160ـ إسلام ضماد الأزدي الأسدي

160ـ إسلام ضماد الأزدي الأسدي

مقدمة الكلمة:

الحمد لله رب العالمين، وأفضل الصلاة وأتم التسليم على سيدنا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين.

أما بعد، فَيَا أَيُّهَا الإِخْوَةُ الكِرَامُ: لَقَدْ ضَاعَتْ هُوِيَّةُ بَعْضِ المُسْلِمِينَ اليَوْمَ وَانْعَدَمَتْ مِيزَاتُهَا، إِلَّا مَنْ رَحِمَ اللهُ تعالى، وَمَا ذَاكَ إِلَّا بِإِعْرَاضِهِمْ عَنْ كِتَابِ اللهِ تعالى، وَسُنَّةِ رَسُولِهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ، وَاتِّبَاعِهِمْ للشَّهَوَاتِ المُحَرَّمَةِ.

لِذَلِكَ مِنَ الوَاجِبِ عَلَى كُلِّ مُسْلِمٍ يُرِيدُ أَنْ يَسِيرَ إلى رَبِّهِ عَزَّ وَجَلَّ وَهُوَ عَلَى نُورٍ مِنْ رَبِّهِ، عَلَيْهِ أَنْ يَبْحَثَ في نَفْسِهِ هَلْ فِيهِ سِمَاتٌ بَارِزَةٌ، وَعَلَامَاتٌ مُمَيَّزَةٌ تَحَلَّى بِهَا وَاقْتَبَسَهَا مِنْ أَصْحَابِ العُقُولِ السَّلِيمَةِ؟

أَصْحَابُ العُقُولِ السَّلِيمَةِ هُمْ سَرِيعُونَ بِالتَّأَثُّرِ إِذَا سَمِعُوا كَلَامَ اللهِ عَزَّ وَجَلَّ، وَكَلَامَ سَيِّدِنَا رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ، هُمْ سَرِيعُونَ بِالتَّأَثُّرِ مِنَ المَوَاعِظِ وَالرَّقَائِقِ.

تَأَثُّرُ ضِمَادِ الأَزْدِيِّ مِنْ قَوْلِ سَيِّدِنَا رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ:

أَيُّهَا الإِخْوَةُ الكِرَامُ: لَقَدْ كَانَ أَصْحَابُ سَيِّدِنَا رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ مِمَّنْ تَأَثَّرَتْ قُلُوبُهُمْ مُبَاشَرَةً عِنْدَمَا سَمِعُوا كَلَامَ سَيِّدِنَا رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ، فَرَقَّتْ قُلُوبُهُمْ، وَانْقَادَتْ نُفُوسُهُمْ، فَدَخَلُوا في دِينِ اللهِ عَزَّ وَجَلَّ، وَكَانُوا بِحَقٍّ كَمَا قَالَ تعالى: ﴿إِنَّ الَّذِينَ سَبَقَتْ لَهُمْ مِنَّا الْحُسْنَى أُولَئِكَ عَنْهَا مُبْعَدُونَ﴾.

مِنْ هَؤُلَاءِ الرِّجَالِ العِظَامِ الذينَ تَأَثَّرُوا بِكَلَامِ سَيِّدِنَا رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ ضِمَادُ بْنُ ثَعْلَبَةَ الأَزْدِيُّ، كَانَ صَدِيقَاً لِسَيِّدِنَا رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ.

روى الإمام مسلم عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا، أَنَّ ضِمَادَاً قَدِمَ مَكَّةَ وَكَانَ مِنْ أَزْدِ شَنُوءَةَ ـ هِيَ مِنَ اليَمَنِ ـ وَكَانَ يَرْقِي مِنْ هَذِهِ الرِّيحِ ـ مِنَ الجُنُونِ وَالمَسِّ ـ فَسَمِعَ سُفَهَاءَ مِنْ أَهْلِ مَكَّةَ، يَقُولُونَ: إِنَّ مُحَمَّدَاً مَجْنُونٌ، فَقَالَ: لَوْ أَنِّي رَأَيْتُ هَذَا الرَّجُلَ لَعَلَّ اللهَ يَشْفِيهِ عَلَى يَدَيَّ.

قَالَ: فَلَقِيَهُ، فَقَالَ: يَا مُحَمَّدُ، إِنِّي أَرْقِي مِنْ هَذِهِ الرِّيحِ، وَإِنَّ اللهَ يَشْفِي عَلَى يَدِي مَنْ شَاءَ، فَهَلْ لَكَ؟

فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ: «إِنَّ الْحَمْدَ للهِ، نَحْمَدُهُ وَنَسْتَعِينُهُ، مَنْ يَهْدِهِ اللهُ فَلَا مُضِلَّ لَهُ، وَمَنْ يُضْلِلْ فَلَا هَادِيَ لَهُ، وَأَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ، وَأَنَّ مُحَمَّدَاً عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ، أَمَّا بَعْدُ».

قَالَ: فَقَالَ: أَعِدْ عَلَيَّ كَلِمَاتِكَ هَؤُلَاءِ، فَأَعَادَهُنَّ عَلَيْهِ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ، ثَلَاثَ مَرَّاتٍ.

قَالَ: فَقَالَ: لَقَدْ سَمِعْتُ قَوْلَ الْكَهَنَةِ، وَقَوْلَ السَّحَرَةِ، وَقَوْلَ الشُّعَرَاءِ، فَمَا سَمِعْتُ مِثْلَ كَلِمَاتِكَ هَؤُلَاءِ، وَلَقَدْ بَلَغْنَ نَاعُوسَ الْبَحْرِ ـ وَسَطَهُ وَقَعْرَهُ الأَقْصَى ـ قَالَ: فَقَالَ: هَاتِ يَدَكَ أُبَايِعْكَ عَلَى الْإِسْلَامِ.

قَالَ: فَبَايَعَهُ.

فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ: «وَعَلَى قَوْمِكَ».

قَالَ: وَعَلَى قَوْمِي.

قَالَ: فَبَعَثَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ سَرِيَّةً، فَمَرُّوا بِقَوْمِهِ، فَقَالَ صَاحِبُ السَّرِيَّةِ لِلْجَيْشِ: هَلْ أَصَبْتُمْ مِنْ هَؤُلَاءِ شَيْئَاً؟

فَقَالَ رَجُلٌ مِنَ الْقَوْمِ: أَصَبْتُ مِنْهُمْ مِطْهَرَةً ـ إِنَاءٌ يُوضَعُ فِيهِ المَاءُ الذي يُتَطَهَّرُ بِهِ، وَتُسَمَّى أَيْضَاً إِدَاوَةً ـ.

فَقَالَ: رُدُّوهَا، فَإِنَّ هَؤُلَاءِ قَوْمُ ضِمَادٍ.

وفي رِوَايَةٍ كَمَا في حَيَاةِ الصَّحَابَةِ: عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ العَدَوِيِّ قَالَ: قَالَ ضِمَادٌ: قَدِمْتُ مَكَّةَ مُعْتَمِرَاً فَجَلَسْتُ مَجْلِسَاً فِيهِ أَبُو جَهْلٍ وَعُتْبَةُ بْنُ رَبِيعَةَ وَأُمَيَّةُ بْنُ خَلَفٍ، فَقَالَ أَبُو جَهْلٍ: هَذَا الرَّجُلُ الذي فَرَّقَ جَمَاعَتَنَا، وَسَفَّهَ أَحْلَامَنَا، وَأَضَلَّ مَنْ مَاتَ مِنَّا، وَعَابَ آلِهَتَنَا.

فَقَالَ أُمَيَّةُ: الرَّجُلُ مَجْنُونٌ غَيْرَ شَكٍّ.

قَالَ ضِمَادٌ: فَوَقَعَتْ في نَفْسِي كَلِمَتُهُ وَقُلْتُ: إِنِّي رَجُلٌ أُعَالِجُ مِنَ الرِّيحِ، فَقُمْتُ مِنْ ذَلِكَ المَجْلِسِ وَأَطْلُبُ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ فَلَمْ أُصَادِفْهُ ذَلِكَ اليَوْمَ حَتَّى كَانَ الغَدُ، فَجِئْتُهُ فَوَجَدْتُهُ جَالِسَاً خَلْفَ المَقَامِ يُصَلِّي، فَجَلَسْتُ حَتَّى فَرَغَ ثُمَّ جَلَسْتُ إِلَيْهِ فَقُلْتُ: يَا ابْنَ عَبْدِ المُطَّلِبِ، فَأَقْبَلَ عَلَيَّ، فَقَالَ: مَا تَشَاءُ؟

فَقُلْتُ: إِنِّي أُعَالِجُ مِنَ الرِّيحِ، فَإِنْ أَحْبَبْتَ عَالَجْتُكَ وَلَا تُكْبِرَنَّ مَا بِكَ فَقَدْ عَالَجْتُ مَنْ كَانَ بِهِ أَشَدَّ مِمَّا بِكَ فَبَرَأَ، وَسَمِعْتُ قَوْمَكَ يَذْكُرُونَ فِيكَ خِصَالَاً سَيِّئَةً: مِنْ تَسْفِيهِ أَحْلَامِهِمْ، وَتَفْرِيقِ جَمَاعَتِهِمْ، وَتَضْلِيلِ مَنْ مَاتَ مِنْهُمْ، وَعَيْبِ آلِهَتِهِمْ، فَقُلْتُ: مَا فَعَلَ هَذَا إِلَّا رَجُلٌ بِهِ جِنَّةٌ.

فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ: «الحَمْدُ للهِ أَحْمَدُهُ وَأَسْتَعِينُهُ وَأُؤْمِنُ بِهِ وَأَتَوَكَّلُ عَلَيْهِ، مَنْ يَهْدِهِ اللهِ فَلَا مُضِلَّ لَهُ وَمَنْ يُضْلِلْهُ فَلَا هَادِيَ لَهُ، وَأَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ، وَأَنَّ مُحَمَّدَاً عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ».

قَالَ ضِمَادٌ: فَسَمِعْتُ كَلَامَاً لَمْ أَسْمَعْ كَلَامَاً قَطُّ أَحْسَنَ مِنْهُ فَاسْتَعَدْتُهُ الكَلَامَ فَأَعَادَ عَلَيَّ، فَقُلْتُ: إِلَامَ تَدْعُو؟

قَالَ: «إِلَى أَنْ تُؤْمِنَ بِاللهِ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ، وَتَخْلَعَ الأَوْثَانَ مِنْ رَقَبَتِكَ، وَتَشْهَدَ أَنِّي رَسُولُ اللهِ».

فَقُلْتُ: فَمَاذَا لِي إِنْ فَعَلْتُ؟

قَالَ: «لَكَ الجَنَّةُ».

قُلْتُ: فَإِنِّي أَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ، وَأَخْلَعُ الأَوْثَانَ مِنْ رَقَبَتِي وَأَبْرَأُ مِنْهَا، وَأَشْهَدُ أَنَّكَ عَبْدُ اللهِ وَرَسُولُهُ؛ فَأَقَمْتُ مَعَ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ حَتَّى عُلِّمْتُ سُوَرَاً كَثِيرَةً مِنَ القُرْآنِ، ثُمَّ رَجَعْتُ إلى قَوْمِي.

قال عَبْدُ اللهِ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ العَدَوِيِّ: فَبَعَثَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ عَلِيَّ بْنَ أَبِي طَالِبٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ في سَرِيَّةٍ وَأَصَابُوا عِشْرِينَ بَعِيرَاً بِمَوْضِعٍ وَاسْتَاقُوهَا، وَبَلَغَ عَلِيَّ بْنَ أَبِي طَالِبٍ أَنَّهُمْ قَوْمُ ضِمَادٍ فَقَالَ: رُدُّوهَا إِلَيْهِمْ، فَرُدَّتْ.

خَاتِمَةٌ ـ نَسْأَلُ اللهَ تعالى حُسْنَ الخَاتِمَةِ ـ:

أَيُّهَا الإِخْوَةُ الكِرَامُ: كَلِمَاتٌ صَدَرَتْ مِنْ سَيِّدِنَا رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ نَقَلَتْ سَيِّدَنَا ضِمَادَاً رَضِيَ اللهُ عَنْهُ مِنْ ظُلُمَاتِ الجَاهِلِيَّةِ إلى نُورِ الإِسْلَامِ، إِنَّهَا كَلِمَاتٌ جَامِعَاتٌ خَرَجَتْ مِنْ قَلْبِهِ الشَّرِيفِ المُخْلِصِ المُخْلَصِ، فَوَقَعَتْ في قَلْبِ إِنْسَانٍ عَاقِلٍ فَتَأَثَّرَ لَهَا فَدَخَلَ في دِينِ اللهِ عَزَّ وَجَلَّ.

كَيْفَ حَالُنَا نَحْنُ اليَوْمَ؟ نَسْمَعُ آيَاتِ اللهِ تعالى، وَأَحَادِيثَ سَيِّدِنَا رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ، وَلَا نَرَى رِقَّةً في قَلْبٍ، وَلَا تَجَاوُباً وَلَا تَأَثُّراً بِكَلَامِهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ لِمَاذَا؟ لِمَاذَا تَبَلَّدَ إِحْسَاسُ الكَثِيرِ مِنَ النَّاسِ؟ لَقَدْ صَارَ عَلَى القَلْبِ غِلَافٌ سَمِيكٌ بِسَبَبِ الَمعَاصي إِلَا مَنْ رَحِمَ اللهُ تعالى. اللَّهُمَّ أَحْيِ قُلُوبَنَا بِذِكْرِكَ. آمين.

**   **   **

تاريخ الكلمة:

الخميس: 10/ ربيع الأول /1441هـ، الموافق: 7/ تشرين الثاني / 2019م