168ـ مهلًا يا طالب العلم

كلمة شهر صفر 1442

168ـ مهلًا يا طالب العلم (1)

مقدمة الكلمة:

الحمد لله رب العالمين، وأفضل الصلاة وأتم التسليم على سيدنا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين.

أما بعد، فَيَا أَخِي يَا طَالِبَ العِلْمِ، يَا أَيُّهَا الوَاعِظُ، يَا أَيُّهَا النَّاصِحُ، يَا أَيُّهَا الخَطِيبُ، يَا أَيُّهَا المُدَرِّسُ، يَا أَيُّهَا المُفْتِي، يَا مَنْ تُصْغِي إِلَيْكَ القُلُوبُ، وَيُنْصِتُ لَكَ السَّامِعُ، مَهْلًا، وَقِفْ مَعَ نَفْسِكَ قَلْيلًا.

أولًا: وَاللهِ لَوْلَا اللهُ مَا جُمِعَت القُلُوبَ عَلَيْكَ:

يَا أَخِي يَا طَالِبَ العِلْمِ، يَا أَيُّهَا الوَاعِظُ، يَا أَيُّهَا النَّاصِحُ، يَا أَيُّهَا الخَطِيبُ، يَا أَيُّهَا المُدَرِّسُ، يَا أَيُّهَا المُفْتِي، يَا مَنْ تُصْغِي إِلَيْكَ القُلُوبُ، وَيُنْصِتُ لَكَ السَّامِعُ، وَاللهِ لَوْلَا اللهُ مَا جُمِعَت القُلُوبَ عَلَيْكَ، اللهُ تعالى هُوَ الذي حَرَّكَ القُلُوبَ نَحْوَكَ بَعْدَ أَنْ عَلَّمَكَ، وَهُوَ الذي حَرَّضَ الأُمَّةَ عَلَى المَجِيءِ إِلَيْكَ، قَالَ تعالى: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا نُودِيَ لِلصَّلَاةِ مِنْ يَوْمِ الْجُمُعَةِ فَاسْعَوْا إِلَى ذِكْرِ اللهِ وَذَرُوا الْبَيْعَ ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ﴾. وَقَالَ تعالى: ﴿فَاسْأَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ إِنْ كُنْتُمْ لَا تَعْلَمُونَ﴾

ثانيًا: الوَعْظُ وَالإِرْشَادُ وَالنُّصْحُ وَالخُطْبَةُ وَالإِفْتَاءُ عِبَادَةٌ للهِ عَزَّ وَجَلَّ، وَلَا بُدَّ فِيهَا مِنَ الإِخْلَاصِ:

يَا أَخِي يَا طَالِبَ العِلْمِ، يَا أَيُّهَا الوَاعِظُ، يَا أَيُّهَا النَّاصِحُ، يَا أَيُّهَا الخَطِيبُ، يَا أَيُّهَا المُدَرِّسُ، يَا أَيُّهَا المُفْتِي، يَا مَنْ تُصْغِي إِلَيْكَ القُلُوبُ، وَيُنْصِتُ لَكَ السَّامِعُ، الوَعْظُ وَالإِرْشَادُ وَالنُّصْحُ وَالخُطْبَةُ وَالإِفْتَاءُ عِبَادَةٌ للهِ عَزَّ وَجَلَّ، وَلَا بُدَّ فِيهَا مِنَ الإِخْلَاصِ، قَالَ تعالى: ﴿وَمَا أُمِرُوا إِلَّا لِيَعْبُدُوا اللهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ حُنَفَاءَ وَيُقِيمُوا الصَّلَاةَ وَيُؤْتُوا الزَّكَاةَ وَذَلِكَ دِينُ الْقَيِّمَةِ﴾. وَبِالإِخْلَاصِ يَكُونُ الخَلَاصُ مِنْ نَارِ جَهَنَّمَ، روى الإمام مسلم عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ: «إِنَّ أَوَّلَ النَّاسِ يُقْضَى يَوْمَ الْقِيَامَةِ عَلَيْهِ رَجُلٌ اسْتُشْهِدَ، فَأُتِيَ بِهِ فَعَرَّفَهُ نِعَمَهُ فَعَرَفَهَا، قَالَ: فَمَا عَمِلْتَ فِيهَا؟ قَالَ: قَاتَلْتُ فِيكَ حَتَّى اسْتُشْهِدْتُ، قَالَ: كَذَبْتَ، وَلَكِنَّكَ قَاتَلْتَ لِأَنْ يُقَالَ: جَرِيءٌ، فَقَدْ قِيلَ، ثُمَّ أُمِرَ بِهِ فَسُحِبَ عَلَى وَجْهِهِ حَتَّى أُلْقِيَ فِي النَّارِ، وَرَجُلٌ تَعَلَّمَ الْعِلْمَ، وَعَلَّمَهُ وَقَرَأَ الْقُرْآنَ، فَأُتِيَ بِهِ فَعَرَّفَهُ نِعَمَهُ فَعَرَفَهَا، قَالَ: فَمَا عَمِلْتَ فِيهَا؟ قَالَ: تَعَلَّمْتُ الْعِلْمَ، وَعَلَّمْتُهُ وَقَرَأْتُ فِيكَ الْقُرْآنَ، قَالَ: كَذَبْتَ، وَلَكِنَّكَ تَعَلَّمْتَ الْعِلْمَ لِيُقَالَ: عَالِمٌ، وَقَرَأْتَ الْقُرْآنَ لِيُقَالَ: هُوَ قَارِئٌ، فَقَدْ قِيلَ، ثُمَّ أُمِرَ بِهِ فَسُحِبَ عَلَى وَجْهِهِ حَتَّى أُلْقِيَ فِي النَّارِ، وَرَجُلٌ وَسَّعَ اللهُ عَلَيْهِ، وَأَعْطَاهُ مِنْ أَصْنَافِ الْمَالِ كُلِّهِ، فَأُتِيَ بِهِ فَعَرَّفَهُ نِعَمَهُ فَعَرَفَهَا، قَالَ: فَمَا عَمِلْتَ فِيهَا؟ قَالَ: مَا تَرَكْتُ مِنْ سَبِيلٍ تُحِبُّ أَنْ يُنْفَقَ فِيهَا إِلَّا أَنْفَقْتُ فِيهَا لَكَ، قَالَ: كَذَبْتَ، وَلَكِنَّكَ فَعَلْتَ لِيُقَالَ: هُوَ جَوَادٌ، فَقَدْ قِيلَ، ثُمَّ أُمِرَ بِهِ فَسُحِبَ عَلَى وَجْهِهِ، ثُمَّ أُلْقِيَ فِي النَّارِ».

ثالثًا: قَبْلَ الوَعْظِ وَالإِرْشَادِ وَالنُّصْحِ وَالخُطْبَةِ وَالإِفْتَاءِ كُنْ مُلْتَزِمًا بِمَا تَقُولُ:

يَا أَخِي يَا طَالِبَ العِلْمِ، يَا أَيُّهَا الوَاعِظُ، يَا أَيُّهَا النَّاصِحُ، يَا أَيُّهَا الخَطِيبُ، يَا أَيُّهَا المُدَرِّسُ، يَا أَيُّهَا المُفْتِي، يَا مَنْ تُصْغِي إِلَيْكَ القُلُوبُ، وَيُنْصِتُ لَكَ السَّامِعُ، قَبْلَ الوَعْظِ وَالإِرْشَادِ وَالنُّصْحِ وَالخُطْبَةِ وَالإِفْتَاءِ كُنْ مُلْتَزِمًا بِمَا تَقُولُ، وَكُنْ عَلَى حَذَرٍ مِنَ التَّنَاقُضِ بَيْنَ القَوْلِ وَالفِعْلِ، حَتَّى لَا تَكُونَ سَبَبًا للشَّكِّ في دِينِ اللهِ تعالى، وَتَذَكَّرْ قَوْلَ القَائِلِ:

يَــا أَيُّـهَـا الـرَّجُـلُ الْـمُعَــلِّــمُ غَيْرَهُ   ***   هَـلَّا لِـنَـفْسِكَ كَانَ ذَا التَّعْـلِيمُ؟

تَصِفُ الدَّوَاءَ لِذِي السِّقَامِ مِنَ الضَّنَى   ***    وَمِنَ الضَّنَى تُمْسِي وَأَنْـتَ سَقِيمُ

لَا تَـنْـهَ عَـنْ خُـلُــقٍ وَتَـأْتِيَ مِـثْـلَـــهُ  ***   عَارٌ عَـلَيْــــكَ إِذَا فَعَلْتَ ذَمِيمُ

ابْــدَأْ بِـنَـــفْــسِـكَ فَـانْهَهَا عَنْ غَيِّهَا   ***   فَإِذَا انْتَهَتْ عَنْهُ فَأَنْتَ حَكِيــــمُ

هُـنَـاكَ يُـقْـبَـــلُ مَـا تَـقُـولُ وَيُقْتَدَى   ***   بِالْقَوْلِ مِنْكَ وَيَنْفَعُ التَّعْلِيـــــمُ

رابعًا: أَخِي الوَاعِظَ النَّاصِحَ الخَطِيبَ المُدَرِّسَ المُفْتِي، تَحَرَّ زَمَانَ وَمَكَانَ الوَعْظِ:

يَا أَخِي يَا طَالِبَ العِلْمِ، يَا أَيُّهَا الوَاعِظُ، يَا أَيُّهَا النَّاصِحُ، يَا أَيُّهَا الخَطِيبُ، يَا أَيُّهَا المُدَرِّسُ، يَا أَيُّهَا المُفْتِي، يَا مَنْ تُصْغِي إِلَيْكَ القُلُوبُ، وَيُنْصِتُ لَكَ السَّامِعُ، تَحَرَّ زَمَانَ وَمَكَانَ الوَعْظِ، لِأَنَّهُ لِكُلِّ مَقَامٍ مَقَالٍ، فَاسْتَغِلَّ وُجُودَكَ في المَسْجِدِ، وَكُلَّ لِقَاءٍ أَخَوِيٍّ، وَكُلَّ لِقَاءٍ أُسَرِيٍّ، وَحَوِّلْ هَذِهِ المَجَالِسَ إلى مَحَطَّاتٍ لِجُرْعَاتٍ إِيمَانِيَّةٍ، وَتَذَكَّرِ الحَدِيثَ الشَّرِيفَ الذي رواه الإمام مسلم عَنْ حَنْظَلَةَ الْأُسَيِّدِيِّ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قَالَ: لَقِيَنِي أَبُو بَكْرٍ، فَقَالَ: كَيْفَ أَنْتَ يَا حَنْظَلَةُ؟

قَالَ: قُلْتُ: نَافَقَ حَنْظَلَةُ.

قَالَ: سُبْحَانَ اللهِ! مَا تَقُولُ؟

قَالَ: قُلْتُ: نَكُونُ عِنْدَ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ، يُذَكِّرُنَا بِالنَّارِ وَالْجَنَّةِ، حَتَّى كَأَنَّا رَأْيُ عَيْنٍ، فَإِذَا خَرَجْنَا مِنْ عِنْدِ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ، عَافَسْنَا الْأَزْوَاجَ وَالْأَوْلَادَ وَالضَّيْعَاتِ، فَنَسِينَا كَثِيرَاً.

قَالَ أَبُو بَكْرٍ: فَوَاللهِ إِنَّا لَنَلْقَى مِثْلَ هَذَا.

فَانْطَلَقْتُ أَنَا وَأَبُو بَكْرٍ، حَتَّى دَخَلْنَا عَلَى رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ، قُلْتُ: نَافَقَ حَنْظَلَةُ، يَا رَسُولَ اللهِ.

فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ: «وَمَا ذَاكَ؟».

قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللهِ، نَكُونُ عِنْدَكَ، تُذَكِّرُنَا بِالنَّارِ وَالْجَنَّةِ، حَتَّى كَأَنَّا رَأْيُ عَيْنٍ، فَإِذَا خَرَجْنَا مِنْ عِنْدِكَ، عَافَسْنَا الْأَزْوَاجَ وَالْأَوْلَادَ وَالضَّيْعَاتِ، نَسِينَا كَثِيرَاً.

فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ: «وَالَّذِي نَـفْسِي بِيَدِهِ، إِنْ لَوْ تَدُومُونَ عَلَى مَا تَكُونُونَ عِنْدِي وَفِي الذِّكْرِ، لَصَافَحَتْكُمُ المَلَائِكَةُ عَلَى فُرُشِكُمْ وَفِي طُرُقِكُمْ، وَلَكِنْ يَا حَنْظَلَةُ سَاعَةً وَسَاعَةً» ثَلَاثَ مَرَّاتٍ.

فَالنَّاسُ في عَمَلِهِمْ وَاخْتِلَاطِهِمْ مَعَ بَعْضِهِمْ قَدْ يَضْعُفُ إِيمَانُهُمْ بِسَبَبِ الغَفْلَةِ، وَرُبَّمَا لَا قَدَّرَ اللهُ تعالى بِسَبَبِ المُخَالَفَاتِ، فَلْيَكُنْ لِقَاؤُكَ مَعَهُمْ لِشَحْنِ الإِيمَانِ وَتَجْدِيدِهِ.

خامسًا: كُنْ حَرِيصًا عَلَى صِحَّةِ اللُّغَةِ وَبَلَاغَةِ الحَدِيثِ:

يَا أَخِي يَا طَالِبَ العِلْمِ، يَا أَيُّهَا الوَاعِظُ، يَا أَيُّهَا النَّاصِحُ، يَا أَيُّهَا الخَطِيبُ، يَا أَيُّهَا المُدَرِّسُ، يَا أَيُّهَا المُفْتِي، يَا مَنْ تُصْغِي إِلَيْكَ القُلُوبُ، وَيُنْصِتُ لَكَ السَّامِعُ، كُنْ حَرِيصًا عَلَى صِحَّةِ اللُّغَةِ وَبَلَاغَةِ الحَدِيثِ، وَاعْلَمْ أَنَّ أَبْلَغَ مَا وُعِظَ بِهِ القُرْآنُ الكَرِيمُ وَالسُّنَّةُ النَّبَوِيَّةُ المُطَهَّرَةُ، لِأَنَّهُ مِنْ فَضْلِ اللهِ عَزَّ وَجَلَّ جَاءَا بِأَبْلَغِ أُسْلُوبٍ عَرَفَتْهُ البَشَرِيَّةُ، وَلَقَدْ أَوْصَى رَبُّنَا عَزَّ وَجَلَّ سَيِّدَنَا مُحَمَّدًا صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ بِقَوْلِهِ: ﴿وَقُلْ لَهُمْ فِي أَنْفُسِهِمْ قَوْلًا بَلِيغًا﴾.

وَتَذَكَّرِ الحَدِيثَ الشَّرِيفَ الذي رواه الترمذي عَنِ العِرْبَاضِ بْنِ سَارِيَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قَالَ: وَعَظَنَا رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ يَوْمًا بَعْدَ صَلَاةِ الغَدَاةِ مَوْعِظَةً بَلِيغَةً ذَرَفَتْ مِنْهَا العُيُونُ وَوَجِلَتْ مِنْهَا القُلُوبُ.

اللَّهُمَّ اجْعَلْ هَذَا الكَلَامَ حُجَّةً لِي لَا عَلَيَّ. آمين.

أَسْتَوْدِعُكُمُ اللهَ عَلَى أَمَلِ اللِّقَاءِ ثَانِيَةً في مَطْلَعِ الشَّهْرِ القَادِمِ إِنْ أَحْيَانَا اللهُ تعالى.

**    **    **

تاريخ الكلمة:

الجمعة: 1/ صفر /1442هـ، الموافق: 18/ أيلول / 2020م