34ـ الأدلة على أرجحية عقله صلى الله عليه وسلم

 

من كتاب سيدنا محمد رسول اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ

34ـ الأدلة على أرجحية عقله صلى الله عليه وسلم

مقدمة الكلمة:

الحمد لله رب العالمين، وأفضل الصلاة وأتم التسليم على سيدنا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين، أما بعد:

فَيَا أَيُّهَا الإِخْوَةُ الكِرَامُ:

حَدِيثُهُ، أَوحَدِيثٌ عَـنْهُ يُطْرِبُني   ***   هَذَا إِذَا غَابَ، أَوْ هَذَا إِذَا حَضَرَا

كِـلَاهُمَا حَـسَنٌ عِـنْدِي أُسَرُّ بِهِ   ***    لَكِنَّ أَحْلَاهُمَا مَا وَافَقَ الـــنَّظَرَا

يَقُولُ الشَّيْخُ العَلَّامَةُ المُحَدِّثُ عَبْدُ اللهِ سِرَاجُ الدِّينِ رَحِمَهُ اللهُ تعالى في كِتَابِهِ: سَيِّدُنَا مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ: رابعاً: وَمِنْ أَعْظَم ِمَا يَدُلُّ عَلَى أَرْجَحِيَّةِ عَقْلِهِ الشَّرِيفِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ وَفَرْطِ ذَكَائِهِ مَوَاقِفُهُ اليَقِظَةُ مَعَ المُتَصَدِّينَ لَهُ بِالعَدَاوَةِ، وَأَخْذُهُ بِأَنْوَاعِ الحَذَرِ مِنْهُمْ، وَرَدُّهُ مَكْرَهُمْ عَلَيْهِمْ، وَيَظْهَرُ ذَلِكَ في الوَقَائِعِ مَعَهُمْ، وَنُقَدِّمُ إِلَيْكَ نَمَاذِجَ مُوجَزَةً:

1ـ أَخْذُهُ بِأَسْبَابِ التَّحَفُّظِ مِنْ مَكْرِهِمْ وَخَدِيعَتِهِمْ: كَمَا وَرَدَ عَنْ زَيْدِ بْنِ ثَابِتٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قَالَ: أُتِيَ بِي إلى النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ مَقْدِمَهُ المَدِينَةِ (أَيْ: حِينَ قَدِمَ المَدِينَةَ).

فَقِيلَ لَهُ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ: هَذَا مِنْ بَنِي النَّجَّارِ، وَقَدْ قَرَأَ سَبْعَ عَشْرَةَ سُورَةً.

فَقَرَأْتُ عَلَيْهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ، فَأَعْجَبَهُ ذَلِكَ.

فَقَالَ لِي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ: «تَعَلَّمْ كِتَابَ الْيَهُودِ (أَيْ: كِتَابَتَهُمْ وَلُغَتَهُمْ) فَإِنِّي مَا آمُنُهُمْ عَلَى كِتَابِي».

قَالَ زَيْدٌ : فَفَعَلْتُ، فَمَا مَضَى لِي نِصْفُ شَهْرٍ حَتَّى حَذِقْتُهُ، فَكُنْتُ أَكْتُبُ لَهُ إِلَيْهِمْ، وَإِذَا كَتَبُوا إِلَيْهِ قَرَأْتُ لَهُ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ. اهـ. عَزَاهُ الحَافِظُ في الإِصَابَةِ إلى البُخَارِيِّ تَعْلِيقَاً، وَإِلَى البَغَوِيِّ وَأَبِي يَعْلَى مَوْصُولَاً.

وَقَالَ في الإِصَابَةِ: وَرُوِينَاهُ في مُسْنَدِ عَبْدِ بْنِ حُمَيْدٍ مِنْ طَرِيقِ ثَابِتِ بْنِ عُبَيْدٍ عَنْ زَيْدِ بْنِ ثَابِتٍ قَالَ: قَالَ لِي النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ: «إِنِّي أَكْتُبُ إِلَى قَوْمٍ فَأَخَافُ أَنْ يَزِيدُوا عَلَيَّ أَوْ يَنْقُصُوا؛ فَتَعَلَّمِ السُّرْيَانِيَّةَ».

قَالَ زَيْدٌ: فَتَعَلَّمْتُهَا فِي سَبْعَةَ عَشَرَ يَوْمَاً.

وَفِي خِطَطِ المَقْرِيزِيِّ: كِتَابَةُ السِّرْيَانِيَّةِ قَدِيمَةٌ، لَهَا أَصْلٌ في السُّنَّةِ، فَقَدْ أَخْرَجَ أَبُو بَكْرٍ عَبْدُ اللهِ بْنُ أَبِي دَاوُدَ في كِتَابِ المَصَاحِفِ عَنْ زَيْدِ بْنِ ثَابِتٍ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ: «إِنَّهَا تَأْتِينِي كُتُبٌ لَا أُحِبُّ أَنْ يَقْرَأَهَا كُلُّ أَحَدٍ، فَهَلْ تَسْتَطِيعُ أَنْ تَعَلَّمَ كِتَابَ العِبْرَانِيَّةِ ـ أَو قَالَ: السُّرْيَانِيَّةِ؟ ـ».

فَقُلْتُ: نَعَمْ؛ فَتَعَلَّمْتُهَا فِي سَبْعَ عَشْرَةَ لَيْلَةً.

فَقَدْ أَمَرَ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ زَيْدَ بْنَ ثَابِتٍ أَنْ يَتَعَلَّمَ العِبْرَانِيَّةَ، لِيُكَاتِبَ اليَهُودَ بِلُغَتِهِمْ، وَلِيَأْمَنَ تَلَاعُبَهُمْ في المُكَاتَبَاتِ، وَلِغَيْرِ ذَلِكَ.

وَمِنْ ثَمَّ قِيلَ: مَنْ تَعَلَّمَ لُغَةَ قَوْمٍ أَمِنَ مَكْرَهُمْ.

2ـ إِرْسَالُهُ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ مَنْ يَكْشِفُ عَنْ عَدَدِ العَدُوِّ وَعُدَّتِهِ، وَأَسَالِيبُهُ في مَعْرِفَةِ ذَلِكَ:

فَقَدْ رَوَى أَبُو دَاوُدَ الطَّيَالِسِيِّ وَابْنُ رَاهَوَيْهِ وَغَيْرُهُمَا، أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ بَعَثَ يَوْمَ بَدْرٍ عَلِيَّاًً كَرَّمَ اللهُ تعالى وَجْهَهُ وَالزُّبَيْرَ وَسَعْدَ بْنَ مَالِكٍ في نَفَرٍ إلى مَاءِ بَدْرٍ، يَلْتَمِسُونَ لَهُ الخَبَرَ عَنِ العَدُوِّ: عَدَدِهِمْ وَعُدَّتِهِمْ، فَأَصَابُوا رَاوِيَةً لِقُرَيْشٍ فِيهَا غُلَامٌ ـ أَيْ: عَبْدٌ مَمْلُوكٌ ـ لِبَنِي الحَجَّاجِ، وَغُلَامٌ لِبَنِي العَاصِ، فَجَعَلُوا يَسْأَلُونَهُمَا عَنْ عَدَدِ القَوْمِ المُشْرِكِينَ، فَطَفِقَا يَقُولَنَّ: العَدَدُ كَثِيرٌ، فَأَتَوْا بِهِمَا رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ وَهُوَ يُصَلِّي، فَلَمَّا سَلَّمَا قَالَ: «أَخْبِرَانِي عَنْ قُرَيْشٍ».

فقالَا: هُمْ وَرَاءَ هَذَا الكَثِيبِ الذي تَرَاهُ بِالعُدْوَةِ القُصْوَى.

فَقَالَ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ: «كَمِ القَوْمُ؟».

فَقَالَا: كَثِيرٌ.

فَقَالَ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ: «مَا عِدَّتَهُمْ؟».

قَالَا: مَا نَدْرِي.

فَقَالَ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ: «كَمْ يَنْحَرُونَ ـ أَيْ: مِنَ الإِبِلِ ـ كُلَّ يَوْمٍ؟».

فَقَالَا: يَوْمَاً تِسْعَاً وَيَوْمَاً عَشْرَاً.

فَقَالَ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ لِأَصْحَابِهِ: «القَوْمُ ـ أَيْ: العَدُوُّ ـ مَا بَيْنَ التِّسْعِمَائَةِ وَالأَلْفِ» وَكَانَ الأَمْرُ كَذَلِكَ. انظر شرح المواهب.

خَاتِمَةٌ ـ نَسْأَلُ اللهَ تعالى حُسْنَ الخَاتِمَةِ ـ:

أَيُّهَا الإِخْوَةُ الكِرَامُ: 3ـ إِرْسَالُهُ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ مَنْ يَكْشِفُ لَهُ عَنْ خَبَرِ الأَعْدَاءِ، مِنْ طَرِيقٍ خَفِيِّ الحَالِ وَالقَالِ: وَمِنْ ذَلِكَ إِرْسَالُهُ حُذَيْفَةَ يَوْمَ الأَحْزَابِ، وَقَوْلُهُ: «يَا حُذَيْفَةُ، اذْهَبْ فَادْخُلْ فِي الْقَوْمِ فَانْظُرْ مَا يَفْعَلُونَ، وَلَا تُحْدِثْ شَيْئَاً حَتَّى تَأْتِيَنَا».

وَفِي رِوَايَةٍ: «اذْهَبْ فَائْتِنِي بِخَبَرِ القَوْمِ وَلَا تُحْدِثْ شَيْئَاً حَتَّى تَأْتِيَنِي» عَزَاهُ في شَرْحِ المَوَاهِبِ وَغَيْرِهِ إلى ابْنِ إِسْحَاقَ.

اللَّهُمَّ وَفِّقْنَا لِاتِّبَاعِ سَيِّدِنَا رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ. آمين.

تاريخ الكلمة:

الثلاثاء: 13/رمضان/1439هـ، الموافق: 29/ أيار / 2018م