10ـ لنتعلم العفاف

﴿لَقَدْ كَانَ فِي قَصَصِهِمْ عِبْرَةٌ﴾

10ـ لنتعلم العفاف

مقدمة الكلمة:

الحمد لله رب العالمين، وأفضل الصلاة وأتم التسليم على سيدنا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين.

أما بعد، فَيَا أَيُّهَا الإِخْوَةُ الكِرَامُ: قِصَّةُ سَيِّدِنَا يُوسُفَ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ مَعَ امْرَأَةِ العَزِيزِ تُعَلِّمُنَا كَيْفَ يَكُونُ العَفَافُ الذي دَعَانَا إِلَيْهِ رَبُّنَا عَزَّ وَجَلَّ وَسَيِّدُنَا رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ.

عَلَيْنَا وَعَلَى شَبَابِنَا خَاصَّةً أَنْ نَلْتَزِمَ العَفَافَ الذي أَمَرَنَا اللهِ تعالى بِهِ بِنَصِّ القُرْآنِ العَظِيمِ، قَالَ تعالى: ﴿وَلْيَسْتَعْفِفِ الَّذِينَ لَا يَجِدُونَ نِكَاحَاً حَتَّى يُغْنِيَهُمُ اللهُ مِنْ فَضْلِهِ﴾. وَهَذَا سَيِّدُنَا يُوسُفُ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ هُوَ القُدْوَةُ لِكُلِّ الشَّبَابِ الذينَ يُرِيدُونَ العِفَّةَ.

عَلَيْنَا أَنْ نَلْتَزِمَ العَفَافَ الذي أَمَرَنَا بِهِ سَيِّدُنَا رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ بِقَوْلِهِ: «عِفُّوا عَنْ نِسَاءِ النَّاسِ تَعِفَّ نِسَاؤُكُمْ» رواه الحاكم عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ.

وَرَغَّبَنَا بِهِ بِقَوْلِهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ: «عُرِضَ عَلَيَّ أَوَّلُ ثَلَاثَةٍ يَدْخُلُونَ الجَنَّةَ: شَهِيدٌ، وَعَفِيفٌ مُتَعَفِّفٌ، وَعَبْدٌ أَحْسَنَ عِبَادَةَ اللهِ وَنَصَحَ لِمَوَالِيهِ» رواه الترمذي عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ.

وَهَذَا سَيِّدُنَا يُوسُفُ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ هُوَ القُدْوَةُ لِكُلِّ الشَّبَابِ الذينَ يُرِيدُونَ العِفَّةَ.

أَيُّهَا الإِخْوَةُ الكِرَامُ: هَذَا سَيِّدُنَا يُوسُفُ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ يُعَلِّمُ كُلَّ شَابٍّ يُرِيدُ العِفَّةَ، وَخَاصَّةً إِذَا كَانَ طَالِبَاً في الجَامِعَةِ، أَو كَانَ مُوَظَّفَاً وَالنِّسَاءُ مَعَهُ في الدَّائِرَةِ، وَرَحِمَ اللهُ تعالى ابْنَ حَجَرٍ عِنْدَمَا قَالَ: العَالِمُ إِذَا كَانَ عَالِمَاً وَلَمْ يَكُنْ عَفِيفَاً كَانَ ضَرُّهُ أَشَدُّ مِنْ نَفْعِهِ.

لَقَدْ كَانَ سَيِّدُنَا يُوسُفُ عَلَيْهِ السَّلَامُ خَيْرَ نَمُوذَجٍ للعِفَّةِ، لَقَدِ اجْتَمَعَتْ لَهُ كُلُّ أَسْبَابِ الفَاحِشَةِ وَالمُغْرِيَاتِ، لَقَدْ كَانَ شَابَّاً، وَلَا شَكَّ بِأَنَّ الشَّهْوَةَ عِنْدَ الشَّبَابِ أَكْثَرُ تَوَقُّدَاً مِنْ غَيْرِهِمْ، وَكَانَ عَازِبَاً عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ لَمْ يَتَزَوَّجْ بَعْدُ، وَلَا شَكَّ أَنَّ هَذَا الأَمْرَ لَهُ أَهَمِّيَّتُهُ، لِأَنَّ المُتَزَوِّجَ قَدْ يَـسَّرَ اللهُ لَهُ طَرِيقَ الحَلَالِ.

وَكَانَ سَيِّدُنَا يُوسُفُ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ في غُرْبَةٍ، وَالإِنْسَانُ عِنْدَمَا يَكُونُ شَابَّاً عَازِبَاً غَرِيبَاً بَعِيدَاً عَنْ أَهْلِهِ، يَقِلُّ عِنْدَهُ الوَازِعُ الإِيمَانِيُّ إِلَّا مَنْ رَحِمَ اللهُ تعالى.

أَيُّهَا الإِخْوَةُ الكِرَامُ: لَقَدْ كَانَ سَيِّدُنَا يُوسُفُ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ خَيْرَ نَمُوذَجٍ للعِفَّةِ، فَهُوَ الشَّابُّ العَازِبُ الغَرِيبُ، وَامْرَأَةٌ ذَاتُ مَنْصِبٍ وَجَمَالٍ مَعَهُ تَحْتَ سَقْفٍ وَاحِدٍ، وَهِيَ الآمِرَةُ النَّاهِيَةُ، وَسَيِّدُنَا يُوسُفُ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ هُوَ العَبْدُ في قَصْرِهَا، وَهِيَ التي تَدْعُوهُ لِارْتِكَابِ الفَاحِشَةِ بِقَوْلِهَا: ﴿هَيْتَ لَكَ﴾.

﴿إِنَّهُ رَبِّي أَحْسَنَ مَثْوَايَ﴾:

أَيُّهَا الإِخْوَةُ الكِرَامُ: سَيِّدُنَا يُوسُفُ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ يُعَلِّمُ شَبَابَ هَذِهِ الأُمَّةَ العِفَّةَ وَالطَّهَارَةَ، وَيُذَكِّرُهُمْ بِاللهِ وَاليَوْمِ الآخِرِ، وَيُحَذِّرُهُمْ خِيَانَةَ الأُمَّةِ في أَعْرَاضِهَا، وَخَاصَّةً مَنِ اسْتُؤْمِنَ عَلَى العِرْضِ.

هَذَا سَيِّدُنَا يُوسُفُ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ يُذَكِّرُ المَرْأَةَ بِأَنَّ لَهَا زَوْجَاً، وَهَذَا الزَّوْجُ قَدْ أَحْسَنَ إِلَيْهِ حِينَ قَالَ لَهَا: ﴿أَكْرِمِي مَثْوَاهُ عَسَى أَنْ يَنْفَعَنَا أَوْ نَتَّخِذَهُ وَلَدَاً﴾.

فَالصُّعُوبَةُ التي يُعَانِيهَا سَيِّدُنَا يُوسُفُ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ أَنَّ المَرْأَةَ دَعَتْهُ إلى نَفْسِهَا، وَازْدَادَتِ الصُّعُوبَةُ أَنَّ لَهَا زَوْجَاً فَلَيْسَتْ خَلِيَّةً مِنَ الأَزْوَاجِ، وَأَنَّ هَذَا الزَّوْجَ قَدْ طَلَبَ مِنْهَا أَنْ تُكْرِمَهُ وَتَخْتَارَ لَهُ مَكَانَ إِقَامَةٍ يَلِيقُ بِمَقَامِ الابْنِ.

فَهَلْ مِنَ المَعْقُولِ أَنْ يُقَابِلَ هَذَا بِالجُحُودِ؟ هَلْ مِنَ المَعْقُولِ أَنْ يُقَابِلَ هَذَا بِالخِيَانَةِ؟ مُسْتَحِيلٌ وَأَلْفُ مُسْتَحِيلٍ.

سَيِّدُنَا يُوسُفُ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ يُخَاطِبُهَا بِقَوْلِهِ: ﴿إِنَّهُ رَبِّي أَحْسَنَ مَثْوَايَ﴾. الضَّمِيرُ قَدْ يَعُودُ عَلَى اللهِ تعالى، لِأَنَّ اللهَ تعالى نَجَّاهُ مِنَ الهَلَاكِ عِنْدَمَا أَلْقَاهُ إِخْوَتُهُ في الجُبِّ، وَأَكْرَمَهُ بِأَنْ يَعِيشَ في بَيْتِ عَزِيزِ مِصْرَ، فَهَلْ يُقَابِلُ هَذِهِ النِّعَمَ بِالكُفْرَانِ وَالجُحُودِ؟

وَقَدْ يَعُودُ الضَّمِيرُ عَلَى عَزِيزِ مِصْرَ الذي أَكْرَمَهُ هَذَا الإِكْرَامَ، فَهَلْ مِنَ المَعْقُولِ أَنْ يُقَابِلَ الإِحْسَانَ بِالإِسَاءَةِ؟ حَاشَا للهِ تعالى، لِأَنَّ هَذَا مِنْ شَأْنِ اللِّئَامِ، وَلَيْسَ مِنْ شَأْنِ الكِرَامِ.

ثُمَّ حَذَّرَهَا سَيِّدُنَا يُوسُفُ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ بِأَنَّ الخَائِنَ لَا يُفْلِحُ يَوْمَ القِيَامَةِ، لِأَنَّهُ ظَالِمٌ، وَكَأَنَّهُ يُشِيرُ إِلًيْهَا بِأَنَّ جَرِيمَتَهَا مُرَكَّبَةٌ مِنَ الغَدْرِ بِصَاحِبِ المَنْزِلِ، وَجَرِيمَةِ الزِّنَا، فَأَهْلُ الغَدْرِ مِنَ الزُّنَاةِ لَا يُفْلِحُونَ، فَهُمْ ظَالِمُونَ لِأَنْفُسِهِمْ وَأَهْلِيهِمْ وَأَزْوَاجِهِمْ، وَللإِنْسَانِيَّةِ جَمْعَاءَ، روى الإمام مسلم عَنْ عَبْدِ اللهِ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قَالَ: سَأَلْتُ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ: أَيُّ الذَّنْبِ أَعْظَمُ عِنْدَ اللهِ؟

قَالَ: «أَنْ تَجْعَلَ للهِ نِدَّاً وَهُوَ خَلَقَكَ».

قَالَ: قُلْتُ لَهُ: إِنَّ ذَلِكَ لَعَظِيمٌ، قَالَ: قُلْتُ: ثُمَّ أَيٌّ؟

قَالَ: «ثُمَّ أَنْ تَقْتُلَ وَلَدَكَ مَخَافَةَ أَنْ يَطْعَمَ مَعَكَ».

قَالَ: قُلْتُ: ثُمَّ أَيٌّ؟

قَالَ: «ثُمَّ أَنْ تُزَانِيَ حَلِيلَةَ جَارِكَ».

خَاتِمَةٌ ـ نَسْأَلُ اللهَ تعالى حُسْنَ الخَاتِمَةَ ـ:

أَيُّهَا الإِخْوَةُ الكِرَامُ: نَحْنُ اليَوْمَ في عَصْرِ الشَّهَوَاتِ، وَفي أَوَانِ المُغْرِيَاتِ، وفي زَمَنِ المُهْلِكَاتِ التي تَطْعَنُ القُلُوبَ وَتُفْسِدُهَا، وَتُمْرِضُ النُّفُوسَ وَلَا تُحْيِيهَا.

عَلَيْنَا أَن نُدْرِكَ جَمِيعَاً أَنَّنَا في زَمَنِ الفِتَنِ التي تَجْعَلُ الرَّجُلَ يَكَادُ أَنْ يُفْتَنَ في دِينِهِ، حَيْثُ يُصْبِحُ مُؤْمِنَاً فَإِذَا بِهِ يُمْسِي كَافِرَاً، وَالعِيَاذُ بِاللهِ تعالى، لِذَلِكَ نَحْتَاجُ إلى زِيَادَةِ الإِيمَانِ وَرُسُوخِهِ في القَلْبِ، وَأَنْ نَكُونَ قَابِضِينَ عَلَيْهِ مَهْمَا لَدَغَتْنَا الشَّهَوَاتُ.

وَاقِعُنَا مَرِيرٌ، إِغْرَاءَاتٌ بِالمُحَرَّمَاتِ وَالمُغْرِيَاتِ وَالمَلَذَّاتِ، وَأَجْسَادٌ عَارِيَةٌ، وَكَلِمَاتٌ مَاجِنَةٌ، وَمَشَاهِدُ فَاتِنَةٌ، وَمَوَاقِفُ سَاخِنَةٌ، وَشَاشَاتٌ مُتَفَلِّتَةٌ، وَإِذَاعَاتٌ سَاقِطَةٌ، وَرِوَايَاتٌ هَابِطَةٌ، وَأَسْوَاقٌ مُتَبَرِّجَةٌ، وَجَامِعَاتٌ مُخْتَلَطَةٌ، وَشَهَوَاتٌ مُسْتَعِرَةٌ، أَلَا يَدْعُونَا ذَلِكَ إلى زِيَادَةِ الإِيمَانِ كَإِيمَانِ سَيِّدِنَا يُوسُفَ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ؟

أَلَا يَدْعُونَا ذَلِكَ لِأَنْ نَقُولَ كَمَا قَالَ سَيِّدُنَا يُوسُفُ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ: ﴿مَعَاذَ اللهِ إِنَّهُ رَبِّي أَحْسَنَ مَثْوَايَ﴾. نِعْمَ الرَّبُّ رَبُّنَا، تَوَلَّانَا بِالتَّرْبِيَةِ وَأَحْسَنَ مَثْوَانَا، فَهَلْ نَخُونُ الأَمَانَةَ؟

أَلَا يَدْعُونَا وَاقِعُنَا المَرِيرُ أَنْ نَقُولَ مَا قَالَهُ سَيِّدُنَا يُوسُفُ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ: ﴿رَبِّ السِّجْنُ أَحَبُّ إِلَيَّ مِمَّا يَدْعُونَنِي إِلَيْهِ وَإِلَّا تَصْرِفْ عَنِّي كَيْدَهُنَّ أَصْبُ إِلَيْهِنَّ وَأَكُنْ مِنَ الجَاهِلِينَ﴾؟

أَلَا يَدْعُونَا وَاقِعُنَا المَرِيرُ إلى سَمَاعِ قَوْلِ سَيِّدِنَا رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ: «وَرَجُلٌ دَعَتْهُ امْرَأَةٌ ذَاتُ مَنْصِبٍ وَجَمَالٍ، فَقَالَ: إِنِّي أَخَافُ اللهَ» رواه الإمام البخاري عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ.

الخَوْفُ مِنَ اللهِ تعالى يَحْرِقُ تِلْكَ الشَّهَوَاتِ المُحَرَّمَةَ، وَصَدَقَ اللهُ تعالى القَائِلُ: ﴿وَلْيَسْتَعْفِفِ الَّذِينَ لَا يَجِدُونَ نِكَاحَاً حَتَّى يُغْنِيَهُمُ اللهُ مِنْ فَضْلِهِ﴾.

اللَّهُمَّ وَفِّقْنَا لِمَا يُرْضِيكَ عَنَّا. آمين.

**    **    **

الاثنين: 13/ شوال /1440هـ، الموافق: 17/حزيران / 2019م