13ـ احذر من الخلوة مع امرأة أجنبية

﴿لَقَدْ كَانَ فِي قَصَصِهِمْ عِبْرَةٌ﴾

13ـ احذر من الخلوة مع امرأة أجنبية

مقدمة الكلمة:

الحمد لله رب العالمين، وأفضل الصلاة وأتم التسليم على سيدنا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين.

أما بعد، فَيَا أَيُّهَا الإِخْوَةُ الكِرَامُ: قِصَّةُ سَيِّدِنَا يُوسُفَ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ تُعْطِينَا دَرْسَاً عَمَلِيَّاً في خُطُورَةِ الخَلْوَةِ مَعَ النِّسَاءِ الأَجْنَبِيَّاتِ مَهْمَا بَلَغْنَا مِنَ التَّقْوَى وَالصَّلَاحِ.

لِنَنْظُرْ إلى كَيْدِ النِّسَاءِ عِنْدَمَا أَغْوَاهُنَّ الشَّيْطَانُ، وَغَفَلْنَ عَنْ مُرَاقَبَةِ اللهِ عَزَّ وَجَلَّ، وَخَاصَّةً إِذَا كَانَ الزَّوْجُ مُهْمِلَاً لِبَيْتِهِ، مَشْغُولَاً بِنَفْسِهِ وَأَهْوَائِهِ وَشَهَوَاتِهِ، مُعْرِضَاً عَنِ الحَلَالِ وَاقِعَاً في الحَرَامِ وَالعِيَاذُ بِاللهِ تعالى.

هَذِهِ امْرَأَةُ العَزِيزِ أَرَادَتْ أَنْ تُغْوِيَ رَجُلَاً كَتَبَ اللهُ عَزَّ وَجَلَّ لَهُ العِصْمَةَ، أَرَادَتْ أَنْ تُغْوِيَ رَجُلَاً كَانَ مِنَ المُخْلَصِينَ، فَكَيْفَ إِذَا تَسَلَّطَتِ امْرَأَةٌ ذَاتُ مَنْصِبٍ وَجَمَالٍ عَلَى رَجُلٍ لَيْسَ مَعْصُومَاً وَلَيْسَ مِنَ المُخْلِصِينَ فَضْلَاً مِنْ أَنْ يَكُونَ مِنَ المُخْلَصِينَ؟ فَمِنْ بَابِ أَوْلَى وَأَوْلَى، وَمِنْ هَذَا المُنْطَلَقِ حَذَّرَنَا سَيِّدُنَا رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ مِنَ الخَلْوَةِ بِالمَرْأَةِ الأَجْنَبِيَّةِ بِقَوْلِهِ: «لَا يَخْلُوَنَّ رَجُلٌ بِامْرَأَةٍ إِلَّا وَمَعَهَا ذُو مَحْرَمٍ» رواه الإمام مسلم عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا.

وَبِقَوْلِهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ: «مَا تَرَكْتُ بَعْدِي فِتْنَةً أَضَرَّ عَلَى الرِّجَالِ مِنَ النِّسَاءِ» رواه الشيخان عَنْ أُسَامَةَ بْنِ زَيْدٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا.

فَلْنَكُنْ عَلَى حَذَرٍ مِنْ كَيْدِ المَرْأَةِ، وَخَاصَّةً إِذَا خَلَعَتْ جِلْبَابَ الحَيَاءِ فَكَانَتْ كَاسِيَةً عَارِيَةً، وَكَانَتْ مِمَّنْ تَخْضَعُ بِالقَوْلِ.

﴿وَأَلْفَيَا سَيِّدَهَا لَدَى الْبَابِ﴾:

أَيُّهَا الإِخْوَةُ الكِرَامُ: امْرَأَةُ العَزِيزِ شُغِفَتْ حُبَّاً بِسَيِّدِنَا يُوسُفَ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ، وَأَرَادَتْ مِنْهُ مَا أَرَادَتْ، وَلَكِنْ كَانَ مَوْقِفُ سَيِّدِنَا يُوسُفَ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ مَوْقِفَاً يُضْرَبُ بِهِ المَثَلُ لِكُلِّ رَجُلٍ يُرِيدُ العِفَّةَ وَالشَّرَفَ وَالمَغْنَمَ، فَقَالَ: ﴿مَعَاذَ اللهِ﴾ كَلِمَةٌ كَانَتْ ثَمَرَةَ إِيمَانِهِ بِاللهِ تعالى الذي يَرَاهُ، كَانَتْ ثَمَرَةَ صَلَاحِهِ وَتَقْوَاهُ، وَلَا عِلَاجَ لِسِعَارِ الشَّهْوَةِ إِلَّا بِهَذَا الدَّوَاءِ الإِيمَانِيِّ: ﴿مَعَاذَ اللهِ﴾.

عِنْدَمَا عَجَزَتِ امْرَأَةُ العَزِيزِ عَنْ إِغْوَائِهِ بِأُسْلُوبِهَا الإِغْوَائِيِّ، وَشَاهَدَتْهُ يُرِيدُ الهُرُوبَ مِنْهَا لِيَسْلَمَ عَلَى دِينِهِ وَعِفَّتِهِ وَطَهَارَتِهِ لَحِقَتْهُ وَجَاءَتِ المُفَاجَأَةُ.

قَالَ تعالى: ﴿وَاسْتَبَقَا الْبَابَ وَقَدَّتْ قَمِيصَهُ مِنْ دُبُرٍ وَأَلْفَيَا سَيِّدَهَا لَدَى الْبَابِ قَالَتْ مَا جَزَاءُ مَنْ أَرَادَ بِأَهْلِكَ سُوءَاً إِلَّا أَنْ يُسْجَنَ أَوْ عَذَابٌ أَلِيمٌ﴾؟

لَقَدْ تَكَلَّفَ كُلٌّ مِنْ سَيِّدِنَا يُوسُفَ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ، وَامْرَأَةِ العَزِيزِ أَنْ يَسْبِقَ كلٌّ مِنْهُمَا الآخَرَ، وَلَكِنْ شَتَّانَ مَا بَيْنَ الهَدَفَيْنِ، سَيِّدُنَا يُوسُفُ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ أَرَادَ الهُرُوبَ مِنْهَا لِأَنَّهُ خَائِفٌ عَلَى دِينِهِ وَكِيَانِهِ وَعِفَّتِهِ وَطَهَارَتِهِ فَأَرَادَ السَّلَامَةَ مِنْ شَرِّهَا وَكَيْدِهَا.

وَأَمَّا هِيَ فَكَانَتْ خَائِفَةً عَلَى ضَيَاعِ شَهْوَتِهَا وَرَغْبَتِهَا.

وَكَادَ سَيِّدُنَا يُوسُفُ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ أَنْ يَخْرُجَ مِنَ البَابِ، وَلَكِنْ كَانَتِ امْرَأَةُ العَزِيزِ تُسَابِقُهُ البَابَ وَقَدَّتْ قَمِيصَهُ مِنَ الخَلْفِ جَاذِبَةً لَهُ، وَهُنَا تَأْتِي المُفَاجَأَةُ، سَيِّدُنَا يُوسُفُ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ يَجْذِبُ البَابَ لِفَتْحِهِ، وَهِيَ تَجْذِبُهُ مِنْ قَمِيصِهِ، وَزَوْجُهَا يَفْتَحُ البَابَ ﴿وَلَوْ تَوَاعَدْتُمْ لَاخْتَلَفْتُمْ فِي الْمِيعَادِ وَلَكِنْ لِيَقْضِيَ اللهُ أَمْرَاً كَانَ مَفْعُولَاً﴾. فَوَجَدَا زَوْجَهَا لَدَى الْبَابِ.

وَهُنَا أَرَادَتِ امْرَأَةُ العَزِيزِ بِدَهَائِهَا أَنْ تَتَخَلَّصَ مِنْ هَذَا المَوْقِفِ المُحْرِجِ، وَصَاحَتْ بِأَعْلَى صَوْتِهَا وَهِيَ مُنْفَعِلَةٌ: ﴿مَا جَزَاءُ مَنْ أَرَادَ بِأَهْلِكَ سُوءَاً إِلَّا أَنْ يُسْجَنَ أَوْ عَذَابٌ أَلِيمٌ﴾؟ نَعُوذُ بِاللهِ تعالى مِنْ كَيْدِ النِّسَاءِ وَدَهَائِهِنَّ.

لَقَدْ شَكَتْ سَيِّدَنَا يُوسُفَ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ وَجَرَّمَتْهُ، وَحَكَمَتْ عَلَيْهِ مُبَاشَرَةً بِدُونِ انْتِظَارِ رَأْيِ زَوْجِهَا بِالسِّجْنِ أَو العَذَابِ الأَلِيمِ، وَهَذَا مَا يُجِيدُهُ أَصْحَابُ المَكْرِ وَالخِدَاعِ وَالكَذِبِ وَالافْتِرَاءِ.

كَيْدٌ عَظِيمٌ، وَبُهْتَانٌ كَبِيرٌ، هِيَ التي غَلَّقَتِ الأَبْوَابَ، وَهِيَ التي رَاوَدَتْهُ، وَهِيَ التي قَالَتْ: هَيْتَ لَكَ، وَهِيَ التي لَحِقَتْهُ، وَهِيَ التي قَدَّتْ قَمِيصَهُ مِنْ دُبُرٍ؛ مَعَ كُلِّ هَذَا في سَاعَةِ المُفَاجَأَةِ رَمَتْهُ بِهَذَا البُهْتَانِ.

فَمَا كَانَ مِنْ سَيِّدِنَا يُوسُفَ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ إِلَّا أَنْ قَالَ: ﴿هِيَ رَاوَدَتْنِي عَنْ نَـفْسِي﴾. وَلَكِنَّ المُشْكِلَةَ قَائِمَةٌ، فَمَنْ يُصَدَّقُ في هَذَا المَوْقِفِ بِشَكْلٍ عَامٍّ؟ المَرْأَةُ هُنَا هِيَ التي تُصَدَّقُ، وَالرَّجُلُ يَكُونُ في مَوْقِعِ التُّهْمَةِ.

لِذَلِكَ كَانَ سَيِّدُنَا يُوسُفُ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ في حَرَجٍ شَدِيدٍ أَمَامَ عَزِيزِ مِصْرَ، سَيِّدُنَا يُوسُفُ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ صَادِقٌ، وَرَدَّ الدَّعْوَى، وَلَكِنَّ الأَمْرَ يَحْتَاجُ إلى دَلِيلٍ حَاسِمٍ.

هَلْ يَتَخَلَّى اللهُ تعالى عَنْ عَبْدِهِ الوَقَّافِ عِنْدَ حُدُودِهِ؟ مَعَاذَ اللهِ، وَيَأْتِي الشَّاهِدُ مِنْ أَهْلِهَا ﴿وَشَهِدَ شَاهِدٌ مِنْ أَهْلِهَا إِنْ كَانَ قَمِيصُهُ قُدَّ مِنْ قُبُلٍ فَصَدَقَتْ وَهُوَ مِنَ الْكَاذِبِينَ * وَإِنْ كَانَ قَمِيصُهُ قُدَّ مِنْ دُبُرٍ فَكَذَبَتْ وَهُوَ مِنَ الصَّادِقِينَ﴾.

لَا تَقِفُوا للبَحْثِ عَنْ سِنِّ الشَّاهِدِ، هَلْ هُوَ رَضِيعٌ في المَهْدِ أَمْ صَغِيرٌ أَمْ كَبِيرٌ؟ الأَمْرُ لَا يَهُمُّ، المُهِمُّ شَهِدَ شَاهِدٌ مِنْ أَهْلِهَا، وَكَانَ هَذَا مِنْ أَعْظَمِ الفَرَجِ؛ وَأَنْقَذَ اللهُ عَزَّ وَجَلَّ سَيِّدَنَا يُوسُفَ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ مِنْ هَذَا البَلَاءِ وَمِنْ هَذِهِ المِحْنَةِ العَظِيمَةِ.

فَمَاذَا رَأَى عَزِيزُ مِصْرَ؟ لَقَدْ رَأَى القَمِيصَ قُدَّ مِنْ دُبُرٍ، وَعَرَفَ صِدْقَ سَيِّدِنَا يُوسُفَ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ، وَكَذِبَ زَوْجَتِهِ، فَقَالَ لِزَوْجَتِهِ ﴿إِنَّهُ مِنْ كَيْدِكُنَّ إِنَّ كَيْدَكُنَّ عَظِيمٌ * يُوسُفُ أَعْرِضْ عَنْ هَذَا وَاسْتَغْفِرِي لِذَنْبِكِ إِنَّكِ كُنْتِ مِنَ الْخَاطِئِينَ﴾. إِي وَاللهِ إِنَّ كَيْدَهُنَّ عَظِيمٌ؛ وَكَيْدُهُنَّ لَا شَكَّ وَلَا رَيْبَ أَنَّهُ مِنْ كَيْدِ الشَّيْطَانِ.

خَاتِمَةٌ ـ نَسْأَلُ اللهَ تعالى حُسْنَ الخَاتِمَةَ ـ:

أَيُّهَا الإِخْوَةُ الكِرَامُ: سَلَامَتُنَا مِنْ كَيْدِ النِّسَاءِ تَكُونُ بِعَدَمِ الخَلْوَةِ بِهِنَّ، فَإِنَّ الخَلْوَةَ بِالَمرْأَةِ الأَجْنَبِيَّةِ طَامَّةٌ كُبْرَى، وَمَفْسَدَةٌ للدِّينِ، وَمَحَطَّةُ تُهْمَةٍ للرَّجُلِ، وَالمُصَدَّقُ هِيَ المَرْأَةُ، وَالمُتَّهَمُ هُوَ الرَّجُلُ.

وَجَزَى اللهُ عَنَّا سَيِّدَنَا مُحَمَّدَاً صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ القَائِلَ: «أَلَا لَا يَخْلُوَنَّ رَجُلٌ بِامْرَأَةٍ إِلَّا كَانَ ثَالِثَهُمَا الشَّيْطَانُ» رواه الترمذي عَنِ ابْنِ عُمَرَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا.

وَمَا ذَاكَ إِلَّا لِسَلَامَتِنَا مِنْ فِتْنَةِ النِّسَاءِ، وَصِيَانَةً لِعِفَّتِنَا وَطَهَارَتِنَا.

اللَّهُمَّ احْفَظْنَا مِنْ بَيْنِ أَيْدِينَا وَمِنْ خَلْفِنَا وَعَنْ أَيْمَانِنَا وَعَنْ شَمَائِلِنَا وَمِنْ فَوْقِنَا وَنَعُوذُ بِعَظَمَتِكَ أَنْ نُغْتَالَ مِنْ تَحْتِنَا. آمين.

تاريخ الكلمة

**    **    **

الاثنين: 5/ ذو القعدة /1440هـ، الموافق: 8/ تموز / 2019م