2ـ مقدمة وترجمة

حقائق عن التصوف

2ـ مقدمة وترجمة

مقدمة الكلمة:

الحمد لله رب العالمين، وأفضل الصلاة وأتم التسليم على سيدنا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين، أما بعد:

فَيَا أَيُّهَا الإِخْوَةُ الكِرَامُ: عَرَفْنَا في الدَّرْسِ المَاضِي أَنَّ مَرَاتِبَ الدِّينِ ثَلَاثَةٌ: الإِسْلَامُ، وَالإِيمَانُ، وَالإِحْسَانُ، وَكُلُّ مَرْتَبَةٍ لَهَا أَرْكَانُهَا، وَالإِحْسَانُ أَعْلَاهَا.

فَالإِسْلَامُ يُمَثِّلُ أَعْمَالَ الجَوَارِحِ، وَالإِيمَانُ يُمَثِّلُ أَعْمَالَ القُلُوبِ، وَالإِحْسَانُ إِتْقَانُ تِلْكَ الأَعْمَالِ، وَحُسْنُ أَدَائِهَا مَعَ كَمَالِ التَّوَجُّهِ بِهَا إلى اللهِ تعالى.

وَكُلَمَا كَانَ الإِنْسَانُ أَكْثَرَ إِحْسَانَاً كَانَ أَقْرَبَ إلى رَحْمَةِ اللهِ تعالى، وَكَانَ قَرِيبَاً مِنْهُ بِرَحْمَتِهِ، قَالَ تعالى: ﴿إِنَّ رَحْمَتَ اللهِ قَرِيبٌ مِنَ المُحْسِنِينَ﴾.

وَاخْتُصَّ أَهْلُ الإِحْسَانِ بِرَحْمَةِ اللهِ، لِأَنَّهَا إِحْسَانٌ مِنَ اللهِ، وَالإِحْسَانُ إِنَّمَا يَكُونُ لِأَهْلِ الإِحْسَانِ مِنْ خَلْقِهِ، لِأَنَّ الجَزَاءَ مِنْ جِنْسِ العَمَلِ، فَكَمَا أَحْسَنُوا بِأَعْمَالِهِمْ أَحْسَنَ اللهُ تعالى إِلَيْهِمْ بِرَحْمَتِهِ ﴿هَلْ جَزَاءُ الْإِحْسَانِ إِلَّا الْإِحْسَانُ﴾؟

وَقَدْ وَعَدَ اللهُ تعالى كُلَّ مَنْ أَحْسَنَ عِبَادَةَ اللهِ تعالى، وَأَحْسَنَ إلى عِبَادِ اللهِ بِالثَّوَابِ الجَزِيلِ، كَمَا قَالَ تعالى: ﴿إِنَّ المُتَّقِينَ فِي جَنَّاتٍ وَعُيُونٍ * آخِذِينَ مَا آتَاهُمْ رَبُّهُمْ إِنَّهُمْ كَانُوا قَبْلَ ذَلِكَ مُحْسِنِينَ * كَانُوا قَلِيلَاً مِنَ اللَّيْلِ مَا يَهْجَعُونَ * وَبِالْأَسْحَارِ هُمْ يَسْتَغْفِرُونَ * وَفِي أَمْوَالِهِمْ حَقٌّ لِلسَّائِلِ وَالْمَحْرُومِ﴾.

وَكَذَلِكَ وَعَدَ اللهُ تعالى أَهْلَ الإِحْسَانِ بِمَعِيَّتِهِ مَعَهُمْ مَعِيَّةً خَاصَّةً، قَالَ تعالى: ﴿إِنَّ اللهَ مَعَ الَّذِينَ اتَّقَوْا وَالَّذِينَ هُمْ مُحْسِنُونَ﴾.

أَهَمِّيَةُ تَزْكِيَةِ النَّفْسِ:

أَيُّهَا الإِخْوَةُ الكِرَامُ: لَمَّا كَانَ مَقَامُ الإِحْسَانِ هُوَ أَعْلَى مَقَامَاتِ الدِّينِ، اقْتَضَتِ الحِكْمَةُ الإِلَهِيَّةُ أَنْ يُرْسِلَ إِلَيْنَا رَسُولَاً لِتَزْكِيَةِ نُفُوسِنَا وَتَطْهِيرِهَا مِنَ العُجْبِ وَالاسْتِكْبَارِ وَالغُرُورِ، وَخَاصَّةً بَعْدَ الطَّاعَاتِ، فَقَالَ تعالى: ﴿هُوَ الَّذِي بَعَثَ فِي الْأُمِّيِّينَ رَسُولًا مِنْهُمْ يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِهِ وَيُزَكِّيهِمْ﴾.

وَرَحِمَ اللهُ تعالى مَنْ قَالَ: رُبَ مَعْصِيَةٍ أَوْرَثَتْ ذُلَّاً وَانْكِسَارَاً، خَيْرٌ مِنْ طَاعَةٍ أَوْرَثَت عِزَّاً وَاسْتِكْبَارَاً.

فَسَيِّدُنَا رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ عَلَّمَ الأُمَّةَ أَرْكَانَ الإِسْلَامِ وَالإِيمَانِ وَزَكَّى النُّفُوسَ حَتَّى تَدْخُلَ في مَقَامِ الإِحْسَانِ، وَبَعْدَ انْتِقَالِ سَيِّدِنَا رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ إلى الرَّفِيقِ الأَعْلَى، لَمْ يَتْرُكِ اللهُ تعالى الأُمَّةَ لِتَضِيْعَ بَعْدَ رَسُوْلِهَ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ، حَاشَاهُ، بَلْ جَعَلَ لِسَيِّدِنَا مُحَمَّدٍ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ الذي كَانَ خَاتَمَ الأَنْبِيَاءِ وُرَّاثَاً حَمَلُوا هَذَا الدِّينَ بِأَرْكَانِهِ الثَّلَاثَةِ، فَبَعْضُهُمْ اخْتَصَّ بِأَرْكَانِ الإِيمَانِ، وَسُمُّوا بِعُلَمَاءِ الكَلَامِ (أَيْ :عُلَمَاءُ التَّوْحِيْدِ)؛ وَبَعْضُهُمْ اخْتَصَّ بِأَرْكَانِ الإِسْلَامِ، وَسُمُّوا بِالفُقَهَاءِ، وَبَعْضُهُمْ اخْتَصَّ بِالإِحْسَانِ، وَسُمُّوا بِأَهْلِ التَّصَوُّفِ؛ وَكُلُّهُمْ وُرَّاثُ سَيِّدِنَا رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ، وَكُلُّهُمْ مُنْدَرِجٌ تَحْتَ قَوْلِهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ: «لَا تَزَالُ طَائِفَةٌ مِنْ أُمَّتِي ظَاهِرِينَ عَلَى الْحَقِّ، لَا يَضُرُّهُمْ مَنْ خَذَلَهُمْ، حَتَّى يَأْتِيَ أَمْرُ اللهِ وَهُمْ كَذَلِكَ» رواه الإمام مسلم عَنْ ثَوْبَانَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ.

مِنْ هَؤُلَاءِ الوُرَّاثِ في مَقَامِ الإِحْسَانِ سَيِّدِي الشَّيْخُ عَبْدُ القَادِر عِيسَى رَحِمَهُ اللهُ تعالى، صَاحِبُ كِتَابِ: (حَقَائِقُ عَنِ التَّصَوُّفِ) الذي سَنَـتَدَارَسُهُ بِإِذْنِ اللهِ تعالى.

وَقَبْلَ قِرَاءَةِ هَذَا الكِتَابِ المُبَارَكِ، لَعَلَّنَا أَنْ نَقِفَ عَلَى تَرْجَمَةٍ يَسِيرَةٍ عَنِ العَارِفِ بِاللهِ سَيِّدِي الشَّيْخُ عَبْدُ القَادِر عِيسَى رَحِمَهُ اللهُ تعالى.

تَرْجَمَةُ سَيِّدِي الشَّيْخِ عَبْدِ القَادِر عِيسَى رَحِمَهُ اللهُ تعالى:

سَيِّدِي الشَّيْخُ عَبْدُ القَادِر عِيسَى رَحِمَهُ اللهُ تعالى هُوَ العَارِفُ بِاللهِ تعالى المُرَبِّي الكَبِيرُ، يَصِلُ نَسَبُهُ إلى الشَّيْخِ عُمَر البَعَّاجِ، إلى سِبْطِ سَيِّدِنَا رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ الحُسَيْنِ بْنِ عَلِيٍّ رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا.

وُلِدَ في مَدِينَةِ حَلَبَ سَنَةَ /1338/ هِجْرِيَّةً، المُوَافِق /1920/ مِيَلادَيَّةً، لِأَبَوَيْنِ صَالِحَيْنِ.

صَاحَبَ العُلَمَاءَ الأَتْقِيَاءَ الأَنْقِيَاءَ، مِنْهُمْ سَيِّدِي الشَّيْخُ مُحَمَد زمَّارِ رَحِمَهُ اللهُ تعالى، وَسَيِّدِي الشَّيْخُ أَحمد معود رَحِمَهُ اللهُ تعالى، وَسَيِّدِي الشَّيْخُ حَسَن حَسَّانِي رَحِمَهُ اللهُ تعالى شَيْخُ الطَّرِيقَةِ القَادِرِيَّةِ.

أَخَذَ الشَّيْخُ رَحِمَهُ اللهُ تعالى العُلُومَ الشَّرْعِيَّةِ عَنْ كِبَارِ العُلَمَاءِ الأَجِلَّاءِ، كَسَيِّدِي الشَّيْخِ عَبْدِ اللهِ سِرَاجِ الدِّينِ رَحِمَهُ اللهُ تعالى، وَسَيِّدِي الشَّيْخِ أَحمد الكردِيِّ رَحِمَهُ اللهُ تعالى، وَسَيِّدِي الشَّيْخِ مُحَمَّد المَلَّاحِ رَحِمَهُ اللهُ تعالى، وَسَيِّدِي الشَّيْخِ عَبْد الوَهَّاب ألتونجي رَحِمَهُ اللهُ تعالى.

كَانَ الشَّيْخُ رَحِمَهُ اللهُ تعالى إِمَامَاً لِمَسْجِدِ سَاحَةِ حَمَد، ثُمَّ جَامِعِ العَادِلِيَّةِ، وَبَعْدَ أَخْذِ الطَّرِيقَةِ القَادِرِيَّةِ عَنْ سَيِّدِي الشَّيْخِ حَسَن حَسَّانِي رَحِمَهُ اللهُ تعالى، أَخَذَ الطَّرِيقَةَ الشَّاذِلِيَّةَ عَنْ سَيِّدِي الشَّيْخِ مُحَمَّد الهَاشِمِيِّ رَحِمَهُ اللهُ تعالى.

وَعِنْدَمَا اسْتَقَرَّ الشَّيْخُ في جَامِعِ العَادِلِيَّةِ جَعَلَ مِنْهُ مَوْئِلَاً لِطُلَّابِ العِلْمِ، وَأَهْلِ الطَّرِيقِ، وَعُمِّرَ المَسْجِدُ بِمَجَالِسِ العِلْمِ خِلَالَ أَيَّامِ الأُسْبُوعِ، وَبِمَجْلِسِ الصَّلَاةِ عَلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ وَالذِّكْرِ وَالمَوْعِظَةِ بَعْدَ صَلَاةِ العِشَاءِ مِنْ يَوْمِ الخَمِيسِ، وَبَعْدَ الظُّهْرِ مِنْ كُلِّ يَوْمِ جُمُعَةٍ.

وَانْتَشَرَتْ طَرِيقَتُهُ في جَمِيعِ المُدُنِ السُّورِيَّةِ، وَالبُلْدَانِ المُجَاوِرَةِ كَالأُردن وَلبنان والعراق وتركيا.

وَكَتَبَ كِتَابَهُ (حَقَائِقُ عَنِ التَّصَوُّفِ) وَعَمَّ نَفْعُهُ بِفَضْلِ اللهِ تعالى أَكْثَرَ البِلَادِ العَرَبِيَّةِ، وَوَصَلَ إلى الهِنْدِ وَبَاكستان، وَعَدَدِ مِنَ الدُّوَلِ الأَوربيَّةِ وَالأَمريكِيَّةِ.

أُكْرِمَ سَيِّدِي الشَّيْخُ رَحِمَهُ اللهُ تعالى بِمُجَاوَرَةِ سَيِّدِي رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ قَرَابَةَ خَمْسِ سَنَوَاتٍ، ثُمَّ أَقَامَ في الأُردن بعمَّان، ثُمَ في تركيا حَيْثُ كَانَتْ نِهَايَةُ الأَجَلِ فِيهَا يَوْمَ السَّبْتِ 18 / ربيع الأول / 1412 هـ، الموافق 16 / تشرين الأول / 1991 م.

وَدُفِنَ في مَقْبَرَةِ سَيِّدِي أَبِي أَيُّوبٍ الأَنْصَارِيِّ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ.

أَسْأَلُ اللهَ تعالى أَنْ يَجْمَعَنَا بِهِ بِمَعِيَّةِ سَيِّدِنَا رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ. آمين.

**    **    **

تاريخ الكلمة:

الجمعة: 24/ شوال /1440هـ، الموافق: 28/حزيران / 2019م