5ـ مشكلات وحلول: انتقادات حول مشروعية الطلاق في الإسلام

الحمد لله رب العالمين، وأفضل الصلاة وأتم التسليم على سيدنا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين، أما بعد:

 مما لا شك فيه أن الإسلام ما شرع أمراً من الأمور إلا وفيه حكمة، إما أن تكون جلية، وإما أن تكون خفية، وهذا الأمر لا يخفى على أرباب العقول المنصفة مهما كان انتماؤها، وأما أصحاب العصبيات، والأهواء ولو ظهرت الحكمة جلية وواضحة فإنهم يتعامون عنها، ومن جملة ذلك تشريع الإسلام للطلاق، رغم أن الحكمة فيه واضحة وجلية، إلا أن حقدهم على الإسلام يدفعهم إلى التعامي عن هذه الحكمة.

الإسلام نبه الرجال والنساء إلى حسن اختيار الشريك والشريكة في الزواج عند الخِطبة، فقال صلى الله عليه وسلم (تخيروا لنطفكم، وأنكحوا الأكفاء، وانكحوا إليهم). أخرجه ابن ماجه.

وقال صلى الله عليه وسلم: (لا تَزوَّجوا النساء لحسنهنَّ فعسى حسنُهنَّ أن يُرديهنَّ، ولا تَزوجوهنَّ لأموالهنَّ فلعل أموالهنَّ أن تُطغيهنَّ، ولكن تَزوجوهنَّ على الدِّين، ولأمةٌ خرماءُ سوداءُ ذاتُ دينٍ أفضلُ). أخرجه ابن ماجه.

وقال صلى الله عليه وسلم: (تنكح المرأة لأربع: لمالها ولحسبها ولجمالها ولدينها، فاظفر بذات الدين تربت يداك). أخرجه البخاري.

وقال صلى الله عليه وسلم: (تزوجوا الودود الولود فإني مكاثر بكم الأمم). رواه الإمام أحمد.

وقال صلى الله عليه وسلم لأولياء النساء: (إذا جاءكم من ترضون دينه وخلقه فأنكحوه، إلا تفعلوا تكن فتنة في الأرض وفساد). أخرجه الترمذي.

إلا أن ذلك كله ـ على أهميته ـ قد لا يضمن استمرار السعادة والاستقرار بين الزوجين، فربما قصر أحد الزوجين في الأخذ بما تقدم، وربما أخذا به، ولكن جَدَّ في حياة الزوجين الهانئين ما يثير بينهما القلاقل والشقاق، كمرض أحدهما أو عجزه... وربما كان ذلك بسبب عناصر خارجة عن الزوجين أصلاً، كالأهل والجيران وما إلى ذلك، وربما كان سبب ذلك انصراف القلب وتغيره، فَيُبدأ بنصح الزوجين وإرشادهما إلى الصبر والاحتمال، وبخاصة إذا كان التقصير من الزوجة، قال تعالى: {وَعَاشِرُوهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ فَإِنْ كَرِهْتُمُوهُنَّ فَعَسَى أنْ تَكْرَهُوا شَيْئًا وَيَجْعَلَ اللَّهُ فِيهِ خَيْرًا كَثِيرًا} [النساء: 19].

إلا أن مثل هذا الصبر قد لا يتيسر للزوجين أو لا يستطيعانه، فربما كانت أسباب الشقاق فوق الاحتمال، أو كانا في حالة نفسية لا تساعدهما على الصبر، وفي هذه الحال:

1ـ إما أن يأمر الشرع بالإبقاء على الزوجية مع استمرار الشقاق الذي قد يتضاعف وينتج عنه فتنة، أو جريمة، أو تقصير في حقوق الله تعالى، أو على الأقل تفويت الحكمة التي من أجلها شرع النكاح، وهي المودة والألفة والنسل الصالح.

2ـ وإما أن يأذن بالطلاق والفراق، وهو ما اتجه إليه التشريع الإسلامي، وبذلك علم أن الطلاق قد يتمحض طريقاً لإنهاء الشقاق والخلاف بين الزوجين، ليستأنف الزوجان بعده حياتهما منفردين، أو مرتبطين بروابط زوجية أخرى، حيث يجد كل منهما من يألفه ويحتمله، قال تعالى: {وَإِنْ يَتَفَرَّقَا يُغْنِ اللَّهُ كُلاًّ مِنْ سَعَتِهِ وَكَانَ اللَّهُ وَاسِعًا حَكِيمًا} [النساء: 130].

ولهذا قال الفقهاء بوجوب الطلاق في أحوال، وبندبه في أحوال أخرى، على ما فيه من الضرر، وذلك تقديماً للضرر الأخف على الضرر الأشد، وفقاً للقاعدة الفقهية: (يختار أهون الشرين). والقاعدة الفقهية القائلة: (الضرر الأشد يزال بالضرر الأخف).

ورد في صحيح البخاري عن ابن عباس رضي الله عنهما أن زوجة ثابت بن قيس أتت النبي صلى الله عليه وسلم فقالت له: يا رسول الله ثابت بن قيس ما أعتب عليه في خلق ولا دين، ولكن أكره الكفر في الإسلام، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (أتردين عليه حديقته؟). قالت: نعم، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (اقبل الحديقة وطلقها تطليقة).

من خلال ما تقدم عرفت الحكمة من تشريع الطلاق، ومع كونه أبغض الحلال عند الله، ولكن الشرع راعى قلوب العباد، ودفع الضرر الأشد بالأخف. هذا، والله تعالى أعلم.