716ـ خطبة الجمعة: يا من ترك زوجته معلقة

716ـ خطبة الجمعة: يا من ترك زوجته معلقة

مقدمة الخطبة:

الحمد لله رب العالمين، وأفضل الصلاة وأتم التسليم على سيدنا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين.

أَمَّا بَعْدُ، فَيَا عِبَادَ اللهِ: الظُّلْمُ خُلُقٌ ذَمِيمٌ، وَعَمَلٌ سَيِّءٌ، وَمَرْتَعٌ وَخِيمٌ، وَعَاقِبَتُهُ سَيِّئَةٌ في الدُّنْيَا وَالآخِرَةِ، وَسَبَبٌ لِحُلُولِ العُقُوبَاتِ وَالمَثُلَاتِ، وَأَمَّا في الآخِرَةِ فَهُوَ ظُلُمَاتٌ بَعْضُهَا فَوْقَ بَعْضٍ.

الظُّلْمُ مُحَرَّمٌ في جَمِيعِ الشَّرَائِعِ السَّمَاوِيَّةِ، وَالتَّشْرِيعَاتِ الوَضْعِيَّةِ، قَالَ تعالى: ﴿وَلَا تَحْسَبَنَّ اللهَ غَافِلًا عَمَّا يَعْمَلُ الظَّالِمُونَ إِنَّمَا يُؤَخِّرُهُمْ لِيَوْمٍ تَشْخَصُ فِيهِ الْأَبْصَارُ * مُهْطِعِينَ مُقْنِعِي رُءُوسِهِمْ لَا يَرْتَدُّ إِلَيْهِمْ طَرْفُهُمْ وَأَفْئِدَتُهُمْ هَوَاءٌ﴾. وَقَالَ تعالى في الحَدِيثِ القُدْسِيِّ: «يَا عِبَادِي، إِنِّي حَرَّمْتُ الظُّلْمَ عَلَى نَـفْسِي، وَجَعَلْتُهُ بَيْنَكُمْ مُحَرَّمًا، فَلَا تَظَالَمُوا» رواه الإمام مسلم عَنْ أَبِي ذَرٍّ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ.

وَقَالَ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ: «وَاتَّقِ دَعْوَةَ الْمَظْلُومِ، فَإِنَّهُ لَيْسَ بَيْنَهَا وَبَيْنَ اللهِ حِجَابٌ» رواه الإمام مسلم عَنْ مُعَاذِ بْنِ جَبَلٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ.

مَنْ يَتَحَمَّلُ مَسْؤُولِيَّةَ الزَّوْجَةِ؟

يَا عِبَادَ اللهِ: مِنْ بِدَايَةِ الأَزْمَةِ التي مَرَّتْ عَلَى بِلَادِنَا المُبَارَكَةِ، خَاطَبْنَا أَوْلِيَاءَ البَنَاتِ، لَا تُزَوِّجُوا بَنَاتِكُمْ إِلَّا بَعْدَ تَوْثِيقِ عَقْدِ الزَّوَاجِ في المَحَاكِمِ الشَّرْعِيَّةِ خَشْيَةَ المُضَارَّةِ بِبَنَاتِكُمْ، وَلَكِنْ لَا أُذُنَ صَاغِيَةٌ عِنْدَ الكَثِيرِ مِنَ النَّاسِ، حَتَّى حَلَّتِ الطَّامَّاتُ الكُبْرَى، وَأَصْبَحَ الكَثِيرُ مِنْ بَنَاتِ المُسْلِمِينَ زَوْجَاتٍ مُعَلَّقَاتٍ، لَا هِيَ زَوْجَةٌ تَتَمَتَّعُ بِحُقُوقِهَا الزَّوْجِيَّةِ مَعَ زَوْجِهَا، وَلَا هِيَ مُطَلَّقَةٌ، وَحَسْبُنَا اللهُ وَنِعْمَ الوَكِيلُ.

كَمْ مِنِ امْرَأَةٍ تَمَّ عَقْدُ الزَّوَاجِ عَلَيْهَا بِدُونِ تَثْبِيتِ العَقْدِ في المَحْكَمَةِ الـشَّرْعِيَّةِ، وَتَرَكَهَا زَوْجُهَا مُعَلَّقَةً سَنَوَاتٍ، تُرِيدُ الزَّوَاجَ لَا تَسْتَطِيعُ لِأَنَّهَا مُتَزَوِّجَةٌ حُكْماً، تَطْلُبُ الطَّلَاقَ مِنْ زَوْجِهَا لَا يُطَلِّقُ.

مَنْ يَتَحَمَّلْ هَذَا الظُّلْمَ بَعْدَ الزَّوْجِ؟ هُوَ أَنْتَ يَا وَلِيَّ الفَتَاةِ، لِأَنَّهُ كَانَ بِالإِمْكَانِ أَنْ تَطْلُبَ مِنَ الخَاطِبِ أَنْ تَكُونَ العِصْمَةُ في يَدِهَا مَا دُمْتَ لَا تَسْتَطِيعُ أَنْ تُثَبِّتَ عَقْدَ الزَّوَاجِ في المَحْكَةِ الشَّرْعِيَّةِ.

يَا مَنْ تَرَكَ زَوْجَتَهُ مُعَلَّقَةً:

يَا عِبَادَ اللهِ: إِنِّي أَتَوَجَهُ إلى كُلِّ رَجُلٍ تَزَوَّجَ مِنِ امْرَأَةٍ وَتَرَكَهَا مُعَلَّقَةً، لَيْسَتْ بِزَوْجَةٍ وَلَيْسَتْ مُطَلَّقَةً، فَأَقُولُ لَهُ: يَا عَبْدَ اللهِ، تَذَكَّرْ قَوْلَ اللهِ تعالى: ﴿أَلَا يَظُنُّ أُولَئِكَ أَنَّهُمْ مَبْعُوثُونَ * لِيَوْمٍ عَظِيمٍ * يَوْمَ يَقُومُ النَّاسُ لِرَبِّ الْعَالَمِينَ﴾.

وَتَذَكَّرْ قَوْلَ اللهِ عَزَّ وَجَلَّ: ﴿فَإِمْسَاكٌ بِمَعْرُوفٍ أَوْ تَسْرِيحٌ بِإِحْسَانٍ﴾.

وَتَذَكَّرْ قَوْلَ اللهِ عَزَّ وَجَلَّ: ﴿وَلَا تُمْسِكُوهُنَّ ضِرَارًا لِتَعْتَدُوا وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ فَقَدْ ظَلَمَ نَفْسَهُ﴾.

وَتَذَكَّرْ قَوْلَ اللهِ عَزَّ وَجَلَّ: ﴿وَلَا تُضَارُّوهُنَّ لِتُضَيِّقُوا عَلَيْهِنَّ﴾.

وَتَذَكَّرْ قَوْلَ اللهِ عَزَّ وَجَلَّ: ﴿وَلَا تَعْضُلُوهُنَّ لِتَذْهَبُوا بِبَعْضِ مَا آتَيْتُمُوهُنَّ﴾.

أَتَظُنُّ يَا عَبْدَ اللهِ، أَنَّكَ لَسْتَ بِرَاجِعٍ إلى اللهِ تعالى؟ مَا أَنْتَ قَائِلٌ لِرَبِّكَ عِنْدَمَا تَرَكْتَ هَذِهِ الزَّوْجَةَ مُعَلَّقَةً؟

يَا مَنْ تَرَكَ زَوْجَتَهُ مُعَلَّقَةً: أَمَا سَمِعْتَ قَوْلَ اللهِ تعالى: ﴿وَإِنْ أَرَدْتُمُ اسْتِبْدَالَ زَوْجٍ مَكَانَ زَوْجٍ وَآتَيْتُمْ إِحْدَاهُنَّ قِنْطَارًا فَلَا تَأْخُذُوا مِنْهُ شَيْئًا أَتَأْخُذُونَهُ بُهْتَانًا وَإِثْمًا مُبِينًا * وَكَيْفَ تَأْخُذُونَهُ وَقَدْ أَفْضَى بَعْضُكُمْ إِلَى بَعْضٍ وَأَخَذْنَ مِنْكُمْ مِيثَاقًا غَلِيظًا﴾. مَا أَنْتَ قَائِلٌ لِرَبِّكَ يَوْمَ القِيَامَةِ؟

أَمَا سَمِعْتَ قَوْلَ سَيِّدِنَا رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ: «أَلَا وَاسْتَوْصُوا بِالنِّسَاءِ خَيْرًا، فَإِنَّمَا هُنَّ عَوَانٌ عِنْدَكُمْ»؟ رواه الترمذي عَنْ عَمْرِو بْنِ الأَحْوَصِ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ.

مَا أَنْتَ قَائِلٌ لِرَبِّكَ الذي قَالَ لَكَ: ﴿وَمَنْ يَعْصِ اللهَ وَرَسُولَهُ وَيَتَعَدَّ حُدُودَهُ يُدْخِلْهُ نَارًا خَالِدًا فِيهَا وَلَهُ عَذَابٌ مُهِينٌ﴾؟

أَمَا سَمِعْتَ قَوْلَ سَيِّدِنَا رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ: «مَنْ كَانَ يُؤْمِنُ بِاللهِ وَاليَوْمِ الآخِرِ فَلاَ يُؤْذِي جَارَهُ، وَاسْتَوْصُوا بِالنِّسَاءِ خَيْرًا، فَإِنَّهُنَّ خُلِقْنَ مِنْ ضِلَعٍ، وَإِنَّ أَعْوَجَ شَيْءٍ فِي الضِّلَعِ أَعْلاَهُ، فَإِنْ ذَهَبْتَ تُقِيمُهُ كَسَرْتَهُ، وَإِنْ تَرَكْتَهُ لَمْ يَزَلْ أَعْوَجَ، فَاسْتَوْصُوا بِالنِّسَاءِ خَيْرًا» رواه الإمام البخاري عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ.

أَمَا سَمِعْتَ قَوْلَ سَيِّدِنَا رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ: «إِنِّي أُحَرِّجُ عَلَيْكُمْ حَقَّ الضَّعِيفَيْنِ الْيَتِيمِ وَالْمَرْأَةِ» رواه الحاكم عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ.

مَا أَنْتَ قَائِلٌ لِرَبِّكَ عَزَّ وَجَلَّ القَائِلِ: ﴿يَوْمَئِذٍ يَوَدُّ الَّذِينَ كَفَرُوا وَعَصَوُا الرَّسُولَ لَوْ تُسَوَّى بِهِمُ الْأَرْضُ وَلَا يَكْتُمُونَ اللهَ حَدِيثًا﴾.

خَاتِمَةٌ ـ نَسْأَلُ اللهَ تعالى حُسْنَ الخَاتِمَةَ ـ:

يَا عِبَادَ اللهِ: لَقَدْ حَذَّرَ اللهُ تعالى الرَّجُلَ أَنْ يَتْرُكَ زَوْجَتَهُ مُعَلَّقَةً، فَقَالَ تعالى: ﴿وَلَنْ تَسْتَطِيعُوا أَنْ تَعْدِلُوا بَيْنَ النِّسَاءِ وَلَوْ حَرَصْتُمْ فَلَا تَمِيلُوا كُلَّ الْمَيْلِ فَتَذَرُوهَا كَالْمُعَلَّقَةِ وَإِنْ تُصْلِحُوا وَتَتَّقُوا فَإِنَّ اللهَ كَانَ غَفُورًا رَحِيمًا﴾.

وَفي هَذَا نَهْيٌ وَتَقْرِيعٌ للرَّجُلِ الذي تَرَكَ زَوْجَتَهُ مُعَلَّقَةً، لَا هِيَ تَتَمَتَّعُ بِحُقُوقِهَا الزَّوْجِيَّةِ، وَلَا هِيَ مُطَلَّقَةٌ يُمْكِنُهَا أَنْ تَتَزَوَّجَ مِنْ رَجُلٍ آخَرَ تَسْعَدُ بِحُقُوقِهَا، لِذَلِكَ أَقُولُ: يَا مَنْ تَرَكَ زَوْجَتَهُ مُعَلَّقَةً، لَا تَظُنَّ بِأَنَّ اللهَ غَافِلٌ عَنْكَ، وَلَكِنْ رَبُّنَا يُمْهِلُ وَلَا يُهْمِلُ، فَبَادِرْ بِالتَّوْبَةِ، وَاللهِ أَنَا لَكَ نَاصِحٌ أَمِينٌ.

تَذَكَّرْ قَوْلَ اللهِ تعالى: ﴿اقْتَرَبَ لِلنَّاسِ حِسَابُهُمْ وَهُمْ فِي غَفْلَةٍ مُعْرِضُونَ * مَا يَأْتِيهِمْ مِنْ ذِكْرٍ مِنْ رَبِّهِمْ مُحْدَثٍ إِلَّا اسْتَمَعُوهُ وَهُمْ يَلْعَبُونَ * لَاهِيَةً قُلُوبُهُمْ﴾.

اللَّهُمَّ رُدَّنَا إِلَيْكَ رَدًّا جَمِيلًا. آمين.

أقول هذا القول، وأستغفر الله لي ولكم، فاستغفروه إنه هو الغفور الرحيم.

**    **    **

تاريخ الخطبة:

الجمعة: 26/ ذو القعدة /1441هـ، الموافق: 17/تموز / 2020م