694ـ خطبة الجمعة: الدنيا إما نعمة وإما بلية

694ـ خطبة الجمعة: الدنيا إما نعمة وإما بلية

مقدمة الخطبة:

الحمد لله رب العالمين، وأفضل الصلاة وأتم التسليم على سيدنا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين.

أما بعد، فَيَا عِبَادَ اللهِ: انْظُرُوا إلى الدُّنْيَا بِعَيْنِ البَصِيرَةِ لَا بِعَيْنِ الـبَصَرِ، لِأَنَّكُمْ إِنْ نَظَرْتُمْ إِلَيْهَا بِعَيْنِ الـبَصَرِ دُونَ البَصِيرَةِ فُتِنْتُمْ بِهَا ـ وَرَبِّ العِبَادِ ـ أَلَمْ يَقُلْ مَوْلَانَا عَزَّ وَجَلَّ: ﴿زُيِّنَ لِلنَّاسِ حُبُّ الشَّهَوَاتِ مِنَ النِّسَاءِ وَالْبَنِينَ وَالْقَنَاطِيرِ المُقَنْطَرَةِ مِنَ الذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ وَالْخَيْلِ المُسَوَّمَةِ وَالْأَنْعَامِ وَالْحَرْثِ ذَلِكَ مَتَاعُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَاللهُ عِنْدَهُ حُسْنُ المَآبِ﴾؟

وَأَمَّا مَنْ نَظَرَ إِلَيْهَا بِعَيْنِ البَصِيرَةِ كَانَ عَلَى يَقِينٍ بِأَنَّ نَعِيمَهَا ابْتِلَاءٌ، وَحَيَاتَهَا عَنَاءٌ، وَعَيْشَهَا نَكَدٌ، وَصَفْوَهَا كَدَرٌ، وَجَدِيدَهَا يَبْلَى، وَمُلْكَهَا يَفْنَى، وَوُدَّهَا مُنْقَطِعٌ، وَخَيْرَهَا يُنْتَزَعُ؛ وَالمُتَعَلِّقُونَ بِهَا عَلَى خَطَرٍ عَظِيمٍ.

الدُّنْيَا إِمَّا نِعْمَةٌ زَائِلَةٌ، وَإِمَّا بَلِيَّةٌ نَازِلَةٌ:

يَا عِبَادَ اللهِ: الدُّنْيَا إِمَّا نِعْمَةٌ زَائِلَةٌ، وَإِمَّا بَلِيَّةٌ نَازِلَةٌ، أَو مَنِيَّةٌ قَاضِيَةٌ، وَرَضِيَ اللهُ عَنْ مُؤْمِنِ آلِ فِرْعَوْنَ عِنْدَمَا خَاطَبَ قَوْمَهُ: ﴿يَا قَوْمِ إِنَّمَا هَذِهِ الْحَيَاةُ الدُّنْيَا مَتَاعٌ وَإِنَّ الْآخِرَةَ هِيَ دَارُ الْقَرَارِ * مَنْ عَمِلَ سَيِّئَةً فَلَا يُجْزَى إِلَّا مِثْلَهَا وَمَنْ عَمِلَ صَالِحَاً مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَأُولَئِكَ يَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ يُرْزَقُونَ فِيهَا بِغَيْرِ حِسَابٍ * وَيَا قَوْمِ مَا لِي أَدْعُوكُمْ إِلَى النَّجَاةِ وَتَدْعُونَنِي إِلَى النَّارِ * تَدْعُونَنِي لِأَكْفُرَ بِاللهِ وَأُشْرِكَ بِهِ مَا لَيْسَ لِي بِهِ عِلْمٌ وَأَنَا أَدْعُوكُمْ إِلَى الْعَزِيزِ الْغَفَّارِ * لَا جَرَمَ أَنَّمَا تَدْعُونَنِي إِلَيْهِ لَيْسَ لَهُ دَعْوَةٌ فِي الدُّنْيَا وَلَا فِي الْآخِرَةِ وَأَنَّ مَرَدَّنَا إِلَى اللهِ وَأَنَّ المُسْـرِفِينَ هُمْ أَصْحَابُ النَّارِ * فَسَتَذْكُرُونَ مَا أَقُولُ لَكُمْ وَأُفَوِّضُ أَمْرِي إِلَى اللهِ إِنَّ اللهَ بَصِيرٌ بِالْعِبَادِ * فَوَقَاهُ اللهُ سَيِّئَاتِ مَا مَكَرُوا وَحَاقَ بِآلِ فِرْعَوْنَ سُوءُ الْعَذَابِ * النَّارُ يُعْرَضُونَ عَلَيْهَا غُدُوَّاً وَعَشِيَّاً وَيَوْمَ تَقُومُ السَّاعَةُ أَدْخِلُوا آلَ فِرْعَوْنَ أَشَدَّ الْعَذَابِ﴾.

خَاتِمَةٌ ـ نَسْأَلُ اللهَ تعالى حُسْنَ الخَاتِمَةَ ـ:

يَا أَهْلَ بِلَادِ الشَّامِ، هَلِ انْجَلَتْ لَكُمُ الحَقَائِقُ بَعْدُ أَمْ لَا؟ هَلْ بِوُسْعِكُمْ أَنْ تَسْمَعُوا قَوْلَ مَنْ قَالَ: إِيَّاكَ وَالتَّبْرِيرَ مَعَ وُجُودِ التَّقْصِيرِ، فَإِنَّهُ مَا أَنْجَى كَعبَ بْنَ مَالِكٍ إِلَّا الصِّدْقُ؟

يَا أَهْلَ بِلَادِ الشَّامِ، انْظُرُوا بِمِنْظَارِ القُرْآنِ العَظِيمِ، وَبِمْنَظَارِ الحَدِيثِ الشَّرِيفِ، وَاللهِ لَقَدْ تَرَكَنَا سَيِّدُنَا رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ عَلَى المَحَجَّةِ البَيْضَاءِ، لَيْلُهَا كَنَهَارِهَا، لَا يَزِيغُ عَنْهَا إِلَّا هَالِكٌ.

يَا أَهْلَ بِلَادِ الشَّامِ، أُنَاشِدُكُمُ اللهَ تعالى، كُونُوا كَالجَسَدِ الوَاحِدِ، إِذَا اشْتَكَى مِنْهُ عُضْوٌ تَدَاعَى لَهُ سَائِرُ الجَسَدِ بِالسَّهَرِ وَالحُمَّى؛ لَقَدْ مَرَّتْ بِنَا سِنُونٌ عِجَافٌ، فَهَلِ اعْتَبَرْنَا؟ وَهَلْ نَظَرْنَا بِبَصِيرَتِنَا لِنَعْرِفَ مَنْ هُوَ عَدُوُّنَا؟

اللَّهُمَّ رُدَّنَا إِلَيْكَ رَدَّاً جَمِيلَاً. آمين.

أقول هذا القول، وأستغفر الله لي ولكم، فاستغفروه إنه هو الغفور الرحيم.

**    **    **

تاريخ الخطبة:

الجمعة: 20/ جمادى الآخرة /1441هـ، الموافق: 14/ شباط / 2020م