91ـ رحمته صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ باليتيم

 

من كتاب سيدنا محمد رسول اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ

91ـ رحمته صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ باليتيم

مقدمة الكلمة:

الحمد لله رب العالمين، وأفضل الصلاة وأتم التسليم على سيدنا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين، أما بعد:

فَيَا أَيُّهَا الإِخْوَةُ الكِرَامُ:

حَدِيثُهُ، أَوحَدِيثٌ عَـنْهُ يُطْرِبُني   ***   هَذَا إِذَا غَابَ، أَوْ هَذَا إِذَا حَضَرَا

كِـلَاهُمَا حَـسَنٌ عِـنْدِي أُسَرُّ بِهِ   ***    لَكِنَّ أَحْلَاهُمَا مَا وَافَقَ الـــنَّظَرَا

يَقُولُ الشَّيْخُ العَلَّامَةُ المُحَدِّثُ عَبْدُ اللهِ سِرَاجُ الدِّينِ رَحِمَهُ اللهُ تعالى في كِتَابِهِ: سَيِّدُنَا مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ: وَمِنْ رَحْمَتِهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ: بُكَاؤُهُ لِثِقَلِ مَرَضِ بَعْضِ أَصْحَابِهِ:

كَمَا وَرَدَ في الصَّحِيحَيْنِ عَنْ ابْنِ عُمَرَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا، أَنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ عَادَ سَعْدَ بْنَ عُبَادَةَ وَمَعَهُ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ عَوْفٍ، وَسَعْدُ بْنُ أَبِي وَقَّاصٍ، وَعَبْدُ اللهِ بْنُ مَسْعُودٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُمْ، فَبَكَى رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ، فَلَمَّا رَأَى القَوْمُ بُكَاءَ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ بَكَوْا.

فَقَالَ: «أَلَا تَسْمَعُونَ؟ إِنَّ اللهَ لَا يُعَذِّبُ بِدَمْعِ العَيْنِ، وَلَا بِحُزْنِ القَلْبِ، وَلَكِنْ يُعَذِّبُ بِهَذَا أَوْ يَرْحَمُ ـ وَأَشَارَ إِلَى لِسَانِهِ ـ».

وَمِنْ رَحَمْتَهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ: بُكَاؤُهُ لِمَوْتِ صَاحِبٍ مِنْ أَصْحَابِهِ:

وَمِنْ ذَلِكَ مَا رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ عَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهَا، أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ قَبَّلَ عُثْمَانَ بْنَ مَظْعُونٍ وَهُوَ مَيِّتٌ، وَهُوَ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ يَبْكِي.

وَفِي رِوَايَةِ ابْنِ سَعْدٍ في الطَّبَقَاتِ عَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهَا: قَبَّلَ عُثْمَانَ بْنَ مَظْعُونٍ وَهُوَ مَيِّتٌ، قَالَتْ: فَرَأَيْتُ دُمُوعَ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ تَسِيلُ عَلَى خَدِّ عُثْمَانَ.

وَعِنْدَ ابْنِ الجَوْزِيِّ في كِتَابِ الوَفَاءِ عَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهَا قَالَتْ: لَمَّا مَاتَ عُثْمَانُ بْنُ مَظْعُونٍ كَفَّ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ الثَّوْبَ عَنْ وَجْهِهِ، وَقَبَّلَ بَيْنَ عَيْنَيْهِ، ثُمَّ بَكَى طَوِيلَاً، فَلَمَّا رُفِعَ عَلَى الـسَّرِيرِ قَالَ: «طُوبَى لَكَ يَا عُثْمَانُ، لَمْ تَلْبَسْكَ الدُّنْيَا وَلَمْ تَلْبَسْهَا». كَذَا في جَمْعِ الوَسَائِلِ.

وَأَمَّا رَحْمَتُهُ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ بِالمَسَاكِينِ وَالضُّعَفَاءِ: فَقَدْ تَقَدَّمَ مَا رَوَاهُ البُخَارِيُّ عَنْ أَنَسٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قَالَ: إِنْ كَانَتِ الأَمَةُ ـ أَيْ: المَمْلُوكَةُ ـ مِنْ إِمَاءِ أَهْلِ المَدِينَةِ، لَتَأْخُذُ بِيَدِ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ فَتَنْطَلِقُ بِهِ حَيْثُ شَاءَتْ.

وَفِي رِوَايَةِ أَحْمَدَ: فَتَنْطَلِقُ بِهِ في حَاجَتِهَا ـ أَيْ: لِيَقْضِيَ لَهَا حَاجَتَهَا مِنْ شِرَاءِ طَعَامٍ أَو مَتَاعٍ وَنَحْوِ ذَلِكَ ـ.

وَرَوَى النَّسَائِيُّ عَنِ ابْنِ أَبِي أَوْفَى رَضِيَ اللهُ عَنْهُ: أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ كَانَ لَا يَأْنَفُ (أَيْ: لَا يَتَكَبَّرُ) أَنْ يَمْشِيَ مَعَ الْأَرْمَلَةِ، وَالْمِسْكِينِ فَيَقْضِيَ لَهُ الْحَاجَةَ.

وَعَنْ سَهْلِ بْنِ حُنَيْفٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ، أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ كَانَ يَأْتِي ضُعَفَاءَ المُسْلِمِينَ، وَيَزُورُهُمْ، وَيَعُودُ مَرْضَاهُمْ، وَيَشْهَدُ جَنَائِزَهُمْ. رَوَاهُ أَبُو يَعْلَى وَالطَّبَرَانِيُّ وَالحَاكِمُ.

رَحْمَتُهُ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ بِاليَتِيمِ:

قَالَ اللهُ تعالى: ﴿فَأَمَّا الْيَتِيمَ فَلَا تَقْهَرْ﴾.

كَانَ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ يُحْسِنُ إلى اليَتَامَى، وَيَبَرُّهُمْ، وَيُوصِي بِكَفَالَتِهِمْ وَالإِحْسَانِ إِلَيْهِمْ، وَبَيَّنَ الفَضَائِلَ المُرَتَّبَةَ عَلَى ذَلِكَ.

رَوَى البُخَارِيُّ وَغَيْرُهُ عَنْ سَهْلِ بْنِ سَعْدٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ: «أَنَا وَكَافِلُ اليَتِيمِ فِي الجَنَّةِ هَكَذَا» وَأَشَارَ بِالسَّبَّابَةِ وَالوُسْطَى وَفَرَّجَ بَيْنَهُمَا.

وَرَوَى ابْنُ مَاجَه عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «خَيْرُ بَيْتٍ فِي المُسْلِمِينَ بَيْتٌ فِيهِ يَتِيمٌ يُحْسَنُ إِلَيْهِ، وَشَرُّ بَيْتٍ فِي المُسْلِمِينَ بَيْتٌ فِيهِ يَتِيمٌ يُسَاءُ إِلَيْهِ».

خَاتِمَةٌ ـ نَسْأَلُ اللهَ تعالى حُسْنَ الخَاتِمَةِ ـ:

أَيُّهَا الإِخْوَةُ الكِرَامُ: وَذَكَرَ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ فَضْلَ المَرْأَةِ التي مَاتَ زَوْجُهَا، فَحَبَسَتْ نَفْسَهَا عَلَى تَرْبِيَةِ أَوْلَادِهَا وَلَمْ تَتَزَوَّجْ:

فَفِي سُنَنِ أَبِي دَاوُدَ عَنْ عَوْفِ بْنِ مَالِكٍ الْأَشْجَعِيِّ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ: «أَنَا وَامْرَأَةٌ سَفْعَاءُ الْخَدَّيْنِ (وَهِيَ التي تُغَيِّرُ لَوْنَهَا إلى الكَمُودَةِ وَالسَّوَادِ مِنْ طُولِ الأَيْمَةِ، يُرِيدُ بِذَلِكَ أَنَّهَا حَبَسَتْ نَفْسَهَا عَلَى أَوْلَادِهَا وَلَمْ تَتَزَوَّجْ حَتَّى تَحْتَاجَ إلى الزِّينَةِ وَالتَّصَنُّعِ للزَّوْجِ. اهـ. كَمَا في تَرْغِيبِ المُنْذِرِيِّ)

كَهَاتَيْنِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ ـ الوُسْطَى وَالسَّبَّابَةُ ـ امْرَأَةٌ آمَتْ مِنْ زَوْجِهَا ذَاتُ مَنْصِبٍ وَجَمَالٍ، حَبَسَتْ نَفْسَهَا عَلَى يَتَامَاهَا حَتَّى بَانُوا أَوْ مَاتُوا».

وَعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ، أَنَّ رَجُلَاً شَكَا إِلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ قَسْوَةَ قَلْبِهِ، فَقَالَ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ: «امْسَحْ رَأْسَ الْيَتِيمِ، وَأَطْعِمِ المِسْكِينَ» رَوَاهُ أَحْمَدُ. قَالَ الحَافِظُ المُنْذِرِيُّ: وَرِجَالُهُ رِجَالُ الصَّحِيحِ.

وَعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «السَّاعِي عَلَى الْأَرْمَلَةِ وَالْمِسْكِينِ (أَيْ: الذي يَسْعَى فِيمَا يَنْفَعُ الأَرْمَلَةَ وَالمِسْكِينَ) كَالمُجَاهِدِ فِي سَبِيلِ اللهِ ـ وَأَحْسِبُهُ قَالَ ـ وَكَالْقَائِمِ لَا يَفْتُرُ، وَكَالصَّائِمِ لَا يُفْطِرُ» رَوَاهُ الشَّيْخَانِ.

وَرَوَاهُ ابْنُ مَاجَه بِلَفْظِ: «السَّاعِي عَلَى الأَرْمَلَةِ وَالمِسْكِينِ كَالمُجَاهِدِ فِي سَبِيلِ اللهِ، وَكَالَّذِي يَقُومُ اللَّيْلَ وَيَصُومُ النَّهَارَ».

اللَّهُمَّ وَفِّقْنَا لِاتِّبَاعِ سَيِّدِنَا رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ. آمين.

**    **    **

تاريخ الكلمة:

الجمعة: 14/ربيع الثاني /1440هـ، الموافق: 21/ كانون الأول / 2018م