2ـ وُقُوتُ الصَّلَاةِ (2)

2ـ وُقُوتُ الصَّلَاةِ (2)

الحَدِيثُ الخَامِسُ

قَالَ يَحْيَى بْنُ يَحْيَى اللَّيْثِيُّ: حَدَّثَنِي مَالِكٌ، عَنْ زَيْدِ بْنِ أَسْلَمَ، عَنْ عَطَاءِ بْنِ يَسَارٍ وَعَنْ بُسْرِ بْنِ سَعِيدٍ وَعَنِ الْأَعْرَجِ، كُلُّهُمْ يُحَدِّثُهُ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ، أَنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «مَنْ أَدْرَكَ رَكْعَةً مِنَ الصُّبْحِ، قَبْلَ أَنْ تَطْلُعَ الشَّمْسُ فَقَدْ أَدْرَكَ الصُّبْحَ، وَمَنْ أَدْرَكَ رَكْعَةً مِنَ الْـعَصْرِ قَبْلَ أَنْ تَغْرُبَ الشَّمْسُ فَقَدْ أَدْرَكَ الْعَصْرَ».

الشَّرْحُ:

قَوْلُهُ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ: «فَقَدْ أَدْرَكَ الصُّبْحَ» أَيْ: أَدْرَكَ الوَقْتَ، فَإِذَا صَلَّى رَكْعَةً أُخْرَى فَقَدْ كَمُلَتْ صَلَاتُهُ.

وَيَقُولُ الإِمَامُ النَّوَوِيُّ رَحِمَهُ اللهُ تعالى: هَذَا دَلِيلٌ صَرِيحٌ في أَنَّ مَنْ صَلَّى رَكْعَةً مِنَ الصُّبْحِ أَو الـعَصْرِ، ثُمَّ خَرَجَ الوَقْتُ قَبْلَ سَلَامِهِ لَا تَبْطُلُ صَلَاتُهُ، بَلْ يُتِمُّهَا وَهِيَ صَحِيحَةٌ، وَهَذَا مُجْمَعٌ عَلَيْهِ في الـعَصْرِ، وَفي صَلَاةِ الصُّبْحِ فِيهِ خِلَافٌ.

وَيُؤَكِّدُ صِحَّةَ صَلَاةِ العَصْرِ مَا رواه الإمام البخاري عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ: «إِذَا أَدْرَكَ أَحَدُكُمْ سَجْدَةً مِنْ صَلَاةِ العَصْرِ، قَبْلَ أَنْ تَغْرُبَ الشَّمْسُ، فَلْيُتِمَّ صَلَاتَهُ، وَإِذَا أَدْرَكَ سَجْدَةً مِنْ صَلَاةِ الصُّبْحِ، قَبْلَ أَنْ تَطْلُعَ الشَّمْسُ، فَلْيُتِمَّ صَلَاتَهُ».

يُسْتَفَادُ مِنَ الحَدِيثِ الشَّرِيفِ:

وَقْتُ صَلَاةِ العَصْرِ يَخْرُجُ بِغُرُوبِ الشَّمْسِ، وَيَبْدَأُ بِغُرُوبِهَا وَقْتُ المَغْرِبِ، وَلَكِنْ أَجْمَعَ الفُقَهَاءُ عَلَى أَنَّ مَنْ أَدْرَكَ رَكْعَةً مِنْ صَلَاةِ العَصْرِ قَبْلَ أَنْ تَغْرُبَ الشَّمْسُ فَقَدْ أَدْرَكَهَا، سَوَاءٌ أَخَّرَهَا لِعُذْرٍ، أَو لِغَيْرِ عُذْرٍ، اسْتِنَاداً لِهَذَا الحَدِيثِ الشَّرِيفِ الذي رواه الإِمَامُ مَالِكٌ رَحِمَهُ اللهُ تعالى.

وَيُؤَكِّدُ هَذَا قَوْلُهُ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ: «مَنْ أَدْرَكَ رَكْعَةً مِنَ الصَّلَاةِ، فَقَدْ أَدْرَكَ الصَّلَاةَ» رواه الإمام البخاري عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ.

فَعِنْدَ جُمْهُورِ الفُقَهَاءِ: مَنْ صَلَّى رَكْعَةً في الوَقْتِ ثُمَّ خَرَجَ الوَقْتُ يَكُونُ مُؤَدِّياً للجَمِيعِ، روى النسائي عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «إِذَا أَدْرَكَ أَحَدُكُمْ أَوَّلَ سَجْدَةٍ مِنْ صَلَاةِ الْعَصْرِ قَبْلَ أَنْ تَغْرُبَ الشَّمْسُ فَلْيُتِمَّ صَلَاتَهُ، وَإِذَا أَدْرَكَ أَوَّلَ سَجْدَةٍ مِنْ صَلَاةِ الصُّبْحِ قَبْلَ أَنْ تَطْلُعَ الشَّمْسُ فَلْيُتِمَّ صَلَاتَهُ».

وفي رِوَايَةٍ للإمام أحمد: «فَقَدْ أَدْرَكَ».

وَاسْتَثْنَى الحَنَفِيَّةُ مِنْ ذَلِكَ صَلَاةَ الصُّبْحِ وَحْدَهَا، فَإِنَّهَا لَا تُدْرَكُ إِلَّا بِأَدَائِهَا قَبْلَ طُلُوعِ الشَّمْسِ، وَعَلَّلُوا ذَلِكَ بِطُرُوءِ الوَقْتِ النَّاقِصِ عَلَى الوَقْتِ الكَامِلِ، وَلِذَا عَدُّوا ذَلِكَ مِنْ مُبْطِلَاتِ الصَّلَاةِ.

الحَدِيثُ السَّادِسُ

قَالَ يَحْيَى بْنُ يَحْيَى اللَّيْثِيُّ: حَدَّثَنِي مَالِكٌ، عَنْ نَافِعٍ، مَوْلَى عَبْدِ اللهِ بْنِ عُمَرَ، أَنَّ عُمَرَ بْنَ الَخْطَّابِ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ كَتَبَ إِلَى عُمَّالِهِ: إِنَّ أَهَمَّ أَمْرِكُمْ عِنْدِي الصَّلَاةُ، مَنْ حَفِظَهَا وَحَافَظَ عَلَيْهَا، حَفِظَ دِينَهُ، وَمَنْ ضَيَّعَهَا، فَهُوَ لِمَا سِوَاهَا أَضْيَعُ.

ثُمَّ كَتَبَ: أَنْ صَلُّوا الظُّهْرَ إِذَا كَانَ الْفَيْءُ ذِرَاعاً، إِلَى أَنْ يَكُونَ ظِلُّ أَحَدِكُمْ مِثْلَهُ.

وَالْعَصْرَ وَالشَّمْسُ مُرْتَفِعَةٌ بَيْضَاءُ نَقِيَّةٌ، قَدْرَ مَا يَسِيرُ الرَّاكِبُ فَرْسَخَيْنِ أَوْ ثَلَاثَةً قَبْلَ غُرُوبِ الشَّمْسِ.

وَالْمَغْرِبَ إِذَا غَرَبَتِ الشَّمْسُ.

وَالْعِشَاءَ إِذَا غَابَ الشَّفَقُ إِلَى ثُلُثِ اللَّيْلِ، فَمَنْ نَامَ فَلَا نَامَتْ عَيْنُهُ، فَمَنْ نَامَ فَلَا نَامَتْ عَيْنُهُ، فَمَنْ نَامَ فَلَا نَامَتْ عَيْنُهُ.

وَالصُّبْحَ وَالنُّجُومُ بَادِيَةٌ مُشْتَبِكَةٌ.

الشَّرْحُ:

قَوْلُهُ: (إِنَّ أَهَمَّ أَمْرِكُمْ عِنْدِي الصَّلَاةُ) يَعْنِي المَفْرُوضَةَ، فَالصَّلَاةُ لَهَا مَزِيَّةٌ خَاصَّةٌ عِنْدَ سَيِّدِنَا عُمَرَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ، وَذَلِكَ لِمَا وَرَدَ فِيهَا، كَقَوْلِهِ تعالى: ﴿حَافِظُوا عَلَى الصَّلَوَاتِ وَالصَّلَاةِ الْوُسْطَى وَقُومُوا للهِ قَانِتِينَ﴾ [البقرة: 238] وَكَقَوْلِهِ تعالى: ﴿فَخَلَفَ مِنْ بَعْدِهِمْ خَلْفٌ أَضَاعُوا الصَّلَاةَ وَاتَّبَعُوا الشَّهَوَاتِ فَسَوْفَ يَلْقَوْنَ غَيّاً﴾ [مريم: 59].

وَكَقَوْلِهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ: «العَهْدُ الَّذِي بَيْنَنَا وَبَيْنَهُمُ الصَّلَاةُ، فَمَنْ تَرَكَهَا فَقَدْ كَفَرَ» رواه الترمذي عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ بُرَيْدَةَ، عَنْ أَبِيهِ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ.

وَكَقَوْلِهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ: «بَيْنَنَا وَبَيْنَهُمْ تَرْكُ الصَّلَاةِ، فَمَنْ تَرَكَهَا فَقَدْ كَفَرَ» رواه الإمام أحمد عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ بُرَيْدَةَ، عَنْ أَبِيهِ.

وَكَقَوْلِهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ: «مَنْ تَرَكَ الصَّلَاةَ مُتَعَمِّداً فَقَدْ كَفَرَ جِهَاراً» رواه الطَّبَرَانِيُّ في الأَوْسَطِ عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ.

قَوْلُهُ: (فَمَنْ حَفِظَهَا) أَيْ: عَلِمَ مَا لَا تَتِمُّ إِلَّا بِهِ، مِنْ وُضُوئِهَا وَأَوْقَاتِهَا، وَمَا تَتَوَقَّفُ عَلَيْهِ صِحَّتُهَا وَتَمَامُهَا.

قَوْلُهُ: (وَحَافَظَ عَلَيْهَا) أَيْ: سَارَ إلى فِعْلِهَا في وَقْتِهَا.

قَوْلُهُ: (حَفِظَ دِينَهُ) يَعْنِي الْتَزَمَ دِينَهُ كُلَّهُ.

قَوْلُهُ: (فَهُوَ لِمَا سِوَاهَا أَضْيَعُ) يَعْنِي مَنْ ضَيَّعَ صَلَاتَهُ، ضَيَّعَ دِينَهُ، وَيُؤَكِّدُ هَذَا المَعْنَى مَا رواه البيهقي عَنْ عُمَرَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قَالَ: جَاءَ رَجُلٌ، فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللهِ، أَيُّ شَيْءٍ أَحَبُّ عِنْدَ اللهِ فِي الْإِسْلَامِ؟

قَالَ: «الصَّلَاةُ لِوَقْتِهَا، وَمَنْ تَرَكَ الصَّلَاةَ فَلَا دِينَ لَهُ، وَالصَّلَاةُ عِمَادُ الدِّينِ».

وروى الإمام البخاري عَنِ الزُّهْرِيَّ يَقُولُ: دَخَلْتُ عَلَى أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ بِدِمَشْقَ وَهُوَ يَبْكِي، فَقُلْتُ: مَا يُبْكِيكَ؟

فَقَالَ: «لَا أَعْرِفُ شَيْئاً مِمَّا أَدْرَكْتُ إِلَّا هَذِهِ الصَّلَاةَ، وَهَذِهِ الصَّلَاةُ قَدْ ضُيِّعَتْ».

وَروى الطَّبَرَانِيُّ فِي الْأَوْسَطِ عَنْ أَنَسٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «ثَلَاثٌ مَنْ حَفِظَهُنَّ فَهُوَ وَلِيٌّ حَقَّاً، وَمَنْ ضَيَّعَهُنَّ فَهُوَ عَدُوٌّ حَقّاً: الصَّلَاةُ، وَالصِّيَامُ، وَالْجَنَابَةُ».

وَالمُرَادُ بِكَوْنِ المُضَيِّعِ عَدُوَّ اللهِ، أَنَّهُ يُعَاقِبُهُ وَيُذِلُّهُ وَيُهِينُهُ إِنْ لَمْ يُدْرِكْهُ العَفْوُ، فَإِنْ ضَيَّعَ ذَلِكَ جَاحِداً فَهُوَ كَافِرٌ، فَتَكُونُ العَدَاوَةُ عَلَى بَابِهَا.

قَوْلُهُ: (أَنْ صَلُّوا الظُّهْرَ إِذَا كَانَ الْفَيْءُ ذِرَاعاً) يَعْنِي صَلُّوا الظُّهْرَ بَعْدَ زَوَالِ الشَّمْسِ، وَهُوَ مَيْلُهَا إلى جِهَةِ الغَرْبِ، وَهَذَا يُفِيدُ تَعْجِيلَ صَلَاةِ الظُّهْرِ، لِمَا صَحَّ أَنَّهُ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ كَانَ يُصَلِّي الظُّهْرَ بِالهَاجِرَةِ ـ وَهِيَ شِدَّةُ الحَرِّ في نِصْفِ النَّهَارِ ـ.

روى أبو داود عَنْ زَيْدِ بْنِ ثَابِتٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قَالَ: كَانَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ يُصَلِّي الظُّهْرَ بِالْهَاجِرَةِ، وَلَمْ يَكُنْ يُصَلِّي صَلَاةً أَشَدَّ عَلَى أَصْحَابِ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ مِنْهَا، فَنَزَلَتْ: ﴿حَافِظُوا عَلَى الصَّلَوَاتِ وَالصَّلَاةِ الْوُسْطَى﴾ [البقرة: 238]. وَقَالَ: «إِنَّ قَبْلَهَا صَلَاتَيْنِ، وَبَعْدَهَا صَلَاتَيْنِ».

وَلَكِنْ يُسْتَحَبُّ الإِبْرَادُ في صَلَاةِ الظُّهْرِ في شِدَّةِ الحَرِّ صَيْفاً في البِلَادِ الحَارَّةِ لِمُرِيدِ الجَمَاعَةِ في المَسْجِدِ بِاتِّفَاقٍ، لِقَوْلِهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ: «أَبْرِدُوا بِالصَّلَاةِ، فَإِنَّ شِدَّةَ الحَرِّ مِنْ فَيْحِ جَهَنَّمَ» رواه الإمام البخاري عَنْ أَبِي سَعِيدٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ.

قَوْلُهُ: (إِلَى أَنْ يَكُونَ ظِلُّ أَحَدِكُمْ مِثْلَهُ) وَهُوَ آخِرُ وَقْتِ الظُّهْرِ.

قَوْلُهُ: (وَالْعَصْرَ وَالشَّمْسُ مُرْتَفِعَةٌ، بَيْضَاءُ نَقِيَّةٌ) يَعْنِي: وَصَلُّوا العَصْرَ وَالشَّمْسُ نَقِيَّةٌ مَا شَابَ بَيَاضَهَا صُفْرَةٌ، يَعْنِي: مَا تَغَيَّرَ لَوْنُهَا وَلَا حَرُّهَا.

قَوْلُهُ: (قَدْرَ مَا يَسِيرُ الرَّاكِبُ فَرْسَخَيْنِ أَوْ ثَلَاثَةً، قَبْلَ غُرُوبِ الشَّمْسِ) مُرَادُهُ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ أَنْ يُوقِعُوا الصَّلَاةَ قَبْلَ الاصْفِرَارِ.

قَوْلُهُ: (وَالْمَغْرِبَ إِذَا غَرَبَتِ الشَّمْسُ) أَيْ: صَلُّوا المَغْرِبَ بَعْدَ غرُوبِ الشَّمْسِ مُبَاشَرَةً، مُبَادِرِينَ بِهَا، وَذَلِكَ لِضِيقِ وَقْتِهَا.

قَوْلُهُ: (وَالْعِشَاءَ إِذَا غَابَ الشَّفَقُ، إِلَى ثُلُثِ اللَّيْلِ) يَعْنِي: صَلُّوا العِشَاءَ بِغِيَابِ الشَّفَقِ الأَحْمَرِ بَعْدَ غُرُوبِ الشَّمْسِ، إلى ثُلُثِ اللَّيْلِ، وَهُوَ مَحْسُوبٌ مِنْ غُرُوبِ الشَّمْسِ.

قَوْلُهُ: (فَمَنْ نَامَ فَلَا نَامَتْ عَيْنُهُ، فَمَنْ نَامَ فَلَا نَامَتْ عَيْنُهُ، فَمَنْ نَامَ فَلَا نَامَتْ عَيْنُهُ) دُعَاءٌ عَلَيْهِ بِعَدَمِ الرَّاحَةِ، ذَكَرَهَا ثَلَاثَ مَرَّاتٍ زِيَادَةً في التَّنْفِيرِ عَنِ النَّوْمِ قَبْلَ العِشَاءِ.

لِأَنَّ النَّوْمَ قَبْلَ العِشَاءِ يُكْرَهُ، روى الإمام البخاري عَنْ أَبِي بَرْزَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ، أَنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ كَانَ يَكْرَهُ النَّوْمَ قَبْلَ العِشَاءِ وَالحَدِيثَ بَعْدَهَا.

وروى ابْنُ أَبِي شَيْبَةَ عَنْ مُجَاهِدٍ، أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «مَنْ نَامَ عَنْهَا فَلَا نَامَتْ عَيْنُهُ» يَعْنِي الْعِشَاءَ.

فَيُكْرَهُ النَّوْمُ قَبْلَ العِشَاءِ لِمَنْ خَشِيَ فَوْتَ الوَقْتِ، أَو فَوْتَ الجَمَاعَةِ، أمَّا مَنْ وَكَّلَ نَفْسَهُ إلى مَنْ يُوقِظُهُ فَيُبَاحُ لَهُ النَّوْمُ قَبْلَ العِشَاءِ، وَخَاصَّةً إِذَا كَانَ لِتَعَبٍ.

قَوْلُهُ: (وَالصُّبْحَ وَالنُّجُومُ بَادِيَةٌ مُشْتَبِكَةٌ) يَعْنِي: صَلُّوا الصُّبْحَ، وَالنُّجُومُ بَادِيَةٌ في السَّمَاءِ ظَاهِرَةٌ، وَهَذَا يُفِيدُ أَنْ تُصَلَّى الصُّبْحُ في وَقْتِ الغَلَسِ، وَيُؤَكِّدُ هَذَا مَا رواه الإمام أحمد عَنْ أَبِي عَبْدِ الرَّحْمَنِ الصُّنَابِحِيِّ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ: «لَنْ تَزَالَ أُمَّتِي فِي مُسْكَةٍ مَا لَمْ يَعْمَلُوا بِثَلَاثٍ: مَا لَمْ يُؤَخِّرُوا الْمَغْرِبَ بِانْتِظَارِ الْإِظْلَامِ مُضَاهَاةَ الْيَهُودِ، وَمَا لَمْ يُؤَخِّرُوا الْفَجْرَ إِمْحَاقَ النُّجُومِ مُضَاهَاةَ النَّصْرَانِيَّةِ، وَمَا لَمْ يَكِلُوا الْجَنَائِزَ إِلَى أَهْلِهَا».

يُسْتَفَادُ مِنَ الحَدِيثِ الشَّرِيفِ:

وُجُوبُ الاهْتِمَامِ بِالصَّلَاةِ، وَالأَمْرُ بِالمُحَافَظَةِ عَلَيْهَا وَفي أَوَّلِ وَقْتِهَا، وَخَاصَّةً لِكُلِّ رَاعٍ اسْتَرْعَاهُ اللهُ تعالى عَلَى رَعِيَّتِهِ، لِأَنَّ الصَّلَاةَ عِمَادُ الدِّينِ وَأَسَاسُهُ وَقَاعِدَتُهُ، مِنْ هَذَا المُنْطَلَقِ كَانَ يَكْتُبُ سَيِّدُنَا عُمَرُ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ إلى عُمَّالِهِ وَمُوَظَّفِيهِ بِهَذَا.

فَهَذَا سَيِّدُنَا رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ يُبَيِّنُ لَنَا أَهَمِّيَّةَ المُحَافَظَةِ عَلَى الصَّلَاةِ، روى الإمام أحمد عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ عَمْرٍو رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ: ذَكَرَ الصَّلَاةَ يَوْماً فَقَالَ: «مَنْ حَافَظَ عَلَيْهَا كَانَتْ لَهُ نُوراً، وَبُرْهَاناً، وَنَجَاةً يَوْمَ الْقِيَامَةِ، وَمَنْ لَمْ يُحَافِظْ عَلَيْهَا لَمْ يَكُنْ لَهُ نُورٌ، وَلَا بُرْهَانٌ، وَلَا نَجَاةٌ، وَكَانَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ مَعَ قَارُونَ، وَفِرْعَوْنَ، وَهَامَانَ، وَأُبَيِّ بْنِ خَلَفٍ».

وروى الطَّبَرَانِيُّ في الأَوْسَطِ عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ: «مَنْ صَلَّى الصَّلَاةَ لِوَقْتِهَا، وَأَسْبَغَ لَهَا وُضُوءَهَا، وَأَتَمَّ لَهَا قِيَامَهَا وَخُشُوعَهَا وَرُكُوعَهَا وَسُجُودَهَا خَرَجَتْ وَهِيَ بَيْضَاءُ مُسْفِرَةٌ، تَقُولُ: حَفِظَكَ اللهُ كَمَا حَفِظْتَنِي، وَمَنْ صَلَّى الصَّلَاةَ لِغَيْرِ وَقْتِهَا فَلَمْ يُسْبِغْ لَهَا وُضُوءَهَا، وَلَمْ يُتِمَّ لَهَا خُشُوعَهَا وَلَا رُكُوعَهَا وَلَا سُجُودَهَا خَرَجَتْ وَهِيَ سَوْدَاءُ مُظْلِمَةٌ، تَقُولُ: ضَيَّعَكَ اللهُ كَمَا ضَيَّعْتَنِي، حَتَّى إِذَا كَانَتْ حَيْثُ شَاءَ اللهُ لُفَّتْ كَمَا يُلَفُّ الثَّوْبُ الْخَلَقُ، ثُمَّ ضُرِبَ بِهَا وَجْهُهُ».

وروى الإمام أحمد عَنْ كَعْبِ بْنِ عُجْرَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قَالَ: بَيْنَمَا أَنَا جَالِسٌ فِي مَسْجِدِ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ، مُسْنِدِي ظُهُورِنَا إِلَى قِبْلَةِ مَسْجِدِ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ، سَبْعَةُ رَهْطٍ أَرْبَعَةٌ مِنْ مَوَالِينَا، وَثَلَاثَةٌ مِنْ عَرَبِنَا، إِذْ خَرَجَ إِلَيْنَا رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ صَلَاةَ الظُّهْرِ حَتَّى انْتَهَى إِلَيْنَا، فَقَالَ: «مَا يُجْلِسُكُمْ هَاهُنَا؟».

قُلْنَا: يَا رَسُولَ اللهِ، نَنْتَظِرُ الصَّلَاةَ.

قَالَ: فَأَرَمَّ قَلِيلاً، ثُمَّ رَفَعَ رَأْسَهُ.

فَقَالَ: «أَتَدْرُونَ مَا يَقُولُ رَبُّكُمْ عَزَّ وَجَلَّ؟».

قَالَ: قُلْنَا: اللهُ وَرَسُولُهُ أَعْلَمُ.

قَالَ: «فَإِنَّ رَبَّكُمْ عَزَّ وَجَلَّ يَقُولُ: مَنْ صَلَّى الصَّلَاةَ لِوَقْتِهَا، وَحَافَظَ عَلَيْهَا، وَلَمْ يُضَيِّعْهَا اسْتِخْفَافاً بِحَقِّهَا فَلَهُ عَلَيَّ عَهْدٌ أَنْ أُدْخِلَهُ الْجَنَّةَ، وَمَنْ لَمْ يُصَلِّهَا لِوَقْتِهَا، وَلَمْ يُحَافِظْ عَلَيْهَا، وَضَيَّعَهَا اسْتِخْفَافاً بِحَقِّهَا، فَلَا عَهْدَ لَهُ، إِنْ شِئْتُ عَذَّبْتُهُ، وَإِنْ شِئْتُ غَفَرْتُ لَهُ».

الحَدِيثُ السَّابِعُ

قَالَ يَحْيَى بْنُ يَحْيَى اللَّيْثِيُّ: حَدَّثَنِي مَالِكٌ، عَنْ عَمِّهِ أَبِي سُهَيْلِ بْنِ مَالِكٍ، عَنْ أَبِيهِ، أَنَّ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ كَتَبَ إِلَى أَبِي مُوسَى الْأَشْعَرِيِّ: أَنْ صَلِّ الظُّهْرَ إِذَا زَاغَتِ الشَّمْسُ، وَالْـعَصْرَ وَالشَّمْسُ بَيْضَاءُ نَقِيَّةٌ، قَبْلَ أَنْ تَدْخُلَهَا صُفْرَةٌ، وَالْمَغْرِبَ إِذَا غَرَبَتِ الشَّمْسُ، وَأَخِّرِ الْعِشَاءَ مَا لَمْ تَنَمْ؛ وَصَلِّ الصُّبْحَ وَالنُّجُومُ بَادِيَةٌ مُشْتَبِكَةٌ، وَاقْرَأْ فِيهَا بِسُورَتَيْنِ طَوِيلَتَيْنِ مِنَ الْمُفَصَّلِ.

الشَّرْحُ:

سَيِّدُنَا عُمَرُ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ كَتَبَ إلى أَبِي مُوسَى الأَشْعَرِيِّ عَبْدِ اللهِ بْنِ قَيْسٍ الصَّحَابِيِّ المَشْهُورِ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ، حِينَ اسْتَعْمَلَهُ عَلَى البَصْرَةِ، أَنْ صَلِّ الظُّهْرَ إِذَا مَالَتِ الشَّمْسُ.

وَهَذَا لَا يُنَافِي قَوْلَهُ في الحَدِيثِ السَّابِقِ: (أَنْ صَلُّوا الظُّهْرَ إِذَا كَانَ الْفَيْءُ ذِرَاعاً) فَهَذَا الحَدِيثُ تَفْسِيرٌ لِذَاكَ الحَدِيثِ، لِأَنَّ قَوْلَهُ هُنَا صَلِّ الظُّهْرَ إِذَا زَاغَتِ الشَّمْسُ مُجْمَلٌ، وَفَسَّرَهُ الحَدِيثُ السَّابِقُ، إِذَا كَانَ الْفَيْءُ ذِرَاعاً.

قَوْلُهُ: (وَالْـعَصْرَ وَالشَّمْسُ بَيْضَاءُ نَقِيَّةٌ) يَعْنِي: صَلِّ العَصْرَ مَا لَمْ تَتَغَيَّرِ الشَّمْسُ، بِحَيْثُ لَا تَدْخُلُهَا صُفْرَةٌ، حَتَّى لَا يَدْخُلَ وَقْتُ الكَرَاهَةِ.

قَوْلُهُ: (وَالْمَغْرِبَ إِذَا غَرَبَتِ الشَّمْسُ) يَعْنِي: صَلِّ المَغْرِبَ إِذَا تَوَارَتِ الشَّمْسُ بِالغُرُوبِ، صَلِّهَا عَلَى الفَوْرِ، لِضِيقِ وَقْتِهَا.

قَوْلُهُ: (وَأَخِّرِ الْعِشَاءَ مَا لَمْ تَنَمْ) لِأَنَّ تَأْخِيرَ العِشَاءِ مُسْتَحَبٌّ، مَا لَمْ تَنَمْ، لِأَنَّ النَّوْمَ قَبْلَ العِشَاءِ يُكْرَهُ.

قَوْلُهُ: (وَصَلِّ الصُّبْحَ وَالنُّجُومُ بَادِيَةٌ مُشْتَبِكَةٌ) يَعْنِي صَلِّهَا في وَقْتِ الغَلَسِ، لِأَنَّ الإِسْفَارَ يَذْهَبُ بِالنُّجُومِ.

قَوْلُهُ: (وَاقْرَأْ فِيهَا بِسُورَتَيْنِ طَوِيلَتَيْنِ مِنَ الْمُفَصَّلِ) يَعْنِي: اقْرَأْ في صَلَاةِ الصُّبْحِ بِسُورَتَيْنِ بَعْدَ الفَاتِحَةِ مِنَ الْمُفَصَّلِ.

وَطِوَالُ المُفَصَّلِ مِنْ سُورَةِ الحُجُرَاتِ إلى آخِرِ البُرُوجِ، أَو قَدْرَ أَرْبَعِينَ أَو خَمْسِينَ آيَةً.

يُسْتَفَادُ مِنَ الحَدِيثِ الشَّرِيفِ:

يُسْتَفَادُ مِنَ الحَدِيثِ الشَّرِيفِ، أَنَّ الصَّلَاةَ شَأْنُهَا عَظِيمٌ عِنْدَ أَصْحَابِ سَيِّدِنَا رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ، وَكَانُوا حَرِيصِينَ عَلَى تَذْكِيرِ بَعْضِهِمْ بَعْضاً بِالمُحَافَظَةِ عَلَيْهَا، وَأَنْ تَكُونَ في أَوَّلِ وَقْتِهَا، لِأَنَّ اللهَ تعالى وَصَفَ المُشْرِكِينَ بِأَنَّهُمْ هُمُ الذينَ لَا يُصَلُّونَ، قَالَ تعالى: ﴿وَأَقِيمُوا الصَّلَاةَ وَلَا تَكُونُوا مِنَ الْمُشْرِكِينَ﴾ [الروم: 31].

لِذَلِكَ كَانُوا حَرِيصِينَ عَلَى تَذْكِيرِ الآخَرِينَ بِالصَّلَاةِ وَمَوَاقِيتِهَا، لَعَلَّهُمْ يَنْدَرِجُونَ تَحْتَ قَوْلِهِ تعالى: ﴿قَدْ أَفْلَحَ الْمُؤْمِنُونَ * الَّذِينَ هُمْ فِي صَلَاتِهِمْ خَاشِعُونَ﴾ [المؤمنون: 1ـ2] ثُمَّ قَالَ: ﴿وَالَّذِينَ هُمْ عَلَى صَلَوَاتِهِمْ يُحَافِظُونَ * أُولَئِكَ هُمُ الْوَارِثُونَ * الَّذِينَ يَرِثُونَ الْفِرْدَوْسَ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ﴾ [المؤمنون: 9ـ11].

الحَدِيثُ الثَّامِنُ

قَالَ يَحْيَى بْنُ يَحْيَى اللَّيْثِيُّ: حَدَّثَنِي مَالِكٌ عَنْ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ، عَنْ أَبِيهِ، أَنَّ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ كَتَبَ إِلَى أَبِي مُوسَى الْأَشْعَرِيِّ: أَنْ صَلِّ الْعَصْرَ وَالشَّمْسُ بَيْضَاءُ نَقِيَّةٌ، قَدْرَ مَا يَسِيرُ الرَّاكِبُ ثَلَاثَةَ فَرَاسِخَ، وَأَنْ صَلِّ الْعِشَاءَ مَا بَيْنَكَ وَبَيْنَ ثُلُثِ اللَّيْلِ، فَإِنْ أَخَّرْتَ فَإِلَى شَطْرِ اللَّيْلِ، وَلَا تَكُنْ مِنَ الْغَافِلِينَ.

الشَّرْحُ:

قَوْلُهُ: (قَدْرَ مَا يَسِيرُ الرَّاكِبُ ثَلَاثَةَ فَرَاسِخَ) الفَرْسَخُ هُوَ ثَلَاثَةُ أَمْيَالٍ، وَالمِيلُ قَدَّرَهُ الفُقَهَاءُ بـ /1848/م.

قَوْلُهُ: (وَأَنْ صَلِّ الْعِشَاءَ مَا بَيْنَكَ وَبَيْنَ ثُلُثِ اللَّيْلِ، فَإِنْ أَخَّرْتَ فَإِلَى شَطْرِ اللَّيْلِ) أَيْ: نِصْفَهُ، وَيُؤَيِّدُ هَذَا مَا رواه الإمام البخاري عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قَالَ: أَخَّرَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ صَلَاةَ العِشَاءِ إِلَى نِصْفِ اللَّيْلِ، ثُمَّ صَلَّى، ثُمَّ قَالَ: «قَدْ صَلَّى النَّاسُ وَنَامُوا، أَمَا إِنَّكُمْ فِي صَلَاةٍ مَا انْتَظَرْتُمُوهَا».

قَوْلُهُ: (وَلَا تَكُنْ مِنَ الْغَافِلِينَ) يَعْنِي: لَا تَكُنْ غَافِلاً عَنِ الصَّلَاةِ بِأَنْ تُؤَخِّرَهَا إلى مَا بَعْدَ النِّصْفِ، روى الحاكم عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ: «مَنْ حَافَظَ عَلَى هَؤُلَاءِ الصَّلَوَاتِ الْمَكْتُوبَاتِ لَمْ يُكْتَبْ مِنَ الْغَافِلِينَ، وَمَنْ قَرَأَ فِي لَيْلَةٍ مِائَةَ آيَةٍ كُتِبَ مِنَ الْقَانِتِينَ».

يُسْتَفَادُ مِنَ الحَدِيثِ الشَّرِيفِ:

المُحَافَظَةُ عَلَى الصَّلَاةِ في أَوَّلِ وَقْتِهَا، فَإِنْ أُخِّرَتِ الصَّلَاةُ عَنْ أَوَّلِ وَقْتِهَا لِعُذْرٍ، أَو لِضَرُورَةٍ، فَلَا حَرَجَ، وَلَكِنْ لِتَكُنْ في أَقْرَبِ وَقْتٍ مُمْكِنٍ، وَخَاصَّةً بِالنِّسْبَةِ لِصَلَاةِ العِشَاءِ، بِأَنْ لَا تَتَجَاوَزَ نِصْفَ اللَّيْلِ.

فَعَلَى المُؤْمِنِ أَنْ يَجْتَهِدَ في المُحَافَظَةِ عَلَى الصَّلَاةِ بِأَكْثَرَ مَا يَقْدِرُ عَلَيْهِ، وَصَدَقَ اللهُ تعالى القَائِلُ: ﴿لَا يُكَلِّفُ اللهُ نَفْساً إِلَّا وُسْعَهَا﴾ [البقرة: 286].

فَوَقْتُ العِشَاءِ عَلَى أَوْقَاتٍ ثَلَاثَةٍ:

1ـ وَقْتٌ مُسْتَحَبٌّ مِنْ أَوَّلِ الوَقْتِ إلى ثُلُثِ اللَّيْلِ، وَاللَّيْلُ يَبْدَأُ مِنْ مَغِيبِ الشَّمْسِ.

2ـ وَقْتٌ صَحِيحٌ بِدُونِ كَرَاهَةٍ إلى أَنْ يَتِمَّ نِصْفُ اللَّيْلِ.

3ـ وَقْتٌ مَكْرُوهٌ، وَهُوَ مَا بَعْدَ نِصْفِ اللَّيْلِ.

اللَّهُمَّ وَفِّقْنَا لِمَا يُرْضِيكَ عَنَا. آمين. هذا، والله تعالى أعلم.

الحَدِيثُ التَّاسِعُ

قَالَ يَحْيَى بْنُ يَحْيَى اللَّيْثِيُّ: حَدَّثَنِي مَالِكٌ عَنْ يَزِيدَ بْنِ زِيَادٍ، عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ رَافِعٍ، مَوْلَى أُمِّ سَلَمَةَ، زَوْجِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ سَأَلَ أَبَا هُرَيْرَةَ عَنْ وَقْتِ الصَّلَاةِ.

فَقَالَ أَبُو هُرَيْرَةَ: أَنَا أُخْبِرُكَ، صَلِّ الظُّهْرَ إِذَا كَانَ ظِلُّكَ مِثْلَكَ.

وَالْعَصْرَ إِذَا كَانَ ظِلُّكَ مِثْلَيْكَ.

وَالْمَغْرِبَ إِذَا غَرَبَتِ الشَّمْسُ.

وَالْعِشَاءَ مَا بَيْنَكَ وَبَيْنَ ثُلُثِ اللَّيْلِ.

وَصَلِّ الصُّبْحَ بِغَبَشٍ. يَعْنِي الْغَلَسَ.

الشَّرْحُ:

سَأَلَ عَبْدُ اللهِ بْنُ رَافِعٍ المَدَنِيُّ المُكَنَّى بِأَبِي رَافِعٍ ـ وَهُوَ تَابِعِيٌّ ثِقَةٌ ـ أَبَا هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ عَنِ الصَّلَاةِ المَفْرُوضَةِ، وَالمُرَادُ مَوَاقِيتُهَا، لِأَنَّ المَوَاقِيتَ لَا تَكُونُ بِالرَّأْيِ بَلْ بِالتَّوْقِيتِ.

وَهَذَا الحَدِيثُ مَوْقُوفٌ لَفْظاً عَلَى أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ، لَكِنَّهُ مَرْفُوعٌ حُكْماً لِسَيِّدِنَا رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ.

قَوْلُهُ: (صَلِّ الظُّهْرَ إِذَا كَانَ ظِلُّكَ مِثْلَكَ) أَيْ: مِثْلَ ظِلِّكَ، يَعْنِي قَرِيباً مِنْهُ بِغَيْرِ ظِلِّ الزَّوَالِ، وَهَذَا وَقْتُ نِهَايَةِ الظُّهْرِ عِنْدَ جُمْهُورِ الفُقَهَاءِ، أَمَّا عِنْدَ الإِمَامِ أَبِي حَنِيفَةَ رَحِمَهُ اللهُ تعالى: نِهَايَةُ وَقْتِ الظُّهْرِ حِينَ يَبْلُغُ ظِلُّ الـشَّيْءِ مِثْلَيْهِ، سِوَى فَيْءِ الزَّوَالِ، وَالمُرَادُ بِفَيْءِ الزَّوَالِ الظِّلُّ الحَاصِلُ للأَشْيَاءِ حِينَ تَزُولُ الشَّمْسُ عَنْ وَسَطِ السَّمَاءِ، وَلَهُ دَلِيلُهُ رَحِمَهُ اللهُ تعالى.

وَأَمَا أَوَّلُ وَقْتِ الظُّهْرِ، فَلَا خِلَافَ بَيْنَ الفُقَهَاءِ فِي أَنَّ مَبْدَأَهُ مِنْ زَوَالِ الشَّمْسِ عَنْ وَسَطِ السَّمَاءِ تُجَاهَ الغَرْبِ، وَلَا يَصِحُّ أَدَاؤُهَا قَبْلَ الزَّوَالِ.

قَوْلُهُ: (وَالْعَصْرَ إِذَا كَانَ ظِلُّكَ مِثْلَيْكَ) وَهَذَا آخِرُ وَقْتِ العَصْرِ عِنْدَ المَالِكِيَّةِ، وَاسْتَدَلُّوا لِذَلِكَ بِقَوْلِهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ: «فَإِذَا صَلَّيْتُمُ الْعَصْرَ فَإِنَّهُ وَقْتٌ إِلَى أَنْ تَصْفَرَّ الشَّمْسُ» رواه الإمام مسلم عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ عَمْرٍو رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا.

أَمَّا آخِرُ وَقْتِ العَصْرِ عِنْدَ الحَنَفِيَّةِ وَالحَنَابِلَةِ وَالشَّافِعِيَّةِ، مَا لَمْ تَغِبِ الشَّمْسُ، لِقَوْلِهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ: «وَمَنْ أَدْرَكَ رَكْعَةً مِنَ العَصْرِ قَبْلَ أَنْ تَغْرُبَ الشَّمْسُ، فَقَدْ أَدْرَكَ العَصْرَ» رواه الشيخان عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ.

قَوْلُهُ: (وَالْمَغْرِبَ إِذَا غَرَبَتِ الشَّمْسُ) أَيْ: صَلِّ المَغْرِبَ في أَوَّلِ وَقْتِهِ، وَلَا خِلَافَ بَيْنَ الفُقَهَاءِ في أَنَّ مَبْدَأَ وَقْتِ المَغْرِبِ مِنْ غُرُوبِ الشَّمْسِ، وَالقَوْلُ المَشْهُورُ عِنْدَ المَالِكِيَّةِ أَنَّهُ لَا امْتِدَادَ لَهُ، بَلْ يُقَدَّرُ بِثَلَاثِ رَكَعَاتٍ بَعْدَ تَحْصِيلِ شُرُوطِ صِحَّةِ الصَّلَاةِ.

أَمَّا آخِرُ وَقْتِهَا عِنْدَ الحَنَفِيَّةِ حِينَ يَغِيبُ الشَّفَقُ.

وَعِنْدَ الشَّافِعِيَّةِ في الجَدِيدِ: يَنْقَضِي وَقْتُهَا بِمُضِيِّ قَدْرِ وُضُوءٍ وَسَتْرِ عَوْرَةٍ وَأَذَانٍ وَإِقَامَةٍ وَخَمْسِ رَكَعَاتٍ، وَهِيَ ثَلَاثُ رَكَعَاتِ المَغْرِبِ، وَرَكْعَتَا سُنَّةٍ بَعْدَهَا.

قَوْلُهُ: (وَالْعِشَاءَ مَا بَيْنَكَ وَبَيْنَ ثُلُثِ اللَّيْلِ) وَهُوَ الوَقْتُ المُسْتَحَبُّ لِصَلَاةِ العِشَاءِ.

قَوْلُهُ: (وَصَلِّ الصُّبْحَ بِغَبَشٍ) أَيْ: صَلِّ الصُّبْحَ بِغَلَسٍ، لِأَنَّ الغَبَشَ هُوَ بَقَايَا ظُلْمَةِ اللَّيْلِ، وَهُوَ الغَلَسُ.

يُسْتَفَادُ مِنَ الحَدِيثِ الشَّرِيفِ:

حِرْصُ التَّابِعِينَ عَلَى التَّعَلُّمِ مِنَ الصَّحَابَةِ رَضِيَ اللهُ عَنْهُمْ، وَخَاصَّةً في مَسْأَلَةِ الصَّلَاةِ التي هِيَ أَهَمُّ رُكْنٍ مِنْ أَرْكَانِ الإِسْلَامِ بَعْدَ الشَّهَادَتَيْنِ.

الحَدِيثُ العَاشِرُ

قَالَ يَحْيَى بْنُ يَحْيَى اللَّيْثِيُّ: حَدَّثَنِي مَالِكٌ عَنْ إِسْحَاقَ بْنِ عَبْدِ اللهِ بْنِ أَبِي طَلْحَةَ، عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ، أَنَّهُ قَالَ: كُنَّا نُصَلِّي الْعَصْرَ، ثُمَّ يَخْرُجُ الْإِنْسَانُ إِلَى بَنِي عَمْرِو بْنِ عَوْفٍ، فَيَجِدُهُمْ يُصَلُّونَ الْعَصْرَ.

الشَّرْحُ:

هَذَا الحَدِيثُ الشَّرِيفُ مَوْقُوفٌ لَفْظاً عَلَى أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ، لَكِنَّهُ مَرْفُوعٌ إلى سَيِّدِنَا رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ حُكْماً، لِأَنَّ الصَّحَابِيَّ أَنَساً رَضِيَ اللهُ عَنْهُ أَوْرَدَهُ في مَقَامِ الاحْتِجَاجِ عَلَى اسْتِحْبَابِ تَعْجِيلِ صَلَاةِ العَصْرِ، وَيُؤَكِّدُ هَذَا المَعْنَى مَا رواه الإمام أحمد عَنْ رَافِعِ بْنِ خَدِيجٍ قَالَ: كُنَّا نُصَلِّي الْعَصْرَ مَعَ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ، ثُمَّ نَنْحَرُ الْجَزُورَ فَنُقَسِّمُهُ عَشَرَةَ أَجْزَاءٍ، ثُمَّ نَطْبُخُ، فَنَأْكُلُ لَحْماً نَضِيجاً قَبْلَ أَنْ نُصَلِّيَ الْمَغْرِبَ».

يُسْتَفَادُ مِنَ الحَدِيثِ الشَّرِيفِ:

ذَهَبَ جُمْهُورُ الفُقَهَاءِ إلى أَنَّ تَعْجِيلَ صَلَاةِ العَصْرِ في أَوَّلِ وَقْتِهَا أَفْضَلُ، وَلَا حَرَجَ مِنْ تَأْخِيرِهَا قَلِيلاً مَا دَامَتِ الشَّمْسُ بَيْضَاءَ.

الحَدِيثُ الحَادِي عَشَرَ

قَالَ يَحْيَى بْنُ يَحْيَى اللَّيْثِيُّ: حَدَّثَنِي مَالِكٌ عَنِ ابْنِ شِهَابٍ، عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ، قَالَ: كُنَّا نُصَلِّي الْـعَصْرَ، ثُمَّ يَذْهَبُ الذَّاهِبُ إِلَى قُبَاءٍ فَيَأْتِيهِمْ وَالشَّمْسُ مُرْتَفِعَةٌ.

الشَّرْحُ:

قَوْلُهُ: (ثُمَّ يَذْهَبُ الذَّاهِبُ) أَرَادَ نَفْسَهُ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ ـ يَعْنِي أَنَسَ بْنَ مَالِكٍ ـ وَيُؤَكِّدُ هَذَا مَا رواه الإمام أحمد عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قَالَ: كَانَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ يُصَلِّي بِنَا الْعَصْرَ وَالشَّمْسُ بَيْضَاءُ مُحَلِّقَةٌ، ثُمَّ أَرْجِعُ إِلَى قَوْمِي وَهُمْ فِي نَاحِيَةِ الْمَدِينَةِ، فَأَجِدُهُمْ جُلُوساً، فَأَقُولُ لَهُمْ: قُومُوا فَصَلُّوا، فَإِنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ قَدْ صَلَّى.

يُسْتَفَادُ مِنَ الحَدِيثِ الشَّرِيفِ:

كَانَ سَيِّدُنَا رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ يُعَجِّلُ صَلَاةَ الـعَصْرِ، فَيُصَلِّيهَا في أَوَّلِ وَقْتِهَا.

الحَدِيثُ الثَّانِي عَشَرَ

قَالَ يَحْيَى بْنُ يَحْيَى اللَّيْثِيُّ: حَدَّثَنِي مَالِكٌ، عَنْ رَبِيعَةَ بْنِ أَبِي عَبْدِ الرَّحْمنِ، عَنِ الْقَاسِمِ بْنِ مُحَمَّدٍ، أَنَّهُ قَالَ: مَا أَدْرَكْتُ النَّاسَ إِلَّا وَهُمْ يُصَلُّونَ الظُّهْرَ بِعَشِيٍّ.

الشَّرْحُ:

رَبِيعَةُ بْنُ أَبِي عَبْدِ الرَّحْمنِ: اسْمُهُ فَرُّوخُ التَّيْمِيُّ، المَعْرُوفُ بِرَبِيعَةَ الرَّأْيِ، وَهُوَ مِنْ أَكَابِرِ التَّابِعِينَ، كَانَ مِنْ أَحْفَظِ النَّاسِ للسُّنَّةِ، قَالَ الإِمَامُ مَالِكٌ عَنْهُ: ذَهَبَتْ حَلَاوَةُ الفِقْهِ مُنْذُ مَاتَ رَبِيعَةُ رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا.

الْقَاسِمُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ أَبِي بَكْرٍ الصِّدِّيقِ رَضِيَ اللهُ عَنْهُمْ، هُوَ مِنْ فُقَهَاءِ المَدِينَةِ، وَهُوَ مِنْ كِبَارِ التَّابِعِينَ.

قَوْلُهُ: (مَا أَدْرَكْتُ النَّاسَ إِلَّا وَهُمْ يُصَلُّونَ الظُّهْرَ بِعَشِيٍّ) يَعْنِي: كَانَ كِبَارُ التَّابِعِينَ وَكِبَارُ الصَّحَابَةِ رَضِيَ اللهُ عَنْهُمْ يُؤَخِّرُونَ وَقْتَ صَلَاةِ الظُّهْرِ في شِدَّةِ الحَرِّ إلى وَقْتِ الإِبْرَادِ الذي أَمَرَ بِهِ الشَّرْعُ.

وَالعَشِيُّ يَكُونُ مِنْ بَعْدِ الزَّوَالِ إلى الغُرُوبِ.

يُسْتَفَادُ مِنَ الحَدِيثِ الشَّرِيفِ:

يُسْتَحَبُّ تَأْخِيرُ صَلَاةِ الظُّهْرِ إلى وَقْتِ الإِبْرَادِ، وَيَبْدَأُ الإِبْرَادُ بِالظُّهْرِ بِانْكِسَارِ حِدَّةِ الحَرِّ، وَبِحُصُولِ ظِلٍّ يَمْشِي فِيهِ المُصَلِّي إلى المَسْجِدِ.

وَالإِبْرَادُ رُخْصَةٌ، وَهُوَ مُسْتَحَبٌّ في صَلَاةِ الظُّهْرِ في شِدَّةِ الحَرِّ صَيْفاً في البِلَادِ الحَارَّةِ لِمُرِيدِ الجَمَاعَةِ في المَسْجِدِ بِاتِّفَاقٍ، لِقَوْلِهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ: «أَبْرِدُوا بِالصَّلَاةِ، فَإِنَّ شِدَّةَ الحَرِّ مِنْ فَيْحِ جَهَنَّمَ» رواه الإمام البخاري عَنْ أَبِي سَعِيدٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ.

عَلَى أَنْ لَا يَكُونَ التَّأْخِيرُ يَخْرُجُ عَنْ حَدِّ التَّهْجِيرِ، وَالهَاجِرَةُ تُطْلَقُ عَلَى الوَقْتِ إلى أَنْ يَقْرُبَ وَقْتُ الـعَصْرِ، لِأَنَّ التَّهْجِيرَ في صَلَاةِ الظُّهْرِ مُسْتَحَبٌّ، روى الإمام البخاري عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ: أَنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «لَوْ يَعْلَمُ النَّاسُ مَا فِي النِّدَاءِ وَالصَّفِّ الأَوَّلِ، ثُمَّ لَمْ يَجِدُوا إِلَّا أَنْ يَسْتَهِمُوا عَلَيْهِ لَاسْتَهَمُوا، وَلَوْ يَعْلَمُونَ مَا فِي التَّهْجِيرِ لَاسْتَبَقُوا إِلَيْهِ، وَلَوْ يَعْلَمُونَ مَا فِي العَتَمَةِ وَالصُّبْحِ، لَأَتَوْهُمَا وَلَوْ حَبْواً».

أَسْأَلُ اللهَ تعالى أَنْ يُفَقِّهَنَا في الدِّينِ، وَيُعَلِّمَنَا التَّأْوِيلَ، وَيَرْزُقَنَا العَمَلَ بِمَا نَعْلَمُ. آمين.

**    **    **

تاريخ الدرس:

السبت: 7/ جمادى الثاني /1441هـ، الموافق: 1/شباط / 2020م