160ـ زواجه صلى الله عليه وسلم بخديجة

160ـ زواجه صلى الله عليه وسلم بخديجة

مقدمة الكلمة:

الحمد لله رب العالمين، وأفضل الصلاة وأتم التسليم على سيدنا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين، أما بعد:

فَيَا أَيُّهَا الإِخْوَةُ الكِرَامُ:

حَدِيثُهُ، أَوحَدِيثٌ عَـنْهُ يُطْرِبُني   ***   هَذَا إِذَا غَابَ، أَوْ هَذَا إِذَا حَضَرَا

كِـلَاهُمَا حَـسَنٌ عِـنْدِي أُسَرُّ بِهِ   ***    لَكِنَّ أَحْلَاهُمَا مَا وَافَقَ الـــنَّظَرَا

يَقُولُ الشَّيْخُ العَلَّامَةُ المُحَدِّثُ عَبْدُ اللهِ سِرَاجُ الدِّينِ رَحِمَهُ اللهُ تعالى في كِتَابِهِ: سَيِّدُنَا مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ: زَوَاجُهُ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ بِخَدِيجَةَ بِنْتِ خُوَيْلِدِ بْنِ أَسَدٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهَا:

كَانَتِ السَّيِّدَةُ خَدِيجَةُ رَضِيَ اللهُ عَنْهَا تُدْعَى في الجَاهِلِيَّةِ وَالإِسْلَامِ الطَّاهِرَةَ لِشِدَّةِ عَفَافِهَا وَصِيَانَتِهَا، وَكَانَتْ بَرَّةً نَقِيَّةً ذَاتَ عَقْلٍ وَاسِعٍ، وَذَكَاءِ لَامِعٍ، وَجَمَالٍ وَكَمَالٍ، وَحسَبٍ وَمَالٍ، وَقَدْ عَرَضَتِ السَّيِّدَةُ خَدِيجَةُ رَضِيَ اللهُ عَنْهَا نَفْسَهَا عَلَى رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ وَلَهُ مِنَ العُمُرِ خَمْسٌ وَعِشْرُونَ سَنَةً عِنْدَ أَكْثَرِ العُلَمَاءِ، وَلَهَا مِنَ العُمُرِ أَرْبَعُونَ سَنَةً.

فَأَرْسَلَتْ إِلَيْهِ نَفِيسَةَ بِنْتَ مُنْيَةَ.

كَمَا رَوَى ابْنُ سَعْدٍ مِنْ طَرِيقِ الوَاقِدِيِّ، عَنْ نَفِيسَةَ بِنْتِ مُنْيَةَ قَالَتْ: كَانَتْ خَدِيجَةُ امْرَأَةً حَازِمَةً جَلْدَةً شَرِيفَةً، مَعَ مَا أَرَادَ اللهُ بِهَا مِنَ الكَرَامَةِ وَالخَيْرِ، وَهِيَ يَوْمَئِذٍ أَوْسَطُ قُرَيْشٍ نَسَبَاً، وَأَعْظَمُهُمْ شَرَفَاً، وَأَكْثَرُهُمْ مَالَاً، وَكُلُّ قَوْمِهَا كَانَ حَرِيصَاً عَلَى نِكَاحِهَا لَوْ قَدِرَ عَلَى ذَلِكَ، وَقَدْ طَلَبُوهَا وَبَذَلُوا لَهَا الأَمْوَالَ.

قَالَتْ نَفِيسَةُ: فَأَرْسَلَتْنِي دَسِيسَاً ـ أَيْ: خِفْيَةً ـ إِلَى مُحَمَّدٍ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ بَعْدَ أَنْ رَجَعَ في عِيرِهَا مِنَ الشَّامِ، بِالتِّجَارَاتِ الرَّابِحَةِ.

فَقُلْتُ: يَا مُحَمَّدُ، مَا يَمْنَعُكَ أَنْ تَتَزَوَّجَ؟

فَقَالَ: «مَا بِيَدِي مَا أَتَزَوَّجُ بِهِ».

قُلْتُ: فَإِنْ كُفِيتَ ذَلِكَ، وَدُعِيتَ إلى المَالِ وَالجَمَالِ وَالشَّرَفِ وَالكَفَاءَةِ أَلَا تُجِيبُ؟

قَالَ: «فَمَنْ هِيَ؟».

قُلْتُ: خَدِيجَةُ.

قَالَتْ نَفِيسَةُ: فَذَهَبْتُ فَأَخْبَرْتُ خَدِيجَةَ فَأَرْسَلَتْ إِلَيْهِ: أَنِ ائْتِ. اهـ.

وَهَكَذَا تَعْرِضُ السَّيِّدَةُ خَدِيجَةُ نَفْسَهَا عَلَى رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ بِوَاسِطَةِ نَفِيسَةَ لِتَعْلَمَ هَلْ يَرْضَى بِهَا.

فَلَمَّا عَلِمَتْ مِنْهُ الرِّضَا عَرَضَتْ نَفْسَهَا وَكَلَّمَتْهُ بِلَا وَاسِطَةٍ.

كَمَا رَوَى ابْنُ إِسْحَاقَ، أَنَّ خَدِيجَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهَا عَرَضَتْ نَفْسَهَا عَلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ فَقَالَتْ: يَا ابْنَ عَمِّ، إِنِّي رَغِبْتُ فِيكَ لِقَرَابَتِكَ وَوَسَاطَتِكَ في قَوْمِكَ، وَأَمَانَتِكَ وَحُسْنِ خُلُقِكَ، وَصِدْقِ حَدِيثِكَ.

وَسَبَبُ عَرْضِ نَفْسِهَا عَلَى رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ هُوَ مَا حَدَّثَهَا بِهِ غُلَامُهَا مَيْسَرَةُ الذي ذَهَبَ مَعَهُ في سَفَرِهِ للشَّامِ، وَمَا شَاهَدَهُ مِنَ الآيَاتِ، وَكَذَلِكَ أَيْضَاً مَا شَاهَدَتْهُ هِيَ رَضِيَ اللهُ عَنْهَا مِنَ الآيَاتِ، حِينَ أَقْبَلَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ مِنَ السَّفَرِ، وَهِيَ في غُرْفَةٍ مُشْرِفَةٍ.

خَاتِمَةٌ ـ نَسْأَلُ اللهَ تعالى حُسْنَ الخَاتِمَةِ ـ:

أَيُّهَا الإِخْوَةُ الكِرَامُ: وَأَيْضَاً مِنَ الأَسْبَابِ التي حَمَلَتْهَا عَلَى أَنْ تَعْرِضَ نَفْسَهَا: مَا ذَكَرَهُ ابْنُ إِسْحَاقَ في المُبْتَدَأِ، قَالَ: كَانَ لِنِسَاءِ قُرَيْشٍ عِيدٌ يَجْتَمِعْنَ فِيهِ، فَاجْتَمَعْنَ يَوْمَاً فِيهِ، فَجَاءَهُنَّ يَهُودِيٌّ فَقَالَ: يَا مَعْشَرَ قُرَيْشٍ، إِنَّهُ يُوشِكُ فَيَكُنْ نَبِيٌّ، فَأَيَّتُكُنَّ اسْتَطَاعَتْ أَنْ تَكُونَ فِرَاشَاً لَهُ فَلْتَفْعَلْ.

فَحَصَبْنَهُ ـ أَيْ: رَمَيْنَهُ بِالحَصْبَاءِ وَالحِجَارَةِ الصَّغِيرَةِ ـ وَأَغْلَظْنَ لَهُ بِالقَوْلِ.

وَأَغْضَتْ خَدِيجَةُ ـ أَيْ: سَكَتَتْ ـ عَلَى قَوْلِهِ، وَلَمْ تُعَرِّضْ فِيمَا عَرَّضَ فِيهِ النِّسَاءُ ـ أَيْ: لَمْ تَشْتَرِكْ مَعَ أُولَئِكَ النِّسَاءِ فِيمَا تَعَرَّضْنَ لَهُ مِنْ مُقَابَلَةِ اليَهُودِيِّ بِالإِغْلَاظِ ـ وَوَقَرَ ذَلِكَ في نَفْسِهَا، فَلَمَّا أَخْبَرَهَا مَيْسَرَةُ بِمَا رَآهُ مِنَ الآيَاتِ، وَمَا رَأَتْهُ هِيَ، قَالَتْ: إِنْ كَانَ مَا قَالَ اليَهُودِيُّ حَقَّاً فَمَا ذَاكَ ـ النَّبِيُّ ـ إِلَّا هَذَا. اهـ. انْظُرْ جَمِيعَ ذَلِكَ في المَوَاهِبِ وَشَرْحِهَا للزَّرْقَانِيِّ، وَانْظُرْ بَعْضَهُ في سِيرَةِ ابْنِ هِشَامٍ.

ثُمَّ إِنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ ذَكَرَ ذَلِكَ لِأَعْمَامِهِ، فَأَقَرُّوا لَهُ ذَلِكَ، وَرَضُوهَا زَوْجَةً لَهُ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ.

اللَّهُمَّ وَفِّقْنَا لِاتِّبَاعِ سَيِّدِنَا رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ. آمين.

**    **    **

تاريخ الكلمة:

الجمعة: 16/ ربيع الثاني /1441هـ، الموافق: 13/ كانون الأول / 2019م