23ـ بر الوالدين :التأديب له أثر كبير في حياة الولد

 

بر الوالدين

23ـ التأديب له أثر كبير في حياة الولد

مقدمة الكلمة:

الحمد لله رب العالمين، وأفضل الصلاة وأتم التسليم على سيدنا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين، أما بعد:

فَيَا أَيُّهَا الإِخْوَةُ الكِرَامُ: إِنَّ الأَدَبَ مِنْ أَغْلَى مَا يُقَدِّمُهُ الوَالِدُ لِوَلَدِهِ، لِأَنَّ بِهِ يُعَاشِرُ النَّاسَ، وَبِهِ يَتَعَامَلُ مَعَ النَّاسِ، فَإِذَ اقَلَّ أَدَبُهُ نَفَرَ النَّاسُ مِنْهُ، كَمَا أَنَّ كَرَمَ الأَخْلَاقِ هُوَ أَثْقَلُ مَا يُوزَنُ في مِيزَانِ العَبْدِ يَوْمَ القِيَامَةِ، فَبِالأَخْلَاقِ وَالأَدَبِ الرَّفِيعِ يُكْرِمُ الكَبِيرَ، وَيُحْسِنُ عَلَى الصَّغِيرِ، وَيُعِينُ ضَعْفَةَ المُسْلِمِينَ، وَيُوَقِّرُ العَالِمَ، وَيَعْرِفُ حَقَّ الجَارِ وَالصَّدِيقِ، وَيَصِلُ الرَّحِمَ، وَيَبَرُّ الوَالِدَ، وَيُكْرِمُ أَهْلَ الفَضْلِ، وَيُقَدِّرُ أَهْلَ الخَيْرِ، وَبِالخُلُقِ الرَّفِيعِ وَالأَدَبِ العَالِي يَصُونُهُ اللهُ تعالى عَنْ أَخْلَاقِ السُّفَهَاءِ، وَصِفَاتِ العُصَاةِ وَالفَسَقَةِ، فَيَحْمَدُهُ أَهْلُ الأَرْضِ وَأَهْلُ السَّمَاءِ، وَيُرْفَعُ لَهُ في الدَّرَجَاتِ، وَيُثَقَّلُ لَهُ في المِيزَانِ.

وَالأَدَبُ شُعَبُهُ مُتَعَدِّدَةٌ، وَلَا بُدَّ مِنْ تَحَقُّقِهَا في نَفْسِ الوَلَدِ، وَيَغْرِسُهَا الوَالِدُ في نَفْسِهِ مُنْذُ صِغَرِهِ، مِنْ حَيَاءٍ، وَوَفَاءٍ بِالعَهْدِ، وَإِنْجَازٍ للوَعْدِ، وَطِيبِ الكَلَامِ، وَطَلَاقَةِ الوَجْهِ، وَاحْتِرَامِ الجَلِيسِ، وَحِلْمٍ وَأَنَاةٍ وَرِفْقٍ، وَاحْتِمَالِ الأَذَى، وَتَوَاضُعٍ، وَخَفْضِ الجَنَاحِ، وَحِفْظِ اللِّسَانِ، إلى غَيْرِ ذَلِكَ مِنَ الآدَابِ القَوِيمَةِ.

كَمَا يُعَلِّمُهُ القُرْآنَ الكَرِيمَ، وَلِسَانَ العَرَبِ، وَيُسْمِعُهُ السُّنَنَ وَالآدَابَ وَأَقَاوِيلَ السَّلَفِ، وَيُعَلِّمُهُ مِنَ الدِّينِ مَا يَحْتَاجُ إِلَيْهِ، وَيَأْمُرُهُ بِالطَّاعَةِ، وَيُعَلِّمُهُ الخَيْرَ، وَيُحَقِّقُهُ بِالوَرَعِ وَالاحْتِيَاطِ، وَكَفِّ الأَذَى، وَحِفْظِ الجَوَارِحِ، إلى آخِرِ مَا هُوَ مَطْلُوبٌ مِنَ المُسْلِمِ أَنْ يَتَّصِفَ بِهِ، أَو يَنْزَجِرَ عَنْهُ.

خَيْرُ مَا تُقَدِّمُهُ لِوَلَدِكَ أَدَبٌ حَسَنٌ:

أَيُّهَا الإِخْوَةُ الكِرَامُ: المَرْءُ يَشِيبُ عَلَى مَا شَبَّ عَلَيْهِ، فَإِذَا لَم يَنشَأِ الطِّفْلُ مُنْذُ صِغَرِهِ عَلَى عُلُوِّ الهِمَّةِ، وَحُسْنِ الأَدَبِ وَالأَخْلَاقِ، وَحُسْنِ التَّعَامُلِ وَحُسْنِ المُخَاطَبَةِ للآخَرِينَ، وَتَرْكِ سَفَاسِفِ الأُمُورِ، فَإِنَّ هَذَا الطِّفْلَ لَنْ يُفْلِحَ أَبَدَاً إِلَّا إِذَا تَدَارَكَتْهُ رَحْمَةُ اللهِ تعالى، وَقَالُوا قَدِيمَاً:

وَالنَّفْسُ كَالطِّفْلِ إِنْ تُهْمِلْهُ شَبَّ عَلَى    ***   حُـبِّ الـرَّضَـاعِ وَإِنْ تَـفْـطِـمْهُ يَنْفَطِمِ

ورَاعِـهَـا وَهِـيَ في الأَعْـمَالِ سَائِمَةً     ***   وَإِنْ هِيَ اسْتَحْلَّتِ المَرْعَى فَـلَا تُـــسِمِ

كَمْ حَـسَّـنَـتْ لَـذَّةً لِلْـمَـرْءِ قَـاتِـلَـةً   ***   مِنْ حَيْثُ لَمْ يَدْرِي أَنَّ السُّمَّ في الدَّسَمِ

وَقَالُوا:

وَيَنْشَأُ نَاشِئُ الفِتْيَانِ مِنَّا   ***   عَلَى مَا كَانَ عَوَّدَهُ أَبُوهُ

أَيُّهَا الإِخْوَةُ الكِرَامُ: نَعَمْ، الإِسْلَامُ يَبْنِي عَلَاقَةَ الأَبَوَيْنِ مَعَ أَوْلَادِهِمَا عَلَى المَحَبَّةِ وَالعَاطِفَةِ، وَلَكِنَّهُ يَبْنِي العَاطِفَةَ عَلَى أَنَّهَا لَا تَطْغَى عَلَى العَقْلِ فَتُضَيِّعُ التَّرْبِيَةَ، فَيَجِبُ أَنْ يَكُونَ العَقْلُ لَهُ قِيمَتُهُ، وَالعَاطِفَةُ لَهَا قِيمَتُهَا، وَلَكِنْ يَجِبُ أَنْ يُقَيِّدَ العَقْلُ العَاطِفَةَ، وَذَلِكَ بِحُسْنِ تَرْبِيَةِ الأَبْنَاءِ، وَحُسْنِ تَأْدِيبِهِمْ عَلَى مَكَارِمِ الأَخْلَاقِ، وَنَبْذِ سَفَاسِفِ الأُمُورِ، روى الترمذي عَنْ جَابِرِ بْنِ سَمُرَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ: «لَأَنْ يُؤَدِّبَ الرَّجُلُ وَلَدَهُ، خَيْرٌ لَهُ مِنْ أَنْ يَتَصَدَّقَ بِصَاعٍ».

وَمَعْنَاهُ أَنْ يُؤَدِّبَ وَلَدَهُ مَرَّةً وَاحِدَةً، أَو يَجْلِسَ لِيُؤَدِّبَهُ مَرَّةً خَيْرٌ مِنْ أَنْ يَتَصَدَّقَ بِصَاعٍ.

روى الحاكم عَنْ أَيُّوبَ بْنِ مُوسَى بْنِ عَمْرِو بْنِ سَعِيدِ بْنِ الْعَاصِ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ جَدِّهِ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ: «مَا نَحَلَ وَالِدٌ وَلَدَهُ أَفْضَلَ مِنْ أَدَبٍ حَسَنٍ».

وروى ابن ماجه عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ، عَنْ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «أَكْرِمُوا أَوْلَادَكُمْ، وَأَحْسِنُوا أَدَبَهُمْ».

وَقَوْلُهُ تعالى: ﴿قُوا أَنْفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَارَاً﴾. قَالَ مُجَاهِدٌ رَحِمَهُ اللهُ تعالى فِيهَا: أَوْصُوا أَنْفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ بِتَقْوَى اللهِ وَأَدِّبُوهُمْ.

وَعَنْ قَتَادَةَ رَحِمَهُ اللهُ تعالى قَالَ: مُرُوهُمْ بِطَاعَةِ اللهِ، وَانْهَوْهُمْ عَنْ مَعْصِيَتِهِ.

وَعَنْ عَلِيٍّ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قَالَ: عَلِّمُوا أَهْلِيكُمْ خَيْرَاً.

التَّأْدِيبِ لَهُ أَثَرٌ كَبِيرٌ في حَيَاةِ الوَلَدِ:

أَيُّهَا الإِخْوَةُ الكِرَامُ: التَّأْدِيبِ لَهُ أَثَرٌ كَبِيرٌ في حَيَاةِ الوَلَدِ، سَوَاءٌ كَانَ في لِسَانِهِ أَو خُلُقِهِ، أَو أَدَبِهِ، أَو صِفَاتِهِ.

روى الإمام مسلم عَنِ ابْنِ أَبِي عَتِيقٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ (وَاسْمُهُ عَبْدُ اللهِ) قَالَ: تَحَدَّثْتُ أَنَا وَالْقَاسِمُ عِنْدَ عَائِشَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهَا حَدِيثَاً (وَهُمَا أَوْلَادُ عَمٍّ، وَعَمَّتُهُمُ السَّيِّدَةُ عَائِشَةُ رَضِيَ اللهُ عَنهَا) وَكَانَ الْقَاسِمُ رَجُلَاً لَحَّانَةً ـ أَيْ: كَثِيرَ اللَّحْنِ في كَلَامِهِ ـ وَكَانَ لِأُمِّ وَلَدٍ (أُمُّ وَلَدٍ: يَعْنِي أُمَّهُ كَانَتْ أَمَةً، وَطِئَهَا سَيِّدُهَا، فَأَنْجَبَتْ مِنْهُ وَلَدَاً، وَتُعْتَقُ بِمَوْتِ سَيِّدِهَا).

فَقَالَتْ لَهُ عَائِشَةُ: مَا لَكَ لَا تَحَدَّثُ كَمَا يَتَحَدَّثُ ابْنُ أَخِي هَذَا، أَمَا إِنِّي قَدْ عَلِمْتُ مِنْ أَيْنَ أُتِيتَ هَذَا، أَدَّبَتْهُ أُمُّهُ، وَأَنْتَ أَدَّبَتْكَ أُمُّكَ؛ قَالَ: فَغَضِبَ الْقَاسِمُ وَأَضَبَّ عَلَيْهَا (أَيْ: وَجَدَ وَحَقَدَ).

فَلَمَّا رَأَى مَائِدَةَ عَائِشَةَ، قَدْ أُتِيَ بِهَا قَامَ، قَالَتْ: أَيْنَ؟

قَالَ: أُصَلِّي.

قَالَتْ: اجْلِسْ.

قَالَ: إِنِّي أُصَلِّي.

قَالَتْ: اجْلِسْ غُدَرُ ـ لِأَنَّهُ أَسَاءَ الأَدَبَ، وَهُوَ مَأْمُورٌ بِالأَدَبِ مَعَهَا ـ إِنِّي سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: «لَا صَلَاةَ بِحَضْرَةِ الطَّعَامِ، وَلَا هُوَ يُدَافِعُهُ الْأَخْبَثَانِ».

فَلَمَّا كَانَتْ أُمُّ القِاسِمِ أُمَّ وَلَدٍ، وَرَبَّتْهُ وَأَدَّبَتْهُ، قَبْلَ أَنْ يَنْتَقِلَ إلى عَمَّتِهِ السَّيِّدَةِ عَائِشَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهَا ـ بَعْدَ مَقْتَلِ أَبِيهِ ـ أَضَرَّ ذَلِكَ بِهِ، وَأَثَّرَ في لِسَانِهِ، بِخِلَافِ ابْنِ ابْنِ عَمِّهِ الذي رَبَّتْهُ أُمُّهُ وَهِيَ قُرَشِيَّةٌ.

وَإِذَا كَانَ هَذَا في اللِّسَانِ، حَيْثُ تَأَثَّرَ القَاسِمُ بِأُمِّهِ ـ وَهُوَ رَحِمَهُ اللهُ تعالى مِنْ خِيَارِ التَّابِعِينَ، وَمِنْ عُلَمَاءِ المُسْلِمِينَ، وَصَالِحِي قُرَيْشٍ ـ فَكَيْفَ بِالأَخْلَاقِ وَالآدَابِ وَحُسْنِ المُعَامَلَةِ؟ فَإِنَّ الوَلَدَ يَتَأَثَّرُ أَيَّمَا تَأَثُّرٍ بِمَنْ يُرَبِّيهِ.

وَالذي يُحْسِنُ تَرْبِيَةَ الجَارِيَةِ ـ وَهِيَ جَارِيَةٌ ـ ثُمَّ يَتَزَوَّجُهَا فَأَجْرُهُ مُضَاعَفٌ، كَمَا جَاءَ في الحَدِيثِ الشَّرِيفِ الذي رواه الشيخان عَنْ أَبِي مُوسَى الأَشْعَرِيِّ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ، أَنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «ثَلَاثَةٌ يُؤْتَوْنَ أَجْرَهُمْ مَرَّتَيْنِ: رَجُلٌ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ آمَنَ بِنَبِيِّهِ، وَأَدْرَكَ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ فَآمَنَ بِهِ وَاتَّبَعَهُ وَصَدَّقَهُ، فَلَهُ أَجْرَانِ، وَعَبْدٌ مَمْلُوكٌ أَدَّى حَقَّ اللهِ تَعَالَى وَحَقَّ سَيِّدِهِ، فَلَهُ أَجْرَانِ، وَرَجُلٌ كَانَتْ لَهُ أَمَةٌ فَغَذَّاهَا، فَأَحْسَنَ غِذَاءَهَا، ثُمَّ أَدَّبَهَا، فَأَحْسَنَ أَدَبَهَا، ثُمَّ أَعْتَقَهَا وَتَزَوَّجَهَا، فَلَهُ أَجْرَانِ».

أَنْتَ مَسْؤُولٌ عَنِ ابْنِكَ:

أَيُّهَا الإِخْوَةُ الكِرَامُ: مَا مِنْ أُمٍّ وَلَا أَبٍ إِلَّا وَهُوَ مَسْؤُولٌ عَنْ أَبْنَائِهِ يَوْمَ القِيَامَةِ، الأَبْنَاءُ لَهُمْ حَقُّ التَّأْدِيبِ عَلَى آبَائِهِمْ وَأُمَّهَاتِهِمْ، وَسَوْفَ يُسْأَلُ الآبَاءُ وَالأُمَّهَاتُ يَوْمَ القِيَامَةِ: مَاذَا أَدَّبْتُمْ أَوْلَادَكُمْ؟ وَمَاذَا عَلَّمْتُمُوهُمْ؟

قَالَ عَبْدُ اللهِ بْنُ عُمَرَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا: أَدِّبِ ابْنِكَ، فَإِنَّكَ مَسْؤُولٌ عَنْ وَلَدِكَ، مَاذَا أَدَّبْتَهُ، وَمَاذَا عَلَّمْتَهُ، وَإِنَّهُ مَسْؤُولٌ عَنْ بِرِّكَ وَطَوَاعِيَتِهِ لَكَ. رواه البيهقي.

وَقَالَ الحَسَنُ البَصْرِيُّ رَحِمَهُ اللهُ تعالى في قَوْلِهِ تعالى: ﴿رَبَّنَا هَبْ لَنَا مِنْ أَزْوَاجِنَا وَذُرِّيَّاتِنَا قُرَّةَ أَعْيُنٍ﴾. وَسَأَلَهُ كَثِيرُ بْنُ زِيَادٍ، فَقَالَ: يَا أَبَا سَعِيدٍ، مَا هَذِهِ قُرَّةُ الْأَعْيُنِ؟ أَفِي الدُّنْيَا، أَمْ فِي الْآخِرَةِ؟

قَالَ: لَا، بَلْ وَاللهِ فِي الدُّنْيَا.

قَالَ: وَمَا هِيَ؟

قَالَ: هِيَ وَاللهِ أَنْ يُرِي اللهُ الْعَبْدَ مِنْ زَوْجَتِهِ ـ مِنْ ذُرِّيَّتِهِ ـ مِنْ أَخِيهِ، مِنْ حَمِيمِهِ، طَاعَةَ اللهِ، لَا وَاللهِ مَا شَيْءٌ أَحَبَّ إِلَى المَرْءِ المُسْلِمِ مِنْ أَنْ يَرَى وَالِدَاً أَوْ وَلَدَاً أَوْ حَمِيمَاً أَوْ أَخَاً مُطِيعَاً للهِ عَزَّ وَجَلَّ. رواه البيهقي.

روى البيهقي عَنْ أَحْمَدِ بْنِ عَبْدِ الْوَهَّابِ بْنِ نَجْدَةَ الْحَوْطِيِّ رَحِمَهُ اللهُ تعالى قَالَ: لَمَّا رَحْلَ بِي أَبِي إِلَى أَبِي المُغِيرَةِ، وَكَانَ قَدْ سَمِعَ مِنْهُ أَخِي وَأُخْتِي قَبْلِي، فَلَمَّا رَآنِي قَالَ لِأَبِي: مَنْ هَذَا؟

قَالَ: ابْنِي.

قَالَ: وَمَا تُرِيدُ بِهِ؟

قَالَ: يَسْمَعُ مِنْكَ.

قَالَ: وَيَفْهَمُ؟

فَقَالَ لِي أَبِي وَكُنَّا فِي مَسْجِدٍ: قُمْ فَصَلِّ رَكْعَتَيْنِ، وَارْفَعْ صَوْتَكَ بِالتَّكْبِيرِ وَالاسْتِفْتَاحِ بِالْقِرَاءَةِ وَالتَّسْبِيحِ فِي الرُّكُوعِ وَالسُّجُودِ وَالتَّشَهُّدِ؛ فَفَعَلْتُ.

فَقَالَ لِي أَبُو المُغِيرَةِ: أَحْسَنْتَ.

فَقَالَ ـ لِي ـ أَبِي: حَدِّثْهُ.

فَقُلْتُ: حَدَّثَنِي أَخِي وَأُخْتِي، عَنْ أَبِي المُغِيرَةِ، عَنْ أُمِّ عَبْدِ اللهِ بِنْتِ خَالِدِ بْنِ مَعْدَانَ، عَنْ أَبِيهِا، قَالَ: مِنْ حَقِّ الْوَلَدِ عَلَى وَالِدِهِ أَنْ يُحْسِنَ أَدَبَهُ وَتَعْلِيمَهُ، فَإِذَا بَلَغَ اثْنَتَيْ عَشْرَةَ سَنَةً فَلَا حَقَّ لَهُ عَلَيْهِ، وَقَدْ وَجَبَ حَقُّ الْوَالِدِ عَلَى وَلَدِهِ فَإِنْ هُوَ أَرْضَاهُ فَلْيَتَّخِذْهُ شَرِيكَاً، وَإِنْ لَمْ يَتَّبِعْ رِضَاهُ فَلْيَتَّخِذْهُ عَدُوَّاً.

فَقَالَ أَبُو المُغِيرَةِ: قَدْ أَغْنَاكَ اللهُ عَنْ أَبِيكَ، وَعَنْ أُخْتِكَ، وَعَنْ أَخِيكَ، قُلْ: حَدَّثَنِي أَبُو المُغِيرَةِ، اجْلِسْ بَارَكَ اللهُ عَلَيْكَ، فَحَدَّثَنِي بِهِ، يَعْنِي: هَذَا الْحَدِيثَ.

فَعَبْدُ الوَهَّابِ بْنُ نَجْدَةَ، عَلَّمَ وَلَدَهُ أَحْمَدَ الصَّلَاةَ وَمَا يَتَعَلَّقُ بِهَا، كَمَا عَلَّمَهُ أَدَبَ الحَدِيثِ وَمُجَالَسَةَ العُلَمَاءِ وَالكِبَارِ، وَأَحْضَرَهُ مَجَالِسَ المُحَدِّثِينَ الحُفَّاظِ، وَأَسْمَعَهُ السُّنَّةَ، فَكَانَتِ النَّتِيجَةُ مَا سَمِعْنَا؛ رَحِمَهُمُ اللهُ تعالى.

خَاتِمَةٌ ـ نَسْأَلُ اللهَ تعالى حُسْنَ الخَاتِمَةِ ـ:

أَيُّهَا الإِخْوَةُ الكِرَامُ: إِذَا أَدَّبَ الوَالِدُ وَلَدَهُ، وَأَنْشَأَهُ النَّشْأَةَ الصَّالِحَةَ، وَعَلَّمَهُ مَا يَحْتَاجُ إِلَيْهِ مِنْ أُمُورِ الدِّينِ وَالدُّنْيَا، فَقَدْ بَرِئَتْ ذِمَّةُ الوَالِدُ مِنْ نَاحِيَةٍ، وَبَقِيَتْ حُقُوقُهُ عَلَى وَلَدِهِ، مِنْ نَاحِيَةٍ ثَانِيَةٍ، كَمَا يُؤَمِّلُ أَنْ يُكَافِئَهُ وَلَدُهُ في بِرِّهِ وَاحْتِرَامِهِ وَتَقْدِيرِهِ وَإِحْسَانِهِ، لِيَكُونَ الجَزَاءُ مِنْ جِنْسِ العَمَلِ، وَ﴿هَلْ جَزَاءُ الْإِحْسَانِ إِلَّا الْإِحْسَانُ﴾.

اللَّهُمَّ وَفِّقْنَا لِحُسْنِ تَرْبِيَةِ أَبْنَائِنَا، وَأَكْرِمْنَا بِبِرِّهِمْ لَنَا. آمين.

**      **    **

تاريخ الكلمة:

الأحد: 5/ صفر الخير /1440هـ، الموافق: 14/ تشرين الأول / 2018م