23ـ نحو أسرة مسلمة: واجبنا نحو أبنائنا الذكور عند زواجهم(2)

 

الحمد لله رب العالمين، وأفضل الصلاة وأتم التسليم على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين، أما بعد:

خلاصة الدرس الماضي:

فقد ذكرت في الدرس الماضي بأننا نعلِّم أبناءنا كلَّ شيء يصلح دنياهم، ونستعين بالآخرين لتعليمهم ما يصلح دنياهم الفانية، أما أن نعلِّمهم أمور دينهم فلا، إلا من رحم ربك، قد يهتمُّ أحدنا بتربية ولده في مرحلة الطفولة على تلاوة القرآن العظيم، وحفظ بعض أحاديث سيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم، وهذا شيء حَسَن، ولكن يجب علينا أن نعلم بأنه يجب علينا أن نعلِّم أبناءنا ما يجب عليهم عند كلِّ مرحلة من مراحل حياتهم.

وقلنا: إذا دخل الولد سنَّ الرجال، واقترب الوعد من زواجه، يجب علينا أن نعلِّمه بعض الواجبات نحو زوجته، ونحذِّره من التقصير نحوها، وقلنا إن الواجب الأول الذي يجب علينا نحو أبنائنا الذكور أن نحذِّرهم من عواقب الظلم وخاصة للزوجة، فالظلم ظلمات يوم القيامة. والواجب الثاني أن نعلِّمه وجوب اتقاء الله في زوجته، لقول النبي صلى الله عليه وسلم: (فَاتَّقُوا اللَّهَ فِي النِّسَاءِ فَإِنَّكُمْ أَخَذْتُمُوهُنَّ بِأَمَانِ اللَّهِ وَاسْتَحْلَلْتُمْ فُرُوجَهُنَّ بِكَلِمَةِ اللَّهِ) رواه مسلم. فلا يأمرها بفعل معصية ولا بترك طاعة، لأن عدم النهي عن المنكر سبب لوجوب اللعنة، فكيف الأمر به؟ قال تعالى: {لُعِنَ الَّذِينَ كَفَرُواْ مِن بَنِي إِسْرَائِيلَ عَلَى لِسَانِ دَاوُودَ وَعِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ ذَلِكَ بِمَا عَصَوا وَّكَانُواْ يَعْتَدُون * كَانُواْ لاَ يَتَنَاهَوْنَ عَن مُّنكَرٍ فَعَلُوهُ لَبِئْسَ مَا كَانُواْ يَفْعَلُون}.

الواجب الثالث:

أن يأمرها بالمعروف وينهاها عن المنكر بأسلوب لطيف، لأن مولانا جلَّ جلاله يقول لسيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم: {وَلَوْ كُنتَ فَظًّا غَلِيظَ الْقَلْبِ لاَنفَضُّواْ مِنْ حَوْلِكَ}، ويقول لسيدنا موسى وهارون عليهما السلام: {فَقُولاَ لَهُ قَوْلاً لَّيِّنًا لَّعَلَّهُ يَتَذَكَّرُ أَوْ يَخْشَى}، لأن الأسلوب الفظَّ منفِّر.

وأن يسلك معها طريق العرض أولاً لا الفرض، وهذا من أساليب القرآن العظيم، مثلاً يقول مولانا عز وجل: {إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَهُمْ جَنَّاتٌ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الأَنْهَارُ ذَلِكَ الْفَوْزُ الْكَبِير}، ويقول: {إِنَّ الْمُتَّقِينَ فِي جَنَّاتٍ وَنَهَر * فِي مَقْعَدِ صِدْقٍ عِندَ مَلِيكٍ مُّقْتَدِر}، ويقول: {وَسِيقَ الَّذِينَ كَفَرُوا إِلَى جَهَنَّمَ زُمَرًا}، ويقول: {وَسِيقَ الَّذِينَ اتَّقَوْا رَبَّهُمْ إِلَى الْجَنَّةِ زُمَرًا}.

وهذا سيدنا موسى عليه السلام يوجِّهه ربنا إلى أن يذهب على فرعون بقوله: {اذْهَبَا إِلَى فِرْعَوْنَ إِنَّهُ طَغَى * فَقُولاَ لَهُ قَوْلاً لَّيِّنًا لَّعَلَّهُ يَتَذَكَّرُ أَوْ يَخْشَى}.

جاء رجل إلى أمير من أمراء المؤمنين، وقال له: إني ناصحك ومشدِّد عليك في النصح، أتقبل مني؟ قال: لا، قال: لا تقبل وأنا أنصحك بكتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم؟ قال: لقد أرسل الله من هو خير منك إلى من هو شر مني، أرسل موسى وهو خير منك، إلى فرعون وهو شر مني، فقال له: {فَقُولاَ لَهُ قَوْلاً لَّيِّنًا لَّعَلَّهُ يَتَذَكَّرُ أَوْ يَخْشَى}، لذلك صار عند القاعدة المعروفة: من لانت كلمته وجبت محبَّته.

روى الإمام أحمد عَنْ أَبِي أُمَامَةَ رضي الله عنه قَالَ: إِنَّ فَتًى شَابًّا أَتَى النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ ائْذَنْ لِي بِالزِّنَا، فَأَقْبَلَ الْقَوْمُ عَلَيْهِ فَزَجَرُوهُ قَالُوا: مَهْ مَهْ، فَقَالَ: (ادْنُهْ) فَدَنَا مِنْهُ قَرِيبًا قَالَ: فَجَلَسَ، قَالَ: (أَتُحِبُّهُ لأُمِّكَ)؟ قَالَ: لا وَاللَّهِ جَعَلَنِي اللَّهُ فِدَاءَكَ، قَالَ: (وَلا النَّاسُ يُحِبُّونَهُ لأُمَّهَاتِهِمْ، قَالَ: أَفَتُحِبُّهُ لابْنَتِكَ)؟ قَالَ: لا وَاللَّهِ يَا رَسُولَ اللَّهِ جَعَلَنِي اللَّهُ فِدَاءَكَ. قَالَ: (وَلا النَّاسُ يُحِبُّونَهُ لِبَنَاتِهِمْ، قَالَ: أَفَتُحِبُّهُ لأُخْتِكَ)؟ قَالَ: لا وَاللَّهِ جَعَلَنِي اللَّهُ فِدَاءَكَ، قَالَ: (وَلا النَّاسُ يُحِبُّونَهُ لأَخَوَاتِهِمْ، قَالَ: أَفَتُحِبُّهُ لِعَمَّتِكَ)؟ قَالَ: لا وَاللَّهِ جَعَلَنِي اللَّهُ فِدَاءَكَ، قَالَ: (وَلا النَّاسُ يُحِبُّونَهُ لِعَمَّاتِهِمْ، قَالَ: أَفَتُحِبُّهُ لِخَالَتِكَ)؟ قَالَ: لا وَاللَّهِ جَعَلَنِي اللَّهُ فِدَاءَكَ، قَالَ: (وَلا النَّاسُ يُحِبُّونَهُ لِخَالاتِهِمْ)، قَالَ: فَوَضَعَ يَدَهُ عَلَيْهِ وَقَالَ: (اللَّهُمَّ اغْفِرْ ذَنْبَهُ، وَطَهِّرْ قَلْبَهُ، وَحَصِّنْ فَرْجَهُ)، فَلَمْ يَكُنْ بَعْدُ ذَلِكَ الْفَتَى يَلْتَفِتُ إِلَى شَيْءٍ.

تصوَّر لو أن هذا السؤال وُجِّه لك فما أنت فاعل؟ الداعي إلى الله عز وجل الذي عرف أجر الهداية من خلال قول النبي صلى الله عليه وسلم: (لأَنْ يَهْدِيَ اللَّهُ بِكَ رَجُلاً وَاحِدًا خَيْرٌ لَكَ مِنْ أَنْ يَكُونَ لَكَ حُمْرُ النَّعَمِ) رواه البخاري ومسلم، من عرف هذا الأجر كان حليماً صبوراً على من يدعوه.

علِّمه أن يخاطبها بأحب الأسماء إليها عند الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، متعلِّماً هذا الأسلوب من القرآن العظيم. انظر إلى سيدنا لقمان عليه السلام وهو يوجِّه ولده بقوله: {يَا بُنَيَّ إِنَّهَا إِن تَكُ مِثْقَالَ حَبَّةٍ مِّنْ خَرْدَلٍ فَتَكُن فِي صَخْرَةٍ أَوْ فِي السَّمَاوَاتِ أَوْ فِي الأَرْضِ يَأْتِ بِهَا اللَّهُ إِنَّ اللَّهَ لَطِيفٌ خَبِير * يَا بُنَيَّ أَقِمِ الصَّلاَةَ وَأْمُرْ بِالْمَعْرُوفِ وَانْهَ عَنِ الْمُنكَرِ وَاصْبِرْ عَلَى مَا أَصَابَكَ إِنَّ ذَلِكَ مِنْ عَزْمِ الأُمُور * وَلاَ تُصَعِّرْ خَدَّكَ لِلنَّاسِ وَلاَ تَمْشِ فِي الأَرْضِ مَرَحًا إِنَّ اللَّهَ لاَ يُحِبُّ كُلَّ مُخْتَالٍ فَخُور * وَاقْصِدْ فِي مَشْيِكَ وَاغْضُضْ مِن صَوْتِكَ إِنَّ أَنكَرَ الأَصْوَاتِ لَصَوْتُ الْحَمِير}

وهذا سيدنا نوح عليه السلام عندما يخاطب ولده: {يَا بُنَيَّ ارْكَب مَّعَنَا وَلاَ تَكُن مَّعَ الْكَافِرِين}.

وهذا سيدنا إبراهيم عليه السلام عندما يخاطب والده: {يَا أَبَتِ لِمَ تَعْبُدُ مَا لاَ يَسْمَعُ وَلاَ يُبْصِرُ وَلاَ يُغْنِي عَنكَ شَيْئًا * يَا أَبَتِ إِنِّي قَدْ جَاءنِي مِنَ الْعِلْمِ مَا لَمْ يَأْتِكَ فَاتَّبِعْنِي أَهْدِكَ صِرَاطًا سَوِيًّا * يَا أَبَتِ لاَ تَعْبُدِ الشَّيْطَانَ إِنَّ الشَّيْطَانَ كَانَ لِلرَّحْمَنِ عَصِيًّا * يَا أَبَتِ إِنِّي أَخَافُ أَن يَمَسَّكَ عَذَابٌ مِّنَ الرَّحْمَن فَتَكُونَ لِلشَّيْطَانِ وَلِيًّا}.

حذِّره من كلمات لا ترضي الله عز وجل عند خطابه لزوجته.

الواجب الرابع:

علِّمه أن يكون صادقاً معها، وحذِّره من الكذب، لأن عاقبة الكذب وخيمة، يقول صلى الله عليه وسلم: (عَلَيْكُمْ بِالصِّدْقِ، فَإِنَّ الصِّدْقَ يَهْدِي إِلَى الْبِرِّ، وَإِنَّ الْبِرَّ يَهْدِي إِلَى الْجَنَّةِ، وَمَا يَزَالُ الرَّجُلُ يَصْدُقُ وَيَتَحَرَّى الصِّدْقَ حَتَّى يُكْتَبَ عِنْدَ اللَّهِ صِدِّيقًا. وَإِيَّاكُمْ وَالْكَذِبَ، فَإِنَّ الْكَذِبَ يَهْدِي إِلَى الْفُجُورِ، وَإِنَّ الْفُجُورَ يَهْدِي إِلَى النَّارِ، وَمَا يَزَالُ الرَّجُلُ يَكْذِبُ وَيَتَحَرَّى الْكَذِبَ حَتَّى يُكْتَبَ عِنْدَ اللَّهِ كَذَّابًا) رواه مسلم. لأن الزوجة إن عرفت زوجها يكذب ويكثر من الكذب فلن تصدِّقه.

كيف يبيح الرجل لنفسه الكذب على زوجته، ويحذِّر زوجته من الكذب؟

وأما ما يستدلُّ به كثير من الرجال بأن الكذب على النساء حلال، أو بعضهم يقول إنه واجب، ويعتمدون في ذلك على حديث من أحاديث سيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم، كما جاء في سنن الترمذي عن أسماء بنت يزيد قالت: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (لا يَحِلُّ الْكَذِبُ إِلا فِي ثَلاثٍ: يُحَدِّثُ الرَّجُلُ امْرَأَتَهُ لِيُرْضِيَهَا، وَالْكَذِبُ فِي الْحَرْبِ، وَالْكَذِبُ لِيُصْلِحَ بَيْنَ النَّاسِ)، مدلول الحديث واضح، إذا كان الإسلام رخَّص لك في الكذب من أجل الإصلاح بين الناس، أفلا يرخِّص لك في الكذب للإصلاح بينك وبين زوجتك؟

ولكن بالاتفاق الكذب للإصلاح ليس فيه ضياع لحقِّ أحد، أو ظلم أحد، وإلا فيحرم، لو سألتك زوجتك عن مكانتها عندك قل لها: نعم، والله لك مكانة في قلبي، ولا يعلم قدرها إلا الله. لأن الرجل بهذا الكذب يبتغي حصول الوعد الذي وعد الله عز وجل به عبده المؤمن عندما يكره زوجته، وذلك عندما يقول الله تعالى: {وَعَاشِرُوهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ فَإِن كَرِهْتُمُوهُنَّ فَعَسَى أَن تَكْرَهُواْ شَيْئًا وَيَجْعَلَ اللّهُ فِيهِ خَيْرًا كَثِيرًا}، فهو يطمع في هذا الخير الكثير، لذلك قد يجد في قلبه الكره لها، ولكنه يعاشرها بالمعروف طمعاً بذلك الثواب، لذلك رخَّص له النبي صلى الله عليه وسلم بالكذب على زوجته من خلال تعبيره لها عن مشاعره نحوها، أما الكذب عليها وخاصة إذا كان فيه ضياع حقٍّ فهذا لا يقول به أحد.

الواجب الخامس:

علِّمه بأن الزوجة لها حقٌّ عليه وخاصّة في مؤانستها، لأنها ما تزوجت لسبب جوعٍ أو عطش أو عري، إنما تزوَّجت لأن الرجال خُلقوا للنساء، والنساء خُلِقن للرجال، ذكِّره بحديث سيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم الذي قاله لسيدنا عبد الله بن عمرو بن العاص رضي الله عنهما قال: (يَا عَبْدَ اللَّهِ أَلَمْ أُخْبَرْ أَنَّكَ تَصُومُ النَّهَارَ وَتَقُومُ اللَّيْلَ)؟ قُلْتُ: بَلَى يَا رَسُولَ اللَّهِ، قَالَ: (فَلا تَفْعَلْ، صُمْ وَأَفْطِرْ، وَقُمْ وَنَمْ، فَإِنَّ لِجَسَدِكَ عَلَيْكَ حَقًّا، وَإِنَّ لِعَيْنِكَ عَلَيْكَ حَقًّا، وَإِنَّ لِزَوْجِكَ عَلَيْكَ حَقًّا) رواه البخاري ومسلم.

علِّمه بأن النبي صلى الله عليه وسلم نهى سيدنا عبد الله بن عمرو رضي الله عنهما أن يصوم النهار ويقوم الليل دائماً، وذلك من أجل المحافظة على حقِّ زوجته، فكيف بحال شبابنا يقومون الليل ولكن بأيِّ شيء يقومون هذا الليل؟ إن لم يكن في معصية ففي لغو باطل، يضيِّعون الساعات في لغو باطل على حساب واجب من الواجبات التي عليهم، والتي من جملتها حق الزوجة.

علِّمه بأن رسول الله صلى الله عليه وسلم دخل يوماً على السيدة عائشة رضي الله عنها، كما يروي عطاء قال:

قال ابن عمير: أخبرينا بأعجب شيء رأيته من رسول الله صلى الله عليه وسلم، قال: فسكتت ثم قالت:

لما كان ليلة من الليالي قال: (يا عائشة ذريني أتعبد الليلة لربي).

قلت: والله إني لأحبُّ قربك وأحبّ ما سرَّك.

قالت: فقام فتطهر، ثم قام يصلي، قالت: فلم يزل يبكي حتى بلَّ حِجره، قالت: ثم بكى فلم يزل يبكي حتى بلَّ لحيته، قالت: ثم بكى فلم يزل يبكي حتى بلَّ الأرض، فجاء بلال يؤذنه بالصلاة، فلما رآه يبكي قال: يا رسول الله لم تبكي وقد غفر الله لك ما تقدَّم وما تأخر؟ قال: (أفلا أكون عبداً شكوراً؟ لقد نزلت عليَّ الليلة آيةٌ ويل لمن قرأها ولم يتفكر فيها، {إِنَّ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ...} الآية كلها. رواه ابن حبان في صحيحه.

يا أخي لا أقول لك استأذنها في ذهابك أو في القيام بأمر من الأمور، بل أقول لك: أعلمها فقط أين أنت، وكن صادقاً معها، لأنها قد تحتاجك فأين تجدك؟ ليس بعيب ولا عار عليك إن فعلت هذا.

ولعلنا أن نتابع هذا الموضوع في درس قادم إن شاء الله، وأسأل الله تعالى أن يوفِّقنا لما يحبُّه ويرضاه. آمين.

وسلام على المرسلين والحمد لله رب العالمين.

** ** **