104ـ كلمات في مناسبات: درس فجر يوم عيد الأضحى المبارك 1439 هـ

 

104ـ كلمات في مناسبات: درس فجر يوم عيد الأضحى المبارك 1439 هـ

مقدمة الكلمة:

الحمد لله رب العالمين، وأفضل الصلاة وأتم التسليم على سيدنا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين، أما بعد:

فَيَا أَيُّهَا الإِخْوَةُ الكِرَامُ: هَا نَحْنُ في آخِرِ يَوْمٍ مِنْ أَيَّامِ عَـشْرِ ذِي الحِجَّةِ، وَهُوَ يَوْمُ النَّحْرِ، وَالنَّحْرُ فِيهِ أَحَبُّ الأَعْمَالِ إلى اللهِ تعالى، روى الترمذي عَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهَا، أَنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «مَا عَمِلَ آدَمِيٌّ مِنْ عَمَلٍ يَوْمَ النَّحْرِ أَحَبَّ إِلَى اللهِ مِنْ إِهْرَاقِ الدَّمِ».

هَا نَحْنُ في يَوْمِ عِيدِ الأَضْحَى المُبَارَكِ الذي عَظَّمَ اللهُ تعالى فِيهِ أَمْرَهُ، وَرَفَعَ قَدْرَهُ، وَسَمَّاهُ يَوْمَ الحَجِّ الأَكْبَرِ، لِأَنَّ الحُجَّاجَ يُؤَدُّونَ فِيهِ مُعْظَمَ مَنَاسِكِهِمْ، وَيَرْمُونَ فِيهِ جَمْرَةَ العَقَبَةِ الكُبْرَى، وَيَذْبَحُونَ هَدَايَاهُمْ، وَيَحْلِقُونَ رُؤُوسَهُمْ، وَيَطُوفُونَ بِالبَيْتِ، وَيَسْعَوْنَ بَيْنَ الصَّفَا وَالمَرْوَةِ.

هَا نَحْنُ اليَوْمَ في يَوْمِ عِيدٍ جَعَلَهُ اللهُ تعالى عِيدَاً يَعُودُ بِخَيْرِهِ وَفَضْلِهِ عَلَى المُسْلِمِينَ جَمِيعَاً، في هَذَا اليَوْمِ يَتَقَرَّبُ المُسْلِمُونَ إلى رَبِّهِمْ عَزَّ وَجَلَّ بِذَبْحِ هَدَايَاهُمْ وَضَحَايَاهُمْ اتِّبَاعَاً لِسُنَّةِ سَيِّدِنَا رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ، فَقَدْ نَحَرَ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ بِيَدِهِ الـشَّرِيفَةِ في حَجَّةِ الوَدَاعِ ثَلَاثَاً وَسِتِّينَ بَدَنَةً.

يَوْمُ النَّحْرِ يُذَكِّرُنَا بِإِيمَانِ سَيِّدِنَا إِبْرَاهِيمَ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ:

أَيُّهَا الإِخْوَةُ الكِرَامُ: يَوْمُ العِيدِ عِيدِ الأَضْحَى يُذَكِّرُنَا بِالإِيمَانِ العَمِيقِ، وَالإِخْلَاصِ الكَامِلِ، وَالطَّاعَةِ المُطْلَقَةِ، وَالتَّضْحِيَةِ التي لَا تَعْرِفُ التَّرَدُّدَ لِأَبِي الأَنْبِيَاءِ وَشَيْخِهِمْ سَيِّدِنَا إِبْرَاهِيمَ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ.

لَقَدْ أَرَاهُ اللهُ تعالى في المَنَامِ أَنَّهُ يَذْبَحُ وَلَدَهُ الوَحِيدَ، وَفِلْذَةَ كَبِدِهِ، سَيِّدَنَا إِسْمَاعِيلَ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ، الذي لَمْ يُرْزَقْ بِهِ إِلَّا بَعْدَ أَنْ كَبُرَتْ سِنُّهُ، وَانْحَنَى ظَهْرُهُ.

امتِحَانٌ قَاسٍ وَمَرِيرٌ، وَبَلَاءٌ مُبِينٌ لَا يُطِيقُهُ إِلَّا الأَقْوِيَاءُ المُحْسِنُونَ، كَسَيِّدِنَا إِبْرَاهِيمَ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ، الذي قَالَ اللهُ تعالى فِيهِ: ﴿وَإِذِ ابْتَلَى إِبْرَاهِيمَ رَبُّهُ بِكَلِمَاتٍ فَأَتَمَّهُنَّ قَالَ إِنِّي جَاعِلُكَ لِلنَّاسِ إِمَامَاً قَالَ وَمِنْ ذُرِّيَّتِي قَالَ لَا يَنَالُ عَهْدِي الظَّالِمِينَ * وَإِذْ جَعَلْنَا الْبَيْتَ مَثَابَةً لِلنَّاسِ وَأَمْنًا وَاتَّخِذُوا مِنْ مَقَامِ إِبْرَاهِيمَ مُصَلَّىً﴾.

لَقَدْ عَرَضَ سَيِّدُنَا إِبْرَاهِيمُ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ الأَمْرَ عَلَى وَلَدِهِ، فَقَالَ لَهُ: ﴿يَا بُنَيَّ إِنِّي أَرَى فِي الْمَنَامِ أَنِّي أَذْبَحُكَ فَانْظُرْ مَاذَا تَرَى قَالَ يَا أَبَتِ افْعَلْ مَا تُؤْمَرُ سَتَجِدُنِي إِنْ شَاءَ اللهُ مِنَ الصَّابِرِينَ﴾.

أَيُّهَا الإِخْوَةُ الكِرَامُ: هَكَذَا صَارَتِ الأُضْحِيَةُ سُنَّةَ سَيِّدِنَا إِبْرَاهِيمَ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ، وَلَيْسَتْ مُجَرَّدَ دَمٍ يُرَاقُ، إِنَّمَا هِيَ رَمْزٌ لِكُلِّ تَضْحِيَةٍ مَهْمَا كَانَ الثَّمَنُ غَالِيَاً وَعَزِيزَاً.

اذْكُرُوا في هَذَا اليَوْمِ إِخْلَاصَ سَيِّدِنَا إِبْرَاهِيمَ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ لِرَبِّهِ عَزَّ وَجَلَّ، وَطَاعَةَ سَيِّدِنَا إِسْمَاعِيلَ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ لِوَالِدِهِ.

وَاسْمَعُوا مَعَاشِرَ الأَبْنَاءِ بَعْدَ ذَلِكَ قَوْلَ اللهِ تعالى: ﴿وَقَضَى رَبُّكَ أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا إِيَّاهُ وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانَاً إِمَّا يَبْلُغَنَّ عِنْدَكَ الْكِبَرَ أَحَدُهُمَا أَوْ كِلَاهُمَا فَلَا تَقُلْ لَهُمَا أُفٍّ وَلَا تَنْهَرْهُمَا وَقُلْ لَهُمَا قَوْلَاً كَرِيمَاً * وَاخْفِضْ لَهُمَا جَنَاحَ الذُّلِّ مِنَ الرَّحْمَةِ وَقُلْ رَبِّ ارْحَمْهُمَا كَمَا رَبَّيَانِي صَغِيرَاً﴾.

وَاعْلَمُوا أَنَّ رِضَاءَ الآبَاءِ مِنْ رِضَا اللهِ تعالى، وَأَنَّ غَضَبَهُمَا مِنْ غَضَبِ اللهِ، وَأَنْتُمْ مُطَالَبُونَ بِبِرِّهِمْ في حَالِ حَيَاتِهِمْ وَبَعْدَ مَوْتِهِمْ.

كُنْ بَارَّاً بِوَالِدَيْكَ:

أَيُّهَا الأَخُ الكَرِيمُ المُضَحِّي، اعْلَمْ بِأَنَّ الأُضْحِيَةَ تُعَلِّمُكَ بِأَنْ تَكُونَ بَارَّاً بِوَالِدَيْكَ، فَكُنْ حَرِيصَاً عَلَى بِرِّهِمَا وَطَاعَتِهِمَا، فَرُبَّمَا يُنْجِيكَ اللهُ تعالى مِنَ الشَّرِّ وَالسُّوءِ بِسَبَبِ دَعْوَةٍ صَالِحَةٍ مِنْ أَبَوَيْكَ.

اجْعَلْ دُعَاءَ وَالِدَيْكَ زَادَاً لَكَ في حَيَاتِكَ كُلِّهَا، فَلَنْ يَكُونَ أَحَدٌ أَسْعَدَ مِنْكَ إِذَا سَمِعْتَ دُعَاءَ وَالِدَيْكَ: اللهُ يَحْفَظُكَ يَا وَلَدِي، اللهُ يَرْضَى عَلَيْكَ يَا وَلَدِي، اللهُ يَتَوَلَّاكَ يَا وَلَدِي.

أَيُّهَا المُضَحِّي الكَرِيمُ، لَا تَغْتَرَّ بِأُضْحِيَتِكَ إِذَا كُنْتَ عَاقَّاً لِوَالِدَيْكَ، وَتَذَكَّرْ دُعَاءَ أُمِّ جُرَيْجٍ عَلَى وَلَدِهَا، وَكَيْفَ أَجَابَ اللهُ تعالى دُعَاءَهَا عَلَيْهِ، وَهُوَ العَابِدُ الذي كَانَ مَشْغُولَاً عَنْ إِجَابَتِهَا بِالصَّلَاةِ.

روى الإمام البخاري عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ: «كَانَ رَجُلٌ فِي بَنِي إِسْرَائِيلَ يُقَالُ لَهُ جُرَيْجٌ يُصَلِّي، فَجَاءَتْهُ أُمُّهُ، فَدَعَتْهُ، فَأَبَى أَنْ يُجِيبَهَا، فَقَالَ: أُجِيبُهَا أَوْ أُصَلِّي، ثُمَّ أَتَتْهُ فَقَالَتْ: اللَّهُمَّ لَا تُمِتْهُ حَتَّى تُرِيَهُ وُجُوهَ المُومِسَاتِ».

فَمَا رَأْيُكَ لَو دَعَا وَالِدَاكَ ـ لَا قَدَّرَ اللهُ تعالى ـ عَلَيْكَ، وَأَنْتَ قَدِ انْغَمَسْتَ في مَعْصِيَةِ اللهِ تعالى، وَانْشَغَلْتَ بِجَوَّالِكَ وَمُحَادَثَاتِكَ وَاتِّبَاعِ أَهْوَائِكَ وَشَهَوَاتِكَ وَقُرَنَاءِ السُّوءِ عَنْهُمَا؟

كُنْ وَاصِلَاً لِرَحِمِكَ:

أَيُّهَا الأَخُ الكَرِيمُ المُضَحِّي، اعْلَمْ أَنَّ امْتِثَالَكَ لِأَمْرِ اللهِ تعالى: ﴿فَصَلِّ لِرَبِّكَ وَانْحَرْ﴾. وَلِقَوْلِ نَبِيِّكَ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ: «مَنْ وَجَدَ سَعَةً فَلَمْ يُضَحِّ، فَلَا يَقْرَبَنَّ مُصَلَّانَا» رواه الإمام أحمد عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ. يَدْفَعُكَ لِأَهَمِّ الأَعْمَالِ الصَّالِحَةِ التي يُحِبُّهَا اللهُ تعالى، وَخَاصَّةً في هَذَا اليَوْمِ، وَهِيَ صِلَةُ الرَّحِمِ، فَهِيَ مِنْ أَعْظَمِ الطَّاعَاتِ وَأَحَبِّهَا إلى اللهِ تعالى.

صِلَةُ الأَرْحَامِ صِفَةٌ مِنْ صِفَاتِ أَهْلِ الجَنَّةِ، وَمُوجِبَةٌ مِنَ اللهِ تعالى الكَرَامَةَ وَالمِنَّةَ، مَنْ وَصَلَ رَحِمَهُ وَصَلَهُ اللهُ تعالى، وَمَنْ قَطَعَ رَحِمَهُ قَطَعَهُ اللهُ تعالى.

روى الشيخان عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «خَلَقَ اللهُ الخَلْقَ، فَلَمَّا فَرَغَ مِنْهُ قَامَتِ الرَّحِمُ، فَأَخَذَتْ بِحَقْوِ الرَّحْمَنِ، فَقَالَ لَهُ: مَهْ.

قَالَتْ: هَذَا مَقَامُ العَائِذِ بِكَ مِنَ القَطِيعَةِ.

قَالَ: أَلاَ تَرْضَيْنَ أَنْ أَصِلَ مَنْ وَصَلَكِ، وَأَقْطَعَ مَنْ قَطَعَكِ.

قَالَتْ: بَلَى يَا رَبِّ.

قَالَ: فَذَاكِ».

قَالَ أَبُو هُرَيْرَةَ: اقْرَؤُوا إِنْ شِئْتُمْ: ﴿فَهَلْ عَسَيْتُمْ إِنْ تَوَلَّيْتُمْ أَنْ تُفْسِدُوا فِي الأَرْضِ وَتُقَطِّعُوا أَرْحَامَكُمْ﴾.

وَيَقُولُ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ: «قَالَ اللهُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى: أَنَا الرَّحْمَنُ، خَلَقْتُ الرَّحِمَ، وَشَقَقْتُ لَهَا مِنِ اسْمِي، فَمَنْ وَصَلَهَا وَصَلْتُهُ، وَمَنْ قَطَعَهَا بَتَتُّهُ» رواه الحاكم عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَوْفٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ.

صِلُوا أَرْحَامَكُمْ، وَعَلِّمُوا أَبْنَاءَكُمْ صِلَةَ الأَرْحَامِ، عَوِّدُوهُمْ على صِلَةِ الأَعْمَامِ وَالعَمَّاتِ، وَالأَخْوَالِ وَالخَالَاتِ، رَبُّوا أَبْنَاءَكُمْ على ذَلِكَ، فَمَنْ رَبَّى وَلَدَهُ على صِلَةِ الأَرْحَامِ كَتَبَ اللهُ تعالى لَهُ أَجْرَهُ، فَلَا رَفَعَ قَدَمَاً يَصِلُهَا، وَلَا تَكَلَّمَ كَلِمَةً يَبُرُّهَا، إلا أُجِرْتُمْ عَلَيْهَا.

أَيُّهَا الإِخْوَةُ الكِرَامُ: كُونُوا على حَذَرٍ مِنْ قَطِيعَةِ الرَّحِمِ، فَهِيَ مِنْ أَكْبَرِ الكَبَائِرِ، وَمِنْ أَعْظَمِ الذُّنُوبِ وَأَجَلِّهَا، لِقَولِهِ تعالى: ﴿فَهَلْ عَسَيْتُمْ إِنْ تَوَلَّيْتُمْ أَنْ تُفْسِدُوا فِي الْأَرْضِ وَتُقَطِّعُوا أَرْحَامَكُمْ * أُولَئِكَ الَّذِينَ لَعَنَهُمُ اللهُ فَأَصَمَّهُمْ وَأَعْمَى أَبْصَارَهُمْ﴾.

وروى البيهقي عَنْ أَبِي أَيُّوبَ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قَالَ: جَاءَ عَشِيَّةَ خَمِيسٍ لَيْلَةَ الْجُمُعَةِ، فَقَعَدَ النَّاسُ حَوْلَهُ، قَالَ: أُحَرِّجُ عَلَى كُلِّ قَاطِعِ رَحِمٍ إِلَّا قَامَ مِنْ عِنْدِنَا.

قَالَ: فَقَامَ شَابٌّ فَأَتَى عَمَّةً لَهُ قَدْ حَرَّمَهَا مُنْذُ سِنِينَ، فَسَلَّمَ عَلَيْهَا.

فَقَالَتِ: ابْنَ أَخِي، مَا جَاءَ بِكَ؟

قَالَ: لَا، إِلَّا أَنِّي قَعَدْتُ إِلَى أَبِي هُرَيْرَةَ فَقَالَ: أُحَرِّجُ عَلَى كُلِّ قَاطِعِ رَحِمٍ إِلَّا قَامَ مِنْ عِنْدِنَا، حَتَّى كَانَتِ الثَّالِثَةُ.

قَالَتْ: ارْجِعْ إِلَيْهِ فَاسْأَلْهُ لِمَ قَالَ ذَلِكَ؟

فَرَجَعَ إِلَيْهِ فَقَصَّ عَلَيْهِ الْقِصَّةَ مَا كَانَ مِنْ أَمْرِهِ وَمَا قَالَتْ لَهُ عَمَّتُهُ.

فَقَالَ أَبُو هُرَيْرَةَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: «إِنَّ أَعْمَالَ بَنِي آدَمَ تُعْرَضُ كُلَّ خَمِيسٍ لَيْلَةَ الْجُمُعَةِ، فَلَا يُقْبَلُ عَمَلُ قَاطِعِ رَحِمٍ».

وفي رِوَايَةٍ أُخْرَى قَالَ أَبُو هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ للفَتَى: اجْلِسْ، فَقَدْ أَحْسَنْتَ، إِلَّا أَنَّهَا لَا تَنْزِلُ الرَّحْمَةُ عَلَى قَوْمٍ فِيهِمْ قَاطِعُ رَحِمٍ.

أَيُّهَا الإِخْوَةُ الكِرَامُ: إِذَا كَانَ هَذَا فِيمَنْ جَاوَرَ قَاطِعَ الرَّحِمِ، فَكَيْفَ بِقَاطِعِ الرَّحِمِ وَالعِيَاذُ بِاللهِ تعالى؟ ﴿أُولَئِكَ الَّذِينَ لَعَنَهُمُ اللهُ فَأَصَمَّهُمْ وَأَعْمَى أَبْصَارَهُمْ﴾.

يُقَالُ: إِنَّ الإِنْسَانَ إِذَا قَطَعَ رَحِمَهُ يُصِيبُهُ الصَّمَمُ وَعَمَى البَصِيرَةِ، بِمَعْنَى: لَا يَنْتَفِعُ بِمَوْعِظَةٍ يَسْمَعُهَا بِأُذُنِهِ ـ وَالعِيَاذُ بِاللهِ تعالى ـ وَلَا يَعْتَبِرُ بِآيَةٍ يَرَاهَا بِعَيْنِهِ، فَيُخْتَمُ عَلَيْهِ تَمَامَاً ـ وَالعِيَاذُ بِاللهِ تعالى ـ.

أَيُّهَا الإِخْوَةُ الكِرَامُ: احْذَرُوا قَطِيعَةَ الرَّحِمِ وَلَو أَسَاءَتْ، وَاحْذَرُوا مِنَ الأَمْرِ بِقَطِيعَةِ الرَّحِمِ بِحَالِكُمْ أَو قَالِكُمْ، لِأَنَّ الرَّحِمَ إِذَا قُطِعَتْ بِأَمْرٍ مِنْكُمْ حَالَاً أَو قَالَاً، حَمَلْتُمْ وِزْرَهَا، يَقُولُ اللهُ تعالى: ﴿وَلَيَحْمِلُنَّ أَثْقَالَهُمْ وَأَثْقَالَاً مَعَ أَثْقَالِهِمْ وَلَيُسْأَلُنَّ يَوْمَ الْقِيَامَةِ عَمَّا كَانُوا يَفْتَرُونَ﴾.

أَيُّهَا الإِخْوَةُ الكِرَامُ: لِنَتَّقِ اللهَ تعالى في الرَّحِمِ، وَلْنَأْخُذْ بِأَيْدِي أَبْنَائِنَا لِزِيَارَةِ الأَرْحَامِ، وَخَاصَّةً الرَّحِمِ التي أَسَاءَتْ، روى الإمام مسلم عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ، أَنَّ رَجُلَاً قَالَ: يَا رَسُولَ اللهِ، إِنَّ لِي قَرَابَةً أَصِلُهُمْ وَيَقْطَعُونِي، وَأُحْسِنُ إِلَيْهِمْ وَيُسِيئُونَ إِلَيَّ، وَأَحْلُمُ عَنْهُمْ وَيَجْهَلُونَ عَلَيَّ.

فَقَالَ: «لَئِنْ كُنْتَ كَمَا قُلْتَ، فَكَأَنَّمَا تُسِفُّهُمُ الْـمَلَّ، وَلَا يَزَالُ مَعَكَ مِنَ اللهِ ظَهِيرٌ عَلَيْهِمْ مَا دُمْتَ عَلَى ذَلِكَ». صِلُوا أَرْحَامَكُمُ التي قَطَعَتْكُمْ فَأَنْتُمُ الرَّابِحُونَ، وَهُمُ الخَاسِرُونَ، وَأَنْتُمُ النَّاجُونَ، وَهُمُ الهَالِكُونَ.

خَاتِمَةٌ ـ نَسْأَلُ اللهَ تعالى حُسْنَ الخَاتِمَةَ ـ:

أَيُّهَا الإِخْوَةُ الكِرَامُ: اغْتَنِمُوا هَذَا اليَوْمَ الأَخِيرَ مِنْ أَيَّامِ عَـشْرِ ذِي الحِجَّةِ بِالعَمَلِ الصَّالِحِ، لِأَنَّهُ في الحَقِيقَةِ سَبَبٌ عَظِيمٌ مِنْ أَسْبَابِ الثَّبَاتِ عَلَى دِينِ اللهِ تعالى وَشَرْعِهِ، قَالَ تعالى: ﴿إِنَّ الَّذِينَ قَالُوا رَبُّنَا اللهُ ثُمَّ اسْتَقَامُوا فَلَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ﴾.

العَمَلُ الصَّالِحُ سَبَبٌ عَظِيمٌ في غَرْسِ الوُدِّ في قُلُوبِ العِبَادِ، قَالَ تعالى: ﴿إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ سَيَجْعَلُ لَهُمُ الرَّحْمَنُ وُدَّاً﴾.

العَمَلُ الصَّالِحُ يُحِبُّهُ اللهُ تعالى، وَخَاصَّةً في أَيَّامِ عَشْرِ ذِي الحِجَّةِ، وَهَا هُوَ اليَوْمُ الأَخِيرُ مِنْهَا، فَالسَّعِيدُ مَنِ اغْتَنَمَهُ، وَسَأَلَ اللهَ تعالى الثَّبَاتَ عَلَى العَمَلِ الصَّالِحِ مَعَ الإِخْلَاصِ.

اللَّهُمَّ أَكْرِمْنَا بِذَلِكَ. آمين.

**      **    **

الثلاثاء: 10/ ذو الحجة /1439هـ، الموافق: 21/ آب / 2018م