15ـ الدليل على أهمية الصحبة (3)

15ـ الدليل على أهمية الصحبة (3)

مقدمة الكلمة:

الحمد لله رب العالمين، وأفضل الصلاة وأتم التسليم على سيدنا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين، أما بعد:

فَيَا أَيُّهَا الإِخْوَةُ الكِرَامُ: يَقُولُ سَيِّدِي العَارِفُ بِاللهِ تعالى، المُرْشِدُ الكَبِيرُ، سَيِّدِي وَمَوْلَايَ الشَّيْخُ عَبْدُ القَادِر عِيسَى رَحِمَهُ اللهُ تعالى، في كِتَابِهِ: حَقائِقُ عَنِ التَّصَوُّفِ:

الدَّلِيلُ عَلَى أَهَمِّيَّةِ الصُّحْبَةِ مِنَ الأَحَادِيثِ الشَّرِيفَةِ:

6ـ عَنْ حَنْظَلَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قَالَ: لَقِيَنِي أَبُو بَكْرٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ، فَقَالَ: كَيْفَ أَنْتَ يَا حَنْظَلَةُ؟ قُلْتُ: نَافَقَ حَنْظَلَةُ. قَالَ: سُبْحَانَ اللهِ، مَا تَقُولُ؟! قُلْتُ: نَكُونُ عِنْدَ رَسُولِ اللهِ ﷺ يُذَكِّرُنَا بِالجَنَّةِ وَالنَّارِ كَأَنَّا رَأْيَ عَيْنٍ، فَإِذَا خَرَجْنَا مِنْ عِنْدِ رَسُولِ اللهِ ﷺ عَافَسْنَا الأَزْوَاجَ وَالأَوْلَادَ وَالضَّيْعَاتِ نَسِينَا كَثِيرَاً. قَالَ أَبُو بَكْرٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ: "فَوَاللهِ إِنَّا لَنَلْقَى مِثْلَ هَذَا"، فَانْطَلَقْتُ أَنَا وَأَبُو بَكْرٍ حَتَّى دَخَلْنَا عَلَى رَسُولِ اللهِ ﷺ، فَقُلْتُ: نَافَقَ حَنْظَلَةُ يَا رَسُولَ اللهِ، فَقَالَ رَسُولُ اللهِ ﷺ: "وَمَا ذَاكَ؟" قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللهِ نَكُونُ عِنْدَكَ تُذَكِّرُنَا بِالنَّارِ وَالجَنَّةِ كَأَنَّا رَأْيَ العَيْنِ، فَإِذَا خَرَجْنَا مِنْ عِنْدِكَ عَافَسْنَا الأَزْوَاجَ وَالضَّيْعَاتِ، نَسِينَا كَثِيرَاً، فَقَالَ رَسُولُ اللهِ ﷺ: "وَالذي نَفْسِي بِيَدِهِ لَوْ تَدُومُونَ عَلَى مَا تَكُونُونَ عِنْدِي وَفِي الذِّكْرِ لَصَافَحَتْكُمُ الـمَلَائِكَةُ عَلَى فُرُشِكُمْ وَفِي طُرُقِكُمْ، وَلَكِنْ يَا حَنْظَلَةُ سَاعَةً وَسَاعَةً ـ ثَلَاثَ مَرَّاتٍ ـ رواه الإمام مسلم.

إِنَّ هَذِهِ الأَحَادِيثَ السَّالِفَةَ الذِّكْرِ وَكَثِيرَاً غَيْرَهَا تُبَيِّنُ بِمَجْمُوعِهَا أَهَمِّيَّةَ الصُّحْبَةِ، وَأَثَرَهَا فِي النُّفُوسِ، وَأَنَّهَا السَّبِيلُ العَمَلِيُّ للإِصْلَاحِ وَالتَّرْبِيَةِ.

وَلَا سِيَّمَا حَدِيثُ حَنْظَلَةَ الذي يُظْهِرُ بِوُضُوحٍ كَيْفَ كَانَتْ مُجَالَسَةُ رَسُولِ اللهِ ﷺ تُشِعُّ في القُلُوبِ أَنْوَارَ اليَقِينِ، وَتُزَكِّي فِي النُّفُوسِ جَذْوَةَ الإِيمَانِ،

وَتَرْتَفِعُ بِالأَرْوَاحِ إِلَى مُسْتَوَىً مَلَائِكِيٍّ أَقْدَسٍ، وَتُطَهِّرُ القُلُوبَ مِنْ أَدْرَانِ الـمَادَّةِ، وَتَسْمُو بِالإِيمَانِ إِلَى مُسْتَوَى الـمُرَاقَبَةِ وَالشُّهُودِ.

وَهَكَذَا مُجَالَسَةُ وُرَّاثِ رَسُولِ اللهِ ﷺ وَصُحْبَتُهُمْ، تُزَكِّي النُّفُوسَ، وَتَزِيدُ الإِيمَانَ، وَتُوقِظُ القُلُوبَ وَتُذَكِّرُ بِاللهِ تَعَالَى. وَالبُعْدُ عَنْهُمْ يُورِثُ الغَفْلَةَ، وَانْشِغَالَ القَلْبِ بِالدُّنْيَا، وَمَيْلَهُ إِلَى مُتَعِ الحَيَاةِ الزَّائِلَةِ.

رَحِمَ اللهُ تعالى شَيْخَنَا رَحْمَةً وَاسِعَةً، وَجَزَى اللهُ تعالى خَيْرَ الجَزَاءِ مَنْ قَالَ في حَقِّهِ:

وَعَـلَى أَبِي أَيُّـوبَ حَلَّ فَـقِيدُنَا    ***   ضَـيْـفَـاً فَـكَـانَ لَـهُ المَقَامُ الأَرْفَعُ

بِـجِوَارِ مَنْ نَزَلَ الحَبِيبُ بِدَارِهِ    ***   وَاخْتَارَهُ بِـالـفَـضْـلِ رَبٌّ مُـبْـدِعُ

وَلَهُ مِنَ الـشَّهْبَـاءِ أَصْـلٌ ثَابِتٌ   ***   وَعَلَى ذُرَا اسْتَنْبُولَ مَـثْـوَىً يَسْطَعُ

ذِكْرَاهُ إِنْ ذُكِرَتْ ذُكَاءُ فَمَشْرِقٌ    ***   وَسَنَاهُ إِنْ طَلَعَ الهِلَالُ فَـمَـطْـلِـعُ

**    **    **

تاريخ الكلمة:

الجمعة: 23/ ربيع الثاني /1441هـ، الموافق: 20/ كانون الأول / 2019م