّغَائِرُ فَتُهْلِكَهُ، كَمَا قَالَ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ: «إِيَّاكُمْ وَمُحَقَّرَاتِ الذُّنُوبِ، فَإِنَّهُنَّ يَجْتَمِعْنَ عَلَى الرَّجُلِ حَتَّى يُهْلِكْنَهُ» رواه الإمام أحمد عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ مَسْعُودٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ.

فَالاخْتِلَاطُ بِمَنْ يَتَسَاهَلُ في الكَبَائِرِ يُؤَثِّرُ بِلَا شَكٍّ في عُقُولِ النَّاسِ، وفي تَفْكِيرِهِمْ، وفي نَظْرَتِهِمْ للأُمُورِ.

أَيُّهَا الإِخْوَةُ الكِرَامُ: مَنْ هَانَتْ عَلَيْهِ الصَّغَائِرُ، وَقَعَ في الكَبَائِرِ، وَمَنْ هَانَتْ عَلَيْهِ الكَبَائِرُ اجْتَرَأَ عَلَى تَكْفِيرِ المُؤْمِنِينَ ـ وَالعِيَاذُ بِاللهِ تعالى ـ وَعَلَى سَفْكِ دِمَائِهِمْ، وَهَانَ عَلَيْهِ أَنْ يَجْعَلَ حَدِيثَ سَيِّدِنَا رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ خَلْفَ ظَهْرِهِ ـ وَالعِيَاذُ بِاللهِ تعالى ـ.

أَيُّهَا الإِخْوَةُ الكِرَامُ: مَنْ مِنَّا لَمْ يَسْمَعْ حَدِيثَ سَيِّدِنَا رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ الذي رواه الشيخان عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قَالَ: إِنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «لَا يَزْنِي الزَّانِي حِينَ يَزْنِي وَهُوَ مُؤْمِنٌ، وَلَا يَسْرِقُ السَّارِقُ حِينَ يَـسْرِقُ وَهُوَ مُؤْمِنٌ، وَلَا يَـشْرَبُ الْخَمْرَ حِينَ يَشْرَبُهَا وَهُوَ مُؤْمِنٌ»؟

وَمَنْ مِنَّا لَمْ يَسْمَعْ حَدِيثَ سَيِّدِنَا رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ الذي رواه الشيخان عَنْ أَبِي بَكْرَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «إِنَّ دِمَاءَكُمْ وَأَمْوَالَكُمْ حَرَامٌ عَلَيْكُمْ، كَحُرْمَةِ يَوْمِكُمْ هَذَا، فِي شَهْرِكُمْ هَذَا، فِي بَلَدِكُمْ هَذَا»؟

بَلْ مَنْ مِنَّا لَمْ يَسْمَعْ حَدِيثَ سَيِّدِنَا رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ الذي رواه الشيخان عَنْ جَرِيرٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «لَا تَرْجِعُوا بَعْدِي كُفَّارَاً، يَضْرِبُ بَعْضُكُمْ رِقَابَ بَعْضٍ»؟

بَلْ مَنْ مِنَّا لَمْ يَسْمَعْ حَدِيثَ سَيِّدِنَا رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ الذي رواه الشيخان عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ عُمَرَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا، أَنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «أَيُّمَا رَجُلٍ قَالَ لِأَخِيهِ يَا كَافِرُ، فَقَدْ بَاءَ بِهَا أَحَدُهُمَا»؟

خَاتِمَةٌ ـ نَسْأَلُ اللهَ تعالى حُسْنَ الخَاتِمَةَ ـ:

أَيُّهَا الإِخْوَةُ الكِرَامُ: مِنْ مَزَايَا الإِنْسَانِ المُسْلِمِ المُؤْمِنِ الذي آمَنَ بِاللهِ تعالى وَبِاليَوْمِ الآخِرِ، شِدَّةُ الوَرَعِ وَالاحْتِيَاطُ لِأَمْرِ دِينِهِ، فَهُوَ يَرَى الذَّنْبَ اليَسِيرَ القَلِيلَ عَظِيمَاً، لِأَنَّهُ لَا يَنْظُرُ إلى صِغَرِ الذَّنْبِ، وَلَكِنْ يَنْظُرُ إلى عَظَمَةِ الرَّبِّ تَبَارَكَ وتعالى، لَا يَنْظُرُ إلى الذَّنْبِ وَالمَعْصِيَةِ، بَلْ يَنْظُرُ لِمَنْ عَصَى.

المُؤْمِنُ الحَقُّ هُوَ مَنْ لَا يَجْتَرِئُ عَلَى مَعْصِيَةِ اللهِ تعالى، وَذَلِكَ لِقَوْلِهِ تعالى: ﴿قُلْ إِنِّي أَخَافُ إِنْ عَصَيْتُ رَبِّي عَذَابَ يَوْمٍ عَظِيمٍ﴾.

أَيُّهَا الإِخْوَةُ الكِرَامُ: سُئِلَ سَعِيدُ بْنُ جُبَيْرٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ: مَنْ أَعْبَدُ النَّاسِ؟

قَالَ: رَجُلٌ اجْتَرَحَ مِنَ الذُّنُوبِ، فَكُلَّمَا ذَكَرَ ذَنْبَهُ احْتَقَرَ عَمَلَهُ. رواه الإمام أحمد في الزهد.

أَسْأَلُ اللهَ تعالى الخَشْيَةَ وَالخَوْفَ مِنْهُ تَبَارَكَ وتعالى. آمين.

**      **    **

تاريخ الخطبة:

السبت: 1/ ذو القعدة /1439هـ، الموافق: 14/ تموز / 2018م