131ـ مع الصحابة وآل البيت رَضِيَ اللهُ عَنهُم :يا أمير المؤمنين بشر صاحبك بغلام

 

مع الصحابة وآل البيت رَضِيَ اللهُ عَنهُم

131ـ يا أمير المؤمنين بشر صاحبك بغلام

مقدمة الكلمة:

الحمد لله رب العالمين، وأفضل الصلاة وأتم التسليم على سيدنا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين، أما بعد:

فَيَا أَيُّهَا الإِخْوَةُ الكِرَامُ: أَصْحَابُ سَيِّدِنَا رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ وَآلُ البَيْتِ رَضِيَ اللهُ عَنِ الجَمِيعِ، كَانُوا رِجَالَاً تَعْرِضُ لَهُمُ الشَّهَوَاتُ، وَتُحِيطُ بِهِمُ المَلَذَّاتُ، فَلَا يَلْتَفِتُونَ إِلَيْهَا، لَقَدْ كَانُوا جِبَالَاً رَاسِيَاتٍ في إِيمَانِهِمْ وَتَقْوَاهُمْ، وَكَانَتْ لَهُمْ عَزَائِمُ مَاضِيَةٌ لَا تَلِينُ، وَكَانُوا رِجَالَاً عَاهَدُوا اللهَ تعالى عَلَى الثَّبَاتِ وَعَدَمِ التَّبْدِيلِ وَالتَّغْيِيرِ حَتَّى يَأْتِيَهُمُ اليَقِينُ ﴿رِجَالٌ صَدَقُوا مَا عَاهَدُوا اللهَ عَلَيْهِ﴾.

كَانَ شِعَارُهُمْ: رَبُّنَا اللهُ، ثُمَّ الاسْتِقَامَةُ عَلَى شَرْعِ اللهِ تعالى، فَثَبَتُوا عَلَى الطَّاعَةِ، وَتَرْكِ المَعْصِيَةِ، وَبَحَثُوا عَمَّا يُقَرِّبُهُمْ مِنْ رَبِّهِمْ عَزَّ وَجَلَّ، وَيُثَبِّتُهُمْ عَلَى دِينِهِمْ، كَانُوا رَضِيَ اللهُ عَنهُمْ إِذَا أَذْنَبُوا اسْتَغْفَرُوا، وَإذَا ذُكِّرُو ذَكَرُوا، وَإِذَا خُوِّفُوا مِنْ عَذَابِ اللهِ تعالى انْزَجَرُوا، يَتْرُكُونَ لَذَّةَ المُلْكِ وَالسُّلْطَانِ وَالجَاهِ وَالسِّيَادَةِ وَالرِّيَادَةِ وَالسُّمْعَةِ وَالمَكَانَةِ في سَبِيلِ النَّجَاةِ مِنَ النِّيرَانِ، وَالفَوْزِ بِرِضَا الرَّحْمَنِ، هَؤُلَاءِ الذينَ قَالَ اللهُ تعالى في حَقِّهِمْ وَفي حَقِّ أَمْثَالِهِمْ: ﴿فَلَا تَعْلَمُ نَفْسٌ مَا أُخْفِيَ لَهُمْ مِنْ قُرَّةِ أَعْيُنٍ جَزَاءً بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ * أَفَمَنْ كَانَ مُؤْمِنَاً كَمَنْ كَانَ فَاسِقَاً لَا يَسْتَوُونَ * أَمَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ فَلَهُمْ جَنَّاتُ المَأْوَى نُزُلَاً بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ﴾.

أَيُّهَا الإِخْوَةُ الكِرَامُ: أَصْحَابُ سَيِّدِنَا رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ وَآلُ البَيْتِ رَضِيَ اللهُ عَنهُمْ عَاهَدُوا رَبَّهُمْ عَلَى الاسْتِقَامَةِ لَمَّا قَالَ لَهُمْ: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ﴾. فَثَبَتُوا عَلَى ذَلِكَ حَتَّى مَاتُوا مُسْلِمِينَ.

وَكُلُّ صَادِقٍ مِنَ الأُمَّةِ يَتَمَنَّى أَنْ يَعِيشَ عَيْشَهُمْ، وَأَنْ يَتَشَبَّهَ بِهِمْ، لِيَنَالَ لِسَانَ صِدْقٍ في الآخِرِينَ في الحَيَاةِ الدُّنْيَا، وَيَكُونَ يَوْمَ القِيَامَةِ ﴿مَعَ الَّذِينَ أَنْعَمَ اللهُ عَلَيْهِمْ مِنَ النَّبِيِّينَ وَالصِّدِّيقِينَ وَالشُّهَدَاءِ وَالصَّالِحِينَ وَحَسُنَ أُولَئِكَ رَفِيقَاً﴾.

يَا أَمِيرَ المُؤْمِنِينَ، بَشِّرْ صَاحِبَكَ بِغُلَامٍ:

أَيُّهَا الإِخْوَةُ الكِرَامُ: لَقَدِ اتَّصَفَ أَصْحَابُ سَيِّدِنَا رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ بِخُلُقِ الرَّحْمَةِ، لِأَنَّ اللهَ تعالى رَحْمَنٌ رَحِيمٌ، وَلِأَنَّ سَيِّدَنَا رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ نَبِيُّ الرَّحْمَةِ، أَرْسَلَهُ اللهُ تعالى رَحْمَةً للعَالَمِينَ.

هَذَا فَارُوقُ الإِسْلَامِ، هَذَا سَيِّدُنَا عُمَرُ رَضِيَ اللهُ عَنهُ، هَذَا الذي كَانَ يَخَافُهُ وَيَرْهَبُهُ الشَّيْطَانُ، كَانَ يَعُسُّ ذَاتَ لَيلَةٍ.

جَاءَ في التَّبْصِرَةِ لابْنِ الجَوْزِيِّ: وَرَوَى ثَابِتٌ عَنْ أَنَسٍ رَضِيَ اللهُ عَنهُ قَالَ: بَيْنَمَا عُمَرُ يَعُسُّ بِالمَدِينَةِ إِذْ مَرَّ بِرَحْبَةٍ مِنْ رِحَابِهَا، فَإِذَا هُوَ بِبَيْتٍ مِنْ شَعَرٍ، فَدَنَا مِنْهُ، فَسَمِعَ أَنِينَ امْرَأَةٍ وَرَأَى رَجُلَاً قَاعِدَاً، فَدَنَا مِنْهُ فَسَلَّمَ عَلَيْهِ ثُمَّ قَالَ: مَنِ الرَّجُلُ؟

فَقَالَ: رَجُلٌ مِنْ أَهْلِ البَادِيَةِ جِئْتُ إِلَى أَمِيرِ المُؤْمِنِينَ أُصِيبُ مِنْ فَضْلِهِ.

قَالَ: فَمَا هَذَا الصَّوْتُ فِي هَذَا الْبَيْتِ؟

قَالَ: امْرَأَةٌ تَمَخَّضُ.

قَالَ: هَلْ عِنْدَهَا أَحَدٌ؟

قَالَ: لا.

فَانْطَلَقَ حَتَّى أَتَى مَنْزِلَهُ فَقَالَ لامْرَأَتِهِ أُمِّ كُلْثُومٍ بِنْتِ عَلِيٍّ: هَلْ لَكِ فِي أَجْرٍ سَاقَهُ اللهُ إِلَيْكِ؟

قَالَتْ: وَمَا هُوَ؟

قَالَ: امْرَأَةٌ غَرِيبَةٌ تَمَخَّضُ لَيْسَ عِنْدَهَا أَحَدٌ.

قَالَتْ: نَعَمْ إِنْ شِئْتَ.

قَالَ: فَخُذِي مَا يُصْلِحُ المَرْأَةَ لِوِلَادَتِهَا مِنَ الخِرَقِ وَالدُّهْنِ، وَجِيئِينِي بِبُرْمَةٍ (أَيْ: قِدْرٍ) وَشَحْمٍ وَحُبُوبٍ.

فَجَاءَتْ بِهِ فَقَالَ: انْطَلِقِي؛ وَحَمَلَ الْبُرْمَةَ وَمَشَتْ خَلْفَهُ حَتَّى انْتَهَى إِلَى الْبَيْتِ فَقَالَ لَهَا: ادْخُلِي إِلَى المَرْأَةِ، وَجَاءَ حَتَّى قَعَدَ إِلَى الرَّجُلِ، فَقَالَ لَهُ: أَوْقِدْ لِي نَارَاً.

فَفَعَلَ، فَأَوْقَدَ تَحْتَ الْبُرْمَةِ حَتَّى أَنْضَجَهَا وَوَلَدَتِ المَرْأَةُ.

فَقَالَتِ امْرَأَتُهُ: يَا أَمِيرَ المُؤْمِنِينَ، بَشِّرْ صَاحِبَكَ بِغُلَامٍ.

فَلَمَّا سَمِعَ الرَّجُلُ بِأَمِيرِ المُؤْمِنِينَ هَابَهُ فَجَعَلَ يَتَنَحَّى عَنْهُ، فَقَالَ: مَكَانَكَ كَمَا أَنْتَ.

فَحَمَلَ الْبُرْمَةَ عُمَرُ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ، فَوَضَعَهَا عَلَى الْبَابِ ثُمَّ قَالَ: أَشْبِعِيهَا.

فَفَعَلَتْ؛ ثُمَّ أَخْرَجَتِ الْبُرْمَةَ فَوَضَعَتْهَا عَلَى الْبَابِ.

فَقَامَ عُمَرُ فَأَخَذَهَا فَوَضَعَهَا بَيْنَ يَدَيِ الرَّجُلِ، فَقَالَ: كُلْ، وَيْحَكَ فَإِنَّكَ قَدْ سَهِرْتَ مِنَ اللَّيْلِ؛ فَفَعَلَ.

ثُمَّ قَالَ لامْرَأَتِهِ: اخْرُجِي.

وَقَالَ لِلرَّجُلِ: إِذَا كَانَ غَدٌ فَائْتِنَا نَأْمُرُ لَكَ بِمَا يُصْلِحُكَ.

فَفَعَلَ الرَّجُلُ فَأَجَازَهُ وَأَعْطَاهُ.

خَاتِمَةٌ ـ نَسْأَلُ اللهَ تعالى حُسْنَ الخَاتِمَةِ ـ:

أَيُّهَا الإِخْوَةُ الكِرَامُ: هَنِيئَاً لِعَبْدٍ أَكْرَمَهُ اللهُ تعالى بِمُتَابَعَةِ المُهَاجِرِينَ وَالأَنْصَارِ الذينَ قَالَ اللهُ تعالى لَنَا في حَقِّهِمْ: ﴿وَالسَّابِقُونَ الْأَوَّلُونَ مِنَ المُهَاجِرِينَ وَالأَنْصَارِ وَالَّذِينَ اتَّبَعُوهُمْ بِإِحْسَانٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ وَأَعَدَّ لَهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي تَحْتَهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا أَبَدَاً ذَلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ﴾.

هَنِيئَاً لِمَنْ أَكْرَمَهُ اللهُ تعالى بِنِعْمَةٍ مِنَ النِّعَمِ فَسَخَّرَهَا لِمَا خُلِقَتْ لَهُ، وَكَانَ سَبَبَاً في تَفْرِيجِ كَرْبٍ، يَقُولُ ابْنُ مَسْعُودٍ رَضِيَ اللهُ عَنهُ: يُحْشَرُ النَّاسُ يَوْمَ القِيَامَةِ أَعْرَى مَا كَانُوا قَطُّ، وَأَجْوَعَ مَا كَانُوا قَطُّ، وَأَظْمَأَ مَا كَانُوا قَطُّ، وَأَنصَبَ مَا كَانُوا قَطُّ، فَمَنْ كَسَا للهِ كَسَاهُ اللهُ، وَمَنْ أَطْعَمَ للهِ أَطْعَمَهُ، وَمَنْ سَقَى للهِ سَقَاهُ، وَمَنْ عَمِلَ للهِ أَعْفَاهُ اللهُ. رواه ابن أبي الدنيا.

وَيَقُولُ الحَسَنُ البَصْرِيُّ رَحِمَهُ اللهُ تعالى: لَأَنْ أَقْضِيَ لِمُسْلِمٍ حَاجَةً أَحَبُّ إِلَيَّ مِنْ أَنْ أُصَلِّيَ أَلْفَ رَكْعَةٍ.

وَيَقُولُ رَحِمَهُ اللهُ تعالى: لَأَنْ أَقْضِيَ لِأَخٍ لِي حَاجَةً أَحَبُّ إِليَّ مِنْ أَنْ أَعْتَكِفَ شَهْرَيْنِ. رواه ابن أبي الدنيا.

وَرَحِمَ اللهُ مَنْ قَالَ: لَيْسَ الْجَوَادُ الَّذِي يُعْطِيكَ بَعْدَ المَسْأَلَةِ، وَلَكِنَّ الجَوَادَ الَّذِي يَبْتَدِئُ؛ لِأَنَّ مَا يَبْذِلُهُ إِلَيْكَ مِنْ وَجْهِهِ أَشَدُّ عَلَيْهِ مِمَّا يُعْطَى عَلَيْهِ.

اللَّهُمَّ اجْعَلْنَا رِجَالَاً صَدَقُوا مَا عَاهَدُوكَ عَلَيْهِ. آمين.

**    **    **

تاريخ الكلمة:

الخميس: 17/ محرم /1440هـ، الموافق: 27/ أيلول / 2018م