120ـ حول تهجده صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ

من كتاب سيدنا محمد رسول اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ

120ـ حول تهجده صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ

مقدمة الكلمة:

الحمد لله رب العالمين، وأفضل الصلاة وأتم التسليم على سيدنا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين، أما بعد:

فَيَا أَيُّهَا الإِخْوَةُ الكِرَامُ:

حَدِيثُهُ، أَوحَدِيثٌ عَـنْهُ يُطْرِبُني   ***   هَذَا إِذَا غَابَ، أَوْ هَذَا إِذَا حَضَرَا

كِـلَاهُمَا حَـسَنٌ عِـنْدِي أُسَرُّ بِهِ   ***    لَكِنَّ أَحْلَاهُمَا مَا وَافَقَ الـــنَّظَرَا

يَقُولُ الشَّيْخُ العَلَّامَةُ المُحَدِّثُ عَبْدُ اللهِ سِرَاجُ الدِّينِ رَحِمَهُ اللهُ تعالى في كِتَابِهِ: سَيِّدُنَا مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ: حَوْلَ تَهَجُّدِهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ:

قَالَ اللهُ تعالى: ﴿وَمِنَ اللَّيْلِ فَتَهَجَّدْ بِهِ نَافِلَةً لَكَ عَسَى أَنْ يَبْعَثَكَ رَبُّكَ مَقَامَاً مَحْمُودَاً﴾.

قَالَ عُلَمَاءُ اللُّغَةِ: الهُجُودُ هُوَ النَّوْمُ، وَالتَّهَجُّدُ تَرْكُ النَّوْمِ بِسَبَبِ الاشْتِغَالِ بِالصَّلَاةِ.

وَالمَعْنَى: وَمِنَ اللَّيْلِ فَتَهَجَّدْ بِالصَّلَاةِ المُشْتَمِلَةِ عَلَى القُرْآنِ الكَرِيمِ، وَعَلَى هَذَا تَكُونُ صِيغَةُ التَّهَجُّدِ مِنْ صِيَغِ السَّلْبِ، كَالتَّأَثُّمِّ بِمَعْنَى تَرْكِ الإِثْمِ، وَالتَّحَرُّجِ وَهُوَ البُعْدُ عَنِ الحَرَجِ، وَهَكَذَا . . .

وَمَعْنَى: ﴿نَافِلَةً لَكَ﴾. أَيْ: عِبَادَةً زَائِدَةً لَكَ عَلَى بَقِيَّةِ فَرَائِضِ الصَّلَوَاتِ:

إِمَّا: عَلَى طَرِيقِ الفَرِيضَةِ، بِنَاءً عَلَى أَنَّ التَّهَجُّدَ كَانَ فَرْضَاً عَلَيْهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ دُونَ أُمَّتِهِ ـ قَالَ الحَافِظُ الزَّرْقَانِيُّ: وَهُوَ قَوْلُ الأَكْثَرِ وَقَوْلُ الإِمَامِ مَالِكٍ.

وَإِمَّا: عَلَى طَرِيقِ التَّطَوُّعِ، وَيَكُونُ تَخْصِيصُهُ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ بِكَوْنِ التَّهَجُّدِ نَافِلَةً لَهُ، بِاعْتِبَارِ أَنَّ تَطَوُّعَاتِهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ هِيَ خَالِصَةٌ لَهُ في رِفْعَةِ دَرَجَاتِهِ، وَكَثْرَةِ حَسَنَاتِهِ، وَعُلُوِّ مَقَامِهِ، لِكَوْنِهِ لَا ذَنْبَ عَلَيْهِ، فَالتَّهَجُّدُ في حَقِّهِ هُوَ نَافِلَةٌ لَهُ خَالِصَةٌ بِخِلَافِ الأُمَّةِ فَإِنَّ لَهُمْ ذُنُوبَاً، وَهِيَ تَحْتَاجُ إلى كَفَّارَاتٍ، وَلَهُمْ تَقْصِيرَاتٌ، وَهِيَ تَحْتَاجُ إلى مُكَمِّلَاتٍ، فَتَطَوُّعَاتِهِمُ الزَّائِدَةُ عَلَى فَرَائِضِهِمْ يَحْتَاجُونَهَا لِتَكْفِيرِ ذُنُوبِهِمْ، أَو لِتَكْمِيلِ مَا انْتَقَصُوا مِنْ فَرَائِضِهِمْ، كَمَا جَاءَ في الحَدِيثِ عَنْهُ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ قَالَ: «إِنَّ أَوَّل مَا يُحاسبُ بِهِ العبْدُ يَوْم القِيامةِ منْ عَملِهِ صلاتُهُ، فَإِنْ صَلُحت، فَقَدْ أَفَلحَ وَأَنجح، وَإنْ فَسدتْ، فَقَدْ خَابَ وخَسِر، وَإِنِ انْتَقَصَ ـ أَيْ: العَبْدُ ـ مِنْ فَرِيضَتِهِ شَيْئَاً، قَالَ اللهُ تعالى للمَلَائِكَةِ: انْظُرُوا هَلْ لِعَبْدِي مِنْ تَطَوُّعٍ؟

فَيُكَمَّلُ مَا انْتَقَصَ مِنَ الْفَرِيضَةِ ثُمَّ يكونُ سَائِرُ أَعمالِهِ عَلى هَذَا» الحَدِيثُ كَمَا في السُّنَنِ.

فَصَاحِبُ مَقَامِ النَّفْلِ الأَكْمَلِ وَالفَضْلِ الأَوَّلِ، هُوَ سَيِّدُنَا مُحَمَّدٌ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ الذي أَعْطَاهُ اللهُ تعالى أَعْلَى رُتْبَةٍ في النَّافِلَةِ، وَرَتَّبَ عَلَى ذَلِكَ المَقَامَ المَحْمُودَ الذي تَحَمَدُهُ عَلَيْهِ الخَلَائِقُ كُلُّهُمْ: الأَوَّلُونَ وَالآخِرُونَ، وَهُوَ مَقَامُ الشَّفَاعَةِ العَامَّةِ العُظْمَى:

كَمَا جَاءَ في صَحِيحِ البُخَارِيِّ عَنِ ابْنِ عُمَرَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ: «إِنَّ النَّاسَ يَصِيرُونَ يَوْمَ القِيَامَةِ جُثَاً، كُلُّ أُمَّةٍ تَتْبَعُ نَبِيَّهَا، يَقُولُونَ: يَا فُلَانُ اشْفَعْ لَنَا، حَتَّى تَنْتَهِيَ الشَّفَاعَةُ إِلَيَّ، فَذَلِكَ يَوْمَ يَبْعَثُهُ اللهُ المَقَامَ المَحْمُودَ».

وَرَوَى مُسْلِمٌ عَنْ سَعْدِ بْنِ هِشَامٍ أَنَّهُ قَالَ: قُلْتُ: يَا أُمَّ المُؤْمِنِينَ، أَنْبِئِينِي عَنْ خُلُقِ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ؟

قَالَتْ: أَلَسْتَ تَقْرَأُ الْقُرْآنَ؟

قُلْتُ: بَلَى.

قَالَتْ: فَإِنَّ خُلُقَ نَبِيِّ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ كَانَ الْقُرْآنَ (أَيْ: كَانَ خُلُقُهُ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ القُرْآنَ في العَمَلِ بِأَحْكَامِهِ، وَالتَّأَدُّبِ بِآدَابِهِ، وَالاعْتِبَارِ بِأَمْثَالِهِ وَقَصَصِهِ وَحُسْنِ تِلَاوَتِهِ وَالتَّحَقُّقِ بِجَمِيعِ مَطَالِبِهِ).

قَالَ: فَهَمَمْتُ أَنْ أَقُومَ وَلَا أَسْأَلَ أَحَدَاً عَنْ شَيْءٍ حَتَّى أَمُوتَ، ثُمَّ بَدَا لِي، فَقُلْتُ: أَنْبِئِينِي عَنْ قِيَامِ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ؟

فَقَالَتْ: «أَلَسْتَ تَقْرَأُ: ﴿يَا أَيُّهَا المُزَّمِّلُ﴾؟».

قُلْتُ: بَلَى.

قَالَتْ: «فَإِنَّ اللهَ عَزَّ وَجَلَّ افْتَرَضَ قِيَامَ اللَّيْلِ فِي أَوَّلِ هَذِهِ السُّورَةِ، فَقَامَ نَبِيُّ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ وَأَصْحَابُهُ حَوْلَاً، وَأَمْسَكَ اللهُ خَاتِمَتَهَا ـ أَيْ: آخِرَ سُورَةِ المُزَّمِّلِ ـ اثْنَيْ عَشَرَ شَهْرَاً فِي السَّمَاءِ، حَتَّى أَنْزَلَ اللهُ فِي آخِرِ هَذِهِ السُّورَةِ التَّخْفِيفَ (أَيْ: فِي قَوْلِهِ تعالى: ﴿فَاقْرَؤُوا مَا تَيَسَّرَ مِنْهُ﴾) فَصَارَ قِيَامُ اللَّيْلِ تَطَوُّعَاً بَعْدَ فَرِيضَةٍ. الحَدِيثَ.

خَاتِمَةٌ ـ نَسْأَلُ اللهَ تعالى حُسْنَ الخَاتِمَةِ ـ:

أَيُّهَا الإِخْوَةُ الكِرَامُ: وَقَدْ نَقَلَ الحَافِظُ الزَّرْقَانِيُّ الإِجْمَاعَ عَلَى نَسْخِ وُجُوبِ قِيَامِ اللَّيْل ِفي حَقِّ الأُمَّةِ.

قَالَ: وَشَذَّ بَعْضُ التَّابِعِينَ فَأَوْجَبَهُ وَلَوْ قَدْرَ حَلْبِ شَاةٍ.

وَاخْتُلِفَ في نَسْخِ وُجُوبِهِ في حَقِّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ عَلَى قَوْلَيْنِ للعُلَمَاءِ في ذَلِكَ.

اللَّهُمَّ وَفِّقْنَا لِاتِّبَاعِ سَيِّدِنَا رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ. آمين.

تاريخ الكلمة:

الاثنين: 20/ شوال /1440هـ، الموافق: 24/ حزيران / 2019م