675ـ خطبة الجمعة: حق الله تعالى على الزوجين

675ـ خطبة الجمعة: حق الله تعالى على الزوجين

مقدمة الخطبة:

الحمد لله رب العالمين، وأفضل الصلاة وأتم التسليم على سيدنا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين.

أما بعد، فَيَا عِبَادَ اللهِ: أَعْظَمُ الحُقُوقِ الزَّوْجِيَّةِ وَأَجَلُّهَا عَلَى الإِطْلَاقِ، وَأَعْظَمُ الوَاجِبَاتِ الشَّرْعِيَّةِ عَلَى الزَّوْجَيْنِ، حَقُّ اللهِ عَزَّ وَجَلَّ عَلَيْهِمَا، لِأَنَّ اللهَ تعالى خَالِقُهُمَا ﴿يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا﴾.

وَيَقُولُ اللهُ تعالى: ﴿وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُمْ مِنْ أَنْفُسِكُمْ أَزْوَاجَاً لِتَسْكُنُوا إِلَيْهَا وَجَعَلَ بَيْنَكُمْ مَوَدَّةً وَرَحْمَةً إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ﴾.

فَاللهُ تعالى خَالِقُ الزَّوْجَيْنِ، وَاللهُ جَاعِلٌ بَيْنَهُمَا المَوَدَّةَ وَالرَّحْمَةَ، وَأَذِنَ لَهُمَا بِأَنْ يَسْتَمْتِعَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا بِالآخَرِ.

فَيَا أَيُّهَا الزَّوْجَانِ: اعْلَمَا بِأَنَّ اللهَ تعالى أَوْجَبَ عَلَيْكُمَا حُقُوقَاً عَظِيمَةً، مِنْهَا أَنْ تُقِيمَا بَيْتَ الزَّوْجِيَّةِ عَلَى حُبِّ اللهِ تعالى وَحُبِّ رَسُولِهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ، وَعَلَى الحِرْصِ عَلَى رِضَاهُ، وَخَشْيَتِهِ وَتَقْوَاهُ، وَعَلَى العُبُودِيَّةِ وَالتَّمَسُّكِ بِالكِتَابِ وَالسُّنَّةِ، وَالأَمْرِ بِالمَعْرُوفِ وَالنَّهْيِ عَنِ المُنْكَرِ، وَالتَّذْكِيرِ بِالصَّلَاةِ وَالصِّيَامِ وَالزَّكَاةِ؛ فَبَيَّضَ اللهُ وَجْهَ الزَّوْجَيْنِ عِنْدَمَا يَجْعَلَانِ البَيْتَ كَمَا أَمَرَ اللهُ تعالى.

فَكَمْ مِنْ زَوْجَيْنِ جَعَلَا بَيْتَهُمَا كَمَا يُحِبُّ اللهُ تعالى وَيَرْضَاهُ، فَالْتَزَمَا حُدُودَ اللهِ تعالى، وَخَشَعَ قَلْبُهُمَا للهِ تعالى، وَنِعْمَ الزَّوْجَانِ اللَّذَانِ الْتَزَمَا قَوْلَهُ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ: «رَحِمَ اللهُ رَجُلَاً قَامَ مِنَ اللَّيْلِ فَصَلَّى، وَأَيْقَظَ امْرَأَتَهُ، فَإِنْ أَبَتْ، نَضَحَ فِي وَجْهِهَا الْمَاءَ، رَحِمَ اللهُ امْرَأَةً قَامَتْ مِنَ اللَّيْلِ فَصَلَّتْ، وَأَيْقَظَتْ زَوْجَهَا، فَإِنْ أَبَى، نَضَحَتْ فِي وَجْهِهِ الْمَاءَ» رواه أبو داود عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ.

﴿وَأْمُرْ أَهْلَكَ بِالصَّلَاةِ وَاصْطَبِرْ عَلَيْهَا﴾:

يَا عِبَادَ اللهِ: لَقَدْ أَمَرَنَا اللهُ عَزَّ وَجَلَّ بِقَوْلِهِ: ﴿وَأْمُرْ أَهْلَكَ بِالصَّلَاةِ وَاصْطَبِرْ عَلَيْهَا لَا نَسْأَلُكَ رِزْقَاً نَحْنُ نَرْزُقُكَ وَالْعَاقِبَةُ لِلتَّقْوَى﴾. وَلَا أَحَدَ يَأْمُرُ أَهْلَهُ بِطَاعَةِ اللهِ تعالى وَبِإِقَامَةِ الصَّلَاةِ إِلَّا كَفَاهُ اللهُ تعالى رِزْقَهُ، لِأَنَّ اللهَ تعالى يَقُولُ: ﴿لَا نَسْأَلُكَ رِزْقَاً نَحْنُ نَرْزُقُكَ وَالْعَاقِبَةُ لِلتَّقْوَى﴾. فَمَنْ حَفِظَ حَقَّ اللهِ تعالى في أَهْلِهِ رَزَقَهُ اللهُ تعالى مِنْ حَيْثُ يَحْتَسِبُ وَمِنْ حَيْثُ لَا يَحْتَسِبُ.

يَا عِبَادَ اللهِ: مَا مِنْ عَبْدٍ حَفِظَ حَقَّ اللهِ تعالى في أَهْلِهِ إِلَّا وَفَّقَهُ اللهُ تعالى، وَلَنْ يُسِيئَهُ في أَهْلِهِ وَزَوْجِهِ، لِأَنَّ مَنْ وَفَّى اللهَ تعالى وَفَّى اللهُ تعالى لَهُ ﴿وَأَوْفُوا بِعَهْدِي أُوفِ بِعَهْدِكُمْ وَإِيَّايَ فَارْهَبُونِ﴾.

لِهَذَا قَالَ تعالى في حَقِّ سَيِّدِنَا إِسْمَاعِيلَ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ: ﴿وَاذْكُرْ فِي الْكِتَابِ إِسْمَاعِيلَ إِنَّهُ كَانَ صَادِقَ الْوَعْدِ وَكَانَ رَسُولَاً نَبِيَّاً * وَكَانَ يَأْمُرُ أَهْلَهُ بِالصَّلَاةِ وَالزَّكَاةِ وَكَانَ عِنْدَ رَبِّهِ مَرْضِيَّاً﴾.

إِذَا أَرَدْتَ أَنْ تَكُونَ مَرْضِيَّاً عِنْدَ اللهِ تعالى فَالْتَزِمْ مَا أَمَرَكَ اللهُ تعالى بِهِ.

وَلِهَذَا قَالُوا: مِنْ دَلَائِلِ رِضْوَانِ اللهِ تعالى عَنِ العَبْدِ تَوْفِيقُهُ لَهُ بِالأَمْرِ بِالمَعْرُوفِ وَالنَّهْيِ عَنِ المُنْكَرِ في بَيْتِ أَهْلِهِ؛ وَلَا شَكَّ إِذَا اسْتَقَامَ البَيْتُ اسْتَقَامَتِ الأُمَّة.

يَا عِبَادَ اللهِ: اللهَ اللهَ في بُيُوتِنَا، وَلْيَكُنْ أَوَّلَ مَا نَجْعَلَهُ نَصْبَ أَعْيُنِنَا نَحْنُ وَنِسَاؤُنَا إِرْضَاءُ اللهِ تعالى، وَوَاللهِ الذي لَا إِلَهَ غَيْرُهُ، مَا دَخَلَ زَوْجَانِ عَلَى بَعْضِهِمَا وَفي نِيَّتِهِمَا إِقَامَةُ حُدُودِ اللهِ تعالى، وَامْتِثَالُ أَمْرِ اللهِ تعالى وَأَمْرِ رَسُولِهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ، إِلَّا أَمْتَعَهُمَا اللهُ تعالى، وَجَعَلَ ذَاكَ البَيْتَ خَيْرَ البُيُوتِ.

وَوَاللهِ الذي لَا إِلَهَ غَيْرُهُ، مَا تَنَكَّدَ عَيْشُ الزَّوْجَيْنِ، وَلَا تَنَغَّصَتْ حَيَاتُهُمَا، وَلَا تَنَكَّدَتِ العِشْرَةُ الزَّوْجِيَّةُ بَيْنَهُمَا، إِلَّا بِسَبَبِ عِصْيَانِ اللهِ تعالى وَالتَّمَرُّدِ عَلَى أَوَامِرِ اللهِ تعالى وَأَوَامِرِ سَيِّدِنَا رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ.

﴿يَوْمَ يَفِرُّ الْمَرْءُ مِنْ أَخِيهِ * وَأُمِّهِ وَأَبِيهِ * وَصَاحِبَتِهِ وَبَنِيهِ﴾:

يَا عِبَادَ اللهِ: اللهَ اللهَ في بُيُوتِنَا، وَلْنَعْلَمْ جَمِيعَاً أَنَّهُ لَا يَجُوزُ السُّكُوتُ عَنِ المُنْكَرِ إِذَا رَأَيْنَاهُ في بُيُوتِنَا، وَلَا يَجُوزُ السُّكُوتُ عَنِ الأَمْرِ بِالمَعْرُوفِ، فَمَنْ سَكَتَ وَلَمْ يَأْمُرْ وَلَمْ يَنْهَ، فَسَوْفَ يَنْدَمُ يَوْمَ القِيَامَةِ، وَسَوْفَ يَفِرُّ أَمَامَ زَوْجَتِهِ وَبَنِيهِ ﴿يَوْمَ يَفِرُّ الْمَرْءُ مِنْ أَخِيهِ * وَأُمِّهِ وَأَبِيهِ * وَصَاحِبَتِهِ وَبَنِيهِ﴾

مَا أَنْتَ قَائِلٌ للهِ عَزَّ وَجَلَّ يَا أَيُّهَا الزَّوْجُ، إِذَا جِئْتَ يَوْمَ القِيَامَةِ وَزَوْجَتُكَ تَعَلَّقَتْ بِكَ وَقَالَتْ: رَبَّاهُ مَوْلَايَ سَيِّدِي، سَلْهُ، لِمَ لَمْ يَأْمُرْنِي بِالصَّلَاةِ وَالصِّيَامِ؟  لِمَ لَمْ يَأْمُرْنِي بِالحِجَابِ؟ لِمَ لَمْ يَأْمُرْنِي بِعَدَمِ الاخْتِلَاطِ؟ لِمَ لَمْ يَأْمُرْنِي بِالمَعْرُوفِ وَيَنْهَانِي عَنِ المُنْكَرِ؟ لِمَاذَا لَمْ يُرَهِّبْنِي مِنْ مَعَاصِيكَ؟ فَاللهَ اللهَ في نِسَائِنَا، فَهُنَّ أَمَانَةٌ في أَعْنَاقِنَا، وَسَنُسْأَلُ عَنْهُنَّ يَوْمَ القِيَامَةِ.

خَاتِمَةٌ ـ نَسْأَلُ اللهَ تعالى حُسْنَ الخَاتِمَةَ ـ:

يَا عِبَادَ اللهِ: مِنْ حَقِّ اللهِ تعالى عَلَى الزَّوْجَيْنِ اللَّذَيْنِ خَلَقَهُمَا اللهُ تعالى وَجَعَلَ بَيْنَهُمَا المَوَدَّةَ وَالرَّحْمَةَ، أَنْ يَفْعَلَا مَا أُمِرَا بِهِ، وَمِنْ حَقِّ اللهِ تعالى عَلَيْهِمَا أَنْ لَا يَرَاهُمَا حَيْثُ نَهَاهُمَا، مِنْ حَقِّ اللهِ تعالى عَلَيْهِمَا أَنْ يُصَلِّيَا وَيَصُومَا، وَيَأْمُرَانِ بِالمَعْرُوفِ وَيَنْهَيَانِ عَنِ المُنْكَرِ، مِنْ حَقِّ اللهِ تعالى عَلَيْهِمَا أَنْ لَا يَرَى في بُيُوتِهَمَا المُنْكَرَاتِ وَالمُخَالَفَاتِ الشَّرْعِيَّةِ.

أَيُّهَا الأَزْوَاجُ: إِنَّ حَقَّ اللهِ تعالى عَلَيْنَا عَظِيمٌ وَكَبِيرٌ جِدَّاً، لِنَتَسَاءَلْ مَعَ أَنْفُسِنَا: مَنْ خَلَقَنَا فَسَوَّانَا فَعَدَلَنَا في أَيِّ صُورَةٍ مَا شَاءَ رَكَّبَنَا؟

مَنِ الذي جَعَلَ الرَّحْمَةَ وَالمَوَدَّةَ بَيْنَنَا وَبَيْنَ أَزْوَاجِنَا؟

مَنِ الذي نَرْجُوهُ إِنْ حُرِمْنَا نِعْمَةَ الوَلَدِ؟ وَمَنِ الذي نَرْجُوهُ إِذَا حُرِمْنَا نِعْمَةَ السَّعَادَةِ؟ وَمَنِ الذي بِيَدِهِ أَمْرُنَا؟

أَسْأَلُ اللهَ تعالى أَنْ يُوَفِّقَنَا لِأَدَاءِ حَقِّهِ عَلَيْنَا نَحْنُ وَأَزْوَاجُنَا وَأَبْنَاؤُنَا. آمين.

أقول هذا القول، وأستغفر الله لي ولكم، فاستغفروه إنه هو الغفور الرحيم.

**    **    **

تاريخ الخطبة:

الجمعة: 6/ صفر /1441هـ، الموافق: 4/ تشرين الأول / 2019م