174ـ مسحاته الشريفة صلى الله عليه وسلم وآثاره الطيبة

174ـ مسحاته الشريفة صلى الله عليه وسلم وآثاره الطيبة

مقدمة الكلمة:

الحمد لله رب العالمين، وأفضل الصلاة وأتم التسليم على سيدنا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين، أما بعد:

فَيَا أَيُّهَا الإِخْوَةُ الكِرَامُ:

حَدِيثُهُ، أَوحَدِيثٌ عَـنْهُ يُطْرِبُني   ***   هَذَا إِذَا غَابَ، أَوْ هَذَا إِذَا حَضَرَا

كِـلَاهُمَا حَـسَنٌ عِـنْدِي أُسَرُّ بِهِ   ***    لَكِنَّ أَحْلَاهُمَا مَا وَافَقَ الـــنَّظَرَا

يَقُولُ الشَّيْخُ العَلَّامَةُ المُحَدِّثُ عَبْدُ اللهِ سِرَاجُ الدِّينِ رَحِمَهُ اللهُ تعالى في كِتَابِهِ: سَيِّدُنَا مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ:

مَسْحَاتُهُ الشَّرِيفَةُ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ وَآثَارُهُ الطَّيِّبَةُ:

كَانَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ إِذَا مَسَحَ عَلَى وَجِعٍ ذَهَبَ وَجَعُهُ بِإِذْنِ اللهِ تعالى.

وَإِذَا مَسَحَ عَلَى مَرِيضٍ أَو جَرِيحٍ بَرِئَ بِإِذْنِ اللهِ تعالى.

وَإِذَا مَسَحَ عَلَى صَدْرٍ ضَعِيفٍ أَو خَائِفٍ قَوِيَ وَأَمِنَ بِإِذْنِ اللهِ تعالى.

وَإِذَا مَسَحَ عَلَى وَجْهِ مُسْلِمٍ بَقِيَتْ نَضَارَةُ الشَّبَابِ في وَجْهِهِ مَهْمَا كَبِرَتْ سِنُّهُ.

رَوَى البُخَارِيُّ عَنِ السَّائِبِ بْنِ يَزِيدَ قَالَ: ذَهَبَتْ بِي خَالَتِي إِلَى رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ فَقَالَتْ: يَا رَسُولَ اللهِ، إِنَّ ابْنَ أُخْتِي وَجِعٌ، فَمَسَحَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ رَأْسِي وَدَعَا لِي بِالْبَرَكَةِ وَتَوَضَّأَ، فَشَرِبْتُ مِنْ وَضُوئِهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ.

وَرَوَى الطَّبَرَانِيُّ عَنْ أَبْيَضَ بْنِ حَمَّالٍ: أَنَّهُ كَانَ بِوَجْهِهِ حَزَازَةٌ ـ يَعْنِي الْقُوَبَاءَ ـ فَالْتَقَمَتْ أَنْفَهُ، فَدَعَاهُ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ فَمَسَحَ عَلَى وَجْهِهِ، فَلَمْ يُمْسِ ذَلِكَ الْيَوْمَ وَفِي أَنْفِهِ أَثَرٌ. قَالَ فِي مَجْمَعِ الزَّوَائِدِ: رَوَاهُ الطَّبَرَانِيُّ، وَرِجَالُهُ ثِقَاتٌ، وَثَّقَهُمُ ابْنُ حِبَّانَ. اهـ.

وَعَنْ عَطَاءٍ مَوْلَى السَّائِبِ بْنِ يَزِيدَ قَالَ: رَأَيْتُ مَوْلَى السَّائِبِ بْنِ يَزِيدَ لِحْيَتُهُ بَيْضَاءُ وَرَأْسُهُ أَسْوَدُ.

فَقُلْتُ: يَا مَوْلَايَ، مَا لِرَأْسِكَ لَا يَبْيَضُّ؟!

فَقَالَ لَهُ: لَا يَبْيَضُّ رَأْسِي أَبَدَاً؛ وَذَلِكَ أَنْ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ مَضَى ـ أَيْ: مَرَّ ـ وَأَنَا غُلَامٌ أَلْعَبُ مَعَ الغِلْمَانِ، فَسَلَّمَ وَأَنَا فِيهِمْ، فَرَدَدْتُ عَلَيْهِ السَّلَامَ، فَدَعَانِي، فَقَالَ لِي: «مَا اسْمُكَ؟».

فَقُلْتُ: السَّائِبُ بْنُ يَزِيدَ ابْنِ أُخْتِ النَّمِرِ: فَوَضَعَ يَدَهُ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ عَلَيَّ، وَقَالَ: «بَارَكَ اللهُ فِيكَ».

قَالَ السَّائِبُ: فَلَا يَبْيَضُّ مَوْضِعُ يَدِ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ أَبَدَاً. قَالَ في مَجْمَعِ الزَّوَائِدِ: رَوَاهُ الطَّبَرَانِيُّ في الثَّلَاثَةِ ثُمَّ قَالَ: وَرِجَالُ الصَّغِيرِ وَالأَوْسَطِ ثِقَاتٌ.

وَعَنْ حَنْظَلَةَ بْنِ حِذْيَمٍ قَالَ: وَفَدْتُ مَعَ جَدِّي حِذْيَمٍ إِلَى رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ، فَأَدْنَانِي رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ وَمَسَحَ رَأْسِي، وَقَالَ: «بَارَكَ اللهُ فِيكَ».

قَالَ الرَّاوِي عَنْ حَنْظَلَةَ: فَلَقَدْ رَأَيْتُ حَنْظَلَةَ يُؤْتَى بِالرَّجُلِ الوَارِمِ وَجْهُهُ، أَوِ الشَّاةِ الْوَارِمِ ضَرْعُهَا فَيَقُولُ: بِسْمِ اللهِ عَلَى مَوْضِعِ كَفِّ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ، فَيَمْسَحُهُ، ثُمَّ يَمْسَحُ الوَارِمَ، فَيَذْهَبُ الْوَرَمُ» قَالَ في مَجْمَعِ الزَّوَائِدِ: رَوَاهُ الطَّبَرَانِيُّ في الأَوْسَطِ وَأَحْمَدُ وَرِجَالُهُ ثِقَاتٌ وَقَالَ الزَّرْقَانِيُّ: وَرَوَاهُ البُخَارِيُّ في تَارِيخِهِ وَأَبُو يَعْلَى وَغَيْرُهُمْ.

وَعَنْ عَائِذِ بْنِ عَمْرٍو رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قَالَ: أَصَابَتْنِي رَمْيَةٌ ـ وَأَنَا أُقَاتِلُ بَيْنَ يَدَيْ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ يَوْمَ حُنَيْنٍ ـ فِي وَجْهِي، فَلَمَّا سَالَتِ الدِّمَاءُ عَلَى وَجْهِي وَصَدْرِي إلى ثُنْدُوَتِيَّ ـ وَالثُّنْدُوَتَانِ: الثَّدْيَانِ ـ، وَضَعَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ يَدَهُ، ثُمَّ دَعَا لِي.

قَالَ حَشْرَجُ: فَكَانَ عَائِذٌ يُخْبِرُنَا بِذَلِكَ كُلِّهِ فِي حَيَاتِهِ، فَلَمَّا مَاتَ وَغَسَّلْنَاهُ، نَظَرْنَا إِلَى مَا كَانَ يَصِفُ لَنَا مِنْ أَثَرِ يَدِ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ الَّتِي مَسَّهَا مَا كَانَ يَقُولُ لَنَا مِنْ صَدْرِهِ، فَإِذَا غُرَّةٌ ـ أَيْ: بَيَاضٌ ـ سَائِلَةٌ كَغُرَّةِ الْفَرَسِ» رَوَاهُ الطَّبَرَانِيُّ وَالحَاكِمُ وَغَيْرُهُمَا.

وَعَنْ عَمْرِو بْنِ ثَعْلَبَةَ الْجُهَنِيِّ قَالَ: لَقِيتُ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ، فَأَسْلَمْتُ، فَمَسَحَ رَأْسِي.

قَالَ الرَّاوِي: فَأَتَتْ عَلَى عَمْرٍو مِائَةُ سَنَةٍ، وَمَا شَابَ مَوْضِعُ يَدِ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ مِنْ رَأْسِهِ. قَالَ الهَيْثَمِيُّ: رَوَاهُ الطَّبَرَانِيُّ وَرِجَالُهُ إلى أَبِي نُعَيْمٍ ثِقَاتٌ.

وَعَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ هِلَالٍ الأَنْصَارِيِّ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قَالَ: ذَهَبَ بِي أَبِي إِلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللهِ، ادْعُ اللهَ لَهُ.

قَالَ عَبْدُ اللهِ: فَمَا أَنْسَى وَضْعَ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ يَدَهُ عَلَى رَأْسِي، حَتَّى وَجَدْتُ بَرْدَهَا، فَدَعَا لِي وَبَارَكَ عَلَيَّ.

قَالَ الرَّاوِي عَنْهُ: فَرَأَيْتُ عَبْدَ اللهِ بْنَ هِلَالٍ يَصُومُ النَّهَارَ، وَيَقُومُ اللَّيْلَ، وَقَدْ كَبِرَتْ سِنُّهُ ـ أَيْ: بَقِيَتْ فِيهِ قُوَّةُ الشَّبَابِ وَعَزِيمَتُهُمْ ـ رَوَاهُ الطَّبَرَانِيُّ، وَإِسْنَادُهُ حَسَنٌ.

وَعَنْ عَمْرِو بْنِ أَخْطَبَ الأَنْصَارِيِّ قَالَ: مَسَحَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ عَلَى رَأْسِي وَلِحْيَتِي، ثُمَّ قَالَ: «اللهُمَّ جَمِّلْهُ».

قَالَ الرَّاوِي عَنْهُ: فَبَلَغَ عَمْرٌو بِضْعَاً وَمِائَةَ سَنَةٍ وَمَا فِي لِحْيَتِهِ بَيَاضٌ، وَلَقَدْ كَانَ مُنْبَسِطَ الْوَجْهِ، وَلَمْ يَنْقَبِضْ وَجْهُهُ حَتَّى مَاتَ.

وَرَوَى الإِمَامُ أَحْمَدُ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا قَالَ: مَسَحَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ رَأْسِي وَدَعَا لِي بِالْحِكْمَةِ. رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ وَحَسَّنَهُ، وَالحَاكِمُ وَابْنُ حِبَّانَ، كَمَا في شَرْحِ المَوَاهِبِ وَمَجْمَعِ الزَّوَائِدِ.

خَاتِمَةٌ ـ نَسْأَلُ اللهَ تعالى حُسْنَ الخَاتِمَةِ ـ:

أَيُّهَا الإِخْوَةُ الكِرَامُ: وَفِي حَدِيثِ ابْنِ مَسْعُودٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ كَمَا في المُسْنَدِ أَيْضَاً أَنَّهُ قَالَ:

قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللهِ، عَلِّمْنِي مِنْ هَذَا الْقَوْلِ.

قَالَ: فَمَسَحَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ رَأْسِي، وَقَالَ: «يَرْحَمُكَ اللهُ، فَإِنَّكَ غُلَيِّمٌ مُعَلَّمٌ» الحَدِيثَ.

فَلَقَدْ نَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ وَابْنُ مَسْعُودٍ بِتِلْكَ المَسْحَةِ المُحَمَّدِيَّةِ عَلَى رُؤُوسِهِمَا خَيْرَاً كَبِيرَاً وَعِلْمَاً كَثِيرَاً.

وَعَنْ أَبِي عَطِيَّةَ الْبَكْرِيِّ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قَالَ: انْطَلَقَ بِي أَهْلِي إِلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ وَأَنَا غُلَامٌ شَابٌّ، فَمَسَحَ عَلَى رَأْسِي.

قَالَ الرَّاوِي عَنْهُ: فَلَقَدْ رَأَيْتُ أَبَا عَطِيَّةَ أَسْوَدَ الرَّأْسِ وَاللِّحْيَةِ، وَقَدْ أَتَتْ عَلَيْهِ مِائَةُ سَنَةٍ ـ أَيْ: فَلَمْ يَشِبْ شَعْرُهُ بِبَرَكَةِ تِلْكَ المَسْحَةِ المُحَمَّدِيَّةِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ ـ».

اللَّهُمَّ وَفِّقْنَا لِاتِّبَاعِ سَيِّدِنَا رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ. آمين.

**    **    **

تاريخ الكلمة:

الاثنين: 16/ جمادى الآخرة/1441هـ، الموافق: 10/ شباط / 2020م