629ـ خطبة الجمعة: حبه صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ متعة عظيمة

 

629ـ خطبة الجمعة: حبه صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ متعة عظيمة

مقدمة الخطبة:

الحمد لله رب العالمين، وأفضل الصلاة وأتم التسليم على سيدنا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين.

أما بعد، فَيَا عِبَادَ اللهِ: إِنَّ الحَدِيثَ عَنْ سَيِّدِنَا رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ، وَعَنْ مَنْزِلَتِهِ الرَّفِيعَةِ، وَعَنْ مَحَبَّتِهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ، لَمُتْعَةٌ عَظِيمَةٌ؛ فَالأَلْسِنَةُ تَـتَشَرَّفُ بِذِكْرِهِ وَالصَّلَاةِ وَالسَّلَامِ عَلَيْهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ، وَالآذَانُ تَطْرَبُ بِسَمَاعِ سِيرَتِهِ وَهَدْيِهِ وَحَدِيثِهِ، وَأَمَّا العُقُولُ فَتَخْضَعُ لِمَا جَاءَ بِهِ، وَأَمَّا الجَوَارِحُ الظَّاهِرَةُ وَالبَاطِنَةُ فَتَنْتَفِعُ وَتَتَمَتَّعُ بِمُوَافَقَتِهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ دُنْيَا وَأُخْرَى.

وَالأُمَّةُ إِذَا أَرَادَتْ أَنْ تَحْيَا حَيَاةً طَيِّبَةً كَرِيمَةً، فَلَا يَسَعُهَا إِلَّا الارْتِبَاطُ بِهَدْيِهِ وَسِيرَتِهِ وَسُنَّتِهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ، وَهَذَا لَا يَكُونُ إِلَّا بِصِدْقِ مَحَبَّتِهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ.

وَشَهْرُ رَبِيعٍ الأَنْوَرُ مَحَطَّةٌ لِحَيَاةِ قُلُوبِنَا، وَتَنْشِيطٌ لِعَزَائِمِنَا، وَتَقْوِيَةٌ لِهِمَّتِنَا، وَمَبْعَثٌ لِنَشَاطِنَا، وَتَحْرِيكٌ لِمَشَاعِرِنَا، وَتَأْجِيجٌ لِعَوَاطِفِنَا، لَعَلَّ اللهَ تعالى يُكْرِمُنَا بِالارْتِبَاطِ بِسَيِّدِنَا رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ أَوْثَقَ ارْتِبَاطٍ، وَنَتَّبِعُهُ أَكْمَلَ اتِّبَاعٍ، لِنَنَالَ خَيْرَيِ الدُّنْيَا وَالآخِرَةِ، وَفَلَاحَ الدُّنْيَا، وَالنَّجَاةَ يَوْمَ القِيَامَةِ بِإِذْنِ اللهِ تعالى.

وُجُوبُ مَحَبَّتِهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ:

يَا عِبَادَ اللهِ: إِذَا كَانَ الوَاحِدُ مِنَّا يُحِبُّ الآخَرَ لِجَمَالِ خَلْقٍ، أَو لِجَمَالِ خُلُقٍ، أَو لِجَلْبِ نَفْعٍ، أَو لِدَفْعِ ضُرٍّ، فَكَيْفَ إِذَا اجْتَمَعَتْ هَذِهِ الصِّفَاتُ كُلُّهَا في شَخْصِ سَيِّدِنَا رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ؟ فَهُوَ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ أَجْمَلُ النَّاسِ خَلْقَاً وَخُلُقَاً، وَهُوَ الذي جَلَبَ لَنَا كُلَّ نَفْعٍ في الدُّنْيَا وَالآخِرَةِ، وَدَفَعَ عَنَّا كُلَّ ضُرٍّ في الدُّنْيَا وَالآخِرَةِ.

جَمَالُهُ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ مَا بَعْدَهُ جَمَالٌ، وَأَخْلَاقُهُ كَمَالٌ مَا بَعْدَهَا كَمَالٌ، وَإِحْسَانُهُ وَفَضْلُهُ عَلَى البَشَرِيَّةِ جَمْعَاءَ إِحْسَانٌ وَفَضْلٌ مَا بَعْدَهُ إِحْسَانٌ وَلَا فَضْلٌ.

مِنْ خِلَالِ هَذَ المُنْطَلَقِ وَجَبَ عَلَيْنَا أَنْ نُحِبَّهُ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ، وَأَنْ تَسْتَوْلِيَ مَحَبَّتُهُ في قُلُوبِنَا عَلَى كُلِّ مَا سِوَاهُ مِنَ المَخْلُوقَاتِ، فَهُوَ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ الحَرِيُّ بِهَذِهِ المَحَبَّةِ.

تَدَبَّرُوا إِنْ شِئْتُمْ قَوْلَهُ تعالى: ﴿قُلْ إِنْ كَانَ آبَاؤُكُمْ وَأَبْنَاؤُكُمْ وَإِخْوَانُكُمْ وَأَزْوَاجُكُمْ وَعَشِيرَتُكُمْ وَأَمْوَالٌ اقْتَرَفْتُمُوهَا وَتِجَارَةٌ تَخْشَوْنَ كَسَادَهَا وَمَسَاكِنُ تَرْضَوْنَهَا أَحَبَّ إِلَيْكُمْ مِنَ اللهِ وَرَسُولِهِ وَجِهَادٍ فِي سَبِيلِهِ فَتَرَبَّصُوا حَتَّى يَأْتِيَ اللهُ بِأَمْرِهِ وَاللهُ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الْفَاسِقِينَ﴾.

آيَةٌ كَرِيمَةٌ جَمَعَتْ كُلَّ مَحْبُوبَاتِ الدُّنْيَا، وَكُلَّ مُتَعَلِّقَاتِ القُلُوبِ، وَكُلَّ مَطَامِعِ النُّفُوسِ وَوَضَعَتْهَا في كَفَّةٍ، وَحُبَّ اللهِ تعالى وَرَسُولِهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ في كَفَّةٍ، فَهِيَ أَعْظَمُ آيَةٍ تُبَيِّنُ وُجُوبَ مَحَبَّتِهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ وَأَهَمِّيَّتَهَا، وَمَنْ حُرِمَهَا فَقَدْ ضَلَّ وَكَانَ مِنَ الفَاسِقِينَ.

ثِمَارُ هَذِهِ المَحَبَّةِ عَائِدَةٌ عَلَى المُحِبِّ:

يَا عِبَادَ اللهِ: خَيْرُ هَذَا الحُبِّ عَائِدٌ عَلَى المُحِبِّ، فَمَنْ أَرَادَ أَنْ يَذُوقَ حَلَاوَةَ الإِيمَانِ فَعَلَيْهِ بِمَحَبَّةِ سَيِّدِنَا رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ، روى الشيخان عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «ثَلَاثٌ مَنْ كُنَّ فِيهِ وَجَدَ حَلَاوَةَ الإِيمَانِ: أَنْ يَكُونَ اللهُ وَرَسُولُهُ أَحَبَّ إِلَيْهِ مِمَّا سِوَاهُمَا، وَأَنْ يُحِبَّ المَرْءَ لَا يُحِبُّهُ إِلَّا للهِ، وَأَنْ يَكْرَهَ أَنْ يَعُودَ فِي الكُفْرِ كَمَا يَكْرَهُ أَنْ يُقْذَفَ فِي النَّارِ».

 وَمَنْ أَرَادَ الفِرْدَوْسَ الأَعْلَى فَعَلَيْهِ بِمَحَبَّةِ سَيِّدِنَا رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ، روى الإمام البخاري عَنْ أَنَسٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ، أَنَّ رَجُلَاً سَأَلَ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ عَنِ السَّاعَةِ، فَقَالَ: مَتَى السَّاعَةُ؟

قَالَ: «وَمَاذَا أَعْدَدْتَ لَهَا».

قَالَ: لَا شَيْءَ، إِلَّا أَنِّي أُحِبُّ اللهَ وَرَسُولَهُ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ.

فَقَالَ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ: «أَنْتَ مَعَ مَنْ أَحْبَبْتَ».

قَالَ أَنَسٌ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ: فَمَا فَرِحْنَا بِشَيْءٍ، فَرَحَنَا بِقَوْلِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ: «أَنْتَ مَعَ مَنْ أَحْبَبْتَ».

قَالَ أَنَسٌ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ: فَأَنَا أُحِبُّ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ وَأَبَا بَكْرٍ، وَعُمَرَ، وَأَرْجُو أَنْ أَكُونَ مَعَهُمْ بِحُبِّي إِيَّاهُمْ، وَإِنْ لَمْ أَعْمَلْ بِمِثْلِ أَعْمَالِهِمْ.

خَاتِمَةٌ ـ نَسْأَلُ اللهَ تعالى حُسْنَ الخَاتِمَةَ ـ:

يَا عِبَادَ اللهِ: هَلْ تَعْلَمُونَ بِأَنَّ سَيِّدَنَا رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ طَلَبَ مِنَ الصَّحَابَةِ رَضِيَ اللهُ عَنْهُمْ إِدَامَةَ مُجَالَسَتِهِ، وَإِدَامَةَ النَّظَرِ إلى طَلْعَتِهِ البَهِيَّةِ؟

نَعَمْ، لَقَدْ طَلَبَ مِنْهُمْ ذَلِكَ، لِأَنَّهُ عَلِمَ أَنَّهُ سَيَأْتِي عَلَى أَحَدِهِمْ يَوْمٌ يَتَمَنَّى لَو يَرَى فِيهِ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ لَحْظَةً، وَيَدْفَعُ لِأَجْلِ ذَلِكَ أَهْلَهُ وَمَالَهُ جَمِيعَاً.

روى الإمام مسلم عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «وَالَّذِي نَفْسُ مُحَمَّدٍ فِي يَدِهِ، لَيَأْتِيَنَّ عَلَى أَحَدِكُمْ يَوْمٌ وَلَا يَرَانِي، ثُمَّ لَأَنْ يَرَانِي أَحَبُّ إِلَيْهِ مَنْ أَهْلِهِ وَمَالِهِ مَعَهُمْ».

وَلَقَدْ أَخْبَرَ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ أَنَّ مَنْ سَيَأْتِي بَعْدَهُ مِمَّنْ غَلَبَ عَلَيْهِ حُبُّهُ، وَلَكِنَّهُ لَمْ يَسْعَدْ بِرُؤْيَاهُ، فَإِنَّهُ عَلَى اسْتِعْدَادٍ أَنْ يَدْفَعَ أَهْلَهُ وَمَالَهُ في سَبِيلِ أَنْ يَرَى رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ مَرَّةً وَاحِدَةً.

روى الإمام مسلم عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ، أَنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «مِنْ أَشَدِّ أُمَّتِي لِي حُبَّاً، نَاسٌ يَكُونُونَ بَعْدِي، يَوَدُّ أَحَدُهُمْ لَوْ رَآنِي بِأَهْلِهِ وَمَالِهِ».

اللَّهُمَّ شَرِّفْنَا بِهَذَا الحُبِّ. آمين.

أقول هذا القول، وأستغفر الله لي ولكم، فاستغفروه إنه هو الغفور الرحيم.

**    **    **

تاريخ الخطبة:

الجمعة: 22/ ربيع الأول /1440هـ، الموافق: 30/ تشرين الثاني / 2018م