673ـ خطبة الجمعة: «وَإِنَّ لِزَوْجِكَ عَلَيْكَ حَقَّاً»

673ـ خطبة الجمعة: «وَإِنَّ لِزَوْجِكَ عَلَيْكَ حَقَّاً»

مقدمة الخطبة:

الحمد لله رب العالمين، وأفضل الصلاة وأتم التسليم على سيدنا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين.

أما بعد، فَيَا عِبَادَ اللهِ: الأَمَانَةُ التي بَرِئَتْ مِنْ حَمْلِهَا السَّمَاوَاتُ وَالأَرْضُ، وَفَزِعَتْ مِنْ عِبْئِهَا الجِبَالُ الشُّمُّ الرَّاسِيَاتُ وَاعْتَذَرَتْ مِنْ حَمْلِهَا، حَمَلَهَا الإِنْسَانُ إِنَّهُ كَانَ ظَلُومَاً جَهُولَاً ﴿إِنَّا عَرَضْنَا الْأَمَانَةَ عَلَى السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَالْجِبَالِ فَأَبَيْنَ أَنْ يَحْمِلْنَهَا وَأَشْفَقْنَ مِنْهَا وَحَمَلَهَا الْإِنْسَانُ إِنَّهُ كَانَ ظَلُومَاً جَهُولَاً﴾. حَمَلَ هَذِهِ الأَمَانَةَ عَلَى ظَهْرِهِ، وَوَضَعَهَا أَمَانَةً في عُنُقِهِ لِيُسْأَلَ عَنْهَا يَوْمَ القِيَامَةِ، هَلْ حَفِظَ أَمْ ضَيَّعَ؟

يَا عِبَادَ اللهِ: هُنَاكَ مِنَ النَّاسِ مَنْ كَانَ مِنْ أَهْلِ الوَفَاءِ فَحَافَظُوا عَلَى هَذِهِ الأَمَانَةِ، فَأَحَلُّوا الحَلَالَ، وَحَرَّمُوا الحَرَامَ، وَقَامُوا بالوَاجِبَاتِ بِكُلِّ حُبٍّ وَصَفَاءٍ، وَقُلُوبُهُمْ تَفَطَّرَتْ مِنْ خَشْيَةِ اللهِ تعالى خَوْفَاً مِن أَنْ يَكُونُوا مُقَصِّرِينَ في حِفْظِهَا ﴿وَالَّذِينَ يُؤْتُونَ مَا آتَوْا وَقُلُوبُهُمْ وَجِلَةٌ أَنَّهُمْ إِلَى رَبِّهِمْ رَاجِعُونَ﴾.

وَمِنْهُمْ مَنْ أَضَاعَ هَذِهِ الأَمَانَةَ، وَابْتَعَدَ عَنِ اللهِ تعالى، وَاجْتَرَأَ عَلَى مَعْصِيَةِ اللهِ تعالى جِهَارَاً نَهَارَاً، وَعَلَى تَرْكِ الطَّاعَاتِ، فَخَسِرَ الدُّنْيَا وَالآخِرَةَ.

«وَإِنَّ لِزَوْجِكَ عَلَيْكَ حَقَّاً»:

يَا عِبَادَ اللهِ: هَذِهِ الحُقُوقُ وَهَذِهِ الأَمَانَةُ أَوْصَى بِهَا سَيِّدُنَا رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ يَوْمَ حَجَّةِ الوَدَاعِ، فَأَدْمَعَ لَهَا العُيُونَ، وَأَخْشَعَ لَهَا القُلُوبَ، أَوْصَى بِهَا في مَوْقِفٍ مَا وَقَفَ مِثْلَهُ مِنْ قَبْلُ وَلَا مِنْ بَعْدُ، وَكَانَ آخِرَ مَوْقِفٍ لَهُ بِأُمَّتِهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ في حَجَّةِ الوَدَاعِ، أَمَامَ أَكْثَرَ مِنْ مِئَةِ أَلْفِ نَفْسٍ، فَفَتَحَ اللهُ لَهُ قُلُوبَ الصَّحْبِ الكِرَامِ، وَأَسْمَعَهُمْ كَلَامَهُ، فَأَحَلَّ الحَلَالَ، وَحَرَّمَ الحَرَامَ، وَأَبَانَ الشَّرِيعَةَ، وَفَصَلَ الكَلَامَ، وَخَشَعَتِ القُلُوبُ وَأَذْعَنَتْ لِرَبِّهَا مِنْ جَلَالِ ذَلِكَ المَوْقِفِ العَظِيمِ، وَقَالَ فِيمَا قَالَ: «فَاتَّقُوا اللهَ فِي النِّسَاءِ، فَإِنَّكُمْ أَخَذْتُمُوهُنَّ بِأَمَانِ اللهِ، وَاسْتَحْلَلْتُمْ فُرُوجَهُنَّ بِكَلِمَةِ اللهِ» رواه الإمام مسلم جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللهِ رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا.

يَا عِبَادَ اللهِ: اللهَ اللهَ في النِّسَاءِ، وَكُونُوا عَلَى حَذَرٍ مِنَ التَّقْصِيرِ في حَقِّهِنَّ، لِأَنَّ التَّقْصِيرَ في حَقِّهِنَ ّخَطِيرٌ وَخَطِيرٌ جِدَّاً، فَكَمْ مِنْ زَوْجَةٍ وَقَعَتْ في الحَرَامِ وَخَانَتْ رَبَّهَا، وَخَانَتْ زَوْجَهَا، وَخَانَتْ أَهْلَهَا وَأَوْلَادَهَا، بِسَبَبِ تَقْصِيرِ زَوْجِهَا في حَقِّهَا.

مَنِ الذي يَلْقَى اللهَ بِإِثْمِهَا بَعْدَهَا؟ وَمَنِ الذي يَحْمِلُ بيْنَ يَدَيِ اللهِ تعالى وِزْرَهَا بَعْدَهَا؟ إِنَّهُ الزَّوْجُ الظَّالِمُ الغَاشِمُ الذي رَمَى بِحُقُوقِ هَذِهِ المَرْأَةِ وَرَاءَ ظَهْرِهِ، وَنَسِيَ وَصِيَّةَ سَيِّدِنَا رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ، كَمَا نَسِيَ أَمْرَ سَيِّدِنَا رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ: «وَإِنَّ لِزَوْجِكَ عَلَيْكَ حَقَّاً» رواه الإمام البخاري عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ عَمْرِو بْنِ العَاصِ رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا.

أَيْنَ الأَخُ النَّاصِحُ؟

يَا عِبَادَ اللهِ: نَحْنُ اليَوْمَ بِأَمَسِّ الحَاجَةِ إلى الأَخِ النَّاصِحِ لَا المَادِحِ، فَأَيْنَ هَذَا الأَخُ النَّاصِحُ الذي يُذَكِّرُ صَاحِبَهُ وَأَخَاهُ وَجَلِيسَهُ بِحَقِّ زَوْجَتِهِ عَلَيْهِ، سَهَرَاتٌ إلى مَا بَعْدَ مُنْتَصَفِ اللَّيْلِ في كُلِّ يَوْمٍ، وَلَا يَذْهَبُ الرَّجُلُ إلى بَيْتِهِ إِلَّا بَعْدَ تَعَبٍ شَدِيدٍ وَشِبَعٍ، وَرُبَّمَا أَنْ يَدْخُلَ وَيَرَى الزَّوْجَةَ نَائِمَةً، أَيْنَ الأَخُ النَّاصِحُ؟

هَذَا سَيِّدُنَا أَبُو الدَّرْدَاءِ وَسَلْمَانُ الفَارِسِيُّ رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا، كَمَا جَاءَ في الحَدِيثِ الشَّرِيفِ الذي رواه الإمام البخاري عَنْ عَوْنِ بْنِ أَبِي جُحَيْفَةَ، عَنْ أَبِيهِ، قَالَ: آخَى النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ بَيْنَ سَلْمَانَ، وَأَبِي الدَّرْدَاءِ، فَزَارَ سَلْمَانُ أَبَا الدَّرْدَاءِ، فَرَأَى أُمَّ الدَّرْدَاءِ مُتَبَذِّلَةً، فَقَالَ لَهَا: مَا شَأْنُكِ؟

قَالَتْ: أَخُوكَ أَبُو الدَّرْدَاءِ لَيْسَ لَهُ حَاجَةٌ فِي الدُّنْيَا.

فَجَاءَ أَبُو الدَّرْدَاءِ فَصَنَعَ لَهُ طَعَامَاً، فَقَالَ: كُلْ؟

قَالَ: فَإِنِّي صَائِمٌ.

قَالَ: مَا أَنَا بِآكِلٍ حَتَّى تَأْكُلَ.

قَالَ: فَأَكَلَ، فَلَمَّا كَانَ اللَّيْلُ ذَهَبَ أَبُو الدَّرْدَاءِ يَقُومُ، قَالَ: نَمْ.

فَنَامَ، ثُمَّ ذَهَبَ يَقُومُ.

فَقَالَ: نَمْ، فَلَمَّا كَانَ مِنْ آخِرِ اللَّيْلِ قَالَ سَلْمَانُ: قُمِ الآنَ، فَصَلَّيَا.

فَقَالَ لَهُ سَلْمَانُ: إِنَّ لِرَبِّكَ عَلَيْكَ حَقَّاً، وَلِنَفْسِكَ عَلَيْكَ حَقَّاً، وَلِأَهْلِكَ عَلَيْكَ حَقَّاً، فَأَعْطِ كُلَّ ذِي حَقٍّ حَقَّهُ.

فَأَتَى النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ، فَذَكَرَ ذَلِكَ لَهُ، فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ: «صَدَقَ سَلْمَانُ».

خَاتِمَةٌ ـ نَسْأَلُ اللهَ تعالى حُسْنَ الخَاتِمَةَ ـ:

يَا عِبَادَ اللهِ: لِنَكُنْ عَلَى حَذَرٍ شَدِيدٍ مِنَ التَّقْصِيرِ في حَقِّ بُيُوتِنَا، لِأَنَّهُ مَا انْحَرَفَ مَنِ انْحَرَفَ إِلَّا بِسَبَبِ تَقْصِيرِ الأَزْوَاجِ وَغِيَابِهِمْ عَنْ بُيُوتِهِمْ، وَمَا ضَاعَ الأَوْلَادُ وَانْحَرَفُوا إِلَّا بِسَبَبِ إِهْمَالِ البُيُوتِ، فَاللهَ اللهَ في نِسَائِنَا وَأَبْنَائِنَا وَبُيُوتِنَا. اللَّهُمَّ اشْهَدْ أَنِّي قَدْ بَلَّغْتُ.

اللَّهُمَّ وَفِّقْنَا لِمَا يُرْضِيكَ عَنَّا. آمين.

أقول هذا القول، وأستغفر الله لي ولكم، فاستغفروه إنه هو الغفور الرحيم.

**    **    **

تاريخ الخطبة:

الجمعة: 21/ محرم /1441هـ، الموافق: 20/ أيلول / 2019م