191ـ تبرك الصحابة بعصا النبي صلى الله عليه وسلم

191ـ تبرك الصحابة بعصا النبي صلى الله عليه وسلم

مقدمة الكلمة:

الحمد لله رب العالمين، وأفضل الصلاة وأتم التسليم على سيدنا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين، أما بعد:

فَيَا أَيُّهَا الإِخْوَةُ الكِرَامُ:

حَدِيثُهُ، أَوحَدِيثٌ عَـنْهُ يُطْرِبُني   ***   هَذَا إِذَا غَابَ، أَوْ هَذَا إِذَا حَضَرَا

كِـلَاهُمَا حَـسَنٌ عِـنْدِي أُسَرُّ بِهِ   ***    لَكِنَّ أَحْلَاهُمَا مَا وَافَقَ الـــنَّظَرَا

يَقُولُ الشَّيْخُ العَلَّامَةُ المُحَدِّثُ عَبْدُ اللهِ سِرَاجُ الدِّينِ رَحِمَهُ اللهُ تعالى في كِتَابِهِ: سَيِّدُنَا مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ:

تَبَرُّكُ الصَّحَابَةِ بِعَصَا النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ:

عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ سِيرِينَ، عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ، أَنَّهُ كَانَ عِنْدَهُ عُصَيَّةٌ لِرَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ فَمَاتَ ـ أَنَسٌ ـ فَدُفِنَتْ مَعَهُ بَيْنَ جَنْبَيْهِ وَقَمِيصِهِ.

ذَكَرَ ذَلِكَ صَاحِبُ التَّرَاتِيبِ الإِدَارِيَّةِ نَقْلَاً عَنْ جَمْعِ الجَوَامِعِ مَعْزُوَّاً للبَيْهَقِيِّ، وَابْنِ عَسَاكِرَ، وَنَقْلَاً عَنْ كَنْزِ العُمَّالِ.

رَوَى الإِمَامُ أَحْمَدُ في مُسْنَدِهِ عَنِ ابْنِ عَبْدِ اللهِ بْنِ أُنَيْسٍ، عَنِ أَبِيهِ عَبْدِ اللهِ بْنِ أُنَيْسٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قَالَ: دَعَانِي رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ: «إِنَّهُ قَدْ بَلَغَنِي أَنَّ خَالِدَ بْنَ سُفْيَانَ بْنِ نُبَيْحٍ يَجْمَعُ لِي النَّاسَ لِيَغْزُوَنِي، وَهُوَ بِعُرَنَةَ ـ مَوْضِعٌ قَرِيبٌ مِنْ مَكَّةَ ـ فَأْتِهِ فَاقْتُلْهُ.

قَالَ: قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللهِ، انْعَتْهُ لِي حَتَّى أَعْرِفَهُ.

قَالَ: «إِذَا رَأَيْتَهُ وَجَدْتَ لَهُ إِقْشَعْرِيرَةً» (في مَجْمَعِ الزَّوَائِدِ نَقْلَاً عَنِ المُسْنَدِ بِلَفْظِ: قُشَعْرِيرَة، وَهِيَ: تَقَبُّضٌ في الجِلْدِ وَتَجَمُّعٌ وَتَخَشُّنٌ كَالأَرْضِ المُقْشَعِرَّةِ مِنَ القَحْطِ)

قَالَ: فَخَرَجْتُ مُتَوَشِّحَاً سَيْفِي حَتَّى وَقَفْتُ عَلَيْهِ، وَهُوَ بِعُرَنَةَ مَعَ ظُعُنٍ يَرْتَادُ لَهُنَّ مَنْزِلَاً، وَحِينَ كَانَ وَقْتُ الْعَصْرِ، فَلَمَّا رَأَيْتُهُ وَجَدْتُ مَا وَصَفَ لِي رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ مِنَ الْإِقْشِعْرِيرَةِ.

قَالَ عَبْدُ اللهِ: فَأَقْبَلْتُ نَحْوَهُ، وَخَشِيتُ أَنْ يَكُونَ بَيْنِي وَبَيْنَهُ مُحَاوَلَةٌ تَشْغَلُنِي عَنِ الصَّلَاةِ، فَصَلَّيْتُ وَأَنَا أَمْشِي نَحْوَهُ أُومِئُ بِرَأْسِي للرُّكُوعِ، وَالسُّجُودِ، فَلَمَّا انْتَهَيْتُ إِلَيْهِ قَالَ: مَنِ الرَّجُلُ؟

قُلْتُ: مِنَ الْعَرَبِ سَمِعَ بِكَ، وَبِجَمْعِكَ لِهَذَا الرَّجُلِ فَجَاءَكَ لِهَذَا.

قَالَ: أَجَلْ أَنَا فِي ذَلِكَ.

قَالَ عَبْدُ اللهِ: فَمَشَيْتُ مَعَهُ شَيْئَاً حَتَّى إِذَا أَمْكَنَنِي حَمَلْتُ عَلَيْهِ السَّيْفَ حَتَّى قَتَلْتُهُ.

ثُمَّ خَرَجْتُ، وَتَرَكْتُ ظَعَائِنَهُ مُكِبَّاتٍ عَلَيْهِ.

فَلَمَّا قَدِمْتُ عَلَى رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ فَرَآنِي فَقَالَ: «أَفْلَحَ الْوَجْهُ».

قَالَ عَبْدُ اللهِ: قُلْتُ: قَتَلْتُهُ يَا رَسُولَ اللهِ.

قَالَ: «صَدَقْتَ».

قَالَ: ثُمَّ قَامَ مَعِي رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ فَدَخَلَ بَيْتَهُ فَأَعْطَانِي عَصَاً، فَقَالَ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ: «أَمْسِكْ هَذِهِ عِنْدَكَ يَا عَبْدَ اللهِ بْنَ أُنَيْسٍ».

قَالَ: فَخَرَجْتُ بِهَا عَلَى النَّاسِ.

فَقَالُوا: مَا هَذِهِ الْعَصَا؟

قُلْتُ: أَعْطَانِيهَا رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ، وَأَمَرَنِي أَنْ أَمْسِكَهَا.

قَالُوا: أَوَلَا تَرْجِعُ إِلَى رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ فَتَسْأَلَهُ عَنْ ذَلِكَ؟

قَالَ: فَرَجَعْتُ إِلَى رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ، فَقُلْتُ: يَا رَسُولَ اللهِ، لِمَ أَعْطَيْتَنِي هَذِهِ الْعَصَا؟

فَقَالَ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ: «آيَةٌ ـ أَيْ: هِيَ عَلَامَةٌ ـ بَيْنِي وَبَيْنَكَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ، إِنَّ أَقَلَّ النَّاسِ المُتَخَصِّرُونَ يَوْمَئِذٍ». (المِخْصَرَةُ بِكَسْرِ المِيْمِ مَا يَخْتَصِرُهُ الإِنْسَانُ بِيَدِهِ فَيُمْسِكُهُ مِن عَصاً أَو عُكَّازَةٍ وَقَد يَتَّكِئُ عَلَيْهِ).

قَالَ: فَقَرَنَهَا عَبْدُ اللهِ بْنُ أُنَيْسٍ بِسَيْفِهِ، فَلَمْ تَزَلْ مَعَهُ، حَتَّى إِذَا مَاتَ أَمَرَ بِهَا فَضُمَّتْ مَعَهُ فِي كَفَنِهِ، ثُمَّ دُفِنَا جَمِيعَاً. وَرَوَاهُ أَبُو يَعْلَى وَالبَيْهَقِيُّ.

وَرَوَاهُ الطَّبَرَانِيُّ مِنْ طَرِيقِ مُحَمَّدِ بْنِ كَعْبٍ القُرَظِيِّ وَفِيِهِ: فَأَعْطَاهُ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ مِخْصَرَةً ـ أَيْ: عَصَاً ـ كَانَ يَتَخَصَّرُ بِهَا رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ.

فَقَالَ لِعَبْدِ اللهِ: تَخَصَّرْ بِهَا حَتَّى تَلْقَانِي بِهَا يَوْمَ الْقِيَامَةِ.

فَوُضِعَتْ عَلَى بَطْنِهِ وَكُفِّنَ عَلَيْهَا وَدُفِنَتْ مَعَهُ. وَرِجَالُهُ ثِقَاتٌ.

اللَّهُمَّ وَفِّقْنَا لِاتِّبَاعِ سَيِّدِنَا رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ. آمين.

**    **    **

تاريخ الكلمة:

الجمعة: 23/ محرم /1441هـ، الموافق: 11/أيلول / 2020م