6ـ كلمة مباركة وتهنئة بمناسبة ذكرى مولد أشرف الكائنات على الإطلاق سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم

 

الحمد لله رب العالمين، وأفضل الصلاة وأتم التسليم على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين، أما بعد:

فيا إخواني ويا أحبتي يا أحباب سيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم، أبارك لنفسي وأبارك لكم هذه الذكرى العطرة ذكرى مولد سيدنا الكائنات وفخرها سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم، ونحمد الله عز وجل بجميع محامده ما علمنا منها وما لم نعلم أن مَنَّ علينا بهذا الحبيب الأعظم سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم، ومنَّ علينا بأن جعلنا من أمَّته صلى الله عليه وسلم، ومَنَّ علينا أن هدانا للإيمان به، فيا ربَّنا لك الحمد كما ينبغي لجلال وجهك ولعظيم سلطانك.

إخواني وأحبائي: الحبُّ الكامل التام النافع ما كان بين اثنين متقابلين متقاربين، أما إذا كان بين شريف ووضيع، أو بين كامل وناقص، أو بين عالٍ ونازل، فهذا فضلٌ وتكرُّم من الأول، فكيف إذا كان من سيد الأنبياء وسيد المرسلين وسيد أولي العزم من الرسل وبين سائر أفراد أمَّته؟

وإذا كان الكاملُ الشريفُ العالي السيدُ الأعظم يقدِّم حُبَّه لمن دونه فليس من الإنصاف أن يتأخَّر الوضيع الناقص النازل في محبَّته، بل على العكس يُسرع في محبَّته وشوقه، لكون الذي أحبَّه هو ممن فوقه وليس في مستواه.

لذلك كان لزاماً علينا أن نسرع في حبِّه صلى الله عليه وسلم ونَحِنَّ إليه ونشتاق إليه، لأن صاحب السند الأعظم صلى الله عليه وسلم كان يَحِنُّ ويشتاق ويودُّ رؤية مُحِبِّيه وأحبابه صلى الله عليه وسلم.

جاء في صحيح مسلم عن أبي هريرة رضي الله عنه أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَتَى الْمَقْبُرَةَ فَقَالَ: (السَّلامُ عَلَيْكُمْ دَارَ قَوْمٍ مُؤْمِنِينَ، وَإِنَّا إِنْ شَاءَ اللَّهُ بِكُمْ لاحِقُونَ، وَدِدْتُ أَنَّا قَدْ رَأَيْنَا إِخْوَانَنَا)، قَالُوا: أَوَلَسْنَا إِخْوَانَكَ يَا رَسُولَ اللَّهِ؟ قَالَ: (أَنْتُمْ أَصْحَابِي، وَإِخْوَانُنَا الَّذِينَ لَمْ يَأْتُوا بَعْدُ)، فَقَالُوا: كَيْفَ تَعْرِفُ مَنْ لَمْ يَأْتِ بَعْدُ مِنْ أُمَّتِكَ يَا رَسُولَ اللَّهِ؟ فَقَالَ: (أَرَأَيْتَ لَوْ أَنَّ رَجُلاً لَهُ خَيْلٌ غُرٌّ مُحَجَّلَةٌ بَيْنَ ظَهْرَيْ خَيْلٍ دُهْمٍ بُهْمٍ، أَلا يَعْرِفُ خَيْلَهُ)؟ قَالُوا: بَلَى يَا رَسُولَ اللَّهِ، قَالَ: (فَإِنَّهُمْ يَأْتُونَ غُرًّا مُحَجَّلِينَ مِنْ الْوُضُوءِ، وَأَنَا فَرَطُهُمْ عَلَى الْحَوْضِ، أَلا لَيُذَادَنَّ رِجَالٌ عَنْ حَوْضِي كَمَا يُذَادُ الْبَعِيرُ الضَّالُّ، أُنَادِيهِمْ: أَلا هَلُمَّ، فَيُقَالُ: إِنَّهُمْ قَدْ بَدَّلُوا بَعْدَكَ، فَأَقُولُ: سُحْقًا سُحْقًا).

إخواني وأحبَّائي: فما جزاء من يُحِبُّ إلا أن يُحَبَّ، وما جزاء من يَشتاق إلا أن يُشتاقَ إليه، لذلك كان لزاماً علينا ما يأتي:

أولاً: تقديم محبَّته صلى الله عليه وسلم على محبَّة الوالد والولد، لما روى الإمام البخاري عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: (فَوَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ لا يُؤْمِنُ أَحَدُكُمْ حَتَّى أَكُونَ أَحَبَّ إِلَيْهِ مِنْ وَالِدِهِ وَوَلَدِهِ).

فقد حلف النبي صلى الله عليه وسلم على نفي الإيمان الكامل عمن لم يقدِّم محبَّته صلى الله عليه وسلم على محبة الوالد والولد، وذَكَرَ النبي صلى الله عليه وسلم الوالدَ والولدَ لأنهما أعزُّ على العاقل من الأهل والمال، بل ربَّما أن يكونا أعزَّ من النفس.

ثانياً: تقديم محبَّته صلى الله عليه وسلم على محبة الوالد والولد والناس أجمعين، لما روى البخاري ومسلم عن أنس بن مالك رضي الله عنه قال: قال النبي صلى الله عليه وسلم: (لا يُؤْمِنُ أَحَدُكُمْ حَتَّى أَكُونَ أَحَبَّ إِلَيْهِ مِنْ وَالِدِهِ وَوَلَدِهِ وَالنَّاسِ أَجْمَعِينَ).

ثالثاً: تقديم محبَّته صلى الله عليه وسلم على النفس، لما روى البخاري عن عبد الله بن هشام رضي الله عنه قال: كُنَّا مَعَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَهُوَ آخِذٌ بِيَدِ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ، فَقَالَ لَهُ عُمَرُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ لأَنْتَ أَحَبُّ إِلَيَّ مِنْ كُلِّ شَيْءٍ إِلا مِنْ نَفْسِي، فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (لا وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ حَتَّى أَكُونَ أَحَبَّ إِلَيْكَ مِنْ نَفْسِكَ) فَقَالَ لَهُ عُمَرُ: فَإِنَّهُ الآنَ وَاللَّهِ لأَنْتَ أَحَبُّ إِلَيَّ مِنْ نَفْسِي، فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (الآنَ يَا عُمَرُ).

إخوتي وأحبائي: في القدر كفاية، أسأل الله تعالى أن يجعل حُبَّه صلى الله عليه وسلم أحبَّ إلينا من آبائنا وأمَّهاتنا وأبنائنا وأزواجنا ومن الماء البارد على الظمأ، وأن يكون صلى الله عليه وسلم أحبَّ إلينا من الخلق أجمعين، ومن أنفسنا التي بين جنباتنا. آمين.

أخوكم الراجي دعوة صالحة

أحمد شريف النعسان

**     **     **