164ـ حفظ الله تعالى لرسوله صلى الله عليه وسلم من الخطأ

164ـ حفظ الله تعالى لرسوله صلى الله عليه وسلم من الخطأ

مقدمة الكلمة:

الحمد لله رب العالمين، وأفضل الصلاة وأتم التسليم على سيدنا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين، أما بعد:

فَيَا أَيُّهَا الإِخْوَةُ الكِرَامُ:

حَدِيثُهُ، أَوحَدِيثٌ عَـنْهُ يُطْرِبُني   ***   هَذَا إِذَا غَابَ، أَوْ هَذَا إِذَا حَضَرَا

كِـلَاهُمَا حَـسَنٌ عِـنْدِي أُسَرُّ بِهِ   ***    لَكِنَّ أَحْلَاهُمَا مَا وَافَقَ الـــنَّظَرَا

يَقُولُ الشَّيْخُ العَلَّامَةُ المُحَدِّثُ عَبْدُ اللهِ سِرَاجُ الدِّينِ رَحِمَهُ اللهُ تعالى في كِتَابِهِ: سَيِّدُنَا مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ:

حِفْظُ اللهِ تعالى رَسَولَهُ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ مِنْ شَرِّ القَرِينِ الجِنِّيِّ:

رَوَى الإِمَامُ مُسْلِمٌ وَأَحْمَدُ عَنِ ابْنِ مَسْعُودٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «مَا مِنْكُمْ مِنْ أَحَدٍ، إِلَّا وَقَدْ وُكِّلَ بِهِ قَرِينُهُ مِنَ الْجِنِّ وَقَرِينُهُ مِنَ المَلَائِكَةِ».

قَالُوا: وَإِيَّاكَ يَا رَسُولَ اللهِ؟

قَالَ: «وَإِيَّايَ، إِلَّا أَنَّ اللهَ تعالى أَعَانَنِي عَلَيْهِ فَأَسْلَمَ، فَلَا يَأْمُرُنِي إِلَّا بِخَيْرٍ».

وَقَوْلُهُ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ: «فَأَسْلَمَ» رُوِيَ بِضَمِّ المِيمِ، وَالمَعْنَى: فَأَسْلَمُ أَنَا مِنْ فِتْنَتِهِ وَكَيْدِهِ ـ قَالَ الحَافِظُ الزَّرْقَانِيُّ: وَصَحَّحَ الخَطَّابِيُّ رِوَايَةَ الرَّفْعِ، وَرَجَّحَ عِيَاضٌ وَالنَّوَوِيُّ الفَتْحَ، لِقَوْلِهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ: «فَلَا يَأْمُرُنِي إِلَّا بِخَيْرٍ».

قَالَ: وَقَالَ الدَّمِيرِيُّ: وَهُوَ المُخْتَارُ.

وَالإِجْمَاعُ عَلَى عِصْمَتِهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ مِنَ الشَّيْطَانِ.

وَإِنَّمَا المُرَادُ تَحْذِيرُ غَيْرِهِ مِنْ فِتْنَةِ القَرِينِ وَوَسْوَسَتِهِ وَإِغْوَائِهِ، فَأَعْلَمَنَا النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ أَنَّ القَرِينَ ـ الجِنِّيَّ ـ مَعَنَا، لِنَحْتَرِزَ مِنْهُ بِحَسَبِ الإِمْكَانِ. اهـ.

فَهُوَ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ مَعْصُومٌ مِنَ الوَسَاوِسِ وَالتَّزْيِينَاتِ الشَّيْطَانِيَّةِ، فَلَا يَتَكَلَّمُ إِلَّا بِالحَقِّ، وَلَا يَنْطِقُ إِلَّا بِالصَّوَابِ، وَلَا يَعْمَلُ إِلَّا بِمَا يَرْضَاهُ اللهُ تعالى.

خَاتِمَةٌ ـ نَسْأَلُ اللهَ تعالى حُسْنَ الخَاتِمَةِ ـ:

أَيُّهَا الإِخْوَةُ الكِرَامُ: حِفْظُ اللهِ تعالى رَسُولَهُ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ مِنَ الخَطَأِ وَالبَاطِلِ وَتَسْدِيدُهُ بِالحَقِّ وَالصَّوَابِ في جَمِيعِ أَحْوَالِهِ:

إِنَّ اللهَ تعالى قَدْ أَيَّدَ رَسُولَهُ سَيِّدَنَا مُحَمَّدَاً صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ بِالحَقِّ، وَسَدَّدَهُ في أَقْوَالِهِ وَأَفْعَالِهِ في جَمِيعِ أَحْوَالِهِ، في حَالِ رِضَاهُ وَغَضَبِهِ، وَحَالِ جِدِّهِ وَمُزَاحِهِ، وَحَالِ صِحَّتِهِ وَمَرَضِهِ.

فَكَانَ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ إِذَا غَضِبَ لَا يُخْرِجُهُ غَضَبُهُ عَنِ الحَقِّ وَالصَّوَابِ، بَلْ هُوَ عَلَى الحَقِّ في حَالِ غَضَبِهِ، كَمَا هُوَ عَلَى الحَقِّ في رِضَاهُ، بِخِلَافِ غَيْرِهِ مِنَ الأُمَّةِ، فَإِنَّ الغَضَبَ قَدْ يُخْرِجُهُمْ عَنِ الاعْتِدَالِ وَالنُّطْقِ بِالصَّوَابِ، وَلِذَلِكَ نَبَّهَنَا رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ إِلَى أَنَّهُ لَا يَعْتَرِيهِ مَا يَعْتَرِي غَيْرَهُ في حَالِ الغَضَبِ، بَلْ هُوَ عَلَى كَمَالِ الاعْتِدَالِ، وَصَوَابِ الأَقْوَالِ  وَالأَفْعَالِ، في سَائِرِ الأَحْوَالِ.

رَوَى أَبُو دَاوُدَ عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ عَمْرٍو قَالَ: كُنْتُ أَكْتُبُ كُلَّ شَيْءٍ أَسْمَعُهُ مِنْ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ أُرِيدُ حِفْظَهُ، فَنَهَتْنِي قُرَيْشٌ وَقَالُوا: أَتَكْتُبُ كُلَّ شَيْءٍ تَسْمَعُهُ مِنْ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ وَرَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ بَشَرٌ يَتَكَلَّمُ فِي الْغَضَبِ، وَالرِّضَا؟!

فَأَمْسَكْتُ عَنِ الْكِتَابِ، فَذَكَرْتُ ذَلِكَ للنَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ.

فَأَوْمَأَ بِأُصْبُعِهِ إِلَى فِيهِ ـ أَيْ: فَمِهِ ـ فَقَالَ: «اكْتُبْ، فَوَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ، مَا يَخْرُجُ مِنْهُ إِلَّا حَقٌّ».

وَعِنْدَ الدَّارَمِيِّ: «اكْتُبْ، فَوَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ، مَا خَرَجَ مِنْهُ إِلَّا حَقٌّ».

نَعَمْ، مَا خَرَجَ مِنْ فَمِهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ وَمَا يَخْرُجُ مِنْهُ إِلَّا حَقٌّ!

اللَّهُمَّ وَفِّقْنَا لِاتِّبَاعِ سَيِّدِنَا رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ. آمين.

**    **    **

تاريخ الكلمة:

الجمعة: 30/ ربيع الثاني /1441هـ، الموافق: 27/ كانون الأول / 2019م