107ـ تقديمه صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ كبير القوم

 

من كتاب سيدنا محمد رسول اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ

107ـ تقديمه صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ كبير القوم

مقدمة الكلمة:

الحمد لله رب العالمين، وأفضل الصلاة وأتم التسليم على سيدنا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين، أما بعد:

فَيَا أَيُّهَا الإِخْوَةُ الكِرَامُ:

حَدِيثُهُ، أَوحَدِيثٌ عَـنْهُ يُطْرِبُني   ***   هَذَا إِذَا غَابَ، أَوْ هَذَا إِذَا حَضَرَا

كِـلَاهُمَا حَـسَنٌ عِـنْدِي أُسَرُّ بِهِ   ***    لَكِنَّ أَحْلَاهُمَا مَا وَافَقَ الـــنَّظَرَا

يَقُولُ الشَّيْخُ العَلَّامَةُ المُحَدِّثُ عَبْدُ اللهِ سِرَاجُ الدِّينِ رَحِمَهُ اللهُ تعالى في كِتَابِهِ: سَيِّدُنَا مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ: تَقْدِيمُهُ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ كَبِيرَ القَوْمِ في الكَلَامِ:

كَانَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ يُقَدِّمُ كَبِيرَ القَوْمِ في الكَلَامِ وَالسُّؤَالِ، وَذَلِكَ مِنْ بَابِ التَّكْرِيمِ وَحِفْظِ المَرَاتِبِ وَتَنْزِيلِهِ النَّاسَ مَنَازِلَهُمْ:

رَوَى البُخَارِيُّ عَنْ سَهْلِ بْنِ أَبِي حَثْمَةَ: أَنَّ نَفَرَاً انْطَلَقُوا إِلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ ـ وَفِي رِوَايَةٍ: جَاءَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ سَهْلٍ وَحُوَيِّصَةُ وَمُحَيِّصَةُ ابْنَا مَسْعُودٍ إلى النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ ـ

فَقَالُوا: يَا رَسُولَ اللهِ، انْطَلَقْنَا إِلَى خَيْبَرَ، فَوَجَدْنَا أَحَدَنَا قَتِيلَاً ـ وَفِي رِوَايَةٍ: فَبَدَأَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ، وَكَانَ أَصْغَرَ القَوْمِ ـ

فَقَالَ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ: «كَبِّرِ الكُبْرَ».

وَفِي رِوَايَةٍ: «يَبْدَأُ الأَكْبَرُ».

وَفِي رِوَايَةٍ «الكُبْرَ الكُبْرَ» (بِالنَّصْبِ عَلَى الإِغْرَاءِ، كَمَا في الفَتْحِ، أَيْ: قَدِّمُوا الأَكْبَرَ).

وَفِي رِوَايَةٍ: «كَبِّرْ كَبِّرْ» (بِتَكْرَارِ الأَمْرِ) يُرِيدُ السِّنَّ . . الحَدِيثُ في بَابِ القَسَامَةِ.

وَالمَعْنَى قَدِّمْ للكَلَامِ مَنْ هُوَ أَكْبَرُ مِنْكَ سِنَّاً لِيَعْرِضَ القَضِيَّةَ.

وَفِي مُسْنَدِ أَحْمَدَ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «لَيْسَ مِنَّا مَنْ لَمْ يُوَقِّرِ الْكَبِيرَ، وَيَرْحَمِ الصَّغِيرَ، وَيَأْمُرْ بِالمَعْرُوفِ، وَيَنْهَ عَنِ المُنْكَرِ».

تَكْرِيمُهُ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ أَهْلَ الفَضْلِ:

عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا، أَنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «الْبَرَكَةُ مَعَ أَكَابِرِكُمْ» (عَزَاهُ في الجَامِعِ الصَّغِيرِ إلى ابْنِ حِبَّانَ، قَالَ: وَصَحَّحَهُ ابْنُ حِبَّانَ، وَالحِلْيِةِ وَالبَيْهَقِيِّ وَالحَاكِمِ في المُسْتَدْرَكِ، وَقَالَ: صَحِيحٌ عَلَى شَرْطِ مُسْلِمٍ كَمَا في التَّرْغِيبِ مِنْ كِتَابِ الأَدَبِ، وَرَوَاهُ البَزَّارُ وَالطَّبَرَانِيُّ، وَفِي إِسْنَادِ البَزَّارِ حَمَّادٌ، وَثَّقَهُ جَمَاعَةٌ، وَفِيهِ ضَعْفٌ، وَبَقِيَّةُ رِجَالِهِ رِجَالُ الصَّحِيحِ. اهـ).

وَفِي رِوَايَةَ البَزَّارِ: «الخَيْرُ مَعَ أَكَابِرِكُمْ» قَالَ في مَجْمَعِ الزَّوَائِدِ: رَوَاهُ أَحْمَدُ وَالطَّبَرَانِيُّ وَإِسْنَادُهُ حَسَنٌ.

وَالمَعْنَى: أَنَّ البَرَكَةَ مَعَ أَكَابِرِكُمْ في الدِّينِ وَالعِلْمِ.

كَمَا دَلَّ عَلَيْهِ حَدِيثُ عُبَادَةَ بْنِ الصَّامِتِ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ، أَنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «لَيْسَ مِنْ أُمَّتِي مَنْ لَمْ يُجِلَّ كَبِيرَنَا، وَيَرْحَمْ صَغِيرَنَا، وَيَعْرِفْ لِعَالِمِنَا حَقَّهُ».

فَمِنْ ذَلِكَ: إِكْرَامُهُ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ لِعَمِّهِ العَبَّاسِ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ وَمُبَاهَاتُهُ بِهِ، وَإِعْلَانُهُ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ ذَلِكَ أَمَامَ الصَّحَابَةِ، لِيَقْتَدُوا بِهِ في تَكْرِيمِ عَمِّهِ العَبَّاسِ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ.

رَوَى الطَّبَرَانِيُّ بِسَنَدٍ حَسَنٍ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، عَنْ أُمِّهِ أُمِّ الْفَضْلِ، أَنَّ الْعَبَّاسَ أَتَى النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ، فَلَمَّا رَآهُ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ قَامَ إِلَيْهِ فَقَبَّلَ بَيْنَ عَيْنَيْهِ، ثُمَّ أَقْعَدَهُ عَنْ يَمِينِهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ، ثُمَّ قَالَ: «هَذَا عَمِّي، فَمَنْ شَاءَ فَلْيُبَاهِ بِعَمِّهِ».

فَقَالَ العَبَّاسُ: نِعْمَ القَوْلُ يَا رَسُولَ اللهِ .. الحَدِيثَ.

وَرَوَى الحَاكِمُ عَنِ ابْنِ عُمَرَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا قَالَ: اسْتَسْقَى عُمَرُ عَامَ الرَّمَادَةِ (أَيْ: عَامَ القَحْطِ) بِالْعَبَّاسِ، فَقَالَ: اللَّهُمَّ هَذَا عَمُّ نَبِيِّكَ، نَتَوَجَّهُ إِلَيْكَ بِهِ، فَاسْقِنَا.

فَمَا بَرِحُوا حَتَّى سَقَاهُمُ اللهُ.

فَخَطَبَ عُمَرُ، فَقَالَ: «يَا أَيُّهَا النَّاسُ، إِنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ كَانَ يَرَى لِلْعَبَّاسِ مَا يَرَى الْوَلَدُ لِوَالِدِهِ، يُعَظِّمُهُ، وَيُفَخِّمُهُ، وَيَبَرُّ قَسَمَهُ، فَاقْتَدُوا بِرَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ فِي عَمِّهِ الْعَبَّاسِ، وَاتَّخِذُوهُ وَسِيلَةً إِلَى اللهِ عَزَّ وَجَلَّ فِيمَا نَزَلَ بِكُمْ».

وَبَعْضُ هَذَا الحَدِيثِ في صَحِيحِ البُخَارِيِّ.

وَكَانَ الصَّحَابَةُ رَضِيَ اللهُ عَنْهُمْ يُعَظِّمُونَ العَبَّاسَ وَيُكْرِمُونَهُ، اتِّبَاعَاً للنَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ.

فَقَدْ رَوَى الحَافِظُ ابْنُ عَبْدِ البَرِّ عَنِ ابْنِ شِهَابٍ أَنَّهُ قَالَ: كَانَ الصَّحَابَةُ يَعْرِفُونَ للعَبَّاسِ فَضْلَهُ، فَيُقَدِّمُونَهُ وَيُشَاوِرُونَهُ، وَيَأْخُذُونَ بِرَأْيِهِ.

وَرَوَى أَيْضَاً عَنْ أَبِي الزِّنَادِ أَنَّهُ قَالَ: لَمْ يَمُرَّ العَبَّاسُ بِعُمَرَ وَعُثْمَانَ وَهُمَا رَاكِبَانِ، إِلَّا نَزَلَا عَنْ دَابَّتِهِمَا، حَتَّى يَجُوزَ العَبَّاسُ، إِجْلَالَاً لَهُ وَيَقُولَانِ: عَمُّ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ.

وَمِنْ لَطَائِفِ أَدَبِ العَبَّاسِ مَعَ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ:

مَا رَوَاهُ ابْنُ أَبِي عَاصِمٍ عَنْ أَبِي رَزِينٍ، وَالبَغَوِيُّ في مُعْجَمِهِ عَنِ ابْنِ عُمَرَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا قَالَ: قِيلَ لِلْعَبَّاسِ: أَنْتَ أَكْبَرُ أَوِ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ؟

فَقَالَ: «هُوَ أَكْبَرُ مِنِّي، وَأَنَا وُلِدْتُ قَبْلَهُ» انْظُرِ الإِصَابَةَ وَشَرْحَ الزَّرْقَانِيِّ عَلَى المَوَاهِبِ.

وَفِي الإِصَابَةِ نَقْلَاً عَنِ الشَّعْبِيِّ أَنَّهُ قَالَ: ذَهَبَ زَيْدُ بْنُ ثَابِتٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ لِيَرْكَبَ، فَأَمْسَكَ ابْنُ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا بِالرِّكَابِ.

فَقَالَ: تَنَحَّ يَا ابْنَ عَمِّ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ.

قَالَ: لَا، هَكَذَا نَفْعَلُ بِالعُلَمَاءِ وَالكُبَرَاءِ. قَالَ في مَجْمَعِ الزَّوَائِدِ: رَوَاهُ الطَّبَرَانِيُّ وَرِجَالُهُ رِجَالُ الصَّحِيحِ غَيْرَ رَزِيْنٍ الرُّمَّانِيِّ وَهُوَ ثِقَةٌ. اهـ.

خَاتِمَةٌ ـ نَسْأَلُ اللهَ تعالى حُسْنَ الخَاتِمَةِ ـ:

أَيُّهَا الإِخْوَةُ الكِرَامُ: وَرَوَى الطَّبَرَانِيُّ عَنْ أَبِي أُمَامَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قَالَ: بَيْنَا رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ وَمَعَهُ أَبُو بَكْرٍ وَعُمَرُ وَأَبُو عُبَيْدَةَ بْنُ الْجَرَّاحِ رَضِيَ اللهُ عَنْهُمْ فِي نَفَرٍ مِنْ أَصْحَابِهِ، إِذْ أُتِيَ بِقَدَحٍ فِيهِ شَرَابٌ.

فَنَاوَلَهُ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَبَا عُبَيْدَةَ، فَقَالَ أَبُو عُبَيْدَةَ: أَنْتَ أَوْلَى بِهِ يَا نَبِيَّ اللهِ.

قَالَ: «خُذْ».

فَأَخَذَ أَبُو عُبَيْدَةَ الْقَدَحَ، وَقَالَ لَهُ قَبْلَ أَنْ يَشْرَبَ: خُذْ يَا نَبِيَّ اللهِ.

قَالَ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ: «اشْرَبْ، فَإِنَّ الْبَرَكَةَ فِي أَكَابِرِنَا، فَمَنْ لَمْ يَرْحَمْ صَغِيرَنَا، وَيُجِلَّ كَبِيرَنَا، فَلَيْسَ مِنَّا» قَالَ في مَجْمَعِ الزَّوَائِدِ: رَوَاهُ الطَّبَرَانِيُّ وَفِيهِ عَلِيُّ بْنُ يَزِيدَ الأَلْهَانِيِّ وَهُوَ ضَعِيفٌ. اهـ. مِنْ كِتَابِ الأَدَبِ.

فَأَرَادَ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ أَنْ يُكْرِمَ أَبَا عُبَيْدَةَ فَنَاوَلَهُ القَدَحَ، وَأَثْنَى عَلَيْهِ بِقَوْلِهِ: «فَإِنَّ الْبَرَكَةَ فِي أَكَابِرِنَا».

وَرَوَى أَبُو دَاوُدَ عَنْ أَبِي مُوسَى رَضِيَ اللهُ عَنْهُ، أَنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «إِنَّ مِنْ إِجْلَالِ اللهِ: إِكْرَامَ ذِي الشَّيْبَةِ المُسْلِمِ، وَحَامِلِ القُرْآنِ غَيْرِ الْغَالِي فِيهِ وَلَا الْجَافِي عَنْهُ، وَإِكْرَامَ ذِي السُّلْطَانِ المُقْسِطِ».

اللَّهُمَّ وَفِّقْنَا لِاتِّبَاعِ سَيِّدِنَا رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ. آمين.

**    **    **

تاريخ الكلمة:

الجمعة: 15/ رجب /1440هـ، الموافق: 22/ آذار / 2019م