71ـ تَبَسُّمُهُ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ حِينَ يَلْقَى أَصْحَابَهُ

 

من كتاب سيدنا محمد رسول اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ

71ـ تَبَسُّمُهُ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ حِينَ يَلْقَى أَصْحَابَهُ

مقدمة الكلمة:

الحمد لله رب العالمين، وأفضل الصلاة وأتم التسليم على سيدنا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين، أما بعد:

فَيَا أَيُّهَا الإِخْوَةُ الكِرَامُ:

حَدِيثُهُ، أَوحَدِيثٌ عَـنْهُ يُطْرِبُني   ***   هَذَا إِذَا غَابَ، أَوْ هَذَا إِذَا حَضَرَا

كِـلَاهُمَا حَـسَنٌ عِـنْدِي أُسَرُّ بِهِ   ***    لَكِنَّ أَحْلَاهُمَا مَا وَافَقَ الـــنَّظَرَا

يَقُولُ الشَّيْخُ العَلَّامَةُ المُحَدِّثُ عَبْدُ اللهِ سِرَاجُ الدِّينِ رَحِمَهُ اللهُ تعالى في كِتَابِهِ: سَيِّدُنَا مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ: تَبَسُّمُهُ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ حِينَ يَلْقَى أَصْحَابَهُ وَحِينَ يُحَدِّثُهُمْ:

كَانَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ كَثِيرَاً مَا يَتَبَسَّمُ في وُجُوهِ أَصْحَابِهِ حِينَ يَلْقَاهُمْ، وَفِي حَدِيثِهِ إِلَيْهِمْ، تَلَطُّفَاً بِهِمْ وَمُؤَانَسَةً لَهُمْ.

قَالَ جَرِيرُ بْنُ عَبْدِ اللهِ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ: مَا حَجَبَنِي رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ مُنْذُ أَسْلَمْتُ (أَيْ: مَا مَنَعَنِي مِنَ الدُّخُولِ إِلَيْهِ إِذَا كَانَ في بَيْتِهِ، وَاسْتَأْذَنْتُ عَلَيْهِ، كَمَا في الفَتْحِ) وَلَا رَآنِي إِلَّا تَبَسَّمَ فِي وَجْهِي. رواه الإمام مسلم وَالتِّرْمِذِيُّ.

وَرَوَى الإِمَامُ أَحْمَدُ عَنْ أُمَّ الدَّرْدَاءِ رَضِيَ اللهُ عَنْهَا قَالَتْ: كَانَ أَبُو الدَّرْدَاءِ إِذَا حَدَّثَ حَدِيثَاً تَبَسَّمَ.

فَقُلْتُ: لَا يَقُولُ النَّاسُ إِنَّكَ أَحْمَقُ! (أَيْ: بِسَبَبِ تَبَسُّمِكَ في كَلَامِكَ).

فَقَالَ: مَا رَأَيْتُ أَوْ مَا سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ يُحَدِّثُ حَدِيثًا إِلَّا تَبَسَّمَ.

فَكَانَ أَبُو الدَّرْدَاءِ إِذَا حَدَّثَ حَدِيثَاً تَبَسَّمَ، اتِّبَاعَاً لِرَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ في ذَلِكَ.

حَوْلَ ضَحِكِهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ:

كَانَ أَصْحَابُ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ يَبْحَثُونَ عَنْ أَخْلَاقِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ وَأَحْوَالِهِ وَآدَابِهِ لِيَتَّبِعُوهُ:

وَمِنْ ذَلِكَ: تَتَبُّعُهُمْ لِأَوْصَافِ ضَحِكِهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ، وَلِلأَسْبَابِ التي كَانَ يَضْحَكُ مِنْ أَجْلِهَا، وَذَلِكَ لِتَتَبَيَّنَ لَهُمُ الأَسْبَابُ التي يَجُوزُ للمُسْلِمِ أَنْ يَضْحَكَ مِنْ أَجْلِهَا شَرْعَاً، وَمَا لَا يَجُوزُ الضَّحِكُ مِنْهُ شَرْعَاً، لِأَنَّ الضَّحِكَ مِنْهُ مَا يَجُوزُ شَرْعَاً وَمِنْهُ مَا لَا يَجُوزُ في الـشَّرْعِ، وَلَا يُعْرَفُ ذَلِكَ إِلَّا بِالرُّجُوعِ إلى الأُصُولِ الثَّابِتَةِ عَنْ سَيِّدِنَا رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ.

وَلَقَدْ كَانَ أَكْثَرُ ضَحِكِهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ التَّبَسُّمُ:

رَوَى التِّرْمِذِيُّ وَغَيْرُهُ عَنْ هِنْدِ بْنِ أَبِي هَالَةَ في حَدِيثِهِ يَصِفُ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ، قَالَ فِيهِ: جُلُّ ضَحِكِهِ التَّبَسُّمُ، وَيَفْتُرُ عَنْ مِثْلِ حَبِّ الْغَمَامِ.

وَالمَعْنَى أَنَّهُ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ يَضْحَكُ ضَحِكَاً حَسَنَاً، كَاشِفَاً عَنْ سِنٍّ مِثْلِ حَبِّ الغَمَامِ، وَهُوَ البَرَدُ، في البَيَاضِ وَالصَّفَاءِ وَالبَرِيقِ.

وَعَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ الحَارِثِ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قَالَ: مَا كَانَ ضَحِكُ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ إِلَّا تَبَسُّمًا. رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ.

وَفِي صَحِيحِ مُسْلِمٍ عَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهَا قَالَتْ: مَا رَأَيْتُ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ مُسْتَجْمِعَاً ضَاحِكَاً، حَتَّى أَرَى مِنْهُ لَهَوَاتِهِ (جَمْعُ لَهَاةٍ، وَهِيَ اللَّحْمَةُ في أَعْلَى الحَلْقِ مِنْ أَقْصَى الفَمِ) إِنَّمَا كَانَ يَتَبَسَّمُ. الحَدِيثَ.

وَكَانَ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ يَضْحَكُ أَحْيَانَاً حَتَّى تَبْدُو نَوَاجِذُهُ:

فَعَنْ عَامِرِ بْنِ سَعْدٍ قَالَ: قَالَ سَعْدُ بْنُ أَبِي وَقَّاصٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ: لَقَدْ رَأَيْتُ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ ضَحِكَ يَوْمَ الخَنْدَقِ حَتَّى بَدَتْ نَوَاجِذُهُ.

قَالَ عَامِرٌ: فَقُلْتُ لِسَعْدٍ: كَيْفَ كَانَ ضَحِكُهُ؟

فَقَالَ سَعْدٌ: كَانَ رَجُلٌ مَعَهُ تُرْسٌ، وَكَانَ سَعْدٌ رَامِيَاً، فَكَانَ الرَّجُلُ يَقُولُ كَذَا وَكَذَا بِالتُّرْسِ، يُغَطِّي جَبْهَتَهُ، فَنَزَعَ لَهُ سَعْدٌ بِسَهْمٍ، فَلَمَّا رَفَعَ ـ الرَّجُلُ المُشْرِكُ ـ رَأْسَهُ رَمَاهُ ـ سَعْدٌ ـ فَلَمْ تُخْطِئْ هَذِهِ مِنْهُ (يَعْنِي جَبْهَتَهُ) وَانْقَلَبَ، وَأَشَالَ رِجْلَهُ فَضَحِكَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ حَتَّى بَدَتْ نَوَاجِذُهُ.

قَالَ: قُلْتُ: مِنْ أَيِّ شَيْءٍ ضَحِكَ؟

قَالَ: مِنْ فِعْلِ الرَّجُلِ (أَيْ: مِنْ فِعْلِ سَعْدٍ بِالرَّجُلِ الـمُشْرِكِ، حَيْثُ إِنَّهُ اسْتَهْدَفَهُ حَتَّى أَصَابَهُ مَعَ تَوَقِّيهِ بِتُرْسِهِ).

وَرَوَى مُسْلِمٌ في صَحِيحِهِ عَنِ ابْنِ مَسْعُودٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ: «إِنِّي لَأَعْلَمُ آخِرَ أَهْلِ النَّارِ خُرُوجَاً مِنْهَا، وَآخِرَ أَهْلِ الْجَنَّةِ دُخُولَاً الْجَنَّةَ، رَجُلٌ يَخْرُجُ مِنَ النَّارِ حَبْوَاً، فَيَقُولُ اللهُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى لَهُ: اذْهَبْ فَادْخُلِ الْجَنَّةَ، فَيَأْتِيهَا فَيُخَيَّلُ إِلَيْهِ أَنَّهَا مَلْأَى.

فَيَرْجِعُ فَيَقُولُ: يَا رَبِّ، وَجَدْتُهَا مَلْأَى.

فَيَقُولُ اللهُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى لَهُ: اذْهَبْ فَادْخُلِ الْجَنَّةَ.

قَالَ: فَيَأْتِيهَا، فَيُخَيَّلُ إِلَيْهِ أَنَّهَا مَلْأَى.

فَيَرْجِعُ فَيَقُولُ: يَا رَبِّ، وَجَدْتُهَا مَلْأَى.

فَيَقُولُ اللهُ لَهُ: اذْهَبْ فَادْخُلِ الْجَنَّةَ، فَإِنَّ لَكَ مِثْلَ الدُّنْيَا وَعَشَرَةَ أَمْثَالِهَا ـ أَوْ إِنَّ لَكَ عَشَرَةَ أَمْثَالِ الدُّنْيَا ـ.

قَالَ: فَيَقُولُ: أَتَسْخَرُ بِي ـ أَوْ أَتَضْحَكُ بِي ـ وَأَنْتَ المَلِكُ؟

قَالَ: لَقَدْ رَأَيْتُ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ ضَحِكَ حَتَّى بَدَتْ نَوَاجِذُهُ.

قَالَ: فَكَانَ يُقَالُ: ذَاكَ أَدْنَى أَهْلِ الْجَنَّةِ مَنْزِلَةً.

خَاتِمَةٌ ـ نَسْأَلُ اللهَ تعالى حُسْنَ الخَاتِمَةِ ـ:

أَيُّهَا الإِخْوَةُ الكِرَامُ: وَعَنْ أَبِي ذَرٍّ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ: «إِنِّي لَأَعْلَمُ آخِرَ أَهْلِ الْجَنَّةِ دُخُولَاً الْجَنَّةَ، وَآخِرَ أَهْلِ النَّارِ خُرُوجَاً مِنْهَا، رَجُلٌ يُؤْتَى بِهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ، فَيُقَالُ: اعْرِضُوا عَلَيْهِ صِغَارَ ذُنُوبِهِ، وَارْفَعُوا عَنْهُ كِبَارَهَا، فَتُعْرَضُ عَلَيْهِ صِغَارُ ذُنُوبِهِ، فَيُقَالُ: عَمِلْتَ يَوْمَ كَذَا وَكَذَا، كَذَا وَكَذَا، وَعَمِلْتَ يَوْمَ كَذَا وَكَذَا، كَذَا وَكَذَا، فَيَقُولُ: نَعَمْ، لَا يَسْتَطِيعُ أَنْ يُنْكِرَ، وَهُوَ مُشْفِقٌ مِنْ كِبَارِ ذُنُوبِهِ أَنْ تُعْرَضَ عَلَيْهِ.

فَيُقَالُ لَهُ: فَإِنَّ لَكَ مَكَانَ كُلِّ سَيِّئَةٍ حَسَنَةً.

فَيَقُولُ: رَبِّ، قَدْ عَمِلْتُ أَشْيَاءَ لَا أَرَاهَا هَا هُنَا.

فَلَقَدْ رَأَيْتُ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ ضَحِكَ حَتَّى بَدَتْ نَوَاجِذُهُ. رَوَاهُ مُسْلِمٌ وَالتِّرْمِذِيُّ في الشَّمَائِلِ وَاللَّفْظُ لَهُ.

اللَّهُمَّ وَفِّقْنَا لِاتِّبَاعِ سَيِّدِنَا رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ. آمين.

**    **    **

تاريخ الكلمة:

الاثنين: 21/محرم /1440هـ، الموافق: 1/ تشرين الأول / 2018م