13ـ أنواع المطهرات (2)

13ـ أنواع المطهرات (2)

مقدمة الكلمة:

الحمد لله رب العالمين، وأفضل الصلاة وأتم التسليم على سيدنا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين.

أما بعد، فَيَا أَيُّهَا الإِخْوَةُ الكِرَامُ: ذَكَرْنَا في الدَّرْسِ المَاضِي بَعْضَ أَنْوَاعِ المُطَهَّرَاتِ، مِنْهَا الدَّلْكُ بِهِ يَطْهُرُ الخُفُّ إِذَا كَانَتِ النَّجَاسَةُ ذَاتَ جِرْمٍ، وَمِنْهَا المَسْحُ لِكُلِّ جِسْمٍ صَقِيلٍ كَالسَّيْفِ وَالمِرْآةِ، وَمِنْهَا التَّكْرَارُ، وَمِنْهَا الجَفَافُ، وَمِنْهَا الفَرْكُ.

سادساً: التَّقْوِيرُ:

التَّقْوِيرُ يُطَهِّرُ الجَامِدَاتِ، وَذَلِكَ بِعَزْلِ الجُزْءِ المُتَنَجِّسِ عَنْ غَيْرِهِ، كَأَنْ وَقَعَتْ فَأْرَةٌ في سَمْنٍ أَو دُبْسٍ جَامٍدٍ وَنَحْوِهِمَا، فَتُطْرَحُ النَّجَاسَةُ هِيَ وَمَا حَوْلَهَا خَاصَّةً، وَذَلِكَ لِمَا رَوى الإمام البخاري عَنْ مَيْمُونَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهَا، أَنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ سُئِلَ عَنْ فَأْرَةٍ سَقَطَتْ فِي سَمْنٍ، فَقَالَ: «أَلْقُوهَا وَمَا حَوْلَهَا فَاطْرَحُوهُ، وَكُلُوا سَمْنَكُمْ».

أَمَّا إِذَا وَقَعَتِ النَجَاسَةُ في مَائِعٍ كَالسَّمْنِ وَالزَيْتِ المَائِعِ، فَلَا يَطْهُرُ عِنْدَ جُمْهُورِ الفُقَهَاءِ، بَلْ يُرَاقُ، لِمَا روى أبو داود عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ: «إِذَا وَقَعَتِ الْفَأْرَةُ فِي السَّمْنِ فَإِنْ كَانَ جَامِدَاً فَأَلْقُوهَا وَمَا حَوْلَهَا، وَإِنْ كَانَ مَائِعَاً فَلَا تَقْرَبُوهُ». وَفِي رِوَايَةٍ: «وَإِنْ كَانَ مَائِعَاً فَأَرِيقُوهُ».

وَلَكِنْ يَطْهُرُ عِنْدَ الحَنَفِيَّةِ وَذَلِكَ بِصَبِّ المَاءِ عَلَيْهِ بِمِقْدَارِهِ، فَيَعْلُو الدُّهْنُ المَاءَ، ثُمَّ يُرْفَعُ المَاءُ بِوَاسِطَةٍ. يُكَرَّرُ ذَلِكَ ثَلَاثَ مَرَّاتٍ.

قَالَ ابْنُ عَابِدِينَ رَحِمَهُ اللهُ تعالى: وَهَذَا عِنْدَ أَبِي يُوسُفَ، وَهُوَ أَوْسَعُ، وَعَلَيْهِ الفَتْوَى.

وَعِنْدَ الحَنَابِلَةِ يُجْعَلُ في مَاءٍ كَثِيرٍ يُخَاضُ فِيهِ، حَتَّى يُصِيبَ المَاءُ جَمِيعَ أَجْزَائِهِ، ثُمَّ يُتْرَكَ، حَتَّى يَعْلُوَ عَلَى المَاءِ فَيُؤْخَذَ.

سابعاً: اسْتِحَالَةُ العَيْنِ النَّجِسَةِ يُطَهِّرُهَا:

اتَّفَقَ الفُقَهَاءُ عَلَى طَهَارَةِ الخَمْرِ إِذَا انْقَلَبَتِ الخَمْرُ خَلَّاً.

وَقَالَ الشَّافِعِيَّةُ تَطْهُرُ الخَمْرُ إِذَا تَخَلَّلَتْ بِنَفْسِهَا، أَو بِنَقْلِهَا مِنَ الشَّمْسِ إلى الظِّلِّ، أَمَّا لَو خُلِّلَتْ بِطَرْحِ شَيْءٍ فِيهَا لَمْ تَطْهُرْ، لِأَنَّ مَا طُرِحَ فِيهَا يَتَنَجَسُ بَعْدَ انْقِلَابِهَا خَلَّاً.

وَاخْتَلَفَ الفُقَهَاءُ فِيمَا عَدَا الخَمْرِ مِنْ نَجِسِ العَيْنِ هَلْ يَطْهُرُ بِالاسْتِحَالَةِ أَمْ لَا؟

ذَهَبَ الشَّافِعِيَّةُ إلى أَنَّهُ لَا يَطْهُرُ نَجِسُ العَيْنِ بِالاسْتِحَالَةِ، لِأَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ نَهَى عَنْ أَكْلِ الجَلَّالَةِ وَأَلْبَانِهَا. رواه أبو داود عَنِ ابْنِ عُمَرَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا.

وَذَلِكَ لِأَكْلِهَا النَّجَاسَةَ، وَلَو طَهُرَتْ بِالاسْتِحَالَةِ لَمْ يَنْهَ عَنْهُ.

وَذَهَبَ الحَنَفِيَّةُ إلى أَنَّ نَجِسَ العَيْنِ يَطْهُرُ بِالاسْتِحَالَةِ، كَالمَيْتِ إِذَا صَارَتْ مِلْحَاً، وَالرَّوْثِ إِذَا صَارَ رَمَادَاً.

ثامناً: الدِّبَاغَةُ:

ذَهَبَ الحَنَفِيَّةُ وَالشَّافِعِيَّةُ إلى أَنَّ جِلْدَ المَيْتَةِ بِصِفَةٍ عَامَّةٍ يَطْهُرُ بِالدِّبَاغِ، للأَحَادِيثِ الصَّحِيحَةِ، روى الترمذي عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ: «أَيُّمَا إِهَابٍ دُبِغَ فَقَدْ طَهُرَ».

وَلَمْ يَشْتَرِطِ الحَنَفِيَّةُ لِطَهَارَةِ المَدْبُوغِ تَطْهِيرُهُ بِالمَاءِ بَعْدَ الدِّبَاغَةِ، وَلَكِنَّ الشَّافِعِيَّةَ قَالُوا: لَا يَطْهُرُ الجِلْدُ المَدْبُوغُ حَتَّى يُغْسَلَ بِالمَاءِ.

تاسعاً: قِسْمَةُ المِثْلِيِّ:

كَالحِنْطَةِ وَالشَّعِيرِ إِذَا أَصَابَتِ النَّجَاسَةُ شَيْئَاً مِنْهَا، فَقُسِّمَتْ وَوُزِّعَتْ بَيْنَ الشُّرَكَاءِ أَو المُشْتَرِينَ، حَكَمَ كُلُّ وَاحِدٍ بِطَهَارَةِ مَا مَعَهُ.

عاشراً: النَّارُ:

النَّارُ تُطَهِّرُ النَّجَاسَةَ إِذَا زَالَ أَثَرُهَا، أَو اسْتَحَالَتْ بِهَا، كَمَا إِذَا تَحَوَّلَتْ العَذِرَةُ إلى رَمَادٍ، أَو أُحْرِقَ مَوْضِعُ الدَّمِ مِنْ رَأْسِ الشَّاةِ، وَهَذَا عِنْدَ الحَنَفِيَّةِ، وَعِنْدَ غَيْرِهِمْ النَّارُ غَيْرُ مُطَهِّرَةٍ للنَّجَاسَةِ. هذا، والله تعالى أعلم.

أَسْأَلُ اللهَ تعالى أَنْ يُفَقِّهَنَا في دِينِنَا. آمين.

**    **    **

تاريخ الكلمة:

الاثنين: 30/ صفر الخير /1441هـ، الموافق: 28/تشرين الأول / 2019م