9ـ الشيخ محمد أسعد العبه جي رَحِمَهُ اللهُ تعالى

9ـ الشيخ محمد أسعد العبه جي رَحِمَهُ اللهُ تعالى

1306/1393هـ 1888/1973م

الحمد لله رب العالمين، وأفضل الصلاة وأتم التسليم على سيدنا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين، أما بعد:

هُوَ الشَّيْخُ العَالِمُ المُحَقِّقُ الفَقِيهُ الأُصُولِيُّ اللُّغَوِيُّ مُحَمَّد أَسْعَد العبه جي، الشَّافِعِيُّ الحَلَبِيُّ، وُلِدَ في حَلَبَ وَنَشَأَ فِيهَا، قَرَأَ القُرْآنَ الكَرِيمَ، وَتَلَقَّى دِرَاسَتَهُ الأَوَّلِيَّةَ في المَكَاتِبِ الخَاصَّةِ، ثُمَّ تَلَقَّى العِلْمَ عَلَى كِبَارِ العُلَمَاءِ في عَصْرِهِ، وَمِنْهُمُ الأُسْتَاذُ الشَّيْخُ الفَقِيهُ اللُّغَوِيُّ أَحْمَد المَكْتَبِيُّ الكَبِيرُ في مَدْرَسَةِ الدليواتي، وَمِنْهُمُ الشَّيْخُ مُحَمَّد الكلاوي في المَدْرَسَةِ الشَّعْبَانِيَّةِ، وَالشَّيْخُ اللُّغَوِيُّ المُقْرِئُ قَاضِي القُضَاةِ بَشِيرُ الغُزِّي، وَالشَّيْخُ مُحَمَّد الحَنِيفِيُّ في المَدْرَسَةِ العُثْمَانِيَّةِ، كَمَا تَلَقَّى العِلْمَ عَلَى الشَّيْخِ عَلِي أَفَنْدَي العَالِمِ في الجَامِعِ الأُمَوِيِّ الكَبِيرِ بِحَلَبَ، وَقَدْ أَجَازَهُ الشَّيْخُ أَحْمَد المَكْتَبِيُّ الكَبِيرُ وَالعَلَّامَةُ الشَّيْخُ المُحَدِّثُ مُحَمَّد بَدْرُ الدِّينِ الحَسَنِيُّ مُحَدِّثُ بِلَادِ الشَّامِ؛ مِنْ أَقْرَانِ الشَّيْخِ وَزُمَلَائِهِ في الدَّعْوَةِ وَالتَّدْرِيسِ الشَّيْخُ الصَّالِحُ عِيسَى البيانوي، وَالشَّيْخُ المُحَدِّثُ وَالمُؤَرِّخُ مُحَمَّد رَاغِب الطَّبَّاخُ، وَالشَّيْخُ المُفَسِّرُ أَحْمَد الشَّمَّاع، وَالشَّيْخُ اللُّغَوِيُّ مُحَمَّد النَّاشِد، وَالشَّيْخُ الفَقِيهُ اللُّغَوِيُّ مُحَمَّد نَاجِي أَبُو صَالِح، وَالشَّيْخُ مُحَمَّد نَجِيب خَيَّاطَة فَرَضِيُّ حَلَبَ وَشَيْخُ قُرَّائِهَا، وَغَيْرُهُمْ رَحِمَهُمُ اللهُ تعالى.

للشَّيْخِ كَثِيرٌ مِنَ التَّلَامِيذِ، وَهُمْ كُلُّ مَنْ تَخَرَّجَ مِنَ المَدْرَسَةِ الخُسْرَوِيَّة وَالمَدْرَسَةِ الشَّعْبَانِيَّة في ذَلِكَ الوَقْتِ، وَمِنْ تَلَامِيذِهِ الشَّيْخُ مُحَمَّد الحَامِد الحَمْوِيُّ، وَالعَلَّامَةُ الشَّيْخُ المُحَدِّثُ عَبْدُ الفَتَّاح أَبُو غُدَّة، وَالأَدِيبُ الفَقِيهُ الدُّكتور مُحَمَّد فَوْزِي فَيْضُ اللهِ، وَالأُسْتَاذُ المُحَامِي الفَقِيهُ الشَّيْخُ أَحْمَد مهدي الخضر، وَالأُسْتَاذُ الشَّيْخُ مُحَمَّد عَبْدُ المُحْسِن حَدَّاد، وَغَيْرُهُمْ كَثِيرٌ رَحِمَهُمُ اللهُ تعالى.

عَمِلَ الشَّيْخُ في أَوَّلِ شَبَابِهِ كَاتِبَاً حَاسِبَاً في بَعْضِ المَحَلَّاتِ التِّجَارِيَّةِ، ثُمَّ انْتَقَلَ لِطَلَبِ العِلْمِ، فَأَخَذَهُ عَنْ أَعْيَانِ عَصْرِهِ وَبَرَعَ فِيهِ، ثُمَّ عُيِّنَ مُدِيرَاً في المَدْرَسَةِ الإِسْمَاعِيلِيَّةِ عَامَ 1340هـ/ 1921م ثُمَّ عُيِّنَ مُدِيرَاً للمَدْرَسَةِ الخُسْرَوِيَّة 1342هـ /1923م وَذَلِكَ بَعْدَ جَمْعِ المَدَارسِ العِلْمِيَّةِ، وَكَانَ مُدَرِّسَاً للفِقْهِ الشَّافِعِيِّ وَأُصُولِهِ، وَاللُّغَةِ العَرَبِيَّةِ وَعُلُومِهَا في المَدْرَسَةِ الخُسْرَوِيَّة، ثُمَّ عُيِّنَ مُدَرِّسَاً للفِقْهِ الشَّافِعِيِّ وَأُصُولِهِ في المَدْرَسَةِ الشَّعْبَانِيَّةِ، وَذَلِكَ مُنْذُ تَأْسِيسِهَا عَامَ 1368هـ/1949م ثُمَّ عُيِّنَ مُفْتِيَاً للشَّافِعِيَّةِ بِحَلَبَ، وَاسْتَمَرَّ عَلَى ذَلِكَ أَكْثَرَ مِنْ عِـشْرِينَ عَامَاً، وَبَقِيَ حَتَّى وَفَاتِهِ رَحِمَهُ اللهُ تعالى.

تَرَكَ الشَّيْخُ بَعْضَ المُؤَلَّفَاتِ العِلْمِيَّةِ القَيِّمَةِ، وَالتي كَانَ يُدَرَّسُ بَعْضُهَا في المَدَارِسِ الشَّرْعِيَّةِ:

1ـ سُلَّمُ الوُصُولُ إلى عِلْمِ الأُصُولِ، وَهُوَ كِتَابٌ مُتَوَسِّطٌ في عِلْمِ أُصُولِ الفِقْهِ.

2ـ حَاشِيَةٌ عَلَى كِتَابِ (غَايَةُ الوُصُولِ شَرْحُ كِتَابِ لُبَابِ الأُصُولِ) وَهُوَ مُخْتَـصَرُ كِتَابِ (جَمْعُ الجَوَامِعِ) للقَاضِي زَكَرِيَّا الأَنْصَارِيِّ.

3ـ إِتْحَافُ المُرِيدُ في عِلْمِ التَّجْوِيدِ.

4ـ رِسَالَةٌ في بَيَانِ المَقَادِيرِ الشَّرْعِيَّةِ عَلَى المَذْهَبِ الشَّافِعِيِّ وَالحَنَفِيِّ، وَفِيهَا بَيَانُ نِصَابِ الذَّهَبِ وَالفِضَّةِ عَلَى اللَّيْرَاتِ العُثْمَانِيَّةِ الذَّهَبِيَّةِ، وَبَيَانُ قَدْرِ المُدِّ وَالصَّاعِ وَالرَّطْلِ وَالدِّرْهَمِ وَالدِّينَارِ، وَمِقْدَارُ القُلَّتَيْنِ مِنَ المَاءِ، وَمِقْدَارُ صَدَقَةِ الفِطْرِ، وَغَيْرُ ذَلِكَ.

أَثْنَى عَلَيْهِ زُمَلَاؤُهُ وَتَلَامِيذُهُ مِنَ العُلَمَاءِ ثَنَاءً طَيِّبَاً عَطِرَاً، وَقَدْ أَثْنَى عَلَيْهِ تِلْمِيذُهُ الشَّيْخُ الفَقِيهِ الدُّكتور مُحَمَّد فَوْزِي فَيْضُ اللهِ رَحِمَهُ اللهُ تعالى، حَيْثُ قَالَ: أُسْتَاذُنَا الجَلِيلُ السَّيِّدُ الشَّيْخُ مُحَمَّد أَسْعَد العبه جي مِنْ أَصَحِّ مَنْ عَرَفَتْهُمْ حَلَب عِلْمَاً بِالعَرَبِيَّةِ وَعُلُومِهَا، وَفِقْهَاً بِالمَذْهَبِ الشَّافِعِيِّ، وَخَبَرَاً بِالرِّجَالِ وَالأُسَرِ وَالأَمَاكِنِ قَدِيمِهَا وَحَدِيثِهَا وَأُصُولِهَا وَفُرُوعِهَا.

كَانَ لَطِيفَاً مَعَ تَلَامِيذِهِ، يُحِبُّهُمْ وَيُحِبُّونَهُ، وَلَا يَكَادُ يَخْلُو دَرْسُهُ مِنْ دُعَابَةٍ لَطِيفَةٍ، أَو نُكْتَةٍ طَرِيفَةٍ، لَا يُثْقِلُ عَلَيْهِمْ بِالمَعْلُومَاتِ التي يُلْقِيهَا في نِظَامٍ وَتُؤَدَةٍ، يُحِبُّ الأَمْرَ بِالمَعْرُوفِ وَالنَّهْيَ عَنِ المُنْكَرِ في غَيْرِ شِدَّةٍ، وَيَحُثُّ طُلَّابَهُ عَلَى طَلَبِ العِلْمِ وَحِفْظِ المُتُونِ، وَيُعْنَى بِالشِّعْرِ وَالعَرُوضِ، وَكَانَ رَحِمَهُ اللهُ تعالى دَقِيقَاً في إِلْقَاءِ دُرُوسِهِ، بَلْ فِي كَلَامِهِ وَعَمَلِهِ كُلِّهِ، كَانَ خَفِيفَ الظِّلِّ، كَثِيرَ الابْتِسَامِ، حُلْوَ المَعْـشَرِ، رَقِيقَ الطِّبَاعِ، أَرْيَحِيَّ الشَّمَائِلِ، لَا تَمَلُّ إِذَا سَمِعْتَ حَدِيثَهُ، وَلَا تَشْعُرُ بِالوَقْتِ وَأَنْتَ تُجَالِسُهُ، رَحِمَ اللهُ تعالى الشَّيْخَ مُحَمَّد أَسْعَد العبه جي، لَقَد كَانَ عَالِمَاً بِحَقٍّ، وَكَانَ مُدَرِّسَاً نَاجِحَاً، وَكَانَ أَمِينَاً عَلَى شَرْعِ اللهِ تعالى وَدِينِهِ، يَعْمَلُ للآخِرَةِ وَيَحْسَبُ لِلِقَاءِ اللهِ حِسَابَهُ، فَجَزَاهُ اللهُ تعالى عَنِ المُسْلِمِينَ وَطُلَّابِ العِلْمِ خَيْرَ مَا جَزَى عَالِمَاً عَنْ طُلَّابِهِ.

تُوُفِّيَ الشَّيْخُ بَعْدَ عُمُرٍ حَافِلٍ بِالعِلْمِ وَالتَّعْلِيمِ وَالإِفْتَاءِ وَالتَّدْرِيسِ في عَامِ 1393هـ /1973م وَشَيَّعَتْهُ مَدِينَةُ حَلَبَ مَأْسُوفَةً وَمَحْزُونَةً عَلَيْهِ إلى مَقْبَرَةِ الشَّيْخ سعود، حَيْثُ دُفِنَ فِيهَا؛ رَحِمَهُ اللهُ تعالى رَحْمَةً وَاسِعَةً وَسَائِرَ علَمَاءِ المُسْلِمِينَ. وَالحَمْدُ للهِ رَبِّ العَالَمِينَ.

**      **    **

تاريخ الكلمة:

الخميس: 24/ ربيع الثاني /1439هـ، الموافق: 11/ كانون الثاني / 2018م