33ـ أسلوب حُجته صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ

 

من كتاب سيدنا محمد رسول اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ

33ـ أسلوب حُجته صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ

مقدمة الكلمة:

الحمد لله رب العالمين، وأفضل الصلاة وأتم التسليم على سيدنا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين، أما بعد:

فَيَا أَيُّهَا الإِخْوَةُ الكِرَامُ:

حَدِيثُهُ، أَوحَدِيثٌ عَـنْهُ يُطْرِبُني   ***   هَذَا إِذَا غَابَ، أَوْ هَذَا إِذَا حَضَرَا

كِـلَاهُمَا حَـسَنٌ عِـنْدِي أُسَرُّ بِهِ   ***    لَكِنَّ أَحْلَاهُمَا مَا وَافَقَ الـــنَّظَرَا

يَقُولُ الشَّيْخُ العَلَّامَةُ المُحَدِّثُ عَبْدُ اللهِ سِرَاجُ الدِّينِ رَحِمَهُ اللهُ تعالى في كِتَابِهِ: سَيِّدُنَا مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ: وَانْظُرْ في أُسْلُوبِ حُجَّتِهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ مَعَ الرَّجُلِ الذي جَاءَ يَطْلُبُ مِنْهُ أَنْ يُرَخَّصَ لَهُ بِالزِّنَا، كَمَا وَرَدَ في المُسْنَدِ أَنَّهُ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ جَاءَهُ رَجُلٌ يَسْتَأْذِنُهُ في الزِّنَا.

فَقَالَ لَهُ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ: «أَتَرْضَى أَنْ يَزْنِيَ النَّاسُ بِأُمِّكَ».

فَقَالَ: لَا.

فَقَالَ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ: «وَكَذَلِكَ النَّاسُ يَكْرَهُونَ، أَتَرْضَى أَنْ يَزْنِيَ النَّاسُ بِأُخْتِكَ؟».

فَقَالَ: لَا.

قَالَ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ: «فَكَذَلِكَ النَّاسُ يَكْرَهُونَ».

ثُمَّ قَالَ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ: «أَتَرْضَى أَنْ يَزْنِيَ النَّاسُ بِابْنَتِكَ؟».

فَقَالَ: لَا.

قَالَ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ: «فَكَذَلِكَ النَّاسُ يَكْرَهُونَ».

فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللهِ، أُشْهِدُكَ أَنَّنِي تُبْتُ مِنَ الزِّنَا.

فَانْظُرْ في لَطَافَةِ هَذَا الأُسْلُوبِ في الحُجَّةِ، وَدِقَّتِهَا وَقُوَّةِ تَأْثِيرِهَا في النُّفُوسِ!

ثَالِثَاً: إِنَّ حُسْنَ تَأْلِيفِهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ بَيْنَ قَوْمِهِ الذينَ كَانُوا أَشْتَاتَاً مُنْقَسِمِينَ عَلَى بَعْضِهِمْ، وَرَفْعَهُ الخِلَافَ مِنْ بَيْنِهِمْ، وَإِبْعَادَهُ إِيَّاهُمْ عَنِ الشَّحْنَاءِ وَالبَغْضَاءِ، لَا سِيَّمَا في مَحَازِّ الاخْتِلَافَاتِ، وَمَثَارِ العَصَبِيَّاتِ وَالقَبَلِيَّاتِ، إِنَّ هَذَا لَمِنْ أَكْبَرِ الشَّوَاهِدِ عَلَى سَعَةِ عَقْلِهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ، وَسُمُوِّ فِكْرِهِ، وَإِلَيْكَ حَادِثَةُ وَضْعِ الحَجَرِ الأَسْوَدِ في مَوْضِعِهِ، وَتَنَازُعِ قَبَائِلِ العَرَبِ وَتَنَافُسِهِمْ، وَتَزَاحُمِهِمْ عَلَى ذَلِكَ حَتَّى هَمُّوا بِبَعْضِهِمْ، فَلَمْ يُخْرِجْهُمْ مِنْ ذَلِكَ إِلَّا رَأْيُهُ السَّدِيدُ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ، حَتَّى إِنَّهُمْ أَصْبَحُوا رَاضِينَ، وَكَانَ ذَلِكَ قَبْلَ بِعْثَتِهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ، وَلَهُ مِنَ العُمُرِ خَمْسٌ وَثَلَاثُونَ سَنَةً! وَذَلِكَ أَنَّ قُرَيْشَاً لَمَّا جَدَّدَتْ بِنَاءَ الكَعْبَةِ تَنَازَعُوا في رَفْعِ الحَجَرِ الأَسْوَدِ، وَتَنَافَسُوا رَجَاءَ أَنْ تَنَالَ كُلُّ قَبِيلَةٍ شَرَفَ رَفْعِهِ وَوَضْعِهِ في مَوْضِعِهِ، وَعظُمَ القِيلُ وَالقَالُ بَيْنَهُمْ، ثُمَّ إِنَّهُمْ قَالُوا: نُحَكِّمُ أَوَّلَ دَاخِلٍ مِنْ بَابِ بَنِي شَيْبَةَ، فَكَانَ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ أَوَّلَ مَنْ دَخَلَ مِنْهُ، فَأَخْبَرُوهُ.

فَأَمَرَ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ بِثَوْبٍ فَجِيءَ بِهِ، فَوَضَعَ الحَجَرَ وَسَطَ الثَّوْبِ وَأَمَرَ كُلَّ فَخِذٍ مِنْ أَفْخَاذِ العَرَبِ أَنْ يَأْخُذُوا بِطَرَفٍ مِنَ الثَّوْبِ ـ أَيْ: بِجَانِبٍ مِنْهُ ـ فَرَفَعُوهُ كُلُّهُمْ، فَلَمَّا أَنْهَوْهُ إلى مَقَرِّهِ، أَخَذَهُ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ فَوَضَعَهُ بِيَدِهِ في مَوْضِعِهِ.

وَقَدْ رَوَى هَذِهِ القِصَّةَ أَبُو دَاوُدَ الطَّيَالِسِي وَابْنُ رَاهويه وَغَيْرُهُمَا، كَمَا في الجُزْءِ الأَوَّلِ مِنْ شَرْحِ المَوَاهِبِ.

خَاتِمَةٌ ـ نَسْأَلُ اللهَ تعالى حُسْنَ الخَاتِمَةِ ـ:

أَيُّهَا الإِخْوَةُ الكِرَامُ: فَانْظُرْ كَيْفَ سَلَكَ بِهِمْ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ طَرِيقَ الإِنْصَافِ لِيَرْفَعَ مِنْ بَيْنِهِمُ الخِلَافَ.

اللَّهُمَّ وَفِّقْنَا لِاتِّبَاعِ سَيِّدِنَا رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ. آمين.

تاريخ الكلمة:

الثلاثاء: 13/رمضان/1439هـ، الموافق: 29/ أيار / 2018م