24ـ سنن الوضوء

24ـ سنن الوضوء

مقدمة الكلمة:

الحمد لله رب العالمين، وأفضل الصلاة وأتم التسليم على سيدنا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين.

أما بعد، فَيَا أَيُّهَا الإِخْوَةُ الكِرَامُ: بَعْدَ الحَدِيثِ عَنْ فَرَائِضِ الوُضُوءِ، نَتَحَدَّثُ عَنْ سُنَنِ الوُضُوءِ.

وَالسُّنَّةُ هِيَ مَا ثَبَتَ عَنْ سَيِّدِنَا رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ مِنْ أَقْوَالٍ وَأَفْعَالٍ مِمَّا هُوَ تَبْيِينٌ للقُرْآنِ الكَرِيمِ، وَتَفْصِيلٌ للأَحْكَامِ، وَتَعْلِيمٌ للآدَابِ، وَغَيْرُ ذَلِكَ مِنْ مَصَالِحِ العِبَادِ في دُنْيَاهُمْ وَآخِرَتِهِمْ.

سُنَنُ الوُضُوءِ:

أولاً: النِّيَّةُ، وَهَذَا عِنْدَ الحَنَفِيَّةِ، لِأَنَّهُمْ لَا يَرَوْنَ فَرْضِيَّةَ النِّيَّةِ في الوُضُوءِ، وَقَالُوا بِسُنِّيَّةِ النِّيَّةِ في الوُضُوءِ حَتَّى يَنْقَلِبَ إلى عِبَادَةٍ.

ثانياً: التَّسْمِيَةُ:

التَّسْمِيَةُ أَوَّلَ الوُضُوءِ سُنَّةٌ عِنْدَ جُمْهُورِ الفُقَهَاءِ، وَالمُرَادُ بِأَوَّلِ الوُضُوءِ، أَوَّلُ غَسْلِ الكَفَّيْنِ، وَأَفْضَلُ صِيَغِ البَسْمَلَةِ بِسْمِ اللهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ، بَعْدَ التَّعَوُّذِ، وَأَقَلُّهَا بِسْمِ اللهِ، لِقَوْلِهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ: «لَا وُضُوءَ لِمَنْ لَمْ يَذْكُرِ اسْمَ اللهِ عَلَيْهِ» رواه الترمذي عَنْ رَبَاحِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ أَبِي سُفْيَانَ بْنِ حُوَيْطِبٍ، عَنْ جَدَّتِهِ، عَنْ أَبِيهَا.

ثُمَّ الحَمْدُ اللهِ عَلَى نِعْمَةِ الإِسْلَامِ، وَأَنْ جَعَلَ المَاءَ طَهُوراً.

ثالثاً: غَسْلُ اليَدَيْنِ إلى الرُّسْغَيْنِ:

ذَهَبَ جُمْهُورُ الفُقَهَاءِ إلى أَنَّهُ يُسَنُّ غَسْلُ اليَدَيْنِ الطَّاهِرَتَيْنِ إلى الرُّسْغَيْنِ في ابْتِدَاءِ الوُضُوءِ، لِفِعْلِ سَيِّدِنَا رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ، روى الإمام مسلم عَنْ حُمْرَانَ، مَوْلَى عُثْمَانَ أَنَّهُ رَأَى عُثْمَانَ دَعَا بِإِنَاءٍ فَأَفْرَغَ عَلَى كَفَّيْهِ ثَلَاثَ مِرَارٍ فَغَسَلَهُمَا، ثُمَّ أَدْخَلَ يَمِينَهُ فِي الْإِنَاءِ.

وَأَمَّا إِذَا كَانَتَا نَجِسَتَيْنِ فَيَجِبُ غَسْلُهُمَا اتَّفَاقاً.

وَغَسْلُهُمَا للمُسْتَيْقِظِ مِنْ نَوْمِهِ أَشَدُّ تَأْكِيداً، لِقَوْلِهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ: «إِذَا اسْتَيْقَظَ أَحَدُكُمْ مِنْ نَوْمِهِ، فَلَا يَغْمِسْ يَدَهُ فِي الْإِنَاءِ حَتَّى يَغْسِلَهَا ثَلَاثاً، فَإِنَّهُ لَا يَدْرِي أَيْنَ بَاتَتْ يَدُهُ» رواه الإمام مسلم عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ.

وَإِنَّمَا يَبْدَأُ بِغَسْلِهِمَا لِأَنَّهُمَا آلَةُ التَّطْهِيرِ.

رابعاً: المَضْمَضَةُ:

ذَهَبَ جُمْهُورُ الفُقَهَاءِ إلى أَنَّ المَضْمَضَةَ سُنَّةٌ مِنْ سُنَنِ الوُضُوءِ، لِقَوْلِهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ: «عَشْرٌ مِنَ الْفِطْرَةِ: قَصُّ الشَّارِبِ، وَإِعْفَاءُ اللِّحْيَةِ، وَالسِّوَاكُ، وَاسْتِنْشَاقُ الْمَاءِ، وَقَصُّ الْأَظْفَارِ، وَغَسْلُ الْبَرَاجِمِ، وَنَتْفُ الْإِبِطِ، وَحَلْقُ الْعَانَةِ، وَانْتِقَاصُ الْمَاءِ» قَالَ زَكَرِيَّا: قَالَ مُصْعَبٌ: وَنَسِيتُ الْعَاشِرَةَ إِلَّا أَنْ تَكُونَ الْمَضْمَضَةَ. رواه الإمام مسلم عَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهَا.

انْتِقَاصُ الْمَاءِ يَعْنِي نَضْحَ الفَرْجِ بِالمَاءِ بَعْدَ قَضَاءِ الحَاجَةِ.

وَالمَضْمَضَةُ هِيَ تَحْرِيكُ المَاءِ في الفَمِ ثُمَّ مَجُّهُ.

وَالمُبَالَغَةُ في المَضْمَضَةِ سُنَّةٌ لِغَيْرِ الصَّائِمِ، لِقَوْلِهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ: «إِذَا تَوَضَّأْتَ فَأَبْلِغْ فِي الْمَضْمَضَةِ وَالاسْتِنْشَاقِ مَا لَمْ تَكُنْ صَائِماً» أَوْرَدَهُ السُّيُوطِيُّ في الجَامِعِ الكَبِيرِ.

لِأَنَّ المُبَالَغَةَ فِيهَا مِنْ بَابِ التَّكْمِيلِ في التَّطْهِيرِ، فَكَانَتْ مَسْنُونَةً إِلَّا في حَالِ الصَّوْمِ لِمَا فِيهَا مِنْ تَعْرِيضِ الصَّوْمِ للفَسَادِ.

وَالمُبَالَغَةُ في المَضْمَضَةِ تَعْنِي إِيصَالَ المَاءِ إلى أَقْصَى الحَنَكِ، وَوَجْهَيِ الأَسْنَانِ وَاللِّثَّاتِ.

خامساً: الاسْتِنْشاقُ:

ذَهَبَ جُمْهُورُ الفُقَهَاءِ إلى أَنَّ الاسْتِنْشاقَ سُنَّةٌ مِنْ سُنَنِ الوُضُوءِ.

وَالاسْتِنْشاقُ في اللُّغَةِ مِنَ النَّشْقِ، وَهُوَ جَذْبُ المَاءِ بِرِيحِ الأَنْفِ، وَاصْطِلَاحاً هُوَ إِيصَالُ المَاءِ إلى مَا لَانَ مِنَ الأَنْفِ.

سادساً: الاسْتِنْثَارُ:

ذَهَبَ جُمْهُورُ الفُقَهَاءِ إلى أَنَّ الاسْتِنْثَارَ في الوُضُوءِ سُنَّةٌ مِنْ سُنَنِهِ، لِقَوْلِهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ: «إِذَا تَوَضَّأْتَ فَانْتَثِرْ» رواه الترمذي عَنْ سَلَمَةَ بْنِ قَيْسٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ.

وَلِمَا رواه الإمام البخاري عَنْ عَمْرٍو، عَنْ أَبِيهِ، شَهِدْتُ عَمْرَو بْنَ أَبِي حَسَنٍ، سَأَلَ عَبْدَ اللهِ بْنَ زَيْدٍ، عَنْ وُضُوءِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ، فَدَعَا بِتَوْرٍ ـ هُوَ إِنَاءٌ مِن حِجَارَةٍ أَو غَيْرِهِا مِثْلُ القِدْرِـ مِنْ مَاءٍ، فَتَوَضَّأَ لَهُمْ وُضُوءَ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ، فَأَكْفَأَ عَلَى يَدِهِ مِنَ التَّوْرِ، فَغَسَلَ يَدَيْهِ ثَلَاثاً، ثُمَّ أَدْخَلَ يَدَهُ فِي التَّوْرِ، فَمَضْمَضَ وَاسْتَنْشَقَ وَاسْتَنْثَرَ، ثَلَاثَ غَرَفَاتٍ، ثُمَّ أَدْخَلَ يَدَهُ فَغَسَلَ وَجْهَهُ ثَلَاثاً، ثُمَّ غَسَلَ يَدَيْهِ مَرَّتَيْنِ إِلَى المِرْفَقَيْنِ، ثُمَّ أَدْخَلَ يَدَهُ فَمَسَحَ رَأْسَهُ، فَأَقْبَلَ بِهِمَا وَأَدْبَرَ مَرَّةً وَاحِدَةً، ثُمَّ غَسَلَ رِجْلَيْهِ إِلَى الكَعْبَيْنِ».

وَالاسْتِنْثَارُ يَعْنِي طَرْحَ المُتَوَضِّئِ المَاءَ مِنَ الأَنْفِ بِالنَّفَسِ وَاضِعاً أُصْبُعَيْهِ السَّبَّابَةَ وَالإِبْهَامَ مِنَ اليَدِ اليُسْرَى عَلَى أَنْفِهِ عِنْدَ نَثْرِهِ، مُمْسِكاً لَهُ مِنْ أَعْلَاهُ، لِأَنَّهُ أَبْلَغُ في النَّظَافَةِ، وَهَذَا مِنْ تَمَامِ السُّنَّةِ.

فَإِنْ لَمْ يَضَعْ أُصْبُعَيْهِ عَلَى أَنْفِهِ، وَلَا أَنْزَلَ المَاءَ مِنَ الأَنْفِ بِالنَّفَسِ، وَإِنَّمَا نَزَلَ المَاءُ بِنَفْسِهِ، فَلَا يُسَمَّى هَذَا اسْتِنْثَاراً.

سابعاً: مَسْحُ كُلِّ الرَّأْسِ:

ذَهَبَ الحَنَفِيَّةُ وَالشَّافِعِيَّةُ إلى أَنَّ مِنْ سُنَنِ الوُضُوءِ مَسْحَ كُلِّ الرَّأْسِ، لِمَا رواه ابْنُ خَزَيْمَةَ عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ زَيْدٍ الْمَازِنِيِّ قَالَ: مَسَحَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ رَأْسَهُ فِي وُضُوئِهِ مِنْ نَاصِيَتِهِ إِلَى قَفَاهُ، ثُمَّ رَدَّ يَدَيْهِ إِلَى نَاصِيَتِهِ وَمَسَحَ رَأْسَهُ كُلَّهُ.

وَنَصَّ فُقَهَاءُ الحَنَفِيَّةِ عَلَى أَنَّ المُتَوَضِّئَ إِذَا دَاوَمَ عَلَى تَرْكِ اسْتِيعَابِ كُلِّ الرَّأْسِ بِالمَسْحِ بِلَا عُذْرٍ يَأْثَمُ، كَأَنَّهُ رَغِبَ عَنْ سُنَّةِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ.

وَقَالَ الشَّافِعِيَّةُ: يُسَنُّ للمُتَوَضِّئِ مَسْحُ كُلِّ الرَّأْسِ للاتِّبَاعِ، وَخُرُوجاً مِنْ خِلَافِ مِنْ أَوْجَبَهُ، لِأَنَّ مَسْحَ كُلِّ الرَّأْسِ فَرْضٌ عِنْدَ المَالِكِيَّةِ وَالحَنَابِلَةِ.

وَيُسَنُّ مَسْحُ كُلِّ الرَّأْسِ مَرَّةً وَاحِدَةً بِمَاءٍ وَاحِدٍ عِنْدَ الحَنَفِيَّةِ.

وَعِنْدَ الشَّافِعِيَّةِ يُسَنُّ مَسْحُ كُلِّ الرَّأْسِ ثَلَاثَ مَرَّاتٍ.

هذا، والله تعالى أعلم.

أَسْأَلُ اللهَ تعالى أَنْ يُفَقِّهَنَا في الدِّينِ، وَيُعَلِّمَنَا التَّأْوِيلَ، وَيَرْزُقَنَا العَمَلَ بِمَا نَعْلَمُ. آمين.

**    **    **

تاريخ الكلمة:

الاثنين: 23/ جمادى الآخرة /1441هـ، الموافق: 17/شباط / 2020م