19ـ بر الوالدين : حرص الوالد على عدم مشاركة الشيطان له في الولد

 

بر الوالدين

19ـ حرص الوالد على عدم مشاركة الشيطان له في الولد

مقدمة الكلمة:

الحمد لله رب العالمين، وأفضل الصلاة وأتم التسليم على سيدنا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين، أما بعد:

فَيَا أَيُّهَا الإِخْوَةُ الكِرَامُ: مَنْ كَانَ حَرِيصَاً عَلَى أَنْ يَكُونَ أَوْلَادُهُ بَرَرَةً بِهِ، عَلَيْهِ أَنْ يَكُونَ حَرِيصَاً عَلَى عَدَمِ مُشَارَكَةِ الشَّيْطَانِ لَهُ في الوَلَدِ، لِأَنَّ الشَّيْطَانَ يُشَارِكُ أَتْبَاعَهُ وَمُطِيعِيهِ مِنَ الكَفَرَةِ وَالعُصَاةِ في أَمْوَالِهِمْ وَفِي أَوْلَادِهِمْ، قَالَ تعالى: ﴿وَاسْتَفْزِزْ مَنِ اسْتَطَعْتَ مِنْهُمْ بِصَوْتِكَ وَأَجْلِبْ عَلَيْهِمْ بِخَيْلِكَ وَرَجِلِكَ وَشَارِكْهُمْ فِي الْأَمْوَالِ وَالْأَوْلَادِ وَعِدْهُمْ وَمَا يَعِدُهُمُ الشَّيْطَانُ إِلَّا غُرُورَاً﴾.

فَيَا أَيُّهَا الحَرِيصُ عَلَى بِرِّ أَوْلَادِكَ، تَذَكَّرْ عَدَاوَةَ الشَّيْطَانِ لَكَ وَلِذُرِّيَّتِكَ، لِأَنَّهُ أَعْلَنَ بَعْدَ طَرْدِهِ مِنَ الجَنَّةِ أَنْ أَنْ يَحْتَنِكَ ذُرِّيَّةَ بَنِي آدَمَ (أَنْ يَمْلِكَ مَقَادَتَهُمْ وَيَسْتَوْلِيَ عَلَيْهِمْ وَيَسْتَأْصِلَهُمْ) وَأَنْ يُغْوِيَهُمْ وَيُطْغِيَهُمْ، حَتَّى يَكُونُوا أَعْدَاءً للهِ تعالى، كَافِرِينَ بِهِ، غَيْرَ شَاكِرِينَ لَهُ.

قَالَ اللهُ تعالى ـ عَلَى لِسَانِ إِبْلِيسَ ـ: ﴿قَالَ أَرَأَيْتَكَ هَذَا الَّذِي كَرَّمْتَ عَلَيَّ لَئِنْ أَخَّرْتَنِ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ لَأَحْتَنِكَنَّ ذُرِّيَّتَهُ إِلَّا قَلِيلَاً﴾.

وَقَالَ جَلَّ شَأْنُهُ ـ عَلَى لِسَانِهِ أَيْضَاً ـ: ﴿قَالَ رَبِّ فَأَنْظِرْنِي إِلَى يَوْمِ يُبْعَثُونَ * قَالَ فَإِنَّكَ مِنَ المُنْظَرِينَ * إِلَى يَوْمِ الْوَقْتِ المَعْلُومِ * قَالَ رَبِّ بِمَا أَغْوَيْتَنِي لَأُزَيِّنَنَّ لَهُمْ فِي الْأَرْضِ وَلَأُغْوِيَنَّهُمْ أَجْمَعِينَ * إِلَّا عِبَادَكَ مِنْهُمُ المُخْلَصِينَ﴾.

وَلِهَذَا أَمَرَ اللهُ تعالى ذُرِّيَّةَ سَيِّدِنَا آدَمَ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ عَلَى لِسَانِ الرُّسُلِ عَلَيْهِمُ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ أَنْ يَحْذَرُوا الشَّيْطَانَ، وَأَنْ يَتَنَبَّهُوا إلى مَكَائِدِهِ، وَأَلَّا يَصُدَّهُمْ عَنِ اللهِ تعالى، وَأَنْ يَعْرِفُوا طُرُقَ غِوَايَتِهِ، وَأَلَّا يَفْتِنَهُمْ عَنْ دِينِ اللهِ عَزَّ وَجَلَّ، وَأَلَّا يَسْمَعُوا كَلَامَهُ، وَلَا يُطِيعُوا أَوَامِرَهُ، وَأَنَّهُ سَيُضِلُّهُمْ كَمَا أَرَادَ إِضْلَالَ أَبَوَيْهِمْ مِنْ قَبْلُ.

قَالَ اللهُ سُبْحَانَهُ وتعالى: ﴿يَا بَنِي آدَمَ لَا يَفْتِنَنَّكُمُ الشَّيْطَانُ كَمَا أَخْرَجَ أَبَوَيْكُمْ مِنَ الْجَنَّةِ﴾.

وَقَالَ جَلَّ شَأْنُهُ: ﴿إِنَّ الشَّيْطَانَ لَكُمْ عَدُوٌّ فَاتَّخِذُوهُ عَدُوَّاً إِنَّمَا يَدْعُو حِزْبَهُ لِيَكُونُوا مِنْ أَصْحَابِ السَّعِيرِ﴾.

وَقَالَ عَزَّ مِنْ قَائِلٍ: ﴿أَلَمْ أَعْهَدْ إِلَيْكُمْ يَا بَنِي آدَمَ أَنْ لَا تَعْبُدُوا الشَّيْطَانَ إِنَّهُ لَكُمْ عَدُوٌّ مُبِينٌ﴾.

وَلِهَذَا حَثَّ النَّبِيُّ المُصْطَفَى الكَرِيمُ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ أُمَّتَهُ أَلَّا يَجْعَلُوا للشَّيْطَانِ سَبِيلَاً عَلَى أَوْلَادِهِمْ، وَأَنْ يَحْرِصُوا أَلَّا يُسَلَّطَ الشَّيْطَانُ عَلَيْهِمْ بَعْدَ وِلَادَتِهِمْ، وَمِنْ ذَلِكَ:

روى الشيخان عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ: «لَوْ أَنَّ أَحَدَهُمْ إِذَا أَرَادَ أَنْ يَأْتِيَ أَهْلَهُ، قَالَ: بِاسْمِ اللهِ، اللَّهُمَّ جَنِّبْنَا الشَّيْطَانَ، وَجَنِّبِ الشَّيْطَانَ مَا رَزَقْتَنَا، فَإِنَّهُ إِنْ يُقَدَّرْ بَيْنَهُمَا وَلَدٌ فِي ذَلِكَ، لَمْ يَضُرَّهُ شَيْطَانٌ أَبَدَاً».

مُشَارَكَةُ الشَّيْطَانِ للإِنْسَانِ في مَالِهِ:

أَيُّهَا الإِخْوَةُ الكِرَامُ: يَا مَنْ أَنْتُمْ حَرِيصُونَ عَلَى بِرِّ أَبْنَائِكُمْ لَكُمْ، كُونُوا عَلَى حَذَرٍ مِنْ مُشَارَكَةِ الشَّيْطَانِ لَكُمْ في أَوْلَادِكُمْ، لِأَنَّهُ يُشَارِكُ الإِنْسَانَ في مَالِهِ، كَمَا يُشَارِكُ في الأَوْلَادِ.

أَمَّا مُشَارَكَةُ الشَّيْطَانِ للإِنْسَانِ في مَالِهِ، فَهِيَ تَحْذِيرٌ للإْنِسَانِ مِنْ أَنْ يُنْفِقَ المَالَ في مَعْصِيَةِ اللهِ عَزَّ وَجَلَّ، وَأَنْ يَتَعَامَلَ فِيهِ بِالرِّبَا، فَيُنْفِقُهُ في حَرَامٍ، وَيَكْسِبُهُ مِنْ حَرَامٍ، وَلَا يَعْرِفُ للهِ تعالى فِيهِ حَقَّاً.

وَمِنْ جُمْلَةِ المُشَارَكَةِ في المَالِ، مُشَارَكَتُهُ للإِنْسَانِ في الطَّعَامِ وَالشَّرَابِ وَالمَبِيتِ، كَمَا جَاءَ في الحَدِيثِ الشَّرِيفِ الذي رواه الإمام مسلم عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ الله رَضِيَ اللهُ عنهُما، أَنَّهُ سَمِعَ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: «إِذَا دَخَلَ الرَّجُلُ بَيْتَهُ فَذَكَرَ اللهَ عِنْدَ دُخُولِهِ وَعِنْدَ طَعَامِهِ قَالَ الشَّيْطَانُ: لَا مَبِيتَ لَكُمْ وَلَا عَشَاءَ، وَإِذَا دَخَلَ فَلَمْ يَذْكُر اللهَ عِنْدَ دُخُولِهِ قَالَ الشَّيْطَانُ: أَدْرَكْتُم الْمَبِيتَ، وَإِذَا لَمْ يَذْكُر اللهَ عِنْدَ طَعَامِهِ قَالَ: أَدْرَكْتُمُ المَبِيتَ وَالعَشَاءَ».

أَمَّا مُشَارَكَةُ الشَّيْطَانِ للإِنْسَانِ في وَلَدِهِ، فَتَكُونُ في غِوَايَةِ الأَوْلَادِ، كَمَا جَاءَ في الحَدِيثِ الشَّرِيفِ الذي رواه الإمام مسلم عَنْ عِيَاضِ بْنِ حِمَارٍ المُجَاشِعِيِّ رَضِيَ اللهُ عنهُ، أَنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ قَالَ ذَاتَ يَوْمٍ فِي خُطْبَتِهِ: «أَلَا إِنَّ رَبِّي أَمَرَنِي أَنْ أُعَلِّمَكُمْ مَا جَهِلْتُمْ مِمَّا عَلَّمَنِي يَوْمِي هَذَا، كُلُّ مَالٍ نَحَلْتُهُ عَبْدَاً حَلَالٌ، وَإِنِّي خَلَقْتُ عِبَادِي حُنَفَاءَ كُلَّهُمْ، وَإِنَّهُمْ أَتَتْهُم الشَّيَاطِينُ فَاجْتَالَتْهُمْ عَنْ دِينِهِمْ، وَحَرَّمَتْ عَلَيْهِمْ مَا أَحْلَلْتُ لَهُمْ، وَأَمَرَتْهُمْ أَنْ يُشْرِكُوا بِي مَا لَمْ أُنْزِلْ بِهِ سُلْطَانَاً».

وروى الشيخان عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللهُ عنهُما قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ: «لَوْ أَنَّ أَحَدَهُمْ إِذَا أَرَادَ أَنْ يَأْتِيَ أَهْلَهُ قَالَ: بِاسْمِ اللهِ، اللَّهُمَّ جَنِّبْنَا الشَّيْطَانَ وَجَنِّبِ الشَّيْطَانَ مَا رَزَقْتَنَا، فَإِنَّهُ إِنْ يُقَدَّرْ بَيْنَهُمَا وَلَدٌ فِي ذَلِكَ لَمْ يَضُرَّهُ شَيْطَانٌ أَبَدَاً».

وَيَقُولُ الحَسَنُ البَصْرِيُّ رَحِمَهُ اللهُ تعالى: قَدْ وَاللهِ شَارَكَهُمْ في الأَمْوَالِ وَالأَوْلَادِ فَمَجَّسُوا، وَهَوَّدُوا، وَنَصَّرُوا، وَصَبَغُوا غَيْرَ صِبْغَةِ الإِسْلَامِ.

أَيُّهَا الإِخْوَةُ الكِرَامُ: اعْلَمُوا أَنَّ كُلَّ مَعصِيَةٍ تَتَعَلَّقُ بِالأَمْوَالِ وَالأَوْلَادِ هِيَ مُشَارَكَةٌ للشَّيْطَانِ، فَقَدْ زَيَّنَ الشَّيْطَانُ للكَثِيرِ مِنَ النَّاسِ أَكْلَ الأَمْوَالِ بِالحَرَامِ بِكُلِّ صُوَرِهِ، وَمَنْعَ الزَّكَاةِ وَحُقُوقَ اللهِ تعالى في المَالِ، كَمَا زَيَّنَ لَهُمْ تَهْوِيدَ الأَوْلَادِ، وَتَنْصِيرَهُمْ، وَتَفْسِيقَهُمْ، وَانْحِرَافَهُمْ عَنْ شَرْعِ اللهِ تعالى.

خَاتِمَةٌ ـ نَسْأَلُ اللهَ تعالى حُسْنَ الخَاتِمَةِ ـ:

أَيُّهَا الإِخْوَةُ الكِرَامُ: كُونُوا حَرِيصِينَ عَلَى أَنْ يَكُونَ أَوْلَادِكُمْ بَرَرَةً بِكُمْ، وَذَلِكَ بِعَدَمِ مُشَارَكَةِ الشَّيْطَانِ لَكُمْ في الأَوْلَادِ.

رَبَّنَا هَبْ لَنَا مِنْ أَزْوَاجِنَا وَذُرِّيَّاتِنَا قُرَّةَ أَعْيُنٍ وَاجْعَلْنَا لِلْمُتَّقِينَ إِمَامَاً. آمين.

**      **    **

تاريخ الكلمة:

الأحد: 29/ ذو الحجة/1439هـ، الموافق: 9/ أيلول / 2018م