22ـ بر الوالدين : أمر الأبناء بالعبادة

 

بر الوالدين

22ـ أمر الأبناء بالعبادة

مقدمة الكلمة:

الحمد لله رب العالمين، وأفضل الصلاة وأتم التسليم على سيدنا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين، أما بعد:

فَيَا أَيُّهَا الإِخْوَةُ الكِرَامُ: مِنْ مُنْطَلَقِ المَسْؤُولِيَّةِ المُلْقَاةِ عَلَى عَاتِقِ الوَالِدَيْنِ تُجَاهَ أَوْلَادِهِمَا، كَمَا قَالَ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ: «كُلُّكُمْ رَاعٍ، وَكُلُّكُمْ مَسْؤُولٌ عَنْ رَعِيَّتِهِ، وَالرَّجُلُ رَاعٍ عَلَى أَهْلِ بَيْتِهِ، وَهُوَ مَسْؤُولٌ عَنْهُمْ، وَالمَرْأَةُ رَاعِيَةٌ عَلَى بَيْتِ بَعْلِهَا وَوَلَدِهِ، وَهِيَ مَسْؤُولَةٌ عَنْهُمْ» رواه الشيخان.

فَالرَّجُلُ مَسْؤُولٌ عَنْ جَمِيعِ مَنْ في البَيْتِ، وَالمَرْأَةُ مَسْؤُولَةٌ هِيَ الأُخْرَى عَنْ بَيْتِ زَوْجِهَا وَوَلَدِهِ كَذَلِكَ.

وَمِنْ مُنْطَلَقِ الأَمَانَةِ التي حَمَّلَهَا اللهُ تعالى للوَالِدَيْنِ تُجَاهَ أَوْلَادِهِمَا، وَمِنْ مُنْطَلَقِ مَا أَمَرَ اللهُ تعالى بِهِ الوَالِدَيْنِ مِنْ وِقَايَةٍ لَهُمَا وَأَهْلِيهِمَا مِنَ النَّارِ وَعِقَابِ اللهِ تعالى، كَمَا قَالَ اللهُ عَزَّ وَجَلَّ: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا قُوا أَنْفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَارَاً وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ﴾.

وَمِنْ مُنْطَلَقِ حِرْصِ الوَالِدَيْنِ عَلَى عَقِيدَةِ أَبْنَائِهِمَا، وَصِحَّةِ دِينِهِمْ، وَاجْتِمَاعِهِمْ عَلَى صَعِيدٍ وَاحِدٍ في دَارِ النَّعِيمِ، كَمَا قَالَ تعالى: ﴿وَالَّذِينَ آمَنُوا وَاتَّبَعَتْهُمْ ذُرِّيَّتُهُمْ بِإِيمَانٍ أَلْحَقْنَا بِهِمْ ذُرِّيَّتَهُمْ وَمَا أَلَتْنَاهُمْ مِنْ عَمَلِهِمْ مِنْ شَيْءٍ كُلُّ امْرِئٍ بِمَا كَسَبَ رَهِينٌ﴾.

وَمِنْ مُنْطَلَقِ سَعَادَةِ الإِنْسَانِ بِأَوْلَادِهِ في الدُّنْيَا وَالآخِرَةِ، أَمَرَ اللهُ تعالى الآبَاءَ وَالأُمَّهَاتِ أَنْ يَأْمُرُوا أَوْلَادَهُمْ بِالصَّلَاةِ وَالصِّيَامِ، وَأَنْ يَأْخُذُوا عَلَى أَيْدِيهِمْ إِذَا قَصَّروا في عِبَادَاتِهِمْ، وَلَنْ يَسْتَطِيعُوا أَدَاءَ العِبَادَةِ إِلَّا بَعْدَ تَعَلُّمِهَا وَحِفْظِهَا، لِيَقُومُوا بِهَا عَلَى الوَجْهِ الأَكْمَلِ، وَلِهَذَا جَاءَتِ النُّصُوصُ بِالأَمْرِ بِالعِبَادَةِ.

أَمْرُ الأَبْنَاءِ بِالعِبَادَةِ:

أَيُّهَا الإِخْوَةُ الكِرَامُ: يَا مَنْ أَنْتُمْ حَرِيصُونَ عَلَى بِرِّ أَبْنَائِكُمْ لَكُمْ عِنْدَ الشَّيْخُوخَةِ وَالضَّعْفِ الثَّانِي الذي يَنْتَظِرُكُمْ، مُرُوا أَوْلَادَكُمْ بِالعِبَادَةِ للهِ تعالى، لِأَنَّ اللهَ تعالى مَا خَلَقَ الخَلْقَ إِلَّا لِعِبَادَتِهِ، قَالَ تعالى: ﴿وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنْسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ﴾.

مُرُوهُمْ بِالعِبَادَةِ لِيَتَشَرَّفُوا بِالطَّاعَةِ للهِ عَزَّ وَجَلَّ وَلِرَسُولِهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ، وَلِيَنْتَفِعُوا مِنْ طَاعَتِهِمْ للهِ تعالى بِحَيَاةٍ طَيِّبَةٍ في الدُّنْيَا، وَسَعَادَةٍ أَبَدِيَّةٍ في الآخِرَةِ.

أَيُّهَا الإِخْوَةُ الكِرَامُ: إِنَّ تَرْبِيَةَ الأَبْنَاءِ مُنْذُ نُعُومَةِ أَظْفَارِهِمْ عَلَى العِبَادَةِ هِيَ خَيْرٌ دَائِمٌ، وَنَبْعٌ مُسْتَمِرٌّ، وَعَطَاءٌ مُتَجَدِّدٌ، يَكُونُ في نَفْسِ الوَلَدِ، وَهَذَا مِنْ حَقِّ الوَلَدِ عَلَى وَالِدَيْهِ، أَلَيْسَ مِنْ نَعِيمِ الدُّنْيَا أَنْ يَكُونَ للإِنْسَانِ قُرَّةُ عَيْنٍ مِنْ ذُرِّيَّتِهِ؟ لَقَدْ سُئِلَ الحَسَنُ البَصْرِيُّ رَحِمَهُ اللهُ تعالى عَنْ قَوْلِهِ تعالى: ﴿رَبَّنَا هَبْ لَنَا مِنْ أَزْوَاجِنَا وَذُرِّيَّاتِنَا قُرَّةَ أَعْيُنٍ وَاجْعَلْنَا لِلْمُتَّقِينَ إِمَامَاً﴾. فَقِيلَ لَهُ: يَا أَبَا سَعِيدٍ، مَا هَذِهِ قُرَّةُ الْأَعْيُنِ؟ أَفِي الدُّنْيَا، أَمْ فِي الْآخِرَةِ؟

قَالَ: «لَا بَلْ وَاللهِ فِي الدُّنْيَا».

قَالَ: وَمَا هِيَ؟

قَالَ: «هِيَ وَاللهِ أَنْ يُرِي اللهُ الْعَبْدَ مِنْ زَوْجَتِهِ، مِنْ أَخِيهِ، مِنْ حَمِيمِهِ طَاعَةَ اللهِ، لَا وَاللهِ مَا شَيْءٌ أَحَبَّ إِلَى المَرْءِ المُسْلِمِ مِنْ أَنْ يَرَى وَالِدَاً أَوْ وَلَدَاً أَوْ حَمِيمَاً أَوْ أَخَاً مُطِيعَاً للهِ عَزَّ وَجَلَّ».

قُرَّةُ العَيْنِ أَنْ تَرَى وَلَدَكَ مُلْتَزِمَاً شَرِيعَةَ اللهِ تعالى، وَأَنْ تَرَاهُ مُتَفَقِّهَاً في دِينِ اللهِ تعالى، صَاحِبَ سِيرَةٍ حَسَنَةٍ وَأَخْلَاقٍ حَمِيدَةٍ.

وَهَذَا مَا كَانَ عَلَيْهِ سَادَاتُنَا الأَنْبِيَاءُ وَالمُرْسَلُونَ عَلَيْهِمُ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ، قَالَ اللهُ تعالى عَنْ سَيِّدِنَا إِبْرَاهِيمَ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ: ﴿رَبَّنَا إِنِّي أَسْكَنْتُ مِنْ ذُرِّيَّتِي بِوَادٍ غَيْرِ ذِي زَرْعٍ عِنْدَ بَيْتِكَ المُحَرَّمِ رَبَّنَا لِيُقِيمُوا الصَّلَاةَ﴾.

وَقَالَ اللهُ عَزَّ وَجَلَّ عَنْ سَيِّدِنَا إِسْمَاعِيلَ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ: ﴿وَاذْكُرْ فِي الْكِتَابِ إِسْمَاعِيلَ إِنَّهُ كَانَ صَادِقَ الْوَعْدِ وَكَانَ رَسُولَاً نَبِيَّاً * وَكَانَ يَأْمُرُ أَهْلَهُ بِالصَّلَاةِ وَالزَّكَاةِ وَكَانَ عِنْدَ رَبِّهِ مَرْضِيَّاً﴾.

وَقَالَ اللهُ تعالى عَمَّا في وَصِيَّةِ سَيِّدِنَا لُقْمَانَ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ لِابْنِهِ: ﴿يَا بُنَيَّ أَقِمِ الصَّلَاةَ وَأْمُرْ بِالمَعْرُوفِ وَانْهَ عَنِ المُنْكَرِ وَاصْبِرْ عَلَى مَا أَصَابَكَ إِنَّ ذَلِكَ مِنْ عَزْمِ الْأُمُورِ﴾.

وَيَقُولُ الله تعالى آمِرَاً نَبِيَّهُ وَحَبِيبَهُ سَيِّدَنَا مُحَمَّدَاً صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ أَنْ يَأْمُرَ أَهْلَهُ بِالصَّلَاةِ: ﴿وَأْمُرْ أَهْلَكَ بِالصَّلَاةِ وَاصْطَبِرْ عَلَيْهَا لَا نَسْأَلُكَ رِزْقَاً نَحْنُ نَرْزُقُكَ وَالْعَاقِبَةُ لِلتَّقْوَى﴾.

وَامْتَثَلَ النَّبِيُّ المُصْطَفَى الكَرِيمُ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ أَمْرَ رَبِّهِ عَزَّ وَجَلَّ، فَأَمَرَ أُمَّتَهُ بِالصَّلَاةِ، وَبَيَّنَ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ مَتَى يَبْدَأُ الصَّبِيُّ بِالصَّلَاةِ ـ تَمْرِينَاً وَتَدرِيبَاً ـ ثُمَّ مَتَى يُضْرَبُ عَلَيْهَا إِذَا قَصَّرَ، وَكُلُّ ذَلِكَ قَبْلَ التَّكْلِيفِ بِهَا، حَتَّى إِذَا بَلَغَ كَانَ مُعْتَادَاً عَلَى أَدَائِهَا، غَيْرَ مُتَثَاقِلٍ مِنْهَا.

روى الترمذي عَنْ سَبْرَةَ بْنِ مَعْبَدٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ «عَلِّمُوا ـ وفي رِوَايَةٍ: مُرُوا ـ الصَّبِيَّ الصَّلَاةَ ابْنَ سَبْعِ سِنِينَ، وَاضْرِبُوهُ عَلَيْهَا ابْنَ عَشْرٍ».

وروى أبو داود عَنْ عَمْرِو بْنِ شُعَيْبٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ جَدِّهِ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ: «مُرُوا أَوْلَادَكُمْ بِالصَّلَاةِ وَهُمْ أَبْنَاءُ سَبْعِ سِنِينَ، وَاضْرِبُوهُمْ عَلَيْهَا وَهُمْ أَبْنَاءُ عَـشْرٍ وَفَرِّقُوا بَيْنَهُمْ فِي المَضَاجِعِ».

قَالَ الإِمَامُ الشَّافِعِيُّ رَحِمَهُ اللهُ تعالى: عَلَى الآبَاءِ وَالأُمَّهَاتِ أَنْ يُؤَدِّبُوا أَوْلَادَهُمْ، وَيُعَلِّمُوهُمُ الطَّهَارَةَ وَالصَّلَاةَ، وَيَضْرِبُوهُمْ عَلَى ذَلِكَ إِذَا عَقَلُوا، فَمَنِ احْتَلَمَ أَو حَاضَ أَو اسْتَكْمَلَ خَمْسَ عَشْرَةَ سَنَةً لَزِمَهُ الفَرْضُ.

فَيَكُونُ الوَالِدُ بِتَعْلِيمِهِ وَأَمْرِهِ وَلَدَهُ بِالصَّلَاةِ مُنْذُ الصِّغَرِ قَدْ أَدَّى مَا وَجَبَ عَلَيْهِ، وَبَقِيَ مَا يَجِبُ لَهُ، وَبِذَلِكَ تَبْرَأُ ذِمَّتُهُ مِنْ نَاحِيَةٍ، وَمِنْ نَاحِيَةٍ أُخْرَى يَخْرُجُ الوَلَدُ صَالِحَاً دَيِّنَاً مُسْتَقِيمَاً بِإِذْنِ اللهِ تعالى، وَيَكُونُ مَرْدُودُ ذَلِكَ عَلَيْهِ بِإِذْنِ اللهِ تعالى.

خَاتِمَةٌ ـ نَسْأَلُ اللهَ تعالى حُسْنَ الخَاتِمَةِ ـ:

أَيُّهَا الإِخْوَةُ الكِرَامُ: لِنَهْتَمَّ بِتَرْبِيَةِ الأَبْنَاءِ وَالبَنَاتِ مُنْذُ نُعُومَةِ أَظْفَارِهِمْ، وَلْنُرَبِّيهِمْ عَلَى طَاعَةِ اللهِ تعالى، وَطَاعَةِ سَيِّدِنَا رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ.

لَنُحَذِّرْ أَبْنَاءَنَا مِنْ دُعَاةِ السُّوءِ وَالفَحْشَاءِ وَالمُنْكَرِ وَأَصْحَابِ الشَّهَوَاتِ، لِنُبْعِدْهُمْ عَنْهُمْ بِأُسْلُوبٍ حَكِيمٍ، لِنُبَيِّنْ لَهُمْ مَفَاسِدَ وَمَضَارَّ الصُّحْبَةِ السَّيِّئَةِ، لِنُحَذِّرْهُمْ مِنَ الانْغِمَاسِ في الرَّذَائِلِ، وَالمُخَالَفَاتِ الـشَّرْعِيَّةِ؛ وَلْنُحَذِّرْ أَبْنَاءَنَا وَبَنَاتِنَا مَضَارَّ الجَوَّالَاتِ.

أَسْأَلُ اللهَ تعالى لَنَا وَلِذُرِّيَّاتِنَا الحِفْظَ وَالسَّلَامَةَ في الدِّينِ وَالدُّنْيَا وَالآخِرَةِ. آمين.

**      **    **

تاريخ الكلمة:

الأحد: 27/ محرم /1440هـ، الموافق: 7/ تشرين الأول / 2018م