617ـ خطبة الجمعة: لا تحيدوا عن المنهج السوي

 

617ـ خطبة الجمعة: لا تحيدوا عن المنهج السوي

مقدمة الخطبة:

الحمد لله رب العالمين، وأفضل الصلاة وأتم التسليم على سيدنا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين، أما بعد:

فَيَا عِبَادَ اللهِ: تَنْقَضِي الأَعْوَامُ، وَتُطْوَى مَعَهَا سِجِلَّاتُ العِبَادِ، فَسُبْحَانَ مَنْ يُفْنِي الأَعْوَامَ، وَهُوَ بَاقٍ عَلَى الدَّوَامِ، وَتَتَنَاقَصُ الأَيَّامُ وَهُوَ مُنْفَرِدٌ بِالجَلَالِ وَالكَمَالِ، ﴿يُولِجُ اللَّيْلَ فِي النَّهَارِ وَيُولِجُ النَّهَارَ فِي اللَّيْلِ وَهُوَ عَلِيمٌ بِذَاتِ الصُّدُورِ﴾.

سُبْحَانَكَ يَا رَبَّنَا، يَا مَنْ لَا يَنْفَعُكَ إِيمَانُ مُؤْمِنٍ، وَلَا يَضُرُّكَ كُفْرُ كَافِرٍ، سُبْحَانَكَ يَا مَنْ لَا تَنْفَعُكَ الطَّاعَاتُ، وَلَا تَضُرُّكَ المَعَاصِي وَالمُنْكَرَاتُ، سُبْحَانَكَ أَنْتَ الغَنِيُّ عَنِ العَالَمِينَ.

يَا عِبَادَ اللهِ: بَعْدَ أَيَّامٍ سَوْفَ يَنْطَوِي عَامٌ هِجْرِيٌّ كَامِلٌ، وَسَوْفَ نَسْتَقْبِلُ عَامَاً هِجْرِيَّاً جَدِيدَاً؛ وَالقَلِيلُ مِنَ العِبَادِ مَنْ يَكُونُ حَرِيصَاً عَلَى صَفَحَاتِ أَعْمَالِهِ بِأَنْ تَكُونَ كَرِيمَةً تُبَيِّضُ الوَجْهَ، وَيُبَاهِي بِهَا العِبَادَ ﴿هَاؤُمُ اقْرَؤُوا كِتَابِيَهْ * إِنِّي ظَنَنْتُ أَنِّي مُلَاقٍ حِسَابِيَهْ * فَهُوَ فِي عِيشَةٍ رَاضِيَةٍ * فِي جَنَّةٍ عَالِيَةٍ * قُطُوفُهَا دَانِيَةٌ * كُلُوا وَاشْرَبُوا هَنِيئَاً بِمَا أَسْلَفْتُمْ فِي الْأَيَّامِ الْخَالِيَةِ﴾.

يَا عِبَادَ اللهِ: الأَعْوَامُ مَرَاحِلُ تَنْقَضِي مِنْ عُمُرِ كُلٍّ مِنَّا، فَكُلَّمَا مَرَّ عَامٌ قَرُبَ الوَاحِدُ مِنَّا مِنْ نِهَايَةِ أَجَلِهِ النِّهَايَةِ الحَتْمِيَّةِ، التي لَا مَفَرَّ مِنْهَا ﴿كُلُّ نَفْسٍ ذَائِقَةُ المَوْتِ ثُمَّ إِلَيْنَا تُرْجَعُونَ﴾.

يَا عِبَادَ اللهِ: العَاقِلُ مَنْ يَحْسِبُ لِهَذِهِ النِّهَايَةِ حِسَابَهَا، وَيَحْرِصُ دَائِمَاً عَلَى مُضَاعَفَةِ الأَعْمَالِ الصَّالِحَةِ، وَأَمَّا الغَافِلُ مَنْ يُثْقِلَ أَيَّامَهُ بِالآثَامِ وَالمُخَالَفَاتِ، ثُمَّ يَنْدَمُ وَلَا يَنْفَعُهُ النَّدَمُ.

يَا شَبَابَ هَذِهِ الأُمَّةِ:

يَا عِبَادَ اللهِ: أُخَاطِبُ شَبَابَ هَذِهِ الأُمَّةِ وَشَابَّاتِهَا، الذينَ هُمْ عُمْدَةُ الأُمَّةِ، وَنَبْضُ حَيَاتِهَا، وَشِرْيَانُهَا المُتَدَفِّقُ؛ أُخَاطِبُ أَصْحَابَ الهِمَمِ العَالِيَةِ، وَالنُّفُوسِ الأَبِيَّةِ، وَالقُلُوبِ السَّلِيمَةِ؛ أُخَاطِبُ مَنِ انْدَرَجَ تَحْتَ قَوْلِهِ تعالى: ﴿إِنَّهُمْ فِتْيَةٌ آمَنُوا بِرَبِّهِمْ وَزِدْنَاهُمْ هُدَىً * وَرَبَطْنَا عَلَى قُلُوبِهِمْ إِذْ قَامُوا فَقَالُوا رَبُّنَا رَبُّ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ لَنْ نَدْعُوَ مِنْ دُونِهِ إِلَهَاً لَقَدْ قُلْنَا إِذَاً شَطَطَاً﴾.

اعْلَمُوا يَا شَبَابَ هَذِهِ الأُمَّةِ وَيَا شَابَّاتِهَا، أَنَّكُمْ تَمُرُّونَ في أَهَمِّ مَرْحَلَةٍ مِنْ مَرَاحِلِ حَيَاتِكُمْ، وَيَجِبُ عَلَيْكُمْ أَنْ لَا تَنْسَوُا البِدَايَةَ وَلَا النِّهَايَةَ، وَتَذَكَّرُوا قَوْلَ اللهِ تعالى: ﴿اللهُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ ضَعْفٍ ثُمَّ جَعَلَ مِنْ بَعْدِ ضَعْفٍ قُوَّةً ثُمَّ جَعَلَ مِنْ بَعْدِ قُوَّةٍ ضَعْفَاً وَشَيْبَةً يَخْلُقُ مَا يَشَاءُ وَهُوَ الْعَلِيمُ الْقَدِيرُ﴾.

اغْتَنِمُوا فَتْرَةَ الشَّبَابِ في طَاعَةِ اللهِ تعالى، لَا في مَعْصِيَتِهِ، انْدَرِجُوا تَحْتَ قَوْلِهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ: «سَبْعَةٌ يُظِلُّهُمُ اللهُ فِي ظِلِّهِ، يَوْمَ لاَ ظِلَّ إِلَّا ظِلُّهُ» وَعَدَّ مِنْهُمْ: «وَشَابٌّ نَشَأَ فِي عِبَادَةِ رَبِّهِ» رواه الشيخان عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللهُ عَنهُ.

وَانْدَرِجُوا تَحْتَ قَوْلِهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ: «اغْتَنِمْ خَمْسَاً قَبْلَ خَمْسٍ» وَعَدَّ مِنْهَا: «شَبَابَكَ قَبْلَ هِرَمِكَ» رواه الحاكم عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللهُ عَنهُمَا.

وَحَاسِبُوا أَنْفُسَكُمْ قَبْلَ أَنْ تُحَاسَبُوا، وَأَكْرِمُوهَا قَبْلَ أَنْ لَا تُكْرَمُوا، وَاعْلَمُوا بِأَنَّ القَبْرَ لَا يَرْحَمُ مَنْ لَا عَمَلَ لَهُ، وَلَا يُشْفِقُ عَلَى مَنْ غَرَّهُ طُولُ الأَمَلِ، وَلَا يَحْنُو عَلَى مَنْ فَرَّطَ في أَيَّامِ الشَّبَابِ، وَلَمْ يَسْتَغِلَّ فُرَصَ التَّوْبَةِ وَالإِنَابَةِ إلى اللهِ تعالى.

لَا تَحِيدُوا عَنِ المَنْهَجِ السَّوِيِّ:

يَا شَبَابَ هَذِهِ الأُمَّةِ، لَا تَحِيدُوا عَنِ المَنْهَجِ السَّوِيِّ، فَأَيَّامُنَا مَعْدُودَةٌ؛ لَا تَحِيدُوا عَنْ هَدْيِ سَيِّدِنَا رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ، وَخَاصَّةً في أَيَّامِ الفِتَنِ؛ وَأَنْتُمْ في أَيَّامِ الفِتَنِ وَالمِحَنِ، وَخَاصَّةً فِتْنَةَ النِّسَاءِ.

يَا شَبَابَ هَذِهِ الأُمَّةِ، خُذُوا هَذَا المِثَالَ الرَّائِعَ مِنْ حَيَاةِ سَيِّدِنَا رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ، وَهُوَ يُوَجِّهُكُمْ مِنْ خِلَالِ شَابٍّ مِنْ شَبَابِ هَذِهِ الأُمَّةِ.

روى الإمام أحمد عَنْ أَبِي أُمَامَةَ رَضِيَ اللهُ عَنهُ قَالَ: إِنَّ فَتَىً شَابَّاً أَتَى النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللهِ، ائْذَنْ لِي بِالزِّنَا؛ فَأَقْبَلَ الْقَوْمُ عَلَيْهِ فَزَجَرُوهُ وَقَالُوا: مَهْ. مَهْ.

فَقَالَ: «ادْنُهْ». فَدَنَا مِنْهُ قَرِيبَاً.

قَالَ: فَجَلَسَ.

قَالَ: «أَتُحِبُّهُ لِأُمِّكَ؟».

قَالَ: لَا وَاللهِ جَعَلَنِي اللهُ فِدَاءَكَ.

قَالَ: «وَلَا النَّاسُ يُحِبُّونَهُ لِأُمَّهَاتِهِمْ».

قَالَ: «أَفَتُحِبُّهُ لِابْنَتِكَ؟».

قَالَ: لَا وَاللهِ يَا رَسُولَ اللهِ، جَعَلَنِي اللهُ فِدَاءَكَ.

قَالَ: «وَلَا النَّاسُ يُحِبُّونَهُ لِبَنَاتِهِمْ».

قَالَ: «أَفَتُحِبُّهُ لِأُخْتِكَ؟».

قَالَ: لَا وَاللهِ جَعَلَنِي اللهُ فِدَاءَكَ.

قَالَ: «وَلَا النَّاسُ يُحِبُّونَهُ لِأَخَوَاتِهِمْ».

قَالَ: «أَفَتُحِبُّهُ لِعَمَّتِكَ؟».

قَالَ: لَا وَاللهِ جَعَلَنِي اللهُ فِدَاءَكَ.

قَالَ: «وَلَا النَّاسُ يُحِبُّونَهُ لِعَمَّاتِهِمْ».

قَالَ: «أَفَتُحِبُّهُ لِخَالَتِكَ؟».

قَالَ: لَا وَاللهِ جَعَلَنِي اللهُ فِدَاءَكَ.

قَالَ: «وَلَا النَّاسُ يُحِبُّونَهُ لِخَالَاتِهِمْ».

قَالَ: فَوَضَعَ يَدَهُ عَلَيْهِ وَقَالَ: «اللَّهُمَّ اغْفِرْ ذَنْبَهُ، وَطَهِّرْ قَلْبَهُ، وَحَصِّنْ فَرْجَهُ».

قَالَ: فَلَمْ يَكُنْ بَعْدُ ذَلِكَ الْفَتَى يَلْتَفِتُ إِلَى شَيْءٍ.

خَاتِمَةٌ ـ نَسْأَلُ اللهَ تعالى حُسْنَ الخَاتِمَةَ ـ:

يَا شَبَابَ هَذِهِ الأُمَّةِ، خُذُوا بِوَصِيَّةِ سَيِّدِنَا عُمَرَ رَضِيَ اللهُ عَنهُ إِذْ يَقُولُ لَكُمْ: حَاسِبُوا أَنْفُسَكُمْ قَبْلَ أَنْ تُحَاسَبُوا، وَتَزَيَّنُوا لِلْعَرْضِ الأَكْبَرِ، وَإِنَّمَا يَخِفُّ الحِسَابُ يَوْمَ القِيَامَةِ عَلَى مَنْ حَاسَبَ نَفْسَهُ فِي الدُّنْيَا. رواه الترمذي.

وَتَذَكَّرُوا قَوْلَ اللهِ تعالى: ﴿إِنَّ الشَّيْطَانَ لَكُمْ عَدُوٌّ فَاتَّخِذُوهُ عَدُوَّاً إِنَّمَا يَدْعُو حِزْبَهُ لِيَكُونُوا مِنْ أَصْحَابِ السَّعِيرِ﴾. وَقَوْلَهُ تعالى: ﴿يَوْمَ تَجِدُ كُلُّ نَفْسٍ مَا عَمِلَتْ مِنْ خَيْرٍ مُحْضَرَاً وَمَا عَمِلَتْ مِنْ سُوءٍ تَوَدُّ لَوْ أَنَّ بَيْنَهَا وَبَيْنَهُ أَمَدَاً بَعِيدَاً وَيُحَذِّرُكُمُ اللهُ نَفْسَهُ وَاللهُ رَؤُوفٌ بِالْعِبَادِ﴾.

انْظُرُوا يَا شَبَابَ هَذِهِ الأُمَّةِ وَيَا شَابَّاتِهَا، مَاذَا اسْتَوْدَعْتُمُ هَذَا العَامَ المُنْصَرِمَ؟ وَبِأَيِّ شَيْءٍ تَسْتَقْبِلُونَ العَامَ الجَدِيدَ؟

أَنْصَحُكُمْ للهِ تعالى، وَأَنْصَحُ نَفْسِي أَوَّلَاً، لِنُوَدِّعْ هَذَا العَامَ بِالتَّوْبَةِ الصَّادِقَةِ، وَلْنَسْتَقْبِلِ العَامَ الجَدِيدَ بِنِيَّةٍ صَادِقَةٍ عَلَى حُسْنِ الإِقْبَالِ عَلَى اللهِ تعالى.

اللَّهُمَّ وَفِّقْنَا لِذَلِكَ. آمين.

أقول هذا القول، وأستغفر الله لي ولكم، فاستغفروه إنه هو الغفور الرحيم.

**      **    **

تاريخ الخطبة:

الجمعة: 27/ ذو الحجة /1439هـ، الموافق: 7/ أيلول / 2018م