115ـ كلمات في مناسبات: يقيننا بأن الرزاق هو الله تعالى

115ـ كلمات في مناسبات: يقيننا بأن الرزاق هو الله تعالى

مقدمة الكلمة:

الحمد لله رب العالمين، وأفضل الصلاة وأتم التسليم على سيدنا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين.

أما بعد، فَيَا أَيُّهَا الإِخْوَةُ الكِرَامُ: حَقِيقَةٌ يَجِبُ أَنْ لَا تَغِيبَ عَنَّا أَبَدًا، الرَّزَّاقُ هُوَ اللهُ تعالى، اللهُ الذي تَكَفَّلَ بِأَرْزَاقِ العِبَادِ وَالدَّوَابِّ التي تَدُبُّ عَلَى وَجْهِ الأَرْضِ، قَالَ تعالى: ﴿وَمَا مِنْ دَابَّةٍ فِي الْأَرْضِ إِلَّا عَلَى اللهِ رِزْقُهَا وَيَعْلَمُ مُسْتَقَرَّهَا وَمُسْتَوْدَعَهَا كُلٌّ فِي كِتَابٍ مُبِينٍ﴾. دَوَابُّ وَمَخْلُوقَاتٌ لَا يُحْصِيهَا عِلْمُ بَشَرٍ، كُلُّهَا رِزْقُهَا عَلَى اللهِ تعالى.

أَيُّهَا الإِخْوَةُ الكِرَامُ: إِذَا كَانَ رَبُّنَا عَزَّ وَجَلَّ يَرْزُقُ الكَافِرِينَ وَالمُلْحِدِينَ، فَهَلْ يَنْسَى عِبَادَهُ الذينَ آمَنُوا بِهِ وَوَحَّدُوهُ؟ حَاشَاهُ تَبَارَكَ وتعالى، قَالَ تعالى: ﴿وَفِي السَّمَاءِ رِزْقُكُمْ وَمَا تُوعَدُونَ * فَوَرَبِّ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ إِنَّهُ لَحَقٌّ مِثْلَ مَا أَنَّكُمْ تَنْطِقُونَ﴾.

السُّؤَالُ الذي يَطْرَحُ نَفْسَهُ: هَلْ رِزْقُنَا في السَّمَاءِ أَمْ في الأَرْضِ؟

ظَاهِرُ الأَمْرِ أَرْزَاقُنَا في الأَرْضِ، وَلَكِنَّ الحَقَّ تعالى أَرَادَ أَنْ يَلْفِتَ أَنْظَارَنَا إلى حَقِيقَةٍ، وَهِيَ: لَا بُدَّ مِنَ الأَخْذِ بِالأَسْبَابِ، وَلَكِنْ يَجِبُ أَنْ نَعْتَقِدَ اعْتِقَادًا جَازِمًا بِأَنَّ الأَسْبَابَ لَيْسَتْ هِيَ الرَّزَّاقَةُ، فَالأَسْبَابُ وَحْدَهَا لَا تَضُرُّ وَلَا تَنْفَعُ، وَلَا تُعْطِي وَلَا تَمْنَعُ، إِلَّا بِأَمْرِ مُسَبِّبِ الأَسْبَابِ وَخَالِقِهَا جَلَّ جَلَالُهُ ﴿وَمَا تَشَاءُونَ إِلَّا أَنْ يَشَاءَ اللهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ﴾.

«كُلُّكُمْ جَائِعٌ، إِلَّا مَنْ أَطْعَمْتُهُ»:

أَيُّهَا الإِخْوَةُ الكِرَامُ: اسْمَعُوا الحَدِيثَ القُدْسِيَّ العَظِيمَ، يَقُولُ اللهُ عَزَّ وَجَلَّ فِيهِ: «يَا عِبَادِي كُلُّكُمْ جَائِعٌ، إِلَّا مَنْ أَطْعَمْتُهُ، فَاسْتَطْعِمُونِي أُطْعِمْكُمْ، يَا عِبَادِي كُلُّكُمْ عَارٍ، إِلَّا مَنْ كَسَوْتُهُ، فَاسْتَكْسُونِي أَكْسُكُمْ» رواه الإمام مسلم عَنْ أَبِي ذَرٍّ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ.

هَذَا الحَدِيثُ القُدْسِيُّ العَظِيمُ يَجْعَلُ في نَفْسِ المُؤْمِنِ قُوَّةً وَعِزَّةً تَجْعَلُهُ لَا يَنْحَنِي أَمَامَ أَحَدٍ مِنْ خَلْقِ اللهِ تعالى، تَجْعَلُهُ لَا يَخْشَى مِنْ فَقْدِ مَعُونَةٍ وَلَا تِجَارَةٍ، وَلَا تَصْدِيرٍ وَلَا اسْتِيرَادٍ، وَلَا حِصَارٍ، وَلَا عُقُوبَةٍ قَيْصَرِيَّةٍ، لِأَنَّ الذي يَرْزُقُ الشَّرْقَ وَالغَرْبَ هُوَ اللهُ تعالى.

أَيُّهَا الإِخْوَةُ الكِرَامُ: لِنُجَدِّدِ إِيمَانَنَا بِاللهِ تعالى، وَلْنَغْرِسْ في نُفُوسِنَا وَفي نُفُوسِ أَبْنَائِنَا بِأَنَّ اللهَ هُوَ الرَّزَّاقُ ذُو القَوَّةِ المَتِينُ، وَلْنَغْرِسْ في نُفُوسِنَا جَمِيعًا حَدِيثَ سَيِّدِنَا رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ: «إِنَّ يَمِينَ اللهِ مَلْأَى لَا يَغِيضُهَا نَفَقَةٌ، سَحَّاءُ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ، أَرَأَيْتُمْ مَا أَنْفَقَ مُنْذُ خَلَقَ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضَ، فَإِنَّهُ لَمْ يَنْقُصْ مَا فِي يَمِينِهِ، وَعَرْشُهُ عَلَى المَاءِ، وَبِيَدِهِ الأُخْرَى الفَيْضُ ـ أَوِ القَبْضُ ـ يَرْفَعُ وَيَخْفِضُ» رواه الإمام البخاري عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ.

لَا تَحْزَنُوا، فَاللهُ تعالى مَعَكُمْ إِنِ اتَّقَيْتُمْ:

أَيُّهَا الإِخْوَةُ الكِرَامُ: لَا تَحْزَنُوا، وَخَاصَّةً في هَذِهِ الآوِنَةِ، فَاللهُ تعالى مَعَكُمْ إِنِ اتَّقَيْتُمْ، سَيَجْعَلُ لَكُمْ مَخْرَجًا، أَلَيْسَ هُوَ القَائِلُ: ﴿وَمَنْ يَتَّقِ اللهَ يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجًا * وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لَا يَحْتَسِبُ﴾؟

لَا تَحْزَنُوا، لِأَنَّ الحُزْنَ يُضْعِفُنَا في العِبَادَةِ، وَيُورِثُنَا الإِحْبَاطَ وَيَدْعُو إلى سُوءِ الظَّنِّ، وَيُوقِعُ التَّشَاؤُمَ، وَهَذَا مَا يُرِيدُهُ مِنَّا عَدُوُّنَا.

لَا تَحْزَنُوا، مَا دَامَتْ صِلَتُكُمْ بِكِتَابِ رَبِّكُمْ عَزَّ وَجَلَّ، وَبِكَثْرَةِ ذِكْرِكُمْ للهِ تعالى، مَعَ كَثْرَةِ صَلَاةِ النَّافِلَةِ، روى أبو داود عَنْ حُذَيْفَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قَالَ: «كَانَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ إِذَا حَزَبَهُ أَمْرٌ، صَلَّى».

لَا تَحْزَنُوا، مَا دُمْتُمْ مِنْ أَهْلِ الصَّدَقَاتِ، وَفِعْلِ المَعْرُوفِ، فَصَاحِبُ المَعْرُوفِ لَا يَقَعُ، وَإِذَا وَقَعَ وَجَدَ مُتَّكَأً.

لَا تَحْزَنُوا يَا عِبَادَ اللهِ، فَإِنَّ الحُزْنَ وَالقَلَقَ مِنْ أَسْبَابِ الأَمْرَاضِ النَّفْسِيَّةِ، وَمَصْدَرٌ مِنْ مَصَادِرِ الآلَامِ العَصَبِيَّةِ.

لَا تَحْزَنُوا، وَلَا تَسْتَسْلِمُوا للحُزْنِ، وَتَذَكَّرُوا قَوْلَ اللهِ تعالى: ﴿وَلَقَدْ نَعْلَمُ أَنَّكَ يَضِيقُ صَدْرُكَ بِمَا يَقُولُونَ * فَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ وَكُنْ مِنَ السَّاجِدِينَ * وَاعْبُدْ رَبَّكَ حَتَّى يَأْتِيَكَ الْيَقِينُ﴾.

هَلْ مِنَ المَعْقُولِ أَنْ يَحْزَنَ العَبْدُ المُؤْمِنُ، وَمَوْلَاهُ الذي تَوَلَّاهُ قَالَ لَهُ: ﴿ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ﴾. وَقَالَ لَهُ: ﴿ادْعُوا رَبَّكُمْ تَضَرُّعًا وَخُفْيَةً﴾. وَقَالَ لَهُ: ﴿فَادْعُوا اللهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ وَلَوْ كَرِهَ الْكَافِرُونَ﴾. وَقَالَ لَهُ: ﴿قُلِ ادْعُوا اللهَ أَوِ ادْعُوا الرَّحْمَنَ أَيًّا مَا تَدْعُوا فَلَهُ الْأَسْمَاءُ الْحُسْنَى﴾.

خَاتِمَةٌ ـ نَسْأَلُ اللهَ تعالى حُسْنَ الخَاتِمَةَ ـ:

أَيُّهَا الإِخْوَةُ الكِرَامُ: إِذَا لَمْ نَعِشْ في حُدُودِ يَوْمِنَا تَشَتَّتَتْ أَذْهَانُنَا، وَاضْطَرَبَتْ عَلَيْنَا أُمُورُنَا، وَكَثُرَتْ هُمُومُنَا وَأَحْزَانُنَا، وَهَذَا مَا يُرِيدُهُ مِنَّا عَدُوُّنَا، أَلَمْ يَقُلْ لَنَا مُرْشِدُنَا الأَعْظَمُ وَحَبِيبُنَا الأَكْرَمُ: «كُنْ فِي الدُّنْيَا كَأَنَّكَ غَرِيبٌ أَوْ عَابِرُ سَبِيلٍ».

وَكَانَ ابْنُ عُمَرَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا يَقُولُ: «إِذَا أَمْسَيْتَ فَلَا تَنْتَظِرِ الصَّبَاحَ، وَإِذَا أَصْبَحْتَ فَلَا تَنْتَظِرِ المَسَاءَ، وَخُذْ مِنْ صِحَّتِكَ لِمَرَضِكَ، وَمِنْ حَيَاتِكَ لِمَوْتِكَ»

لِنَنْسَ المَاضِي بِمَا فِيهِ، مِنْ هُمُومٍ وَأَحْزَانٍ، لِأَنَّ الاهْتِمَامَ بِهِ جُنُونٌ وَحُمْقٌ.

وَلَا تَشْتَغِلْ بِالمُسْتَقْبَلِ فَهُوَ غَيْبٌ قَدْ لَا يَأْتِينَا.

وَلْنَكُنْ عَلَى يَقِينٍ بِأَنَّ قَضَاءَ اللهِ تعالى لِكُلِّ مُؤْمِنٍ هُوَ خَيْرٌ لَهُ، لِنُفَكِّرْ في النِّعَمِ البَاقِيَةِ وَلْنَشْكُرِ اللهَ عَلَيْهَا.

وَلْنَكُنْ عَلَى يَقِينٍ بِأَنَّ المَصَائِبَ هِيَ مَرْهَمٌ للبَصَائِرِ وَقُوَّةٌ للقَلْبِ، وَلْنَسْتَحْضِرْ قَوْلَهُ تعالى: ﴿فَإِنَّ مَعَ الْعُسْرِ يُسْرًا * إِنَّ مَعَ الْعُسْرِ يُسْرًا﴾. وَلَنْ يَغْلِبَ عُسْرٌ يُسْرَيْنِ.

وَلْنَحْذَرْ مِنْ بَثِّ الرُّعْبِ وَالخَوْفِ مِنَ الفَقْرِ، لَا يَكُنْ أَحَدُنَا بُوقًا للشَّيْطَانِ، قَالَ تعالى: ﴿الشَّيْطَانُ يَعِدُكُمُ الْفَقْرَ وَيَأْمُرُكُمْ بِالْفَحْشَاءِ وَاللهُ يَعِدُكُمْ مَغْفِرَةً مِنْهُ وَفَضْلًا وَاللهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ﴾.

اللَّهُمَّ عَجِّلْ بِالفَرَجِ عَنَّا يَا أَرْحَمَ الرَّاحِمِينَ. آمين.

**    **    **

تاريخ الكلمة:

الأربعاء: 25/ شوال /1441هـ، الموافق: 17/ حزيران / 2020م