154ـ عناية الله به صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ منذ صغره

154ـ عناية الله به صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ منذ صغره

مقدمة الكلمة:

الحمد لله رب العالمين، وأفضل الصلاة وأتم التسليم على سيدنا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين، أما بعد:

فَيَا أَيُّهَا الإِخْوَةُ الكِرَامُ:

حَدِيثُهُ، أَوحَدِيثٌ عَـنْهُ يُطْرِبُني   ***   هَذَا إِذَا غَابَ، أَوْ هَذَا إِذَا حَضَرَا

كِـلَاهُمَا حَـسَنٌ عِـنْدِي أُسَرُّ بِهِ   ***    لَكِنَّ أَحْلَاهُمَا مَا وَافَقَ الـــنَّظَرَا

يَقُولُ الشَّيْخُ العَلَّامَةُ المُحَدِّثُ عَبْدُ اللهِ سِرَاجُ الدِّينِ رَحِمَهُ اللهُ تعالى في كِتَابِهِ: سَيِّدُنَا مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ:

ثُمَّ ذَكَرَ سُبْحَانَهُ عِنَايَتَهُ بِحَبِيبِهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ مُنْذُ صِغَرِ سِنِّهِ، وَتَعَهُّدَهُ إِيَّاهُ، وَرِعَايَتَهُ لَهُ، تَنْبِيهَاً إلى أَنَّ اللهَ تعالى الذي تَوَلَّاهُ بِعِنَايَتِهِ مُنْذُ صِغَرِهِ، وَأَتْحَفَهُ بِنِعَمِهِ سُبْحَانَهُ، سَوْفَ يُوَاصِلُ إِلَيْهِ بِرَّهُ وَإِكْرَامَهُ، وَيُدِيمُ عَلَيْهِ فَضْلَهُ وَإِنْعَامَهُ، وَيُحَقِّقَ لَهُ مَا وَعَدَهُ بِهِ، وَيُحِيطَهُ بِعِنَايَتِهِ وَيَكْلَأُهُ بِرِعَايَتِهِ أَبَدَ الأَبَدِ، فَقَالَ سُبْحَانَهُ: ﴿أَلَمْ يَجِدْكَ يَتِيمَاً فَآوَى﴾؟ وَذَلِكَ أَنَّ أَبَاهُ عَبْدَ اللهِ تُوُفِّيَ وَهُوَ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ حَمْلٌ في بَطْنِ أُمِّهِ، وَقِيلَ بَعْدَ وِلَادَتِهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ، ثُمَّ تُوُفِّيَتْ أُمُّهُ آمِنَةُ بِنْتُ وَهْبٍ وَلَهُ مِنَ العُمُرِ سِتُّ سِنِينَ، ثُمَّ جَعَلَهُ سُبْحَانَهُ في كَفَالَةِ جَدِّهِ عَبْدِ المُطَّلِبِ، إلى أَنْ تُوُفِّيَ وَلَهُ مِنَ العُمُرِ ثَمَانِ سِنِينَ، فَكَفِلَهُ عَمُّهُ أَبُو طَالِبٍ، ثُمَّ لَمْ يَزَلْ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ يَتَرَبَّى وَيَنْشَأُ في عِنَايَةٍ مِنَ اللهِ تعالى، مُحَاطَاً مَحْفُوفَاً مَحْفُوظَاً مُوَقَّرَاً، إلى أَنْ أَكْرَمَهُ اللهُ تعالى  بِالنُّبُوَّةِ وَالرِّسَالَةِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ.

﴿وَوَجَدَكَ ضَالَّاً فَهَدَى﴾. اعْلَمْ أَنَّ الضَّلَالَ قَدْ يُرَادُ مِنْهُ ضَلَالُ المَعْصِيَةِ، وَهُوَ الضَّلَالُ عَنِ الحَقِّ وَالخَيْرِ وَالصَّلَاحِ، وَقَدْ يُطْلَقُ عَلَى غَيْرِ ذَلِكَ مِنَ المَعَانِي المُخْتَلِفَةِ، حَسْبَ المُنَاسَبَةِ التي جَاءَ فِيهَا، كَمَا سَيَتَّضِحُ مَعَنَا قَرِيبَاً إِنْ شَاءَ اللهُ تعالى، فَأَمَّا الضَّلَالُ عَنِ الحَقِّ وَالصَلَاحِ فَهُوَ غَيْرُ مُرَادٍ في هَذِهِ الآيَةِ قَطْعَاً، لِأَنَّ اللهَ تعالى نَفَاهُ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ في قَوْلِهِ: ﴿وَالنَّجْمِ إِذَا هَوَى * مَا ضَلَّ صَاحِبُكُمْ وَمَا غَوَى﴾. فَنَفَى سُبْحَانَهُ عَنْ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ الضَّلَالَةَ التي هِيَ ضِدُّ الهُدَى، وَالغِوَايَةَ التي هِيِ ضِدُّ الرَّشَادِ، وَنَزَّهَهُ عَنْ ذَلِكَ بَعْدَ التَّأْكِيدِ بِالقَسَمِ، وَذَلِكَ يَتَضَمَّنُ شَهَادَةَ اللهِ تعالى لِنَبِيِّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ بِالهُدَى وَالرَّشَادِ في عِلْمِهِ وَعَمَلِهِ، وَقَالِهِ وَحَالِهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ، فَهُوَ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ لَيْسَ بِضَالٍّ، بَلْ هُوَ عَلَى هُدَىً وَعِلْمٍ بِالحَقِّ، وَلَيْسَ بِغَاوٍ بَلْ هُوَ رَاشِدٌ في عِلْمِهِ وَقَصْدِهِ، لَمْ يَلْتَفِتْ لِشَيْءٍ سِوَى الهُدَى وَالحَقِّ.

فَإِنَّ الضَّالَّ هُوَ الجَاهِلُ الذي يَمْشِي عَلَى غَيْرِ عِلْمٍ، فَلَا يَهْتَدِي السَّبِيلَ، وَالغَاوِي هُوَ الذي عَلِمَ الحَقَّ فَكَتَمَهُ وَقَصَدَ غَيْرَهُ.

فَالهُدَى وَالرَّشَادُ هُمَا أَصْلُ الكَمَالِ في الإِنْسَانِ.

وَلَقَدِ امْتَنَّ اللهُ تعالى عَلَى خَلِيلِهِ إِبْرَاهِيمَ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ بِأَنَّهُ آتَاهُ رُشْدَهُ مِنْ قَبْلِ النُّبُوَّةِ، قَالَ تعالى: ﴿وَلَقَدْ آتَيْنَا إِبْرَاهِيمَ رُشْدَهُ مِنْ قَبْلُ وَكُنَّا بِهِ عَالِمِينَ﴾. فَإِذَا كَانَ الخَلِيلُ كَذَلِكَ، فَالحَبِيبُ الأَكْرَمُ أَوْلَى وَأَجْدَرُ بِذَلِكَ، فَإِنَّ اللهَ تعالى آتَاهُ رُشْدَهُ مِنْ قَبْلِ النُّبُوَّةِ، وَلِذَا نَبَّهَ اللهُ تعالى قَوْمَهُ الذينَ عَانَدُوهُ فَقَالَ لَهُمْ: ﴿مَا ضَلَّ صَاحِبُكُمْ وَمَا غَوَى﴾. أَيْ: مُحَمَّدٌ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ الذي تَرَبَّى بَيْنَكُمْ، وَنَشَأَ فِيكُمْ، فَأَنْتُمْ أَعْرَفُ بِهِ مِنْ غَيْرِكُمْ، لَمْ تَعْثُرُوا لَهُ عَلَى ضَلَالَةٍ وَلَا غِوَايَةٍ، بَلْ أُمُورُهُ كُلُّهَا سَدَادٌ وَرَشَادٌ.

فَلَيْسَ الضَّلَالُ الوَارِدُ في قَوْلِهِ تعالى: ﴿وَوَجَدَكَ ضَالَّاً فَهَدَى﴾. لَيْسَ هُوَ الضَّلَالُ عَنِ الحَقِّ، وَالمَيْلُ إلى الفَسَادِ وَالشَّرِّ، فَإِنَّهُ مَنْفِيٌّ عَنْهُ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ نَصَّاً في قَوْلِهِ تعالى: ﴿مَا ضَلَّ صَاحِبُكُمْ وَمَا غَوَى﴾. وَلِذَا قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا: لَمْ تَكُنْ لَهُ ضَلَالَةُ مَعْصِيَةٍ.

خَاتِمَةٌ ـ نَسْأَلُ اللهَ تعالى حُسْنَ الخَاتِمَةِ ـ:

أَيُّهَا الإِخْوَةُ الكِرَامُ: إِذَاً: فَقَدْ يَقُولُ القَائِلُ: فَمَا المُرَادُ بِقَوْلِهِ تعالى: ﴿وَوَجَدَكَ ضَالَّاً فَهَدَى﴾؟

قُلْنَا في الجَوَابِ: قَدْ ذَكَرَ عُلَمَاءُ السَّلَفِ وُجُوهَاً مِنَ المَعَانِي لِقَوْلِهِ تعالى: ﴿وَوَجَدَكَ ضَالَّاً فَهَدَى﴾.

الوَجْهُ الأَوَّلُ: إِنَّ مَعْنَى قَوْلِهِ تعالى: ﴿وَوَجَدَكَ ضَالَّاً فَهَدَى﴾. أَيْ: وَجَدَكَ غَيْرَ عَالِمٍ بِالنُّبُوَّةِ وَعُلُومِهَا، وَالكِتَابِ المُبِينِ وَمَا حَوَاهُ، فَهَدَاكَ لِذَلِكَ، وَعَلَّمَكَ جَمِيعَ مَا هُنَالِكَ، وَيَشْهَدُ لِهَذَا المَعْنَى قَوْلُهُ تعالى: ﴿الر تِلْكَ آيَاتُ الْكِتَابِ المُبِينِ * إِنَّا أَنْزَلْنَاهُ قُرْآنَاً عَرَبِيَّاً لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ * نَحْنُ نَقُصُّ عَلَيْكَ أَحْسَنَ الْقَصَصِ بِمَا أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ هَذَا الْقُرْآنَ وَإِنْ كُنْتَ مِنْ قَبْلِهِ لَمِنَ الغَافِلِينَ﴾.

فَلَيْسَتْ هَذِهِ الغَفْلَةُ غَفْلَةً مُطْلَقَةً، وَلَا غَفْلَةَ ضَلَالَةٍ أَو غِوَايَةٍ، وَإِنَّمَا هِيَ عَدَمُ دِرَايَةٍ بِتَفَاصِيلِ الكِتَابِ وَعُلُومِهِ، قَالَ تعالى: ﴿وَكَذَلِكَ أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ رُوحَاً مِنْ أَمْرِنَا مَا كُنْتَ تَدْرِي مَا الْكِتَابُ وَلَا الْإِيمَانُ . .﴾. الآيَةَ ـ أَيْ: مَا كُنْتَ تَدْرِي بِتَفَاصِيلِ الإِيمَانِ العَمَلِيِّ وَوَاجِبَاتِهِ، حَتَّى عَلَّمْنَاكَ يَا رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ، قَالَ تعالى: ﴿وَأَنْزَلَ اللهُ عَلَيْكَ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَعَلَّمَكَ مَا لَمْ تَكُنْ تَعْلَمُ وَكَانَ فَضْلُ اللهِ عَلَيْكَ عَظِيمَاً﴾.

اللَّهُمَّ وَفِّقْنَا لِاتِّبَاعِ سَيِّدِنَا رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ. آمين.

**    **    **

تاريخ الكلمة:

الاثنين: 21/ ربيع الأول /1441هـ، الموافق: 18/ تشرين الثاني / 2019م