126ـ هَيْئَاتُ صَلَاتِهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ النَّافِلَةَ

126ـ هَيْئَاتُ صَلَاتِهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ النَّافِلَةَ

مقدمة الكلمة:

الحمد لله رب العالمين، وأفضل الصلاة وأتم التسليم على سيدنا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين، أما بعد:

فَيَا أَيُّهَا الإِخْوَةُ الكِرَامُ:

حَدِيثُهُ، أَوحَدِيثٌ عَـنْهُ يُطْرِبُني   ***   هَذَا إِذَا غَابَ، أَوْ هَذَا إِذَا حَضَرَا

كِـلَاهُمَا حَـسَنٌ عِـنْدِي أُسَرُّ بِهِ   ***    لَكِنَّ أَحْلَاهُمَا مَا وَافَقَ الـــنَّظَرَا

يَقُولُ الشَّيْخُ العَلَّامَةُ المُحَدِّثُ عَبْدُ اللهِ سِرَاجُ الدِّينِ رَحِمَهُ اللهُ تعالى في كِتَابِهِ: سَيِّدُنَا مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ: هَيْئَاتُ صَلَاتِهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ النَّافِلَةَ في اللَّيْلِ:

كَانَتْ هَيْئَةُ صَلَاتِهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ النَّافِلَةَ في اللَّيْلِ عَلَى أَنْوَاعِ ثَلاثَةٍ، كَمَا فِي المَوَاهِبِ للقَسْطَلَانِيِّ وَشَرْحِهَا.

أَحَدُهَا: أَنَّهُ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ كَانَ أَكْثَرُ صَلَاتِهِ قَائِمَاً، دَلَّ عَلَى ذَلِكَ الحَدِيثُ الذي رَوَاهُ أَحْمَدُ وَمُسْلِمٌ وَالتِّرْمِذِيُّ وَصَحَّحَهُ، عَنْ حَفْصَةَ أُمِّ المُؤْمِنِينَ رَضِيَ اللهُ عَنْهَا قَالَتْ: مَا رَأَيْتُ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ صَلَّى فِي سُبْحَتِهِ قَاعِدَاً (قَالَ في شَرْحِ المَوَاهِبِ: السُّبْحَةُ بِضَمِّ السِّينِ فَسُكُونِ البَاءِ، هِيَ النَّافِلَةُ، وَسُمِّيَتْ بِذَلِكَ لِاشْتِمَالِهَا عَلَى التَّسْبِيحِ، مِنْ تَسْمِيَةِ الكُلِّ بِاسْمِ البَعْضِ، وَخُصَّتْ بِهِ دُونَ الفَرِيضَةِ.

قَالَ ابْنُ الأَثِيرِ: لِأَنَّ التَّسْبِيحَ في الفَرَائِضِ نَفْلٌ. وَفِي النَّوَافِلِ نَوَافِلُ مِثْلُهَا) حَتَّى كَانَ قَبْلَ وَفَاتِهِ بِعَامٍ، فَكَانَ يُصَلِّي فِي سُبْحَتِهِ قَاعِدَاً، وَكَانَ يَقْرَأُ بِالسُّورَةِ فَيُرَتِّلُهَا حَتَّى تَكُونَ أَطْوَلَ مِنْ أَطْوَلَ مِنْهَا.

أَيْ: حَتَّى تَكُونَ السُّورَةُ القَصِيرَةُ بِسَبَبِ تَرْتِيلِهَا أَطْوَلَ مِنْ سُورَةٍ أَطْوَلَ مِنْهَا خَلَتْ عَنِ التَّرْتِيلِ.

الثَّانِي: أَنَّهُ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ كَانَ يُصَلِّي قَاعِدَاً، وَيَرْكَعُ قَاعِدَاً، كَمَا جَاءَ في الصَّحِيحَيْنِ عَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهَا قَالَتْ: كَانَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ يُصَلِّي لَيْلَاً طَوِيلَاً قَائِمَاً، وَلَيْلَاً طَوِيلَاً قَاعِدَاً، وَكَانَ إِذَا قَرَأَ وَهُوَ قَائِمٌ رَكَعَ وَسَجَدَ وَهُوَ قَائِمٌ، وَإِذَا قَرَأَ قَاعِدَاً، رَكَعَ وَسَجَدَ وَهُوَ قَاعِدٌ.

الثَّالِثُ: أَنَّهُ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ كَانَ يَقْرَأُ قَاعِدَاً، فَإِذَا بَقِيَ يَسِيرٌ مِنْ قِرَاءَتِهِ، قَامَ فَرَكَعَ قَائِمَاً، كَمَا في الصَّحِيحَيْنِ عَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهَا: أَنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ كَانَ يُصَلِّي ـ أَيْ: النَّافِلَةَ ـ جَالِسَاً (وَذَلِكَ قَبْلَ وَفَاتِهِ بِعَامٍ، كَمَا تَقَدَّمَ في حَدِيثِ حَفْصَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهَا) فَيَقْرَأُ وَهُوَ جَالِسٌ، فَإِذَا بَقِيَ مِنْ قِرَاءَتِهِ قَدْرُ مَا يَكُونُ ثَلَاثِينَ أَوْ أَرْبَعِينَ آيَةً، قَامَ فَقَرَأَ وَهُوَ قَائِمٌ . . . الحَدِيثَ.

قَالَ الحَافِظُ الزَّرْقَانِيُّ: فَجَمَعَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ بَيْنَ مَا يُطِيقُهُ مِنَ القِيَامِ وَالجُلُوسِ، إِبْقَاءً عَلَى نَفْسِهِ، لِيَسْتَدِيمَ الصَّلَاةَ. (الحِزْبُ وَالجُزْءُ وَالوِرْدُ كُلُّهَا تَؤُولُ إلى مَعْنَىً وَاحِدٍ، وَهُوَ مَا يَجْعَلُهُ المُسْلِمُ عَلَى نَفْسِهِ وَيُعِينُهُ: مِنْ صَلَاةٍ وَقِرَاءَةِ قُرْآنٍ، وَذِكْرِ اللهِ تعالى، وَغَيْرِ ذَلِكَ).

وَكَانَ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ يُرْشِدُ مَنْ نَامَ عَنْ حِزْبِهِ مِنَ اللَّيْلِ أَنْ يَأْتِيَ بِهِ مَا بَيْنَ صَلَاةِ الفَجْرِ وَصَلَاةِ الظُّهْرِ، فَيُكْتَبَ لَهُ كَأَنَّمَا أَتَى بِهِ في اللَّيْلِ:

رَوَى مُسْلِمٌ عَنْ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ: «مَنْ نَامَ عَنْ حِزْبِهِ ـ وَفِي رِوَايَةِ ابْنِ مَاجَه: عَنْ جُزْئِهِ مِنَ اللَّيْلِ ـ  أَوْ عَنْ شَيْءٍ مِنْهُ، فَقَرَأَهُ فِيمَا بَيْنَ صَلَاةِ الْفَجْرِ، وَصَلَاةِ الظُّهْرِ، كُتِبَ لَهُ كَأَنَّمَا قَرَأَهُ مِنَ اللَّيْلِ».

خَاتِمَةٌ ـ نَسْأَلُ اللهَ تعالى حُسْنَ الخَاتِمَةِ ـ:

أَيُّهَا الإِخْوَةُ الكِرَامُ: قَالَ الإِمَامُ النَّوَوِيُّ: في هَذَا الخَبَرِ دِلَالَةٌ عَلَى المُحَافَظَةِ عَلَى الأَوْرَادِ. اهـ.

يَعْنِي أَنَّهُ يَنْبَغِي للمُسْلِمِ أَنْ يُوَاظِبَ عَلَى أَوْرَادِ عِبَادَتِهِ وَنَوَافِلِهِ، في اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ، وَإِنْ نَامَ عَنْ شَيْءٍ مِنْ ذَلِكَ في اللَّيْلِ فَلْيَأْتِ بِهِ حَتَّى الظُّهْرِ مِنَ النَّهَارِ، لِيَسْتَمِرَّ الخَيْرُ وَالنُّورُ وَالأَجْرُ بِلَا انْقِطَاعٍ.

قَالَ العَلَّامَةُ القُرْطُبِيُّ: وَهَذِهِ الفَضِيلَةُ إِنَّمَا تَحْصُلُ لِمَنْ غَلَبَهُ نَوْمٌ أَو عُذْرٌ مَنَعَهُ مِنَ القِيَامِ بِهِ، مَعَ أَنَّ نِيَّتَهُ القِيَامُ بِهِ، وَظَاهِرُهُ أَنَّ لَهُ أَجْرَهُ مُكَمَّلَاً مُضَاعَفَاً، وَذَلِكَ لِحُسْنِ نِيَّتِهِ، وَصِدْقِ تَلَهُّفِهِ وَتَأَسُّفِهِ، وَهُوَ قَوْلُ بَعْضِ شُيُوخِنَا.

وَقَالَ بَعْضُهُمْ: يُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ غَيْرَ مُضَاعَفٍ، إِذِ التي يُصَلِّيهَا لَيْلَاً أَكْمَلُ وَأَفْضَلُ، وَالظَّاهِرُ الأَوَّلُ. اهـ.

وَعَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهَا قَالَتْ: كَانَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ إِذَا فَاتَتْهُ الصَّلَاةُ مِنَ اللَّيْلِ مِنْ وَجَعٍ أَو غَيْرِهِ، صَلَّى مِنَ النَّهَارِ ثِنْتَيْ عَشْرَةَ رَكْعَةً.

اللَّهُمَّ وَفِّقْنَا لِاتِّبَاعِ سَيِّدِنَا رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ. آمين.

تاريخ الكلمة:

الجمعة: 22/ ذو القعدة /1440هـ، الموافق: 26/ تموز / 2019م