189ـ تبرك الصحابة بدم النبي صلى الله عليه وسلم

189ـ تبرك الصحابة بدم النبي صلى الله عليه وسلم

مقدمة الكلمة:

الحمد لله رب العالمين، وأفضل الصلاة وأتم التسليم على سيدنا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين، أما بعد:

فَيَا أَيُّهَا الإِخْوَةُ الكِرَامُ:

حَدِيثُهُ، أَوحَدِيثٌ عَـنْهُ يُطْرِبُني   ***   هَذَا إِذَا غَابَ، أَوْ هَذَا إِذَا حَضَرَا

كِـلَاهُمَا حَـسَنٌ عِـنْدِي أُسَرُّ بِهِ   ***    لَكِنَّ أَحْلَاهُمَا مَا وَافَقَ الـــنَّظَرَا

يَقُولُ الشَّيْخُ العَلَّامَةُ المُحَدِّثُ عَبْدُ اللهِ سِرَاجُ الدِّينِ رَحِمَهُ اللهُ تعالى في كِتَابِهِ: سَيِّدُنَا مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ:

تَبَرُّكُ الصَّحَابَةِ بِدَمِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ:

أَخْرَجَ الطَّبَرَانِيُّ وَالبَزَّارُ وَالحَاكِمُ وَالبَيْهَقِيُّ وَأَبُو نُعَيْمٍ في الحِلْيَةِ مِنْ حَدِيثِ عَامِرٍ بْنِ عَبْدِ اللهِ بْنِ الزُّبَيْرِ، عَنْ أَبِيهِ عَبْدِ اللهِ بْنِ الزُّبَيْرِ قَالَ: احْتَجَمَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ فَأَعْطَانِي الدَّمَ بَعْدَ فَرَاغِهِ مِنَ الحِجَامَةِ، وَقَالَ: «اذْهَبْ يَا عَبْدَ اللهِ فَغَيِّبْهُ».

فَذَهَبْتُ فَشَرِبْتُهُ ثُمَّ أَتَيْتُ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ لِي: «مَا صَنَعْتَ بِهِ؟» قُلْتُ غَيَّبْتُهُ، قَالَ: «لَعَلَّكَ شَرِبْتَهُ؟» قُلْتُ: شَرِبْتُهُ.

وَفِي رِوَايَةٍ: «اذْهَبْ بِهَذَا الدَّمِ فَوَارِهِ ـ أَيْ: أَخْفِهِ ـ حَيْثُ لَا يَرَاهُ أَحَدٌ».

قَالَ عَبْدُ اللهِ: فَذَهَبْتُ بِهِ فَشَرِبْتُهُ، ثُمَّ أَتَيْتُهُ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ.

فَقَالَ: «مَا صَنَعْتَ؟» أَيْ: بِالدَّمِ.

قُلْتُ: غَيَّبْتُهُ.

قَالَ: «لَعَلَّكَ شَرِبْتَهَ؟».

قَالَ: نَعَمْ.

قَالَ: «وَيْلٌ لَكَ مِنَ النَّاسِ، وَوَيْلٌ للنَّاسِ مِنْكَ».

وَفِي رِوَايَةٍ: فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ: «فَمَا حَمَلَكَ عَلَى ذَلِكَ؟».

فَقَالَ: عَلِمْتُ أَنَّ دَمَكَ لَا تُصِيبُهُ نَارُ جَهَنَّمَ، فَشَرِبْتُهُ لِذَلِكَ.

فَقَالَ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ: «وَيْلٌ لَكَ مِنَ النَّاسِ، وَوَيْلٌ للنَّاسِ مِنْكَ».

وَرَوَى الدَّارَقُطْنِيُّ في سُنَنِهِ عَنْ أَسْمَاءَ قَالَتْ: احْتَجَمَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ فَدَفَعَ دَمَهُ لابْنِي عَبْدِ اللهِ فَشَرِبَهُ.

فَأَتَاهُ جِبْرِيلُ عَلَيْهِ السَّلَامُ فَأَخْبَرَ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ: «مَا صَنَعْتَ؟».

قَالَ: كَرِهْتُ أَنْ أَصُبَّ دَمَكَ!.

فَقَالَ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ: «لَا تَمَسَّهُ النَّارُ».

وَمَسَحَ عَلَى رَأْسِهِ وَقَالَ: «وَيْلٌ لِلنَّاسِ مِنْكَ، وَوَيْلٌ لَكَ مِنَ النَّاسِ».

وفي سُنَنِ سَعِيدِ بْنِ مَنْصُورٍ مِنْ طَرِيقِ عَمْرِو بْنِ السَّائِبِ، أَنَّهُ بَلَغَهُ أَنَّ مَالِكَ بْنَ سِنَانٍ وَالِدَ أَبِي سَعِيدٍ الخُدْرِيِّ: لَمَّا جُرِحَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ في وَجْهِهِ الشَّرِيفِ يَوْمَ أُحُدٍ، مَصَّ جُرْحَهُ حَتَّى أَنْقَاهُ، وَلَاحَ ـ أَيْ: ظَهَرَ مَحَلُّ الجُرْحِ بَعْدَ المَصِّ ـ أَبْيَضَ.

فَقَالَ لَهُ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ: «مُجَّهُ».

فَقَالَ: وَاللهِ لَا أَمُجُّهُ أَبَدَاً! ثُمَّ ازْدَرَدَهُ ـ أَيْ: ابْتَلَعَهُ ـ.

فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ: «مَنْ أَرَادَ أَنْ يَنْظُرَ إلى رَجُلٍ مِنْ أَهْلِ الجَنَّةِ فَلْيَنْظُرْ إلى هَذَا».

فَاسْتُشْهِدَ ـ أَيْ: بِأُحُدٍ ـ.

وَرَوَاهُ الطَّبَرَانِيُّ أَيْضَاً، وَفِيهِ: قَالَ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ: «مَنْ خَالَطَ دَمِي دَمَهُ لَا تَمَسُّهُ النَّارُ».

قَالَ الهَيْثَمِيُّ: لَمْ أَرَ في إِسْنَادِهِ مَنْ أُجْمِعَ عَلَى ضَعْفِهِ. اهـ.

وَرَوَى سَعِيدُ بْنُ مَنْصُورٍ أَيْضَاً أَنَّهُ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «مَنْ سَرَّهُ أَنْ يَنْظُرَ إِلَى رَجُلٍ خَالَطَ دَمِي دَمَهُ فَلْيَنْظُرْ إِلَى مَالِكِ بْنِ سِنَانٍ». انْظُرْ المَوَاهِبَ وَشَرْحَهُ للزَّرْقَانِيِّ.

قَالَ العَلَّامَةُ القَسْطَلَانِيُّ: وَفِي كِتَابِ الجَوْهَرِ المَكْنُونِ في ذِكْرِ القَبَائِلِ وَالبُطُونِ، أَنَّ ابْنَ الزُّبَيْرِ لَمَّا شَرِبَ دَمَ حِجَامَةِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ تَضَوَّعَ ـ أَيْ: فَاحَ ـ فَمُهُ مِسْكَاً، وَبَقِيَتْ رَائِحَتُهُ مَوْجُودَةً في فَمِهِ، إلى أَنْ قُتِلَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ.

وَأَخْرَجَ الطَّبَرَانِيُّ عَنْ سَفِينَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قَالَ: احْتَجَمَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ: «خُذْ هَذَا الدَّمَ، فَادْفِنْهُ» حِفْظَاً مِنَ الدَّوَابِّ وَالطَّيْرِ وَالنَّاسِ.

قَالَ: فَتَغَيَّبْتُ فَشَرِبْتُهُ، ثُمَّ ذَكَرْتُ ذَلِكَ لَهُ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ، فَضَحِكَ.

قَالَ الهَيْثَمِيُّ بَعْدَمَا أَوْرَدَهُ: رِجَالُ الطَّبَرَانِيِّ ثِقَاتٌ. اهـ.

اللَّهُمَّ وَفِّقْنَا لِاتِّبَاعِ سَيِّدِنَا رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ. آمين.

**    **    **

تاريخ الكلمة:

الجمعة: 9/ محرم /1441هـ، الموافق: 28/ آب / 2020م