3ـ أنواع المياه من حيث أوصافها الشرعية

الفقه الإسلامي

3ـ أنواع المياه من حيث أوصافها الشرعية

مقدمة الكلمة:

الحمد لله رب العالمين، وأفضل الصلاة وأتم التسليم على سيدنا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين.

أما بعد، فَيَا أَيُّهَا الإِخْوَةُ الكِرَامُ: مِنْ تَمَامِ فَضْلِ اللهِ عَزَّ وَجَلَّ عَلَيْنَا أَنَّهُ أَنْزَلَ عَلَيْنَا مَاءً طَهُورَاً مُبَارَكَاً، وَجَعَلَ مِنَ المَاءِ كُلَّ شَيْءٍ حَيٍّ.

وَقَدْ تَقَدَّمَ مَعَنَا في الدَّرْسِ المَاضِي أَنَّ المَاءَ المُطْلَقَ الطَّاهِرَ المُطَهِّرَ أَنْوَاعُهُ سَبْعَةٌ، مَاءُ المَطَرِ، وَمَاءُ البَحْرِ، وَمَاءُ النَّهْرِ، وَمَاءُ البِئْرِ، وَمَاءُ العَيْنِ، وَمَاءُ الثَّلْجِ، وَمَاءُ البَرَدِ.

أَنْوَاعُ المِيَاهِ مِنْ حَيْثُ أَوْصَافُهَا الشَّرْعِيَّةُ:

أَيُّهَا الإِخْوَةُ الكِرَامُ: وَاليَوْمَ نُبَيِّنُ بِإِذْنِ اللهِ تعالى أَنْوَاعَ المِيَاهِ مِنْ حَيْثُ أَوْصَافُهَا الشَّرْعِيَّةُ، بِقَطْعِ النَّظَرِ عَنْ كَوْنِهَا مِنَ المِيَاهِ المُطْلَقَةِ.

فَكُلُّ مَاءٍ لَهُ وَصْفٌ يَخْتَصُّ بِهِ، وَقَدْ قَسَّمَ الفُقَهَاءُ المَاءَ مِنْ حَيْثُ جَوَازُ التَّطْهِيرِ بِهِ وَرَفْعُهُ للحَدَثِ وَالخَبَثِ، أَو عَدَمُ ذَلِكَ إلى عِدَّةِ أَقْسَامٍ.

الأَوَّلُ: مَاءٌ طَاهِرٌ مُطَهِّرٌ غَيْرُ مَكْرُوهٍ: وَهُوَ المَاءُ المُطْلَقُ، وَهُوَ المَاءُ البَاقِي عَلَى خِلْقَتِهِ، أَو هُوَ الذي لَمْ يُخَالِطْهُ مَا يَصِيرُ بِهِ مُقَيَّدَاً.

فَإِذَا كَانَ مَاءً مُطْلَقَاً فَإِنَّهُ يَرْفَعُ الحَدَثَ وَالخَبَثَ بِاتِّفَاقِ الفُقَهَاءِ، وَيَبْقَى طَاهِرَاً بِنَفْسِهِ وَمُطَهِّرَاً لِغَيْرِهِ وَلَو تَغَيَّرَ بِطُولِ المُكْثِ، أَو بِمَا هُوَ مُتَوَلِّدٌ مِنْهُ كَالطُّحْلُبِ، وَهُوَ خُضْرَةٌ تَعْلُو المَاءَ المُزْمِنَ، وَيَكُونُ عَلَى سَطْحِ المَاءِ كَأَنَّهُ نَسْجُ العَنْكَبُوتِ.

الثَّانِي: مَاءٌ طَاهِرٌ مُطَهِّرٌ مَكْرُوهٌ: وَهُوَ المَاءُ الذي شَرِبَ مِنْهُ حَيَوَانٌ مِثْلُ الهِرَّةِ الأَهْلِيَّةِ لَا الوَحْشِيَّةِ، لِأَنَّ هَذِهِ سُؤْرُهَا نَجِسٌ، وَمِثْلُ الدَّجَاجَةِ المُخْلَّاةِ ـ التي تَأْكُلُ القَاذُورَاتِ ـ أَمَّا الأَهْلِيَّةُ التي لَا تَأْكُلُ إِلَّا الحَبَّ فَسُؤْرُهَا طَاهِرٌ؛ وَسِبَاعِ الطَّيْرِ، وَالْحَيَّةِ وَالْفَأْرَةِ، وَكَانَ قَلِيلَاً، وَالْكَرَاهَةُ فِيهِ تَنْزِيهِيَّةٌ.

وَكَانَ مُقْتَضَى القِيَاسِ أَنْ يَكُونَ سُؤْرُهَا نَجِسَاً، لَكِنْ عَدَلَ عَنِ القِيَاسِ إلى الاسْتِحْسَانِ لِشِدَّةِ طَوَافِهَا وَمُخَالَطَتِهَا النَّاسَ وَأَشْيَاءَهُمْ، وَعَدَمِ الاحْتِرَازِ مِنْهَا، لِقَوْلِهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ في الهِرَّةِ: «إِنَّهَا لَيْسَتْ بِنَجَسٍ، إِنَّمَا هِيَ مِنَ الطَّوَّافِينَ عَلَيْكُمْ، أَوِ الطَّوَّافَاتِ» رواه الترمذي عَنْ أَبِي قَتَادَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ.

فَهَذَا المَاءُ طَاهِرٌ مُطَهِّرٌ مَعَ كَرَاهَةِ التَّنْزِيهِ إِذَا وُجِدَ المَاءُ المُطْلَقُ، أَمَّا إِذَا لَمْ يُوجَدْ تَنْتَفِي عَنْهُ الكَرَاهَةِ التَّنْزِيهِيَّةُ.

الثَّالِثُ: مَاءٌ طَاهِرٌ في نَفْسِهِ غَيْرُ مُطَهِّرٍ للحَدَثِ بِخِلَافِ الخَبَثِ، يَعْنِي أَنَّهُ طَاهِرٌ بِذَاتِهِ، يُزِيلُ كُلَّ النَّجَاسَاتِ الحَقِيقِيَّةِ عَنِ الثَّوْبِ وَالبَدَنِ، لَكِنَّهُ غَيْرُ مُطَهِّرٍ للحَدَثِ، فَلَا يَصِحُّ الوُضُوءُ وَالغُسْلُ بِهِ، هَذَا عِنْدَ الحَنَفِيَّةِ، وَيَشْمَلُ هَذَا المَاءُ الأَقْسَامَ التَّالِيَةَ:

أولاً: المَاءُ المُسْتَعْمَلُ، وَهُوَ كُلُّ مَاءٍ رُفِعَ بِهِ الحَدَثُ الأَصْغَرُ أَو الأَكْبَرُ، فَهُوَ طَاهِرٌ في نَفْسِهِ غَيْرُ مُطَهِّرٍ للحَدَثِ، بِخِلَافِ الخَبَثِ.

ثانياً: المَاءُ الذي خَالَطَهُ شَيْءٌ مِنَ المَائِعَاتِ الطَّاهِرَةِ كَاللَّبَنِ وَالخَلِّ وَنَقِيعِ الزَّبِيبِ، فَهُوَ طَاهِرٌ في نَفْسِهِ غَيْرُ مُطَهِّرٍ للحَدَثِ، بِخِلَافِ الخَبَثِ.

ثالثاً: مَاءُ الأَزْهَارِ، وَالثِّمَارِ، كَمَاءِ الوَرْدِ، أَو مَاءِ الزَّهْرِ، أَو مَاءِ أَيِّ فَاكِهَةٍ، فَهُوَ طَاهِرٌ في نَفْسِهِ غَيْرُ مُطَهِّرٍ للحَدَثِ، بِخِلَافِ الخَبَثِ؛ وَهَذَا عِنْدَ الحَنَفِيَّةِ كَمَا قُلْنَا، وَأَمَّا عِنْدَ جُمْهُورِ الفُقَهَاءِ فَهَذَا المَاءُ لَا يَرْفَعُ حُكْمَ الخَبَثِ كَمَا ذَكَرَ الحَنَفِيَّةُ، وَقَالُوا: كَذَلِكَ لَا يَرْفَعُ حُكْمَ الحَدَثِ.

الرَّابِعُ: المَاءُ النَّجِسُ: وَهُوَ المَاءُ الذي وَقَعَتْ فِيهِ نَجَاسَةٌ، وَكَانَ قَلِيلَاً، فَيَنْجُسُ هَذَا المَاءُ وَإِنْ لَمْ تَظْهَرْ فِيهِ أَثَرُ النَّجَاسَةِ.

أَمَّا إِذَا كَانَ كَثِيرَاً فَلَا يَنْجُسُ إِلَّا إِذَا تَغَيَّرَتْ أَحَدُ أَوْصَافِهِ الثَّلَاثَةِ، اللَّوْنُ أَو الطَّعْمُ أَو الرَّائِحَةُ.

فَالمَاءُ النَّجِسُ إِنْ كَانَ قَلِيلَاً وَلَمْ تَظْهَرْ فِيهِ النَّجَاسَةُ، أَو كَانَ كَثِيرَاً وَتَغَيَّرَتْ أَحَدُ أَوْصَافِهِ الثَّلَاثَةِ لَا يَجُوزُ إِزَالَةُ النَّجَاسَةِ الحَقِيقِيَّةِ أَو الحُكْمِيَّةِ بِهِ، يَعْنِي لَا يَرْفَعُ حُكْمَ الخَبَثِ، وَلَا حُكْمَ الحَدَثِ.

وَالمَاءُ القَلِيلُ عِنْدَ الحَنَفِيَّةِ هُوَ مَا كَانَ دُونَ عَشْرَةِ أَذْرُعٍ في عَشْرٍ، وَإِذَا كَانَ أَكْثَرَ مِنْ ذَلِكَ فَهُوَ كَثِيرٌ.

وَأَمَّا عِنْدَ الشَّافِعِيَّةِ فَهُوَ مَا كَانَ دُونَ القُلَّتَيْنِ، وَالقُلَّتَانِ مَا يُعَادِلُ مِائَةً وَسِتِّينَ لِتْرَاً وَنِصْفَ اللِّتْرِ تَقْرِيبَاً، فَإِذَا كَانَ أَكْثَرَ مِنْ ذَلِكَ فَهُوَ مَاءٌ كَثِيرٌ.

الخَامِسُ: مَاءٌ مَشْكُوكٌ في طَهُورِيَّتِهِ: وَهُوَ المَاءُ الذي شَرِبَ مِنْهُ حِمَارٌ أَهْلِيٌّ أَو بَغْلٌ، فَهُوَ طَاهِرٌ، لَكِنَّهُ مَشْكُوكٌ في طَهُورِيَّتِهِ، فَمَنْ لَمْ يَجِدْ مَاءً غَيْرَهُ تَوَضَّأً بِهِ وَتَيَمَّمَ. هذا، والله تعالى أعلم.

**    **    **

تاريخ الكلمة:

الاثنين: 27/ شوال /1440هـ، الموافق: 1/تموز / 2019م